أسئلة فلسفية .
بين العقل والدماغ
عبدالعزيزالخطابي
أخذت النظرية السلوكية التي سيطرت على علم النفس منذ عشرينات القرن العشرين في التراجع مع بداية السبعينات. وقد أفسحت هذه النظرية المجال لأنموذج paradigm جديد يُبرِز دور العقل في تشكيل الظواهر ويشدد على الارتباط العضوي للظواهر ككل. وقد تجلَّى هذا الأنموذج الجديد في التحول المباشر المتصل بالمعرفة العلمية وبعلاج الحالات النفسية.
لقد كان علم نفس السلوك يتجنب تفسير الظواهر الذاتية التي تتضمن الصور النفسية والأحاسيس والأفكار والذكريات والمضامين الأخرى للتجربة الداخلية من خلال اعتماد مبادئ مادية صرف. ولكن تلك الظواهر ذاتها أصبحت مقبولة على أوسع نطاق، ومستخدَمة كبنى شرعية تقبل التفسير في ميادين العلوم الأكثر موضوعية. وهكذا انتقلت التجربة الإدراكية من كونها حالة لاسببية، هي ظاهرة عابرة epiphenomenon موازية أو مطابقة، إلى كونها سبباً أصيلاً يؤثر بوصفه عملية تفاعل متبادل.
وفي هذا السياق أصبح الأنموذج الجديد الذي اعتمد الذاتية في التفسير بديهياً، ليس فقط في الميادين المعاصرة لعلم النفس، بل وفي مختلف مناهج العلوم وفي مجالات مختلفة من التجارب والأبحاث. وقد اتخذ هذا المثال الجديد صيغاً متنوعة متكاملة، ناتجة عن تنوع الجماعات العلمية. ولما كان علماء النفس يعتبرونه الثورة الثالثة في علم النفس فإنهم ينسبون الثورتين الأولى والثانية، على التوالي، إلى فرويد ومدرسته في التحليل النفسي، وإلى بافلوف[1] وواطسن والمدرسة السلوكية[2].
وعلاوة على ذلك، باتوا ينظرون إلى المبادرة الجديدة على أنها تحقيق للمبادئ الكلانية holistic الذاتية التي نادى بها أبراهام مازلو وكارل روجرز اللذان يناصران علم نفس الإدراك، والظاهراتيون[3] phenomenologists الذين استمرت معاركهم فترة طويلة مع المدرسة السلوكية. ولئن كان بعض العلماء الذين يدعمون أصحاب نظريات الإنسان يميلون إلى الاعتقاد بأن هذه الثورة تشكل تطوراً متماسكاً للنظرية العامة للإنسان يرى بعضهم الآخر فيها تعبيراً عن الاتجاهات الإنسانية–الاجتماعية الفعالة. والحق أن العديد من المفكرين يأخذ بمبدأ الذاتية باعتبارها حصيلة لاتجاهات العصر وتعبيراً عن وجهته الفكرية. وهكذا أخذ غالبية المفكرين ينادون بضرورة إحداث تغيير في علم النفس بعد سيادة علم نفس السلوك حوالى خمسة عقود. وقد شكَّل كل ذلك دليلاً على أن الأنموذج الجديد استطاع أن يفرض نفسه بقوة، كما أكد أن العديد من الاكتشافات العلمية ساهمت في تأكيد ارتباط الظواهر بعضها ببعض واعتبار الذات الإنسانية كينونة فعالة تشكل عاملاً أساسياً يتدخل في الظواهر المراقَبة والموصوفة. وبذلك تبيَّن أن الأنموذج الجديد قادر على تقديم الحلول للعديد من الإشكاليات المطروحة. ففي نطاق علم النفس يرى سبِرِّي[4] أن التحول من السلوكية إلى الذاتية النفسانية يشكل انعطافاً نحو نمط معدَّل من الحتمية، حيث تمَّ التغير الحتمي الجزئي للأنموذج إلى أنموذج يؤكد الحتمية.
يسعى واضعو الأنموذج الجديد إلى جعله أنموذجاً مؤهلاً لتمثيل اتجاه في الفلسفة المعاصرة ونسقاً معتمداً في علم النفس والعلوم الأخرى. ويستطيع هذا الأنموذج أن يوحِّد الأفكار في الفينومينولوجيا. على هذا الأساس، تكون النتيجة وصفاً علمياً معدَّلاً للطبيعة الإنسانية ولكل القوى التي تحكمها، وتحولاً إلى عالم هو عصر جديد، يشير إلى ارتباط العلوم بعضها ببعض، وإلى علاقة العلوم بالقيم، بما يوجِد حلاً لإشكالية الحتمية والحرية وعرضاً لبعض الحلول الأخرى التي تنبئ برؤى تتجلَّى فيها علاقة العلوم المادية بالعلوم الإنسانية؛ هذا بالإضافة إلى الكثير مما يخص مجالات البحث الإنساني والعلمي مما يتطلب فهم ثورة العلم الحديث، أو بالأحرى ثورة الوعي، أسبابها وبنيتها ومعانيها.
