في الوقت الذي تغيب فيه الإحصائيات الدقيقة في الجزائر.. أطباء يحذرون من ارتفاع حالات جنون ما بعد الولادة – الجزائر

في الوقت الذي تسجل العديد من مصحات التوليد في الجزائر، حدوث إصابات لدى النساء الوالدات بجنون ما بعد الولادة، وتغيب فيه الإحصائيات الدقيقة، يبقى العديد من المختصين في علم النفس يوجّهون دعوى لوزارة الصحة من أجل إدراج عامل التهيئة النفسية للقابلات لآداء دور نفسي داخل مصحات التوليد، لأنهن المتهمات رقم واحد في حدوث الأزمة.

"الجزائر" تقرّبت من المختصين في قسم الولادة والمختصين في علم النفس للتعرف أكثر عن "جنون ما بعد الولادة" والأسباب والظواهر والعلاج، خاصة وأنّ الكثير من الجزائريين خاصة الأزواج يجهلون هذا المرض.

هكذا يحدث جنون ما بعد الولادة

أكدت العديد من الأخصائيات في طب النساء والتوليد لـ"لجزائر"، أن العديد من النساء بنسبة تتراوح بين 60 إلى 80% يُصبن بتقلب مزاجي ملحوظ بعد الولادة، ففي لحظة يشعرن بالسعادة وأخرى يبدأن بالبكاء لأتفه الأسباب أو من غير سبب، ومن أعراض هذا الاضطراب المزاجي الخفيف المسمى (baby blues). ترى المختصات الشعور بالحزن الخفيف وصعوبة التركيز، فقدان الشهية وعدم القدرة على النوم حتى إذا كان الرضيع نائما، وتبدأ الأعراض ثالث أو رابع أيام ما بعد الولادة وتدوم حوالي عشرة أيام، وهذا الاضطراب المزاجي يحدث نتيجة صعود وهبوط مستوى الهرمونات في جسم المرأة بعد الولادة ومحاولة الجسم ضبط التوازن الهرموني.

ولكن بعض النساء يصيبهن اكتئاب متوسط إلى حاد بعد الولادة، ويستمر لبضعة أيام ويسمى باكتئاب ما بعد الولادة، ويصاب به حوالي (9 إلى 16%) من النساء عالمياً لكن لا توجد إحصائيات أو نسب مؤكدة للنساء في الجزائر حسب المختصين.

وفي السياق ذاته، كشف الدكتور رابح حسين عن وجود مرض جنون ما بعد الولادة أو ما يعرف بهلوسة ما بعد الولادة، حيث دعا الدكتور إلى توفير أخصائيين نفسانيين في مصالح التوليد من أجل مرافقة النساء الحوامل قبل وبعد الولادة، وأكد المتحدث أن عددا كبيرا من النساء يصبن بهلوسة ما بعد الولادة، حيث وبدون شعور تقوم بعضهنّ بتصرفات غير واعية ومنها حتى ما يؤدي إلى قتل الطفل الرضيع، ومنهن من تقوم بترك جنينها ورفض أخذه معها، وكلها حالات تندرج في هلوسة ما بعد الولادة. وقال المتحدث أن المستشفيات الجزائرية تلعب دورا في هذه الظاهرة، فبعض القابلات يقمن بالضغط على المرأة الحامل دون مساعدتها، وهو ما يسبب لها عاملا نفسيا خطيرا بعد الولادة، وقال المتحدث أن على وزارة الصحة إدراج عامل التهيئة النفسية للقابلات لأداء دور نفسي داخل مصحات التوليد، لتفادي الوقوع في حالات الهلوسة ما بعد الولادة والتي أصبحت تشكل خطرا حقيقيا، وقال الدكتور رابح حسين أن الزواج المبكر لدى الفتيات يعرّضهن أكثر لحالات الاكتئاب واحتمال إصابتهن بالهلوسة بعد الولادة، وقد يرتكبن جرائم قتل خطيرة.

"جنون ما بعد الولادة مرض مثل باقي الأمراض"

أكدت الدكتورة فضيلة سعادات، اختصاصية في علم النفس العيادي، أنّ اكتئاب ما بعد الولادة مرض مثله مثل مرض السكري والقلب وهو قابل للعلاج بالجلسات النفسية والمجموعات المساندة وأدوية طبية مثل الأدوية المضادة للاكتئاب، ومن أعراض اكتئاب ما بعد الولادة نجد الشعور بالحزن وهبوط الهمة لمدة أسبوعين متتاليين أو أكثر، فقدان الاهتمام بالنشاطات الممتعة سابقاً والشعور بالتوتر والقلق وفقدان الشهية، اضطراب التفكير مثل عدم القدرة على التركيز، الشعور بعدم الأهمية وتأنيب الضمير والنفور من الرضيع وعدم الرغبة بالاعتناء به، ورود الأفكار الانتحارية التي تشمل إيذاء النفس أو الرضيع، ومن المحتمل حسب الدكتور رابح حسين، أن يعانين بعض أمراض القلق في هذه الفترة مثل الوسواس القهري ونوبات الهلع.

