ما بعد الحداثة والأبعاد السياسية لعلم النفس النسوي

Postmodernity and the politics of feminist psychology
ALEXA HEPBURN
ترجمة ومراجعة
د.حارث محمد حسن
د.باسم علي خريسان
خلاصة:
  ان هذه الدراسة تستطلع تطور الفرضيات التي تدعم الاعتقاد بأن الرؤية النظرية ما بعد الحداثية يمكن ان تعني التحليل النسوي النقدي. وهذه الرؤية وضعت في أطار علم النفس النسوي ، حيث هناك عام بعيدا عن ما يعرف بالمنظورين النظري والتحليلي المابعد حداثي. وترى هذه الدراسة بدلاً من ذلك، ان بامكان الرؤى ما بعد الحداثية أن تساعد في تحديد البنى اللغوية للإقصاء المستخدمة لخدمة الأيديولوجيات الأبوية.
 المقدمة:
   في مركز النقاشات الكثيرة الخاصة بالنسوية تقع مسألة ما اذا كان المنهج النسوي بحاجة الى أن يتأسس على شكل من الخصوصية الجنسية او (( حقيقة)) الأنثى (الجسد) اذا كان عليه ان ينطلق من تطبيق نقدي؟ سياسي. وعلم النفس النسوي غير مختلف: وفي مجموعة المقالات الصادرة باسم ( النسوية والخطاب) يعبر الكثير من المساهمين ، وكذلك المحرران (سو ويلكنسون وسيلياكيتزنفن )عن  قلقهما تجاه صعوبات اعتناق صوت سياسي نسوي نتيجة التحول النسبوي  ما بعد الحداثي المتضمن في تحليل الخطاب. وكرد على هذه النقاشات ، تعتقد الدراسة ان المنظور التحليلي ما بعد الحداثي ليس متعارضاً تماماً مع الموقف النسوي النقدي، وتقدم وجهات نظر نظرية في دعم ذلك. والهدف هو البرهنة على ان رؤية ما بعد حداثية قوية ، في السماح لنا بتحسس اكبر تجاه بنى الإقصاء التي خدمت  الايدولوجيا الأبوية، يمكن ان تكون شرطاً مسبقاً لأنواع معينة من التعهد النسوي.
   وفي تطويرها لأراء تدعم المنظور النسوي ما بعد الحداثي في علم النفس، تعود هذه الدراسة الى (الأسس) في مناقشة فلسفة  ما بعد الحداثة-أعمال ليوتار حول ما بعد الحداثة ، ودريدا حول التفكيكية . يتبع ذلك مناقشة لصلة هذه الأعمال بالفكر النسوي  عموما ، مع تركيز خاص على استخدام( جوديث بوتلير) للتفكيكية. ثم تطبق الدراسة هذه التحليلات على القضايا والنقاشات الجارية حالياً في علم النفس النسوي. والقول ان ثنائيات مثل الواقعية  والنسبية ، وتصنيف الأشكال ما بعد الحداثية للتحليل باعتبارها ((نسبية)) ولذلك فهي سياسة، تساعد في تكرار نفس التأكيدات المنظمة وفق المنطق الثنائي الذي خدم في خلق إقصاء النساء، وبالتالي ابرز الحاجة الى الحركة النسوية. واذا كنا نسعى الى تأسيس ادعاءاتنا النسوية على نوع من التقويم الواقعي ،فإننا قد نجد- تماشياً مع التحذيرات النسائية ما بعد الحداثية- ان تجذرنا في المادية قد تشكل ذاته  من خلال إقصاء وانتهاك النسوية.
  ومن أجل توضيح هذه المزاعم،تقع هذه الدراسة في ستة أقسام، يتناول القسم الأول الآراء التي قدمها ليوتار وآخرون فيما يخص احتمالية الموقف السياسي ما بعد الحداثي،والثاني يدرس أهمية التفكيك في تطوير ذلك، ويركز القسمان الثالث والرابع عن الاستخدامات المحتملة للتفكيكية في الفكر النسوي عموماً، وعلم النفس النسوي بشكل خاص، ويحاول  القسم الخامس شرح فائدة بعض الرؤى ما بعد الحداثية التي صورناها مسبقاً. ويجمع القسم الأخير الفرضيات الأساسية التي طورتها الدراسة.