تشبه التساؤلات المتعلقة بإشكالية الدماغ–العقل تلك التساؤلات المتعلقة بقضية الكل والجزء. ويسود هذه التساؤلات غموضٌ فلسفي ودلالي هو عرضة لنقاش لا ينتهي ولا يُحَل. وسوف نعرض في هذا البحث لعلاقة وتفاعل العقل والدماغ وفق ما أتى به أشهر علماء فسيولوجيا الأعصاب، أمثال شرِّنغتون[5] وإيكّلز[6] وسبِرِّي، الذين أسندوا علومهم إلى فلسفتي كُون وبوبِّر، واستناروا بأفكار تيار دو شاردان وكارل يونغ. وقد أسهم كل من هؤلاء مساهمة فعالة في خلق الأنموذج الجديد وإحداث التحول الضروري إلى الأنْسَنَة القصوى.
لمحة فلسفية
يمكننا أن نبدأ حديثنا بالتساؤل التالي: ما العلاقة القائمة بين المكوِّنين، العقل والجسم، اللذين يمتلكهما الإنسان؟ والحق أننا لا نجد مفراً من البحث المتصل بهذا الموروث الغني العميق الذي يضعنا مباشرة أمام هذا التساؤل. في محاولة للإجابة عن هذا التساؤل سعى أحد الفيزيائيين، هو تيودور فتشنر،[7] إلى كتابة معادلات تصف العلاقات الوظيفية بين النفسي والفيزيائي. لقد تجلَّت حصيلة أبحاثه في قانون عُرِف بقانون فتشنر–فيبر. وقد عبَّر فيبر عن هذه العلاقة الفيزيائية بطريقة أكثر بساطة وبدائية. واعتقد فتشنر أنه يقيس شيئين مختلفين، المنبِّه الخارجي من جهة، والحدث النفسي من جهة أخرى. أراد فتشنر أن يبرهن بطريقة تجاربية empirical على ما تأرجح الفلاسفة، على مدى مئات السنين، بين نفيه وإثباته.
نبدأ بديكارت الذي قاد في القرن السابع عشر ثورة فكرية استمرت نتائجها حتى بداية القرن العشرين. تحدث ديكارت عن مقولتين للوجود: العقل والمادة، وأقام بينهما علاقة هي علاقة العلَّة بالمعلول، يكون فيها الفكر هو المعطى الأولي. أما هيوم فقد رأى أن وجود عالم حقيقي لا يقوم إلا على الاعتقاد, أي لا يمكن البرهنة عليه. وفي مقابل الشك الديكارتي أخذ هيوم بمذهب الإيمان والشك بالعقل والمادة والمعرفة. بينما ميَّز برغسون أولاً بين العقل والذهن, واعتبر العقل وظيفة من وظائف الذهن موجَّهة نحو المادة الجامدة. وفيما يتعلق بنظرية المعرفة، أي إبستمولوجياً، رأى أن المادة ذات خاصية تحدد صورة العقل وأن العقل لا يفرض صورته على المادة. لقد تكيَّف العقل والمادة كل منهما بالآخر تدريجياً حتى توصَّلا إلى صورة مشتركة. والحق أن ما من مدرسة فلسفية إلا وتطرقت إلى هذه الإشكالية التي تتبنى وجهة نظر ثنائية أو أحادية أو توفيقية. فإما أن تعتبر الوجود الأولي للعقل، أو أن العقل نتاج للمادة، أو تنفي الوجود المادي كحقيقة موضوعية بحيث لا يكون من وجود للمادة إلا من خلال العقل. والحق أن عدم معالجة هذه الإشكالية، بحدِّ ذاته، موقف فلسفي (راجع تصنيف الجدول 1).
