د. المحرمي : المواطن العربي فقد الثقة في إعلامه

على وقع المحاضرات التي نظمها النادي الثقافي العماني مؤخراً بمقره بالقرم في مسقط حول الإعلام العربي والحراك الشعبي.. عمان نموذجاً، لفت الدكتور زكريا بن خليفة المحرمي انتباه الكثير من المراقبين والمحللين والاعلاميين والمثقفين، بتفرده في ذكر الاعلام العماني باعتباره محلياً، كنموذج مقارن لتغطية وسائل الاعلام العربية الأخرى للاحداث التي جرت مؤخراً في الوطن العربي.

والدكتور المحرمي معروف بنشاطه الثقافي والاعلامي رغم انه يحمل دكتوراه في الطب الا ان ذلك لم يمنع هم الثقافة والاعلام من اثقال كاهله. وقد تحدث الينا حول الاعلام العربي بين سيطرة الانظمة وهواجس الشعوب. وتطرق للتغطية الاعلامية اثناء الحراك الشعبي والاعتصامات والمظاهرات فقال: لقد اعتمد الإعلام الرسمي في تغطيته للحراك الشعبي داخل بلدانه على ما يمكن تسميته بـالـ «تاءات الأربع»، وهي تجاهل لما يحصل، وتكذيب لما يردده المحتجون، وتشويه لرموز الحركات الاحتجاجية، وتأليب ضد المحتجين.

أما الإعلام الرسمي للدول الأخرى وخشية انتشار تلك الأحداث إليها، فقد اعتمد إستراتيجية قريبة من تلك ولكن بصورة مخففة. وفي الجانب الآخر اعتمد الإعلام التجاري على الانتقائية، حيث توسع في تغطية الحالة المصرية والليبية والسورية، بينما أهمل عن سابق إصرار وترصد ما يحدث في الدول القريبة من الدول الممولة، كما عمد إلى تضخيم الاحداث.

 

استيعاب الدرس

أما الإعلام الرسمي العماني فيبدو أنه قد وعى الدرس الذي فشل فيه الإعلام الرسمي في الدول الأخرى، حيث بادر وبصورة مدهشة في تغطية الأحداث العمانية ساعة وقوعها، كما فتحت الإذاعة والتلفزيون سلسلة من البرامج المفتوحة التي كانت تتعاطى مع الحدث بكل أريحية وحرية، والسبب في ذلك حسبما يبدو لي أنه أراد استيعاب المشاهد حتى لا يتوجه إلى الفضائيات ومواقع الانترنت، وقد نجح في المهمة بشكل كبير بحسب شهادات المتابعين في الداخل والخارج.

وعن النتائج الحاسمة والدروس المستفادة من رصد الحالة العمانية قال: أهمها ان المواطن العربي والعماني خاصة قد فقد الثقة بشكل كبير في إعلامه الرسمي، وأن الإعلام التجاري كما أشار نعوم تشومسكي في كتابه «صناعة الرأي العام» اكتسح الإعلام الرسمي وصار هو المصدر الأهم للأخبار وتوجيه الجماهير، إضافة إلى ازدياد دور العالم الرقمي والهواتف الذكية لا في نقل المعلومة وحسب، بل وفي إضعاف دور الإعلام الرسمي في تشكيل الوعي وصناعة الرأي العام وتوجيه الأفراد.

كما ان الإعلام العربي مؤدلج، سواء أكان رسمياً أو تجارياً، فجميع وسائل الإعلام لها أجنداتها القائمة على أفكار سياسية أو دينية أو قومية، وأن ما يرفعه البعض من شعارات براقة من قبيل «الرأي والرأي الآخر» و «أن تعرف أكثر» و«أصل الخبر ومعناه» ليست سوى فقاعات تتلاشى حين تتعارض الحقيقة مع رغبات القائمين على تلك المؤسسات.