أولاً: سياسات ما بعد الحداثة:
  سيدرس هذا القسم أمكانية تطوير موقف سياسي ما بعد حداثي، كطريقة للاشتراك  مع المواقف التي ترى في مقولة ان النسبية متضمنة في المناهج ما بعد الحداثية كنوع من التضاد للأهداف السياسية النسوية .الأول من الضروري ان ندرس استخدام مصطلح (( ما بعد الحداثة)) ،ورغم  ان هناك مشاكل كثيرة في تحديد ما بعد الحداثة، فان بامكاننا ان نتساءل بدلا من ذلك عن (( ما تفعله)) ما بعد الحداثة، ماهي وظيفتها ،ان ما بعد الحداثة تساعد غالباً في جمع كتاب معينين مثل بوتلير، فوكو ، در يدا( الذين قد لا يكونون سعيدين لذلك)ربما بسبب مواقفهم المعادية للمؤسسة والمعادية للواقع كما يزعم.
  بوتلير (1995) يقترح ان ما بعد الحداثة تستحضر غالباً كمصطلح جامع لكافة المناهج التي تنقلب على الاهتمامات الحداثية المهمة مثل (( الجهد الهادف لدعم العمليات الأساسية، وللتأسيس لفكرة ان أي نظرية للسياسية تتطلب ذاتاً)).وقد استخدم المصطلح غالباً  في نصوص علم النفس النقدي والنسوي مشابهة للتحذير من مخاطر التخلي عن السياسات من خلال التخلي عن الذات، أو الواقعي، أو أي شكل من التأسيس ( مثل باركر 1988، سمبسون 1990، بورمان 1990، جيل 1995). ولكن وفقاً  لمنظرين مثل جيرغين (1994) ، يجب ان لانفهم ما بعد الحداثة باعتبارها مجرد (( خطاب شمولي)) أخر، بل  كـ(دعوة للانعكاسية))، وهي طريقة الرؤية الحقائق، والذوات، بصورة محلية، وقتيه،سياسية.
  لذا،بدلاً من الوقوع من مساءلة ذاتية الدلالة حول ما اذا كانت الذات او الحقيقة أشياء موجودة، يمكننا ربما ان نتساءل ما الذي تحققه مثل هذه التحذيرات حول ما بعد الحداثة؟ وموقع الادعاءات ما بعد الحداثية باعتبارها غير سياسية؟ هل هناك شيء اسمه ادعاء غير سياسي؟ ربما تخدم هذه الأسئلة في وضع ادعاءات أنصارها باعتبارها (( ملاءمة سياسياً ))،لضمان أنواع  معينة من الفعل السياسي على حساب غيرها. وربما يمكن لمقولات مثل (( ان ما بعد الحداثة تصير بلا معنى بدون توجه سياسي)) (سيمون وبيلج 1994) ان تتحفز من خلال التزام ضمني لنوع معين من السياسيات. لكن عندما، ما الذي يمكن السياسات ما بعد الحداثة ان تشابهه؟.
  تنطلق  أحدى الآراء المدافعة عن السياسات ما بعد الحداثية من التفكير في جوانب عمل ليوتارد. فالحداثة هي مصطلح يستخدمه لتصنيف أي علم يمنح الشرعية لنفسه أشارة الى .. انجذاب واضح نحو سردية شاملة معينة، مثل دياليكتيكيات الروح، وتأويلات المعنى، وتحرير الذات العقلانية او العاملة، او خلق الثروة، وفقاً لليوتارد ، تظهر المشاكل  الأساسية لما بعد الحداثة من اثنتين من خصائصها التمايزة: تطلبها لسردية ماورائية (ميتاسردية)، وحاجتها لامتلاك تمثيل قابل للتواصل للواقع. ان فشل المعرفة والعقلانية العلمية الحداثية في تحقيق مكانة الميتادولوجيا النهائية، وما ينتج عن ذلك من (( تشكل تجاه الميتاسرديات)) و(( أزمة التمثيل )) قاد الى عدم قناعة متنامية تجاه الحداثة، وهو ما أدى الى أنتاج (( الظرف ما بعد الحداثي)).( ليوتارد 1984).