يعقب هذا التصنيف سؤال إضافي يطرح القضية على النحو التالي: من يعلن وجود حقيقتين ليس غير؟ ماذا لو كانت هناك عناصر أخرى؟! وفي إجابتنا نقول: قد يلائم بعضهم إضافة لاوعي، هو مركَّب حقيقي أو إضافة ناتجة عن وعي أعلى. والحق أن العديد من المدارس تشير إلى وجود أكثر من نوعين للحقيقة، فتقول بالتعددية؛ ولكن المسألة من الصعوبة بمكان بحيث إننا مدعوون إلى ترك العقائد جانباً ومقاربة المسألة في هذا البحث على طريقة كارل بوبِّر التجريبية، إذ يقول: "أتمنى أن أعترف، منذ البداية، بأنني واقعي، وأقترح، بواقعيتي الساذجة، وجود عالم فيزيائي وعالم آخر يتميز بالوعي، وأعترف بتفاعل هذين العالمين." ويشير الفيزيائي أويغن ويغنر إلى الإشكالية عينها فيقول: "يوجد نوعان من الحقيقة أو الوجود، حقيقة وعي وحقيقة وجود كل شيء آخر. وهذه الأخيرة ليست مطلقة بل نسبية... وإنني أستثني الاحساسات المباشرة من مضمون الوعي، وأعتبر كل شيء يحيا في بنية... بعض هذه البنى أقرب من بعضها الآخر من الاحساسات المباشرة." أما شرودنغر فقد عبَّر عن المسألة تعبيراً وافياً إذ صرَّح عام 1958: "العالم بناء من أحاسيسنا وتصوراتنا وذكرياتنا. ومن الملائم أن ننظر إليه كوجود موضوعي بذاته. وبالتأكيد لا يصير متجلِّياً بمجرد وجوده؛ إذ يتعلق شرط تجلِّيه بقسم خاص من هذا العالم له منطقه، أي ببعض الأحداث التي تقع في الدماغ. وهذا النوع غير الاعتيادي من التضمن يختصر السؤال التالي: ما هي الخصائص التي تميز هذه السيرورات الدماغية وتؤهِّلها لإفراز عملية التجلِّي؟" لقد أصبحت كلمة "عقل"، في رأي علماء العصر ومفكِّريه، الموصل إلى ميادين علم النفس والطب والفيزياء وغيرها.
الآليات العصبية التي تتدخل في عملية الإدراك
رأى أرسطو أن القلب يحتل مركز العقل. وأعطى ديكارت أهمية كبيرة للغدة الصنوبرية. أما وقد تم الكشف عن البنية المجهرية للدماغ بواسطة التقنيات النسيجية المعقدة والمجهر الإلكتروني فيمكن التأكيد على أن الدماغ يمتلك، بلا شك، البنية المناسبة ليكون المرتكز المادي لكل عملية فكرية. وبالطبع لم يتأكد هذا الكشف بالدليل القاطع، وما زال يعتمد على قدرة محدودة جداً على الرصد والملاحظة، يحييهما غالباً تصور وخيال لا حدود لهما.
يُعدُّ القشر الدماغي البنية الأساسية للدماغ؛ فهو يشكل الطبقة السطحية المغلِّفة لخلايا عصبية مجتمعة بكثافة، يُقدَّر عددها بحوالي 10 آلاف مليون خلية. والخلايا العصبية واحدات حية فردية تنقسم إلى عدة أنواع؛ وتتصل كل خلية بالأخرى بواسطة نقاط خاصة تسمى نقاط التساقي synapses. وتتلقى كل خلية عصبية عدة آلاف من الاتصالات بأغصان تنشأ من خلايا عصبية أخرى. وتؤثر كل خلية، بدورها، على عدة مئات أو آلاف الخلايا العصبية الأخرى. وهكذا يمكن تمثيل القشر الدماغي بشبكة هاتفية، حيث تتلقى كل خلية عصبية رسائل من مئات الخلايا العصبية الأخرى (تلاقي convergence) وتقوم، بدورها، بتزويد الخلايا الأخرى (تشعُّب divergence).
وإذا كان علينا أن نرسم تخطيطاً هندسياً لهذه البنية فلن يكون ذلك ممكناً بواسطة الأبعاد التقليدية الثنائية أو الثلاثية، بل بعدد متغير من الأبعاد قد يصل إلى المئات. وقد يشكِّل مثل هذا العدد – عدد التلاقي أو التشعُّب – تحدياً كبيراً للهندسة المتعددة الأبعاد.