وأشار إلى ان الإنسان اجتماعي بفطرته، والاجتماع يستلزم الاندماج وتبادل المعارف والخبرات التي توفرها وسائل الإعلام، وقد أدرك علماء النفس التأثير الهائل الذي تمارسه تلك الوسائل على الأفراد، فلهذا أسسوا ما يعرف باسم «علم النفس الإعلامي»، وربما كان العالم النمساوي إدوارد بينرنز من أوائل من تنبه إلى هذا التأثير فأنشأ فرعاً معرفياً يدعى «علم الإقناع الجماعي»، وقد أدرك بيرنز وزملاؤه أن التلفزيون هو الأكثر تأثيراً بين جميع وسائل الإعلام الأخرى، ذلك أنه قائم على الإبهار البصري، والعقل البشري مجبول على ملاحظة أية حركة في مجال الرؤية كنوع من الدفاع عن النفس وهو ما يعرف بالاستجابة الموجهة، وقد وجد الخبراء أن الاستثارة المتواصلة لهذه الغريزة تعمل على شل تفكير العقل فيما يشبه التنويم المغناطيسي.

من هنا يتضح الدور الخطير الذي يمكن أن تمارسه وسائل الإعلام في التأثير على خيارات الناس وقراراتهم، عن طريق ممارسة عملية غسيل العقول وإعادة تشكيلها وفقاً للثقافة التي يحددها القائمون على وسائل الإعلام.

 

استراتيجية مهمة

وفيما يتعلق بالادوات التي اعتمدها الاعلام الرسمي في تغطيته للحراك الشعبي، قال: لقد اعتمد إستراتيجية التجاهل والتكذيب والتشويه والتأليب ضد الاحتجاجات والجماهير الغاضبة التي تملأ الميادين، ولتحقيق تلك الغايات فقد جند جيشاً كبيراً من الإعلاميين والشخصيات الدينية والكتاب المحسوبين على الثقافة من أجل بث وعي مغاير للوعي الذي تنتفض عليه حركة الجماهير في الشارع، ربما يظن البعض أن تلك الحملة كانت هزيلة بسبب عدم تمكنها من وقف الحركة الاحتجاجية، بيد أن المراجع ليوميات الحراك الشعبي العربي سيكتشف أن تلك الحملة كانت من القوة بمكان بحيث تم توصيفها بـ»الثورة المضادة»، ولعل التأثير الأكبر الذي أحدثته تمثل في اختراقها صفوف المحتجين وانقسامهم بعد نجاح الثورة.

وعن رأيه في الإعلام الرسمي العماني أثناء موجة الاحتجاجات في السلطنة، قال ما يحسب له مبادرته في نقل الاحداث بكل شفافية ووضوح في أيامها الثلاثة الأولى التي سبقت التغيرات الحكومية الكبيرة التي أعادت رسم مجرى الأحداث وأرجعت الأمور إلى نصابها، إلا أن ذلك أخذ في التراجع بعدها، لكن الإعلام التجاري أخذ زمام المبادرة وواصل مسيرة الانفتاح الإعلامي من خلال مساحة الحرية الكبيرة التي توفرها الصحف غير الرسمية واحدى القنوات الاذاعية.

وحول تفاعل المثقف والاعلامي محلياً وعربياً مع الثورات التي جرت قال: ليس خافياً أن الحراك الشعبي العربي كان في مجمله عفوياً وأن المثقفين والكتاب انضموا إلى الثوار بعد استواء أمر الانتفاضات الشعبية، وقد اتخذ التفاعل صوراً شتى، فالفريق المصطف مع الأنظمة الحاكمة مارس الدور نفسه الذي يمارسه الإعلام الرسمي ضد المحتجين، والفريق المعارض للنظام اصطف مع المحتجين ضد الأنظمة، وكل فريق يناطح الفريق الآخر محاولاً إسقاطه، وفي زحام الصراع بين الأهواء والإيديولوجيات غابت الموضوعية، وظهرت الكتابات المنحازة والتغطيات غير المهنية، وغابت الوسطية وروحها عن المشهد الثقافي والإعلامي العربي.

Leave a Reply