 ان الميتاسرديات  تنظم قصصاً وسرديات تخلق اتحاداً للأفكار والميتادولوجيات التي قد تستخدم  لفهم كافة نواحي العالم الاجتماعي ، مثلاً، يوجد في المؤسسات السياسية والاجتماعية(( أنظمة أحادية)) تستند على فكرة أساسية، متجذرة في ميتاسردية لما يشكل الحياة ( الجيدة )) او ((العادلة)). وتفترض أساطير التنوير ان الانعتاق الحقيقي لايمكن ان يتحقق الا من خلال تطبيق العقلانية على الأفكار القابلة  للايصال. ان حداثيين مثل  هابرماس(1990).  بقوا ضمن هذا السياق، وهم يسعون الى الانعتاق في أجماع كوني، خلقه التواصل العقلاني  والديالكتيك. واحد الأفكار الأساسية المأخذ  من عمل ليوتارد تتمثل في قضية كيفية العمل ضمن ميتاسردية ، بنقطة دلالة ثابتة، تقودنا الى شرعنة رأينا فيما يخص هذه الميتاسردية كأن يبدو ان لدينا حيز ما قبل منطقي للانجذاب اليه كطريقة لاسناد رأينا.
 ويعتقد ليوتارد ان هذه السمات المتمايزة للحداثة- الميتاسرديات وديالكتيك التمثل الواقع – عملت كقوى غير حساسة تجاه الاختلافات، وبالنتيجة هي قوى قمعية اقصائية والبنى السياسية، بشكل خاص،أساءت التكيف مع الطيعة الانتقائية والتفكيكية للظرف مابعد الحداثي ، ونتيجة لذلك،  أصبحت العديد من المجموعات والنظم العقائدية مهمشة. ان ما الحداثة تدمج وتنظم الرغبة بمعيار شرعي معين وهذه التأكيدات تعيد أنتاج (( العنف تجاه الأخر))،وتهميش قطاعات معينة من السكان، كالنساء والأطفال والأقليات الاثنية- مما يقود الى عجزها. ان عنف التأكيدية يحرك بشكل دفاعي وشفاف ،سلطة يمكن ان تستخدم بدون الإقرار بذلك . وينتج ذلك ان التحليل ما بعد الحداثي لخطاب المشاركين،في حساسيته  للطرق التي يمكن  ان  تعتمدها السلطة عبر الميتاسرديات،يمكن ان يعطينا كنسويين الأدوات التي نحتاجها لتحدي القصص الكبرى التي تنظم حياتنا. ويمكن للتحليل ما بعد الحداثي ايضا ان يظهر لنا الطرق التي تقم فيها التمثلات العقلانية التقليدية للحقيقة، ظهور سلطتها المنطقية.
 ومن منظور ما بعد حداثي، فان التأكيدات ما بعد الحداثة تتشكل كقاعدة ضرورية للادعاءات السياسية هي أيضا القوة التي تنشط ضد الهدف المصرح به،غالباً في تشكيل نوع من الانعتاق عن القمع من خلال الفعل السياسي.ورغم ذلك فان الافتراض الذي يصطنعه ناقدوا سياسات ما بعد الحداثة هو ان الفعل السياسي والتغير الاجتماعي لايمكن الإبقاء عليهما الا من خلال تفعيل نوع من الحقيقة ما قبل المسلمة او الميتاسردية – المشكلة التي ندركها مع ما بعد الحداثة هو انها تتضمن غالباً موقفاً نقدياً يتجه نحو التأكيدات الجازمة،مثلا، ((ان الابتعاد عن التأسيسية ،والشكوك تجاه ادعاءات الحقيقة، هو في نفس الوقت، ابتعاد عن السياسات). او إعلان (سيمونز وبيلليج الابكر)،(( ان ما بعد الحداثة ليت شيئاً بدون اتجاه سياسي)).
