د. قدرى حفنى : لا توجد طبعات جديدة للتوراة والإنجيل والقرآن

    قبل بدء تسجيل الحوار تطرق الحديث مع د. قدرى حفنى عن مدى نجاح الفكر التنويرى فى مصر.. فرأى أن الضمان الأساسى لنجاح أى دعوة للإصلاح تتمثل فى إقناع الجماهير بها، حيث أصبح الإقناع أو فن الدعوة أمراً يمكن أن ينجزه الهواة مهما كانت موهبتهم، بل ومهما كان إخلاصهم لما يقومون به.

    لأن سيكولوجية الإقناع تكاد تمثل مبحثاً علمياً مستقلاً يشترك فيه علم النفس والاتصال، وأصبح نجاح الدعوة يتوقف على تميز دور المؤدى الإعلامى والداعية الاجتماعى لأنه يتعامل مع جمهور يجسد الفكرة التى يدعوهم إليها، والأهم أن يكون مقتنعاً بما يقول وملتزماً به لأن فقدانه لمصداقيته كفيل بانهيار دعوته تماماً. وهذا ما ينطبق على المشروع التنويرى الذى هو فى الأصل فكر المثقفين، فلابد من عدم التعالى على الجماهير ووصفهم بالجهل لأنهم لا يفرقون بين العلمانية والكفر حينها سيصلون إليهم ليعدلوا من مواقفهم.
    ماذا يعنى المشروع التنويري؟
    - جوهر المشروع التنويرى أن يكون للمواطن الحق فى أن يعبر عن نفسه وأن يكون  عليه واجب الاستماع لتعبير الآخرين عن أنفسهم.. وكلمة التنوير لها معنى نسبى وتفسر وفق الناطق بها شأنها شأن تعبير الوسطية أو الحرية، ولا أحد يصنف نفسه أنه متطرف أو ظلامى أو ديكتاتور، والكل حين يصفون أنفسهم فالوصف يكون على أحسن ما ينبغى بدءاً من «هتلر» أو «موسوليني» وتاريخ الفكر الدينى يؤكد أن النص الدينى مقدس ولا يتغير لأنه لا توجد طبعة جديدة للتوراة أو الإنجيل أو القرآن.. لكن القراءات تتغير فهناك قراءات تنويرية إذا صح التعبير عن النص الدينى وهناك قرارات ظلامية مع أنها لا تقلل أو تزيد من شأن النص بل تقلل أو تزيد من شأن المفسرين.
    تقصد أن مشكلة التنوير تكمن فى التأويل؟
    - الحضارة الإسلامية شهدت عصور ازدهار وعصور انكسار، ولعل المفكرين الإسلاميين المعاصرين يهتمون بدراسة التأويل الذى ساد فى كل عصر أى ما هو التأويل الذى ساد فى عصر، لأنه فى عصر الازدهار كانت الحضارة الإسلامية بمثابة المنارة لأوروبا وكان الأوروبيون يأخذون عنها الكثير.
    عندما رحبوا بفكر ابن رشد؟
    - بل أطلقوا عليه «المعلم الثاني» بعد «أرسطو» وفى بداية اهتمامى بالفكر ظننت أن الأمر قد يكون نوعاً من المؤامرة الغربية أو التصيد ولكنى أدركت أن «ابن رشد» قدم مخرجاً للفكر الأوروبى من أزمة التقيد بالنص، وهو قدم هذا كمفكر إسلامى وأثبت أن العقل لا يقل أهمية عن النقل.. إذا التأويل وارد وإعمال العقل فى النص.. لأن الكنيسة كانت تتمسك بالنص حتى لو تعارض مع العقل، ومثل هذا التفكير لابن رشد ارتبط بالتقدم الحضارى الإسلامى والسؤال الذى كان ومازال مطروحاً.
