حدود التكافؤ بين الزوجين في الفقه الإسلامي

هل هناك ما يعرف بالتكافؤ بين الزوجين في الفقه الإسلامي؟ وإذا كان كذلك هل هو ضروري وواجب، وما حدود هذا التكافؤ؟

تساؤلات تفرض نفسها من آن إلى آخر على مجتمعاتنا العربية، في ظل تزايد حدة المشكلات التي تلاحق المرأة والرجل بعد الزواج، نتيجة عدم التكافؤ بينهما والتي تصل أحيانا إلى الطلاق وتعاسة أسرة بكاملها. تلك القضية طرحتها "البيان" على علماء الدين والنفس والاجتماع، فماذا قالوا؟ يقول د. محمود علام، أستاذ علم النفس بجامعة القاهرة، إن الحب يحتل موقعا كأحد أهم أسس نجاح العلاقة الزوجية.

موضحًا أن التكافؤ الاجتماعي ليس له أهمية في إنجاح العلاقة، مدللاً على ذلك بكم كبير من الزيجات اعتمد على التكافؤ وفشل، في الوقت الذي غاب هذا الشرط عن حالات أخرى ونجحت لوجود الحب والتفاهم بين الطرفين. ويشير إلى أن زواج الصالونات القائم على فكرة التكافؤ الاجتماعي في أغلب الأحيان يفشل؛ لأنه خالٍ من المشاعر والأحاسيس، فالفيصل هو الحب لنجاح الأسرة وقيام علاقة زوجية سعيدة.

وعن شروط العلاقة الزوجية الناجحة، قال علام: الحب المتبادل، والنضج النفسي والعاطفي والانفعالي للطرفين؛ لافتًا إلى أن هناك شخصيات لا تصلح للزواج كونها غير مكتملة النضج النفسي والعاطفي، ومن ثم لا تستطيع مثل تلك الشخصيات الزواج وأن تقيم أسرة سعيدة. أما عن تأثير الزواج غير المتكافئ في الأسرة والأطفال فقال: إنه في حال وجود الحب والنضج والتفاهم بين الطرفين لن تحدث أي مشكلات أو آثار سلبية تؤثر في الأطفال، ويصبح جو الأسرة هادئًا وأفرادها متفاهمين والعلاقات بداخلها حميمة، ومن ثم تستطيع الأسرة أن تخلق أطفالاً أسوياء.

تكافؤ اجتماعي

د.رشدي أنور، أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق جامعة حلوان، يؤكد على ضرورة وجود التكافؤ الاجتماعي بين الزوجين.

واستطرد: لكي تستمر الحياة الزوجية وتنجح لابد من وجود تكافؤ، مؤكدًا أن من آثار عدم وجوده ازدياد معدلات الطلاق في السنوات الأخيرة، والتي بدورها تكلّف المجتمع أموالاً طائلة، لافتًا، في الوقت ذاته، إلى أنه في حال استمرار الأسرة غير المتكافئة دون طلاق فإنها ستكون أسرة ليس بينها روابط قوية.

وأشار إلى حتمية وجود تكافؤ بين الطرفين من حيث المستوى التعليمي والاقتصادي والاجتماعي، فقد حثّ الإسلام على ضرورة أن تعيش الفتاة، عندما تتزوج، في نفس المستوى الذي كانت تعيشه في بيت والدها. وقال الفقهاء: إذا كانت المرأة لا تخدم في بيت أهلها فلابد للزوج أن يكفل لها خادمة. ومن الأهمية أيضًا وجود تكافؤ ديني؛ باعتبار الدين أهم أسس السعادة الزوجية.

وفي هذا الصدد لفت أستاذ الشريعة الإسلامية إلى أهمية فترة الخطوبة بين الشاب والفتاة، وهي قضية مهمة أغفلتها مجتمعاتنا العربية، موضحًا أن أهميتها تكمن في أنه في حال اكتشاف عدم تكافؤ الطرفين أثناء الخطبة فلابد من فسخها؛ لتجنب المشكلات التي قد تحدث بعد الزواج.

 

نفسي وعقلي

ويختلف الشيخ جمال قطب، رئيس لجنة الفتوى السابق بالأزهر، مع الرأي السابق، موضحًا أن التكافؤ الاجتماعي بين الزوجين ليس الأساس لقيام حياة زوجية سعيدة وناجحة، ويقول: إن المقصود به هو التكافؤ العقلي والنفسي والثقافي؛ لأنه هو الذي يساعد على نجاح الحياة الزوجية.

واعتبر قطب الفروق الاجتماعية بين الزوجين من ناحية التخصص العملي والمستوى الاقتصادي أو الحي السكني من الأمور الجانبية التي يمكن التغاضي والتخلي عنها، أو إصلاحها وتعديلها، مؤكدًا أنه إذا وجد التكافؤ العقلي والديني بين الطرفين وجدت الحياة الزوجية السعيدة والناجحة.

وقال: إن الدين الإسلامي لم يحثّ على ضرورة التكافؤ المادي والاجتماعي، بل شدّد على ضرورة التكافؤ الديني، واختيار أصحاب الدين، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوّجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض"، ولذا فإن من أهم معايير اختيار شريك الحياة هو الدين والتكافؤ الديني بين الزوجين. أما عن تمسّك الآباء بضرورة وجود التكافؤ الاقتصادي والاجتماعي؛ فلم ينص الدين الإسلامي، كما يقول قطب، على هذا النوع من التكافؤ كشرط من الشروط التي يجب توافرها لقيام الزواج.

 

مشروط

ولعلماء الاجتماع وجهة نظر أخرى، حيث يرى د.علي ليلة، أستاذ علم الاجتماع، أن التكافؤ مطلوب بين الزوجين لكن ليس التكافؤ المطلق، ويقول: ه ناك أشياء مشروط فيها التكافؤ مثل الدين والثقافة والعمل وكلها أسس مطلوبة، حيث إن التباين بين الزوجين في المستوىالوظيفي مثلاً قد يؤدي إلى انهيار الأسرة والأطفال، كما لابد للزواج أن يقوم على التقارب الفكري والتعليمي والثقافي بين الزوجين، إلا أنه ليس من الضروري أن يكون متوفرًا في المستوى الاقتصادي والمادي.

وأوضح ليلة أن التدين هو المعيار الأساسي والأهم لاختيار شريك الحياة؛ لأن الشخص الذي يعرف الله، يراعي القيم والأخلاقيات، معتبرًا أن تمسّك الآباء بفكرة التكافؤ الاجتماعي من حيث المستوى الاقتصادي والمادي بات أمرًا غير واقعي في عصر الإنترنت، فالآباء لابد أن يقتصر دورهم على المشورة فقط دون الاختيار والتشبث بالرأي في اختيار شريك الحياة لأبنائهم؛ لأن الذي يتزوج هو الشاب والفتاة وليس الآباء. وأضاف أن التكافؤ التعليمي والثقافي أهم بكثير من التكافؤ الاجتماعي؛ لأن اختلاف لغة الحوار والثقافة بين الزوجين يؤثر تأثيرًا سلبيًا في الأسرة ويؤدي إلى تفككها ويؤثر في الأطفال وفي التنشئة الاجتماعية لهم بل قد يدمرهم نفسيًا، ويخلق العديد من المشكلات داخل الأسرة.

 

Leave a Reply