  وعند التفكير في أطار الأنموذج ما بعد الحداثي، قد نتساءل ما اذا  كانت نسوية ما بعد الحداثة (( وتقطع الفرع.. الذي تجلس عليه في نفس اللحظة التي تتجه فيها نحو الاستيلاء على المنشار في المقام الأول))، وبكلمات  أخرى من خلال رفض تحديد نوع من الأنوثة بطريقة واضحة ومحددة، يمكن لنسوية ما بعد الحداثة ان تتهم بإقصاء الانثوية المتأسسة سياسياً للطفل الرضيع خارجاً... ان منهج ما بعد الحداثة تجاه هذا النوع من المشاكل سيكون التساؤل طفل مَن نُتهمم بنبذه- أي القول، أي نسخة من السياسيات والأنثوية تسند هذه الرؤية؟.
 من بين مجموعة المواقف  المنتقدة لما بعد الحداثة، هناك دعوة عامة لنسخة ملطفة لها، يكون من الممكن فيها تحديد نقاط دلالة ثابتة، او ميتاسرديات ذات مرجعية ذاتية. ان هذه الميتاسرديات تعطينا معياراً للتأكيد مثلاً، ان هناك أشياء تمس( نساء)، ولذلك لدينا هوية سياسية موحدة نجتمع حولها. واحد طرق المضي عبر هذه النقاشات المعقدة، وبالتالي توضيح أهدافنا النقدية، هو التفكير بنواحي تطوير جاك دريدا للتفكيكية .
ثانياً:دريدا والتفكيكية.
 تحتل التفكيكية مكانة مركزية تطور الفكر ما بعد الحداثي وما بعد البنيوي. ان أي منهج نقدي او دفاعي تجاه ما بعد الحداثة يحتاج الى استيعاب مضامين التفكيكية ، سواء فيما يخص السياسية او التحليل. اذن ما الذي تعنيه التفكيكية بشكل دقيق؟ ان دريدا سيقاوم الإجابة على هذا النوع من التساؤلات: (( ان كل العبارات من نوع ( التفكيكية تعني كذا) او ( التفكيكية لا تعني كذا) هي سوء فهم أساسي)). وهناك طريقة أفضل لوصف التفكيكية هي التوجه النقدي نحو التساؤل ( ما معنى كذا). ان دريدا يريد ان يفكك أي نص يماثل بين الحقيقة والوجود او اللوغوس الذي يفضل الصوت على الكتابة ، والذي  من أشكال الاختلاف.
  واذا كانت التفكيكية  تستخدم حتماً لغة الميتافيزيقا، فانها تحدد الطريق نحو قلب منطق الميتافيزيقا ، ولان التفكيكية تتطفل على ثوابت النصوص الميتافيزيقية ، فبمكن اعتبارها الاسم الذي أعطي للاستراتيجيات والتكتيكات المحتملة التي تبرز الانقطاعات المحتملة الموجودة اصلاً ضمن النص. وهذه النقطة مهمة-ويبدو ان العديد من الكتاب النقديين في علم النفس يعتبرون التفكيكية  كنهج ما قبل مُسلم يتم جلبه الى نص معين ، بينما اعتبر اخرون التفكيكية بمعنى حل التشكلات القائمة، والتفكيكية  من منظور دريدا أكثر رقة ،لانها تتضمن انفتاحاً نحو  الطرق التي يناقض فيها نص ما نفسه او يقلب منطقة. ان هذه الفرضيات في الانعكاسية والقلب ترتبط بفكرة الحركة المزدوجة (التي تبنتها جوديث بوتلير). بمعنى  انه لا يفترض ان بامكاننا اللجوء الى حقيقة ما مستقلة عن تمثلاتنا لها. ان من المهم لأي منهج يريد ان يتحدى الوضع القائم ان يعمل بشكل انعكاسي وانقلابي ضمن التشكيلات القائمة.