يوجد في القشر الدماغي نوعان من التساقيات: تساقيات منبِّهة excitory وتساقيات مثبِّطة inhibitory. وفي هذا التعقيد الخلوي الواسع المتعدد الأبعاد تشكِّل كل خلية عصبية موضوعاً لرسائل التساقيات المنبِّهة والمثبِّطة بحيث تكون أجوبةُ الخلايا الحاصلَ الصافي للتأثير المحدَث عليها (فرق التأثير). ويُقدَّر الوقت الأساسي الضروري لعمل خلية عصبية بـ 0,001 من الثانية للخلايا ذات المحاور الأسطوانية القصيرة. وهذا يمثل الوقت الكلِّي بين تلقِّي التنبيه الذي يطلق نزع الاستقطاب depolarization من على إحدى نقاط التساقي وبين وصوله إلى نقاط التساقي على الخلايا العصبية الأخرى. ويؤدي نشوء الاستقطاب في مجموعة من الخلايا العصبية إلى انتشاره السريع إلى ملايين الخلايا في أجزاء الألف من الثانية. ولكن نقاط التساقي المثبِّطة تكبح هذا الانتشار الانفجاري الخطير. وحتى الآن لم يتم تصوُّر وفهم طريقة العمل العصبي الذي يتضمن نشاط عشرات الملايين من العصبونات neurons في القشر الدماغي, ذلك النشاط الذي ينشأ أثناء كل أنواع التجارب الإدراكية، كالذكريات والأفكار والنوايا. وقد أضاءت الدراساتُ المنصبَّة على الطريقة التي يستعلم بها الدماغ عما يجري في العالمين الخارجي والداخلي عمليةَ الإبصار بكثير من النجاح: تصل موجات إلكترومغناطيسية من 400-700 ميليميكرون إلى الشبكية لإعطاء تنبيهات على مسار ألياف العصب البصري، فتجتاز السيالة الكهربية ألياف العصب البصري، وتنتقل المعلومات من الشبكية إلى القشر البصري بشكل مُرمَّز من خلال تردد النبض في الليف العصبي والعلاقة الطوبوغرافية بين المنشأ الشبكي والنهايات القشرية.
يعتقد بعضهم، علماء وفلاسفة، أن الأحداث العصبية هي الشرط الضروري الوحيد والكافي لعملية الإدراك. بكلمات أخرى نقول: ليس ثمة انفصال بين التجربة النفسية والأحداث العصبية. وتسمى هذه النظرية الفيزيائية بفرضية التماثل أو التطابق identity hypothesis. ومما لا شك فيه أن الأحداث العصبية المنتقلة من الشبكية إلى التنبيهات العصبية المعقدة في القشر الدماغي تحمل المعلومات الضرورية لعملية الإدراك على نحو مُرمَّز. وهذا شرط ضروري لعملية الإدراك. ولكن فرضية التطابق التي تعتبره الشرط الكافي تستعمل طريقة بارعة لتغطية المأزق الهام الذي يتطلب تفسير كيفية تحوُّل هذه المعلومات المرمَّزة إلى صور وألوان وأسماء مؤدية إلى ردود وأفعال إرادية... على هذا الأساس نعترف بأن فعل الإدراك لا ينشأ بمجرد تفعيل القشر الدماغي، رغم اعتباره فعلاً ضرورياً على طريق توليد فعالية أعلى تتعلق مباشرة بالوعي.
وقد ظهر أن هذه المراحل الأولى من التفعيل لا تعيقها أو توقفها عمليات التخدير العميقة نسبياً، وذلك بحسب ما ظهر من خلال الاستجابة الكهربائية للقشر (جاسبر، 1966). إضافة إلى ذلك فقد اتضح أن وميض الضوء يتطلب على الأقل 0,2 من الثانية من النشاط الدماغي قبل حصول عملية الإدراك (تجارب كروفورد، 1927). ومن أفضل التجارب التي أجريت لدراسة ظاهرة الفترة الزمنية السابقة للإدراك، هي تلك التي قام بها ليبت وزملاؤه على القسم الحسَّاس من القشر الدماغي للتنبيهات السطحية على الجسم. وقد وجدوا، بعد توافر شروط عتبة التنبيه كلِّها، ضرورة انقضاء نصف ثانية على الأقل قبل بدء الإحساس بالتجربة.
حالات الوعي
تسمح هذه اللمحة عن الفعالية العصبية لتجربة الإدراك باستبعاد أية أفكار تبسيطية لما تذهب إليه فرضية التماثل التي تدَّعي بأن مجرد وجود الفعالية العصبية في القشر الدماغي يعني الإدراك. والحق أنه يجب علينا، أولاً وقبل كل شيء، التذكير بوجود فعالية عصبية واسعة في القشر الدماغي عند المرء الصاحي، حتى في غياب الواردات الحسية. وتشير التجارب إلى وجود فعالية عصبية في القشر الدماغي أثناء النوم تتفعَّل وتتضخم خلال فترات الأحلام. ومع هذا نعلم أن فترة من الوقت ضرورية للانتقال عبر نقاط التساقي المختلفة، وتوليد الفعالية العصبية قبل ظهور فعل الإدراك. وأخيراً يجب أن نعرف أن الانتباه مطلوب لتسجيل خبرة واعية، وأن جزءاً صغيراً من التعقيد العصبي يدخل في التجربة، الأمر الذي يجنِّبنا الشواش الضخم الذي يمكن أن يحصل إذا تداخلت في عملية الإدراك كل الفعالية الدماغية الممكنة في أي وقت.