    ولماذا يظل التساؤل مطروحاً دون إجابة.. هل هذا خوف من التغيير؟
    - دعوات الإصلاح فى بلادنا تجد مقاومة مع أن هذه المقاومة تحرص على التخفي، ربما لتبنى السلطة أو بعض أجنحتها تأثيراً لتلك الدعوة، ولكن توجد حقيقة فى علم النفس تؤكد أن مقاومة التغيير تتخذ صوراً متدرجة قد تتوقف عند حد التعبير بالامتعاض بالكلمة أو بالإشارة، وقد تصل إلى أقصى صور الاحتجاج عنفاً وتدميراً.. وهذا يتوقف على رؤية الجميع لهذا التغيير قد يراه البعض خيراً كله، وقد يراه الآخر شراً خالصاً، وهذا يتوقف على أهمية المطلوب تغييره، وكذلك القوة النسبية للجماعات الداعية للتغيير وأيضاً الرافضة له.
    معنى هذا أن الحرية فى مجتمعنا حرية مشروطة؟
    - فلننظر قليلاً إلى الشعارات الداعية للحرية سنكتشف أن كلمة لكن تلتصق بمعظم هذه الشعارات مثل: نحن مع الحرية لكن لسنا مع الفوضى، كل الحرية للأفكار البناءة الشريفة لكن لا حرية للأفكار الهدامة المستوردة.. الحرية لأنصار التقدم لكن لا حرية للرجعيين أنصار التخلف.. الحرية مقدسة، لكن فى حدود الالتزام بثوابتنا الدينية والوطنية وهكذا كل الشعارات براقة حتى نصل إلى تلك الكلمة ولكن!!
    ما الحل من القضاء على هذا الشرط؟
    - الضمان يتمثل فى الدعوة إلى القبول بحق الأفكار جميعاً فى التعبير عن نفسها مهما كانت درجة الاختلاف معها، أو النفور منها، مع التسليم بما سوف ينجم عنه من فوضى فكرية.. مع الأخذ فى الاعتبار أن فوضى الأفكار أقل ضرراً من إرهاب العنف، وضجيج الكلمات مهما كان أهون كثيراً من صوت لعلعة الرصاص.
    ماذا عن الصراع بين القديم والحديث والرؤية للمستقبل؟
    - الحداثة أمر نسبى والحداثة رؤية للمستقبل وسعى لتحقيقه، ولا توجد حداثة دون مستقبلية، وليس معنى استيراد التكنولوجيا الحديثة، أننا نقلنا للحداثة.. لأن المستقبل أمر غير منظور لم يأت بعد، والفكر التقليدى أسير ما يعرف، ونحن نعرف الماضى مثله لكن الفارق أنه يأخذ الماضى ليصنع الحاضر ثم لا ينظر إلى المستقبل، ويرى أن مستقبله خلفه أى علينا أن نعيد الماضى لنتقدم عليه أى نصنع كما صنع «محمد علي» أو «عبدالناصر» أو «عمرو بن العاص» مع أن الحداثة هى أن نفعل شيئاً مختلفاً نتجاوز به الحاضر نحو المستقبل، ولهذا تواجهنا مشكلة طالما أن المستقبل لم يأت بعد فإننا نسعى إلى مجهول علينا أن نصنعه ونشكله.. والحداثة هى رهان على مستقبل متجددة دوماً، هذا هو جوهر الحداثة ونحن يدفعنا بؤس الحاضر إلى الحلم بالماضى الجميل فنود أن نصنع المستقبل على شاكلته وهذا مستحيل لأن الوقوف عند الماضى الجميل يعنى الردة والارتداد.