  لكن  ما هي  هذه النصوص الميتافيزيقية التي يريد دريدا ان يفككها؟ ان الميتافيزيقيا تطرح أسئلة فلسفيه كبيرة حول طبيعة الحقيقة، والمعرفة، ووجود الله، وما الى ذلك.وفي سعيها لأجوبه لهذه الأسئلة، تتطلع الميتافيزيقيا الغربية تقليدياً للمبادئ الأساسية التي تستند عليها. لقد انتظمت الميتافيزيقيا من خلال الدوافع  للبحث عن أصل نهائي او لوغوس-وهو ما يمكن ان يعني المنطق،والعقل، والله،... ويدعو دريدا هذه الحاجة لحقيقة مركزية (لوغوسينترزم )، وطور التفكيكية كطريقية لتمزيقها، وليظهر لنا كيف يمكن للنصوص ان تناقض نفسها، ومساءلة الافتراضات الميتافيزيقية. وبذلك فان التفكيكية  تقلب الأشكال التقليدية للفهم، بدون التظاهر ان بامكانها ان تخطو تماماً خارج هذه المفاهيم التقليدية: ان التفكيكية تعمل ضمن تقليد معين من أجل ان تقلب هذا التقليد.وهي تتضمن التفكير نقدياً عبر النصوص الميتافيزيقية التي تنظم حياتنا بدلاً من الخروج عنها غير قابل للتصديق.
  ومن الأشياء الأساسية للنصوص الميتافيزيقية ، وبالتالي للتفكيك ، الثنائيات التي يمكن لعناصرها ان تعطي قيم ايجابية او سلبية اعتماداً على قدرتها على تجسيد اللوغوس او الحقيقة. ويمكن لمصطلح هامشي ، يحظى بقيمة سلبية، ان يظل يشكل المفاهيم و الأفكار المهيمنة في النص. وتسعى التفكيكية الى استعادة هذا المصطلح المستبعد  ويتضمن ذلك تحديد ثنائيات معينة، مثل العقل /الجسد ، الذكر/الانثى،الخطاب/ الكتابة، بعض الثنائيات المهيمنة/ التابعة الكلاسيكية التي نظمت تقدم الفكر الغربي.
 وتظهر التفكيكية كيف يمكن لـ(( الجانب)) المهمش ان يحظى بالألوية على الجانب المهيمن ، ويسمح للمعنى بأن يظهر من ما يدعوه دريدا ((الأشياء غير المقررة))... وللتبسيط،فان مبدأ اللاتأكيدية يتم احتضانه من حيث استبدال المنطق الثنائي بـ(( منطق التكميلية)) الذي يتألف من تشكيلية ( كلا) و(لا ولا). (( ان التكميلية بمنطق التكميلية  ليس حضوراً  ولا هي غياب. ولايمكن لاي انطلوجيا ان تفكر بعمليتها)). ان مجيء دريدا بمنطق التكميلية يقلب المنطق الثنائي الذي ينظم تشكلاتنا بطرق منطقية التمركز.