وعلى نحو مباشر, يفيدنا تفحُّص طبيعة عملية الإدراك أيضاً بأنها متعددة الوجوه؛ إذ لا ندرك في حقلنا البصري العلاقات بين الأشياء فحسب، بل ندرك أيضاً درجة إضاءتها وألوانها... وهذا لأن اللون معلومة مرمَّزة ترميزاً خاصاً، ومشتقة مما يَرِد إلى الشبكية التي تمتلك مستقبلات ضوئية خاصة للَّونين الأحمر والأخضر.
من خلال هذه الخصوصية التي تتميز بها عملية النقل تصل المعلومات إلى البنى الدماغية القشرية حيث ينشأ إدراك اللون. وفي الواقع، يجب الاعتراف بأن اللون ينشأ في الصورة كخبرة مشتقة من بعض الأنماط المرمَّزة ترميزاً خاصاً. وهذا يقودنا إلى الاستنتاج التالي: لا يوجد لون في العالم الموضوعي. وهكذا يمكننا تعميم الأحكام ذاتها على الحواس الأخرى فنقول: لا يوجد صوت أو أصوات تتميز بصفات في العالم الخارجي... وعلى غير ذلك، توجد أنماط خاصة من الفعَّالية العصبية تتحول إلى تجربة إدراكية كحصيلة إبداعية كلِّية.
نخلص من هنا إلى النتيجة البسيطة التالية: إننا نملك كل ما يمكن تخيله من تعقيد للعمليات العصبية الدماغية – هذا التعقيد الذي يتسامى فوق أي تقدير إنساني. فكما يقول شرِّنغتون: "تختلف التجارب الإدراكية عن أية آلية دماغية. والحق أن الآليات الدماغية ضرورية لعملية الإدراك لكنها ليست بالضرورة شرطاً كافياً. إن أكثر العمليات الدماغية تعقيداً تحدث ضمن العالم المادي... وفوق هذا المستوى يوجد عالم العقل، عالم التجربة الإدراكية، أو، كما يسميه تيار دو شاردان، النوسفير Noosphere."
ينتمي الاعتقاد بوجود عالم مستقل لحالات الوعي – عالم أشار إليه كل من ويغنر وبوبِّر وشرودنغر – إلى تاريخ يزخر بالأفكار. فقد تحدث ديكارت عن ثنائية العقل والمادة؛ وأشار إلى أن الإدراك ينشأ من الإشارات التي تنقلها الحواس إلى الدماغ، وأن العقل قادر أن يلعب دوراً في التأثير على العالم الخارجي. وتُفسِّر العبارة الأخيرة حقيقة الفعل الإرادي والاختيار الحر.
مفهوم العالم الثلاثي عند كارل بوبِّر
يشكِّل العديد من الآراء الفلسفية تطورات وتنويعات على العالمين الذين قال بهما ديكارت، المدعوين بالثنائية. وبين الكثيرين الذين أخذوا بهذه الآراء جون إكّلز الذي كان يعتقد أن هذين العالمين يؤمِّنان فهماً مناسباً لخبرتنا وثقافتنا كلِّها. وقد طرأ على أفكاره شيء من التعديل بعد أن اطَّلع على آراء بوبِّر وتصوراته لعوالم ثلاثة.
رسم 2: جدول بمحتويات العوالم الثلاثة
1. العالم الأول هو عالم الحالات والموضوعات المادية... ولا يحتوي هذا العالم المادة اللاعضوية وطاقة الكون فحسب، بل يحتوي أيضاً بنى وأفعال الكائنات الحية، من نبات وحيوان، والأدمغة البشرية ذاتها؛ وإضافة إلى ذلك يحتوي المنتجات المادية التي يصنعها الإنسان، كالأدوات والآلات والكتب والأعمال الفنية والأفلام والكومبيوترات.