    كيف نبتعد عن الثنائيات مثل دولة دينية أو مدنية ديمقراطية أم شريعة، مواطنة أم ذمية؟
    - هذه قضية مهمة نسميها بلغة تخصصنا قضية الأبيض والأسود يا إما علمانى أو ديني.. يسارى أو يميني، مع أن الواقع ليس كذلك لأنه متشابك، وإذا فككنا الشعار إلى مكوناته قد نكتشف أن بيننا أوجه كثيرة للاتفاق.. مع أن مجموعة المثقفين الذين خرجوا علينا بوثيقة الأزهر بدأوا بالثنائيات عندما قالوا: الإسلام لا يعرف الدولة الدينية، لكن الدولة ينبغى أن تكون إسلامية.. ولا نقبل بالعلمانية ولا الكهنوت ثم اكتشفوا أن تعبير الدولة المدنية هو اختراع شرقى لا يوجد فى الكتب الأكاديمية بل توجد دولة عسكرية، دينية، علمانية، ولكننا ابتكرنا كلمة مدنية لنخفى بها كلمة علمانية التى جئنا بها لنخفى فكرة فصل الدين عن الدولة.
    كيف عالجت وثيقة الأزهر ذلك؟
    - قالوا تقصدون بالدولة المدنية أو الدولة الإسلامية التى لا تقوم على الكهنوت وعدم الوصاية على الناس فى اختيار من يحكمهم.. فهذا هو ما جاء به الإسلام، فإذا فككنا الشعار أمكن أن نصل إلى اتفاقيات قد لا تكون واضحة وقت رفع الشعار، والتحدى الذى يواجهنا لن يحل عن طريق المواجهة بين التيارات الفكرية، فلا مجال لضربة قاضية يمكن من خلالها إنهاء المعركة، فهذا حلم واهم فلنبحث عن نقاط الاتفاق ونؤجل قليلاً نقاط الخلاف طالما نتفق على محاربة الفقر، والتركيز على الانفتاح على العالم.. والاختلاف على التاريخ.
    وعلم التفاوض علمنا إذا أردنا التمايز، فالتركيز يكون على الاختلاف لكن بوعي، والاستراتيجية الأخرى تقوم على التركيز على نقاط الاتفاق.. فخطر الثنائيات أنها توهم كل طرف أنه يستطيع القضاء على الطرف الآخر وهذا مستحيل لأن كل شيء إلى زوال البشر والمؤسسات إلا الأفكار لأنها لا تموت سواء كانت أفكاراً جيدة أو سخيفة.
    مصطلح العلمانية كان أكثر تعقيداً فى الفترة الليبرالية ومع هذا كان مقبولاً أكثر من هذا التوقيت؟
    - فى علم النفس نحن نفرق بين معنيين لأى مصطلح، المعنى القاموس العلمى وهو المعنى الدقيق، والمعنى الاجتماعى، مثلاً كلمة الجماعة هى عدد من البشر يزيد على 3 والآن عندما نتحدث عن الجماعة فنقصد الإخوان المسلمين وفى الصعيد الجماعة تعنى الزوجة فأى التعريفات أصح، ومصطلح العلمانية وفقاً للتعريف العلمى تعنى أن نقيم علاقتنا السياسية المتبادلة على أساس واقعى أى أن الدين هو علاقة بين الخالق والمخلوق والدولة كيان نظرى لا دين لها وهذا مصطلح شأنه شأن مصطلح الديمقراطية والليبرالية اللذين تم تشويههما من خلال الصراع السياسى وأصبح المعنى السائد لهما بمعناه الاجتماعى أى الكفر.. وإذا سألت هل تريدون دولة تنحاز لفريق من أبنائها ضد آخر يقولون لا.. وتكتشف أنهم ليبراليون، إذا تفكيك المصطلح ضرورى إذا كنا نتحدث عن السياسة والحياة اليومية.
    وكيف يتم فك الارتباط بين ما هو دعوى سياسى وبين الدينى والمدني؟
    - أعتقد أن فك الارتباط بين هذا وذاك أمر مصطنع لأن النص مقدس ويحمله بشر يتبعونه ويؤمنون به ويرونه مشتبكاً بالحياة.. فالحل أن نثبت لهم بتجربتهم العملية أن هذا النص يحتاج إلى تأويل يدفع بهم للأمام، مثلاً فى أمريكا اللاتينية اندمج رجال الدين فى المقاومة.. وأيضاً الموقف الجيد للقس المسيحى «كايوتش» من المقاومة الفلسطينية فهل يطلب منهم أن يخلعوا رداء الكهنوت.. وأيضاً شباب الأزهر الذين ثاروا فى ثورتى 19 و25 يناير.