  لذلك فان التفكيكية توضح الطريق نحو حركة أكثر حرية- أنها ليست ببساطة تفكيك او شرذمة البنى كما يفترض غالباً. وتلتقط ( جوديث بوتلير ) هذه النقطة جيداً ، ان تفكيك الذات ليس نقصاً أو نبذاً للمفهوم، بل على العكس، تنطوي التفكيكية على القول  أننا نعلق كل التزاماتنا التي يشير أليها مفهوم (الذات)) ونفكر بوظيفتها اللغوية من ناحية دمج أو الغاء السلطة ، لذا ، من اجل ان تحظى بفهم تفكيكي لمصطلح ((النسبوية)) مثلاً، سنحتاج الى ان نعلق التزامنا لما أشار اليه المصطلح تقليدياً او نركز بدلاً من ذلك على الكيفية التي يستخدم فيها المصطلح. وتوضح (بونلير )الطريقة التي يمكن للتفكيكية فيها ان تهيئ لإعادة النشر، بدلاً من قبولها او نقضها ببساطة . اننا ما نزال محاطين بمصطلحات مثل (نسائي) و( مرأة)وبدلاً من قبولها بشكل أعمق او التظاهر ان بامكاننا ببساطة ان نتخلى عنها ، فإننا بحاجة الى استخدامها بشكل معكوس ، وان نكون حساسين تجاه المفاهيم والأطر التي تساق فيها بشكل تعسفي . وبدلاً من ان نقبل بمعنى معين  باعتباره الشكل المعرف للانثوية ،والهوية التي علينا ان نحتشد حولها ، فأننا بحاجة الى ان نصبح أكثر انفتاحاً للطرق المختلفة التي يمكن للانثوية ان  تعرف بها لنا ومن قبلنا ، بطرقة مختلفة واطر مختلفة، لتحقيق أشياء مختلفة. ان التفكيكية  تزيد حساسيتنا تجاه وظيفة المصطلحات، من خلال تحريرها ليتم تعبئتها بطرق بديلة ،وفي محاولات نقدية وسياسية بديلة، وعندما يمكننا ان نذهب الى القول بأن التفكيكية، رغم استحضارها لنسبية متطرفة، يمكن ان تعتبر بمعنى أخلاقي ما ((مسؤولية تجاه الأخر)) او انها تظهر  باعتبارها (( متوافقة مع الالتزام النسوي تجاه العمل التحريري او التفويضي)).
  ان للتفكيكية ميلها الى جعل الأشياء نسبية والبرهنة على ان الثبات الذي يستحضره النص يتم تنظيمه من خلال خصائص البنيوية –كالمنطق الثنائي- بدلاً من الاستدلال من خلال (( حقيقة)) ما فوق موضوعية.لذلك فان التفكيكية تقلب الميتافيزيقيا من خلال إدخال مصطلحات لايمكن لمنطق (كلا، او ) ان يتعامل معها. وكما هو الحال مع أعمال ليوتارد، فان هناك دافعا ضد الادعاءات التي تنطوي على شرعية ذاتية تجاه التأكيدية او الحقيقة، لذلك، فان الرأي هو ان أي نص يحتوي في ذاته على قدرة نقض نفسه. وهذا النقض يتضمن تعليقنا للإلزام تجاه معنى مصطلح معين، واستبداله بالحساسية تجاه الطريقة التي يتشكل منها المعنى، وكذلك استكشاف الوظيفة التي قد يخدمها هذا الشكل. انه نقض راديكالي ولا يقينية ، وبالتالي خاصية لما بعد الحداثة، التي وجد فيها نسويوا ما بعد الحداثة تقصيراً ويمكن ان يجدوها تحريرية.
ثالثاً:ما بعد الحداثة والنسوية.
 هذا القسم يدرس ويوضح الحجج المريدة والمعارضة للمنهج النسوي . ولأغراض الوضوح اللغوي والقيمة البيداغوجية ، سنستخدم تصنيفات خطيرة ومثيرة للجدل مثل (( الحداثة)) و ((ما بعد الحداثة)). وبالنسبة للنسويين في التقليد الحداثي، تتضمن النسوية ((أيديولوجية ذات طبيعة أنثوية أو ماهية أنثوية يعاد صياغتها من قبل النسويين أنفسهم في جهد لإعادة الشرعية للسمات الأنثوية التي تم الحط من قيمتها)). ويدعو (( الكوف)) هؤلاء بـ(( النسويين الثقافيين)). لكن بالنسبة لنسويين ما بعد الحداثة تكمن المشكلة في استجابة نسوية الحداثة  هو انها تفتقد الى الطريقة التي يعمل فيها القمع.. أنها لا تنتقد الإلية الأساسية للسلطة القمية والمستخدمة لادامة النزعة الجنسية ولإعادة استحضار تلك الآلية مع حلها المفترض . ان إلية السلطة التي اشرنا أليها هنا هي تشكيل الذات بخطاب يصنع المعرفة والسلطة بشكل بنية قسرية... ومن خلال السعي للاحتشاد حول هوية نسوية أساسية ما ، فان نسوية ما بعد الحداثة تواجه خطر الضياع بالمعنى الذي بصيغه فوكو الذي تتشكل فيه الهوية عبر فضاء عميق ومنظم.لذلك نحتاج الى ان نتخذ خطاً تفككياً  لمحاولة فهم  استخدام فكرة (( الهوية النسوية الأساسية)) ، بدلاًٍ من القبول بها كمسلمة.