2. العالم الثاني هو عالم الإدراك والحالات النفسية. إنه العالم الذي يعرفه كلٌّ منا في ذاته، بالدرجة الأولى، وفي الآخرين، عن طريق التداخل بالدرجة الثانية. إنه عالم المعرفة الذاتية، الذي يحتوي خبراتنا الناتجة عن تصوراتنا وتفكيرنا وعواطفنا وخيالاتنا ونوايانا وذكرياتنا.
3. العالم الثالث هو عالم المعرفة الموضوعية الذي يشمل مجموعة واسعة جداً من المضامين. إنه تمثيل تعبيرات الأفكار العلمية والأدبية والفنية التي حُفِظَت بشكل وثائقي في المكتبات والمتاحف وشبكة إنترنت وتسجيلات الثقافة الإنسانية كلِّها.
وعلى سبيل المثال، تقع الوثائق، كالكتب المركبة من جزيئات المادة (كالحبر والورق) في العالم الأول. أما الصور والمعرفة التي تحملها الطباعة فموجودة في العالم الثالث. تتمثل المحتويات الأكثر أهمية في العالم الثالث في الأنساق النظرية التي تشمل المشكلات العلمية والآراء النقدية المتعلقة بمناقشة هذه المشكلات. وخلاصة القول إن العالم الثالث يزخر بتسجيلات المجهودات الفكرية للإنسانية جمعاء عبر العصور حتى اليوم، أي ما يمكن أن نسميه الموروث الثقافي.
ويُظهِر الجدول 2 طريقة التفاعلات بين العوالم الثلاثة كما حدَّدها بوبر. فهناك تحول متبادل بين العالمين الأول والثاني وبين الثاني والثالث. أما التبادل بين العالمين الأول والثالث فلا يتم إلا من خلال العالم الثاني وبواسطته. ويبقى العالم الثاني – وهو عالم المعرفة الذاتية – خاصاً بكل فرد. ومع ذلك يظل في حالة تلقٍّ ونقل مستمرين بينه وبين العالم الأول، ونعني من خلال العلاقة القائمة مع الأشخاص الآخرين والمحيط. أما العالم الثالث فيتقاسمه عدد كبير من الأشخاص. ومع ذلك يقوم كل فرد بمعاينة الجزء أو الأجزاء التي تهمُّه من هذا العالم.
رسم 3: الطرق الرئيسية لدفق المعلومات عند الإنسان
يُظهِر الرسم، على بساطته وعند المستوى الأدنى من التمثيل الرمزي، تعقيداً كبيراً. يظهر الجسم منفصلاً عن العالم الأول. ويبيِّن أحد الأسهم طريق التلقِّي من العالم الأول، أي الطرق الوافدة. وبالمقابل، توجد الطرق العصبية الهابطة التي تقود الأوامر من الدماغ إلى الأعضاء المنفِّذة، كالعضلات، التي تترك آثارها على العالم الأول. الخط المعترض في الدماغ يُظهِر المنعكسات اللاواعية المتنوعة. والسهم العمودي الصاعد يتابع اتجاهه إلى الأعلى حتى يصل إلى المستطيل العلوي الذي يمثل ذلك الجزء من الدماغ الذي تتصل فعاليته مع العقل الواعي للعالم الثاني. يوضح الرسم أن الأعضاء المتلقِّية والطرق العصبية تؤمِّن الأقنية الوحيدة للتواصل التي يمكن للدماغ بواسطتها الإحساس بالأحداث في العالم الخارجي، أي العالم الأول، وليس العالم الثالث بالطبع. أما العالم الثالث فلا يمكن الإحساس به مباشرة، ولكنه، مع ذلك، يظل على صلة بجزء خاص من العالم الأول، العالم 1–ب، الذي يتجسد بالأوراق والحبر التي تشكِّل الكتب.
تنتقل الكلمات والأحرف المطبوعة برموز أو أنماط عصبية متنوعة من الشبكية إلى قشر الدماغ المسؤول عن الرؤية، وإلى المراكز الدماغية المحلِّلة للرموز التي تمنح الخبرة الإدراكية للعالم الثاني. وبالمقابل، يحدث الانتقال من العالم الثاني إلى العالم الثالث، كتعبير عن فكرة علمية أو فنية على سبيل المثال، بالطرق الصادرة إلى الأعضاء المنفِّذة، ومنها إلى قسم خاص، هو العالم 1–ب، حيث تُسجَّل الرسالة المرمَّزة.