    القوى المدنية ترفض خلط الدينى بالسياسة؟
    - المشكلة هى وجود مواقف انتهازية إذا ما كان النص الدينى فى صالحى سعدت وهدأت، وإذا التقى الدين مع سياسة معادية لى ثرت وغضبت، وأنا فى المعتقل وجدت شيوعيين يصلون وكانوا معتقلين لرفضهم الظلم والطغيان والاستبداد فهل تقول لهم لابد أن تلحدوا حتى تكونوا ضد الظلم، فعلينا أن نكيل بمكيال واحد قريب من الناس، فالدعوة إلى الحق والعدل لا تعنينا من يدعو لها هل رجل دينى أم رجل سياسى، فهذا أمر يكرث الثنائية، ورجال الدين فى مصر ألوان شتى لا يختلفون فى الكتاب الذى يؤمنون به ولكن يختلفون فى تأويله.
    كيف ترى مرجعية مصر الحضارية؟
    - مصر مرجعيتها مصرية يستندون إلى مقدس إسلامى وغالبية شعبها يؤمن بالقرآن والحضارة، فهم يحبون الإسلام ويفضلونه ويصدقون التيارات الدينية ومع هذا يختلفون مع الأتراك والسعوديين والباكستانيين ليس فى الشعائر بل فى تأويل الإسلام فى الممارسات اليومية أى أنهم يحتفلون بالمولد النبوى وبعض المجتمعات تحرم ذلك، ومعظمهم غير متذهبين.. أيضاً المسيحيون فى مصر ليسوا هم المسيحيين فى إنجلترا أو فرنسا لأن فى مصر تراثاً حضارياً مختلفاً.
    هل هذه المرجعية (الهوية) تؤثر فى المشروع التنويرى؟
    - المشروع التنويرى ينظر إلى المستقبل، وفى عصور الحضارة الإسلامية تبنى المسلمون تأويلاً بربطهم بالعصر والمستقبل دون أن يتخلوا عن دينهم، ولهذا فالرهان على إذا كنا نريد أن نلحق بالمستقبل فعلينا التخلى عن الدين، فهذا رهان فاشل ولا أتصور وجود صيغة واحدة للتنوير.
    معنى هذا لن يوجد مشروع تنويرى فى مصر إلا بمرجعية دينية؟
    - لا.. بل أقول إن المشروع التنويرى الناجح الذى له زخم جماهيرى ويجذب باقى المجتمع لابد أن يخاطب الجموع بما تفهم وترضي، ولنعرف ماذا أرادت جماهيرنا فى الانتخابات الأخيرة.
    وكيف يتم فك الاشتباك بين الحضارة الدينية والعقيدة الدينية.. والدولة الدينية؟
    - يوجد خلط شائع بين مفاهيم هذه المصطلحات، وقد لعب هذا الخلط دوراً لا يمكن تجاهله فى نظرنا إلى الصهيونية، ونظرة الصهيونية إلى دولة إسرائيل ونظرة البعض منا إلى اليهودية، فالحضارة الدينية ترتبط بالمكان والتاريخ، أما العقيدة الدينية فتتجاوز المكان وحدود التاريخ.. أما الدولة الدينية يقصد بها الدولة التى تسعى لتحقيق تصور نظرى دينى سابق على قيامها الفعلى ويكون بمثابة الإطار المرجعى لتحديد وتقييم طبيعة تصرفات هذه الدولة مع غيرها من الدول ومع رعاياها من البشر.. ولابد من توافر غالبية سكانية تنتمى لدين معين والالتزام بمرجعية التصور النظرى الدينى المسبق بالنسبة لجميع قرارات الدولة.
