علم نفس الفساد

كيف تكون فاسداً؟ سؤال يداهم الخاطر كلما ارتفع صوت الشارع مطالباً بإلقاء القبض على رموز الفساد ومحاكمتهم، واسترجاع الأموال العامة التي سرقوها أو زرعوا بذور التسيب والنهب والخراب في هذه الدولة.. كيف تكون فاسداً؟ يحتاج الأمر إلى مضمار متخصص لإتقان هذا الكار الكريه..
من يقرأ سيرة الفساد في بلدنا سيقف على متلازمة مذهلة مع تاريخ تكوين البلد مثل نبات متسلق تجذّ منه ما تستطيع وفي ظنك انك قضيت عليه لكنه يعود فينمو متسارعاً مثل الخلايا السرطانية التي تهاجم الجسم بلا رحمة وتحيل عيش صاحبه إلى كابوس مؤلم، ولا ينفع معه اجتثاث ولا علاج.. ما نخشاه هو أن تكون خلايا الفساد في جسم بلدنا كخلايا السرطان لان ما نلاحظه منذ انكشاف أمر هذا الورم بأن الحديث عنه أصبح ينحى منحى الظاهرة المتجذرة في وعي الناس وقناعاتهم..
قد يقول قائل: إن الأمر لا يتجاوز أن يكون عارضا ثم يزول.. وأنا أدعو الله أن يكون ذلك كذلك، لكن دعواي بأن الفساد تحوّل إلى ظاهرة لافتة تستند إلى ما يبررها؛ فإباحة المال العام من القيمين عليه والتمويه بان ما تم هو حلال محض يرتفع بالفساد إلى مصاف الظاهرة، وان غياب القدوة النزيهة في مجتمعنا يدفع بضعاف النفوس من المواطنين إلى عدم الالتزام بالنزاهة كما يُعبّر عنه في موروثنا ب(فلّة حكم) وهذا يعزز من استحكام الظاهرة وفرْض نفسها بقوة، وان السكوت على الفاسد أو تجنبه يعزز لديه بأن ما قام به هو (شطارة وفهلوة) وليس فساداً، فيتعاظم تطاوله بصورة أكبر ويلجأ إلى تصفية الآخرين الذين يقفون بوجهه.
إن غسيل الأموال ومؤسسة موارد والمصفاة والعقبة الاقتصادية والاتصالات والقطار السريع والتحول الاقتصادي وسكن كريم هي وغيرها فصول في واجهة تغنّينا المستمر بحضارية الأردن، ولا أقول ذلك تجنياً، وإنما ننام جميعا على صيحات مكافحة الفساد ونستيقظ جميعا على ذلك ونمضي يومنا بالحديث عن الفساد الذي لا ينقطع سيله.
من اجل ذلك اقترح على مفكرينا ومنظّرينا في مباحث علم النفس أو التربية أو علم الاجتماع أن يضيفوا علماً جديدا إلى قائمة العلوم التي يدرسونها في كلياتهم الأكاديمية هو (علم نفس الفساد) الذي اتسعت قائمة مفرداته إلى حد يستوجب دراسته والبحث فيه مثل علم نفس الشخصية وعلم نفس النمو وعلم نفس الشواذ وعلم نفس الأطفال ونحو ذلك، حتى نقرأ الفساد والفاسدين والمفسدين قراءة تمحيصية، وتتعمق معرفتنا بتاريخ الفساد لعل وعسى نواجه في أضيق الزوايا بعد أن أعيانا لهاثا وحراكا وشعارات، ويبدو أن لهذا العلم مبرراته المقنعة وهي حاجة الأجيال القادمة إلى التحصين والمناعة أمام ما ينتظرهم من غوايات هذا الغول اللعين..

nayef.nawaiseh@yahoo.com

Leave a Reply