يتضح لنا أن إدخال تعقيد إضافي على الدماغ (رسم 3) أمر تقتضيه الضرورة، أي المقر المركزي الذي يمثل مخازن الذاكرة للمحتويات التي تعود بشكل خاص للعالم الثالث. وهذا لأن ما يمكن تسجيله في العالم الثالث يمكن حفظه أيضاً في الذاكرة (3–ب). وعندئذٍ يحضر الذهن مباشرة في النقاشات العلمية أو الفنية أو القضايا الثقافية الأخرى. والحق أن إسهامات العلماء في مؤتمر علمي تتأتى غالباً من مخازن الذاكرة للمشاركين، وليس من الكتب التي يمكن إحضارها. وينطبق هذا المثال على الملاحم والقصائد والسِّيَر والأساطير والقصص التي تستمر حية في ذاكرة الأجيال المتعاقبة.
الوجود المستقل للعالم الثالث: عالم المعرفة الموضوعية
في محاولة لوصف الوجود المستقل للعالم الثالث قدَّم بوبِّر تجربتين عقليتين:
1. التجربة الأولى: لو أن أدواتنا وآلاتنا ومعلوماتنا الذاتية، بما فيها المعرفة الذاتية عن الآلات والأدوات وكيفية استعمالها تعرضت للتدمير، لبقيت المكتبات وقدرتنا على التعلُّم والحفظ قائمة. من الواضح أن عالمنا – بعد معاناة ما – سيعود إلى ما كان عليه.
2. التجربة الثانية: لو أن كل الأدوات والآلات ومعارفنا الذاتية، بما فيها كل ما يتعلق بتلك الآلات والأدوات وكيفية استعمالها تعرضت للتدمير، ودُمِّرت معها المكتبات، لأصبحت قدرتنا على التعلُّم من الكتب عديمة الفائدة.
نستنتج ما يلي: إن التفكير في هاتين التجربتين يجعل درجة استقلالية العالم الثالث ومعناه، بما في ذلك قدرته التأثير على العالمين الأول والثاني، أوضح بكثير. ونتبين كيف تصبح عودة حضارتنا إلى سابق عهدها في الحالة الثانية متعذرة قبل بضعة آلاف من السنين.
يجدر بنا أن نعترف بأن المعرفة الموضوعية (العالم الثالث) هي نتاج للنشاط الثقافي والفكري الإنساني. وعلى الرغم من وجودها المستقل عن موضوع المعرفة إلا أنها يجب أيضاً أن تكون قابلة لأن تُعرَف. وهذا يعني أن لها وجوداً مستقلاً، إنما ليس استقلالاً نهائياً ومطلقاً. وتُعدُّ رُقُم إيبلا التي اكتشفت منذ سنوات مثالاً واضحاً على ذلك. وعلى الرغم من بقاء تلك الرُّقُم مدفونة تحت التراب لفترة طويلة، لكن المعلومات التي حملتها كانت دائماً موجودة في العالم الثالث. ويعود وجودها الدائم إلى إمكان فهمها وإدراكها من خلال حلِّ رموزها وأبجديتها.
لقد أطلق كارل بوبِّر على العالم الثالث تسمية عالم الفكر الموضوعي. وقد يبدو ذلك للوهلة الأولى شبيهاً بعالم صور ومثل أفلاطون، لكنه يختلف عنه في الواقع. ففي رأي أفلاطون أن العالم الثالث يحتوي في ذاته على الحقائق النهائية التي تؤمِّن الشروح والتفسيرات والمعاني النهائية لكل تجاربنا. والواقع أن فهم هذه الحقائق الأبدية مرهون بجهودنا الذاتية؛ لذا يقتضي الأمر أن نرنو إليها ونحدسها، دون أن ننقدها أو نغيرها. وهكذا يتضح أن عالم أفلاطون يختلف عن عالم بوبِّر الذي يصنعه الإنسان بجهوده الهادفة إلى فهم العالم الأول والعالم الثاني ذاته. وفي سبيل ذلك نسعى، من خلال طرح الإشكاليات وتصارع الأفكار، إلى استخراج فهم أعمق لتجربتنا ككل. والحق أن ذلك المجهود النفسي، النقدي والخلاق، الذي تكمن فيه التفاعلات بين العالم الأول والذات المختبِرة للعالم الثاني من جهة، وبين التفاعل بين الذات (العالم الثاني) وعالم الفكر الموضوعي (العالم الثالث) من جهة ثانية، يُعدُّ سعياً سامياً ورفيعاً؛ وهذا لأن عالم الموضوعات القابلة للتمثل في الفكر هو عالم الحضارات والثقافات، انطلاقاً من العصور القديمة وانتهاء بالإبداع والخلق الماثلين في عصرنا هذا.