    مركب مصر الحضارى متعدد العناصر ديني، عربي، فرعوني، كيفية إعادة هذه الترتيبات بهوية مصرية؟
    - الأسهل أن تقول مصر تشمل هذه الانتماءات، لكن ترتيب هذه الانتماءات وتدريجها يختلف من شخص إلى آخر ومن جماعة إلى أخرى.. وهنا الخطورة حيث إن الغرب يسعى لإعادة تقسيم السعودية ومصر بعد السودان والعراق، وهذا يتطلب إدخال تعديلات جوهرية على ترتيب دوائر الانتماء لشعوب تلك الدولة، حيث يتراجع الانتماء للدولة ليحتل ذيل القائمة ويتم تصعيد الانتماءات الأخرى العرقية والدينية والمذهبية لتحتل الصدارة، وهذا نوع من التحايل لأن وضع الوطنية فى المقابل الدينى وضع خبيث.. ولابد أن يكون الانتماء المصرى هو الانتماء الأول ثم بعد ذلك تأتى الانتماءات الأخرى لأن فكرة التذويب فى كيان عروبى أو إسلامى هى فكرة نظرية حالمة غير مطروحة للتطبيق.
    تأثير مشروع الإخوان المسلمين على المشروع التنويري؟
    - رغم أن التاريخ قابل للنقاش، فلن نحاسب الإخوان المسلمين الآن على الاغتيالات السياسية التى قاموا بها فى السابق من خلال قادتهم الأوائل، لكن من الممكن أن نناقش مشروع الإخوان المتعلق بالخلافة الإسلامية.. وإذا كنت تقصد مقولة مرشدهم السابق «مهدى عاكف» طظ فى مصر!! فقد قالها «الأفغاني» قبله لكن بطريقته الراقية، «لا يعنينى أن يحكم مصر ماليزى أو باكستانى أو تركى مادام يحكمها باسم الإسلام»، فالخلافة كانت حلماً.. وأيضاً مقولة د. محمد بديع المرشد الحالى بأن منصبه أهم من منصب رئيس الجمهورية، فهذا قوله لأنه يرى أن منصبه الأهم، وهم لا ينكرون الدعوة للدولة الإسلامية، ولكن ما هى ممارستها، فهذه أحلام وآمال لا يستطيع أحد أن يصادرها.. ولكن التصريحات العملية هى المشتركة بين كل المرشحين مثل الموقف من معاهدة السلام والممارسات الدينية على غير المسلمين فى مصر، ونجد أنها إجابات رسمية سلبية والبعض يقول إنهم يعلنون غير ما يضمرون لكن لا مكان للضمائر في السياسة وما يعنيني ما يعلن خاصة أنهم أغلبية.. وله أهداف أبعد ويري أنها لا يمكن تطبيقها الآن فهذا أمر جيد.
     

    هم أعلنوا أنهم تجاوزوا كلام حسن البنا في الوقت الحالي؟
    - حسن البنا كان له وجهان وجه عقائدي ووجه سياسي مثله مثل باقي رجال السياسة يبحث عن مصلحة الجماعة سواء بالاتفاق مع الملك أو عدمه إنما هم تجاوزوا كلام «البنا» من حيث الاغتيالات السياسية وكل التنظيمات الإسلامية في مصر حتي الجماعات الإسلامية التي وافقت علي المراجعات أقلعوا عن العمل المسلح وأعلنوا ذلك ولكنهم لم يغيروا أفكارهم بمعني أنهم يسعون الي إقامة دولة الإسلام دون استخدام السلاح بإقناع الناس ودعوتهم وتحقيق مطالبهم.
    إلي أي مدي يحتاج الخطاب الديني الي التجديد؟
    - هو في احتياج الي تحديث دائم حتي يكون مواكبا للعصر، والفترة الحالية الخطاب الديني غارق في السياسة سواء كان يتبني سياسة رجعية أو تقدمية.