 وهذه البنية الدلالية هي مرتكز للأطر القمعية التفكيكية. واستجابة لهذا النقد ، فان النسويين الحداثيين يشيرون الى حقيقية ان النساء أُقصين لقرون من مكانة الذات ، وظل النظر اليهن باعتبارهن ناقصات. وهم يعتقدون انه من اجل اكتساب صوت سياسي قوي يحتاج النسويون الى الابتعاد عن الشرك ما بعد الحداثي الذي سينكر علينا لغتنا وتجاربنا. ولتطور رد تفكيكي على هذه الحجة، تطرح ( بيغي كاموف) التحدي التالي: ((اذا تركت  النظرية النسوية نفسها منقادة الى مسائل  مثل ماهي لغة المرأة ،وأدبها، وتجربتها، فمن اين تحصل على معتقدها.. ان لم يكن من نفس المستودع المركزي الذي يجهز الإنسانية بالحقيقة الكونية للإنسان؟. فهل ستفعل أي شيء أكثر من أعادة  أنتاج بنية إقصاء المرأة بنفس الصيغة التي توسعت لتتضمنها؟. ومجدداً هناك قلق بين نسويي ما بعد الحداثة من ان  الثبات الذي يبقي((لغة، وأدب ،وصفية او تجربة)) النساء،حصراً على النساء، ينظم التفسيرات الإنسانية-الميتاسردية التي تدفعنا للبحث عن حقائق كونية في أنفسنا. بدلاً من ذلك، ستسعى نسوية ما بعد الحداثة الى استبدال الأفكار الأحادية حول الهوية بمجموعة ما بعد حداثية أكثر سيولة (( بمفاهيم تعددية ومعقدة عن الهوية الاجتماعية، ومعاملة الجنس الأخر كسمة بين مجموعة سمات أخرى  تشمل أيضا الطبقة والعرق والاثنية والعمر والاتجاه الجنسي)).. ان الجدال النسوي ينقسم بين الجانب الحداثي الذي يصر على ان النسوية ليس لها معنى بدون مصطلح المرأة، والجانب ما بعد الحداثي الذي يحذر من  مخاطر التبني غير الانعكاسي لمصطلحات مثل المرأة،ظلت تحتل دوراً مركزياً في قمعنا المتواصل.
 وباستعارة مصطلح دريدا ، تؤكد ((بوتلير)) على أهمية نوع الحركة المزدوجة. التي تسمح للنسويين امتلاك الهوية السياسية والاعتراف ، وتحافظ بنفس الوقت على الضرورة البنائية بحيث تكون هذه النوعية من الهوية مفتوحة بشكل دائم للتفحص وإعادة القراءة وهي تؤكد أيضا على أهمية تطوير تعددية مع المواقع الانتمانية ،بدلاً من ادعاء هوية واحدة تجري التعبئة حولها.
رابعا: ما بعد الحداثة وعلماء النفس النسويين.
 يرى ليوتارد ان التحليل ما بعد الحداثي يمكن ان يزيد من حساسيتنا للقصص التي تؤخذ كمسلمات  او ميتاسرديات تنظم حياتنا.والتأكيد على التنوع يمكننا من التحلي بحساسية اكبر للطريقة التي تنشط فيها الخطابات القمعية.. ان القدرة على خلق الثبات حول ما الذي ((يشبهه)) الناس، وهي جزء من القوة القمعية للعلم النفس ، وترتبط برأي (كاموف) حول مدى  أمكانية  الثنائية التوقف عن أعادة أنتاج (( بنية الإقصاء للمرأة بنفس الصيغة التي تتسع لتحتويها، والصيغة هنا هي الحاجة لتنظيم أجندتنا النسوية حول(( هوية واحدة)).
kressian@yahoo.com

Leave a Reply