علم النفس الإيجابي

لم يعد علم النفس مقتصرا على دراسة سلوكيات سلبية كالاكتئاب والقلق والغضب.. وغيرها، حيث تفرع عن هذا التخصص «علم النفس الإيجابي» الذي يساهم في معرفة كيفية دراسة السلوك الإيجابي وتعزيزه لتصبح حياة الفرد أكثر سعادة وأقرب إلى اكتشاف مواطن القوة فيه.
ويعد هذا التخصص حديث نسبيا (Positive Psychology)، إذ أطلقه في عام 1998 البروفسور مارتن سيليغمان مدير مركز علم النفس الإيجابي في جامعة بنسلفانيا الأميركية. وصار يعد أحد التخصصات النشطة؛ إذ ازداد الإقبال على مؤتمراته العلمية التي يرتادها أشهر الباحثين في العالم في هذا المجال. وما أحوجنا إلى علم النفس الإيجابي في وقت هيمن فيه التهجم على مانشيتات الصحف ووسائل التلفزة فصرنا نتجرع من دون أن نشعر جرعات من الكآبة بدلا من نفحات التفاؤل والأمل التي تعد وقود المنتجين وأصحاب الهمم العالية.
وتكمن أهمية علم النفس الإيجابي في أن الكلام الإيجابي الذي كان وما يزال ينادي به المصلحون ودعاة الخير في العالم قد صار له أساس علمي ونشط فيه آلاف الباحثين لمعرفة كيف يمكن توجيه انفعالات الفرد نحو السلوك الأفضل له وللمجتمع.
وصار علم النفس، مثل غيره من العلوم، يدخل في تخصصات كثيرة، بغية التوصل إلى أفضل النتائج.. فمثلا، أصبحت نظريات اتخاذ القرار تتحكم بها عوامل نفسية تتطلب الخوض في أعماقها لمعرفة لماذا يتصرف الإنسان السوي أو الخبير في مجاله بهذه الطريقة الانفعالية غير المبررة.
ولحسن الحظ، هناك كثير من الدراسات العلمية والفيديوهات في الإنترنت، فضلا عن الكتب الماتعة في هذا المجال، أحدها الكتاب الشهير لعالم النفس الأميركي دانييل غولمان «الذكاء العاطفي» أو ما يسمى أحيانا «الانفعالي» أو «الوجداني».. ناهيك بدراسات كثيرة لأحد أعلام هذا العلم البروفسور سيليغمان.
ومما يشير إليه سيليغمان دوما إمكانية قياس الانفعالات، وهناك موقع شهير يقيس عنصر السعادة لدى الإنسان: authentichappiness.org. وقد سررت حينما قرأت أن دبي أطلقت أخيرا مؤشرا يوميا يقيس السعادة لدى مواطنيها والمقيمين فيها، ويبدو أن هذا من ثمار علم النفس الإيجابي.
وحتى التشاؤم والتفاؤل صار لهما معيار يمكن قياسهما به، وهما يؤثران بقوة على أدائنا.. ففي دراسة لسيليغمان تبين أن تشاؤم فئة من الموظفين في مؤسسة تجارية قد دفع نسبة أكبر منهم (مقارنة بالمتفائلين) إلى ترك العمل، بل وقلل التشاؤم معدل مبيعات هؤلاء مقارنة بالمتفائلين.
وقد سأل الباحث مجموعة من أكثر الناس سعادة، عبر بحث علمي، عن أسباب سعادتهم، فوجد أنهم ليسوا الأكثر وجاهة أو جمالا أو مالا، وإنما هم الأكثر انغماسا في الحياة الاجتماعية، أي الاجتماعيين لا الانطوائيين أيا كانت أسباب انطوائيتهم.
علم النفس الإيجابي وإن كان عمره قصيرا، لكن بشائره هلت على مراكز البحوث، علّنا نجد في جهود الباحثين مادة قيمة تركز على مواطن القوة وتسهم في ضبط الانفعالات وإشاعة أجواء من التفاؤل والتسامح والإيثار والتعاطف وتقدير النعم التي نعيش في كنفها ليلا ونهار.

m.nughaimish@asharqalawsat.com

Leave a Reply