    هل توقف المشروع الإسلام السياسي عن تجديد نفسه؟
    - ينبغي ألا يغيب عنا أن مرحلة الربيع العربي جميعها ذات طابع إسلامي دون استثناء، تونس ومصر، الانتخابات في الأردن والكويت، ليبيا والمغرب، مع أنها دول مختلفة المستوي.. إذاً فالتيار العام أميل الي التوجه الإسلامي.. لهذا أتصور أن المشروع الإسلامي تطور بالضرورة ولابد أن يتطور لأنه كلما كان في المعارضة كان في رفاهية الايديولوجية ويرفع شعار الإسلام هو الحل لكنه أصبح في السلطة فلن يقول هذا الشعاربل سيقولون ما هو الحل، وهذا يعني تطور الخطاب إجباريا بحتمية القانون العلمي.
    هل مصر تعاني من التنوير الزائف؟
    - هذه فكرة محيرة لأنها تشبه تزييف الوعي الذي كان وسيلة لتبرير الديكتاتوريات عبر التاريخ بأن يأتي الديكتاتور ويقول إنه يعرف مصلحة الجماهير أكثر مما تعرفها لأن الناس زيف وعيها من القوي المعادية وهو الوحيد الذي أنقذ من التزييف وهو سيجبر الناس علي الفهم بالضرب والقمع.. ولكن لو نظرنا الي الانتخابات الأخيرة تردد أنه تم رشوة الناس بالسكر والعدس واللحوم فأقول الذي يستطيع أن يرشوا 17 مليونا حلال عليه حكم مصر!! فهذه ظاهرة لابد مندراستها ولا نتعالي عليها ونقول تزييف للوعي حتي لو تعارض مع قناعتننا فملايين من تيارات إسلامية تعلن عن نفسها.
    وما الحل؟
    - الحل أن نثق في اختيارات الناس دون أن نتعالي عليهم حتي لو أخطأوا نعدل اختياراتهم ولا نقول عنهم جهلاء وتم التغرير بهم لأننا سندفعهم للتمسك بمواقفهم ونقول نحن التنويريين الذين نفهم كل شيء وأنتم جماهير مخدوعة فإذا أقمنا مشروعا تنويريا ونحتاج للتصويت عليه فهذه الجماهير المخدوعة الجاهلة ستقول لا.. إذاً لابد من انقلاب عسكري يتولي إعادة بناء الإنسان المصري تنويريا وهذا وهم.
    هذه لغة اليسار المصري؟
    - أنا ابن اليسار المصري الليبرالي ولا أنكر أصلي ولا ينبغي لليسار أن ينعزل عن الجماهير أو يتعالي عليها ويعتبر أنه أفضل منها والتعالي آفة يسارية.. وأذكر كنت معتقلا في سجن أبوزعبل وتعرضنا للتعذيب 9 شهور وسقط منا 11 مناضلا وآخرهم كان شهدي عطية فتم ترحيلنا الي الواحات وكان شريكي في الكلابش فيليب جلاب وكان شخصية ودودة ولديه قدرة علي استخراج مواقف ضاحكة من ظروف سيئة جدا وأثناء الترحيل في وسط البلد قال: «قدري» نحن أم الجماهير؟ إذا كان لدينا الشجاعة الكافية فلنعلن أننا لم نوصل رسالتنا الي الناس وإلا فأين هم ولماذا لا يودعونا أو يشكرونا وقد تكون حقيقة صادمة مؤلمة فالمثقف لا يبتعد عن الناس لأنه مفكر وهم متخلفون.
    تفسير هذا أن الأفكار المدنية لم تطبق علي أرض الواقع وظلت حبيسة الكتب؟
    - هي لم تقدم للجمهور بشكل يقبلها والمثقفون هم المسئولون عن هذا لأنهم يتحدثون عن العلمانية والعقلانية فيعتبرهم الجمهور ملحدين، ثم لايتهمون بالتوضيح ويصفون الناس بالجهل لأنهم لا يعرفون الفرق بين العلمانية والكفر ثم يتقدم المثقفون للانتخابات ويسقطون فيغضبون لأنهم لا يمثلون الجماهير.