ومن الأعراض النادرة، تؤكد الدكتورة أنّ أعراض الهلوسة والهذيان الذي تعاني منه (1 ـ 2%) من النساء ذوات اكتئاب ما بعد الحمل، تظهر في أغلب الأحيان خلال أسبوعين، وينتج عنه هلوسة سمعية وأفكار وهمية توحي للأم بأن أحداً ما يريد إيذاءها أو إيذاء طفلها ومن الممكن أن يؤدي الاضطراب الفكري إلى أن تؤذي نفسها أو طفلها، وحالات الانتحار عالية في هذه النسبة من النساء إذا لم يتم علاجهن.

الأطباء يؤكدون أنّ القلق من أسباب حزن ما بعد الولادة

وفي نفس السياق، يضيف الدكتور رابح حسين، أن أسباب حزن ما بعد الولادة تعود إلى اضطرابات هرمونية وتاريخ في العائلة يدل على أن الأسرة لديها قابلية للاكتئاب الوراثي وحالات سابقة من الاكتئاب والقلق لدى الأم، واضطرابات في العلاقة الزوجية، الأمومة في سن مبكرة، ضغوط أو صدمات نفسية سابقة وسوء التغذية، وجود صعوبات مادية وعدم وجود مساندة أسرية واجتماعية للأم.

مصلحة دريد حسين تستقبل 1000 إصابة بالذهان العقلي

وحسب ما علم لدى "الجزائر"، فإن مصلحة الأمراض العقلية بدريد حسين تستقبل سنويا 1000 حالة إصابة لأشخاص بالذهان العقلي، تمثل فيها فئة النساء حوالي 400 حالة، واستقبلت نفس المصلحة في 10 سنوات الأخيرة 4 حالات خطيرة لنساء أصبن بهذه الهلوسة فقتلن أولادهن بطرق مروعة، ومن بين 1000 حالة توجد 30 حالة لانهيارات عصبية تنتهي بالعلاج النفسي، وحسب مصادرنا فإن هذه الإصابات سجلت وسط نساء تعرضن لهلوسة ما بعد الولادة.

العلاج النفسي للظاهرة أهم علاج

تضيف الدكتورة فضيلة أنه في حال معاناة المريضة من أعراض اكتئاب طفيفة أو متوسطة، يمكن اللجوء إلى استخدام العلاج النفسي الفردي أو الجماعي، وبخاصة العلاج الإدراكي ـ السلوكي Cognitive-Behavioral، كذلك يمكن اللجوء إلى أسلوب جماعات الدعم التثقيفي النفسي Psychoeducational ، وهذه الأنواع من الأساليب العلاجية تقول الدكتورة إنّها مناسبة للأمهات اللواتي يرضعن أطفالهن ويرغبن في تجنب تناول الأدوية والعقاقير المضادة للاكتئاب.

وعن العلاج بالأدوية تقول محدثتنا "تستخدم الأدوية المضادة للاكتئاب في حالات الاكتئاب المعتدلة أوالشديدة، أو عندما لا تستجيب المريضة للعلاج النفسي، وكذلك يمكن الجمع بين العلاج النفسي والعلاج بالأدوية، أي يمكن استخدامهما معاً"، وتبقى الأدوية المضادة للاكتئاب حسب محدثتنا الاختيار الأول في علاج "اكتئاب ما بعد الوضع"، يلي ذلك استخدام هرمون الاستروجين بالتزامن مع مضادات الاكتئاب أو لوحده.

وعادة تبدأ الأم بالتحسن (تتلاشى أعراض الاكتئاب) بعد تناول الأدوية المضادة للاكتئاب خلال فترة تتراوح بين أسبوعين وثلاثة أسابيع، لذلك يمكن استخدام الأدوية المضادة للقلق مثل "كلونازبام" و "لورازبام" Lorazepam إلى حين بدء مفعول Clonazepam الأدوية المضادة للاكتئاب، وخصوصاً في حال معاناة الأم من الأرق والقلق.

غير أن التحسن الكامل تقول الدكتورة "قد يحدث بعد شهرين من بدء تناول الدواء، ويجب أن لا ننسى دائماً أن الدعم والحب والحنان المقدم من أهل المريضة، وخصوصا الزوج يلعب دورًا كبيراً في تسريع التحسن"، وفي حال كون هذه هي المرة الأولى التي تعاني منها الأم من "اكتئاب ما بعد الوضع"، فإنه يجب الاستمرار في العلاج لمدة تتراوح بين سبعة أشهر و 13 شهراً، وفي حال كانت الاستجابة للعلاج جزئية، فإنه من الممكن زيادة جرعة الدواء وتضيف أنه في حال كان الاكتئاب من النوع المتكرر والشديد، يجب الاستمرار في تناول الدواء لمدة أطول من ذلك بكثير، وهذه تحدد من قبل الطبيب المعالج.

وتعطى الأولوية للأدوية المضادة للاكتئاب التالية: "فلوكسيتين" Fluoxetine و"سيرترالين" Sertraline و "باروكسيتين" Paroxetine و Citalopram و Escitalopram.

إلى كل النساء الحوامل

إذا شعرت أنك تعانين من اكتئاب ما بعد الولادة يجب أن تحاولي إيجاد استشاري في الصحة النفسية أو التخاطب مع طبيبك الخاص عن الأعراض التي تعانين منها قبل أن تصبحي قاتلة.

Leave a Reply