    ولماذا فشل المشروع الاشتراكي أيضا؟
    - هذا المشروع أنقذ آمالا كثيرة للمصريين و«عبدالناصر» تبني مشروع الإصلاح الزراعي ووزع أراضي علي الفلاحين والأسر التي استفادت من الأراضي زاد عددها وأصبحت بالملايين وهؤلاء انتخبوا الإخوان المسلمين وهذه مفارقة يجب أن تدرس لأن الحزب الناصري لا يكتسح الشارع بهؤلاء فلا يكفي أن تتبني فكرا صحيحا المهم أن تقنع الناس بهذا الفكر.
    تري وجود انفصال بين النخب والمجتمع؟
    - نعم هذا الانفصال بين الشارع وبين النخب جميعا بما فيهم النخب الدينية لأن الإخوان قادت الناس في الاستفتاء وفي انتخابات البرلمان فلماذا فشلوا في قيادتهم في انتخابات مجلس الشوري التي وصلت نسبة الحضور 7٪ هم الكوادر في حزبي الإخوان والنور وأصدقائها الملتصقين بهما.
    إذاً المشكلة في لغة الخطاب السياسي أيضا؟
    - نعم.. لكن سعد زغلول وقادة حزب الوفد أمثال مكرم عبيد والنحاس باشا الذين عرفوا خطاب الشارع السياسي فمثلا سعد زغلول زعيم الأمة نجد أن هواه إسلامي والوفد كان حزب الأغلبية وحزب التنوير والحريات والليبرالية وقد قرأت قاصدا جميع خطب زعماء الوفد ولم ترد كلمة ليبرالية أبدا أو ديمقراطية، سعد زغلول قال: «الحق فوق القوة والأمة فوق الحكومة».. والنحاس قال: «من أجل مصر وقعت المعاهدة، ومن أجلها ألغيها».. عكس أحمد لطفي السيد الذي قال: «الديمقراطية» فسقط في الانتخابات إذاً فقادة الوفد عرفوا الشارع وما هو وكيف يتعاملون معه ثم في العصر الحديث بعدما عرف الشارع الديمقراطية قال فؤاد سراج الدين: «نحن ننحاز انحيازا كاملا للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان» ولهذا مشروع التنوير ينبغي ألا يهمل الجانب الديني ولكن يتبني تأويلا تنويريا للإسلام ويعرف لغة الجماهير.
    وكيف يكون الخطاب الديني مع الشارع؟
    - لو استوحينا ما قاله الخليفة الأول أبوبكر الصديق عندما تولي الخلافة: «وليت عليكم ولست بخيركم فإن وجدتموني علي حق فأعينوني ولو وجدتموني علي باطل فقوموني» وهذا خطاب التولي.. فيرد عليه واحد من عامة الناس وبدلا من أن يصفق قائلا يعيش الخليفة الديمقراطي أو نشكر لك تواضعك.. قال: «لو أخطأت سنعدلك بالسيف» ولم يقل له أبوبكر أنك قليل الأدب!! بل استحسن كلامه فهذا هو الإسلام وخطابه الذي اذا قيل للناس ستصدقه لكن عندما يقال لهم الإسلام فلسفة رجعية سندفعهم الي أن يستلهموا فترة الأمويين ويقولوا نحن رجعيين لو عاجبكم وسيضيع أي مشروع تنويري يحتاجه المجتمع.
    وماذا عن الحكم الشمولي وتأثيره علي المشروع التنويري؟
    - الحكم الشمولي آفة أي تقدم حتي لو كان شموليا تقدميا لكنه يؤدي الي كوارث ولنا أسوة في الاتحاد السوفيتي وعبدالناصر لأن الحكم الشمولي ليس له ضمانات اذا أخطأ لا توجد آلية للتصويب عكس الحكم الديمقراطي به آلية لتصويب الخطأ.


    طباعة المحتوى

    أرسل المحتوى الى صديق

    Leave a Reply