نشوء إدراك الذات
نستعمل عبارة العقل الواعي بذاته في سياق التجارب النفسية العليا التي تجعلنا نعرف أننا نعرف. ويشكِّل هذا السياق أساساً ومقياساً استبطانياً ذاتياً. ويمكننا، من خلال الاتصال اللغوي التعبيري، أن نتثبَّت من أن كائنات إنسانية أخرى تقاسمنا تجربة معرفة الذات نفسها. ويعبِّر تيار دو شاردان عن إدراك الذات بقوله: "من وجهة نظر تجربتنا يشكِّل التفكير، كما تدلُّ عليه الكلمة، القدرة التي يكتسبها وعي يلتف إلى داخل ذاته، ويتِّخذ من ذاته موضوعاً يتصف بثبات خاص ذي قيمة كبرى. وهذا يعني أن الإنسان يعرف ويعرف أنه يعرف." ويتحدث دوبجانسكي عن إدراك الذات قائلاً: "يُعَدُّ إدراك الذات خاصية من الخصائص الأساسية للكائن الإنساني، وقد شكَّل هذا الحدث ظاهرة في التطور بحيث إن الكائنات الحية التي تتحدَّر منها الإنسانية لا تمتلك إلا إرهاصات أو غياب تام لوعي الذات." أما كارل بوبِّر فيقول: "إن الفكر القادر على أن ينعكس على ذاته هو في الحقيقة أحد أكبر المعجزات."
ومع ذلك، يحمِّل اليائسون من الناس إدراك الذات المفاهيم التالية: الخوف والقلق والموت. وبهذا يشكِّل خوف الإنسان من الموت المعوِّق الرئيسي، بحيث إن الإنسان الذي يخشى الموت يتحدَّر من أجداد لم يدركوا شيئاً عن هذه التجربة.
يشير التطور التدريجي لوعي الوليد إلى وعي الطفل النامي إلى تطور إدراك الذات عند الإنسان. وثمة دليل على وجود معرفة بدائية للذات عند الشيمبنزي الذي يستطيع التعرُّف إلى ذاته في المرآة، ويحاول محو علامة ملونة وُضِعَت على وجهه. ويبدو أن إدراك الذات البدائي، إبان سيرورة تطور الفرد، يظهر في صدمة تجربة الموت – الظاهرة المتجلِّية في الاحتفالات الجنائزية المتصلة بالمعتقدات الدينية المختلفة للشعوب. والحق أن الشيء ذاته يقع للطفل؛ وهذا لأن تحقيق الذات يسبق بسنوات الإدراك الناتج عن تجربة الموت.
وقد يكون من المفيد أن نتمثل انتقال المعلومات إبان ظهور إدراك الذات. يتألف عالم التجارب الإدراكية (العالم الثاني) من ثلاثة مكوِّنات رئيسية:
أ. حواس خارجية،
ب. وحواس داخلية
ت. تندمج في المركز الذي نسميه "الأنا" (الرسم 4).
ولئن كنا نفترض أن الحيوانات العليا تعي، لكنها لا تعي ذاتها، فإنه يمكننا حذف القسم المركزي فيما يخصها والاحتفاظ بالعناصر التابعة للحواس الخارجية والداخلية (رسم 5). ولقد أظهر تدريب القرود على الكلام أن الانفعالات تلعب دوراً غالباً في تركيز القردة على الاستخدام البراغماتي (=الذرائعي) للُّغة، بغية الحصول على ما تريد. وعن الظهور التطوري لإدراك الذات ذكر دافيد لاك وكونراد لورنتس أن هناك هاوية لا يمكن اجتيازها بين النفس والجسم. ومع ذلك، يقتضي الأمر أن نعتمد على نواة مركزية، ونعمل على تنميتها لنثبت الظهور الكلِّي للنفس. ومن خلال سيرورة تطور الإنسان نشاهد الانتقالات بين الحالات المبينة في الرسمين 4 و 5.
تشبَّه هذه الانتقالات بالانتقال التدريجي من الوليد إلى الطفل البالغ. وفي كل الأحوال تتسم هذه العملية بالمعجزة. وقد أشار كارل غوستاف يونغ في كتبه إلى أن غياب المركز عن حقل الوعي (أي غياب الأنا) يلغي عملية إدراك الأنا للحقل الواعي ذاته، ويلغي، بالتالي، إمكانية إدراك الذات والفعل الإرادي. وهذا لأن يونغ يرى أن الأنا مجهَّزة بقدرة عظيمة خلاقة هي اكتساب إنساني متأخر يسميه الإرادة.
الإنسان والعالم الثالث (عالم المعرفة الموضوعية)
إذا كان الوليد يمتلك دماغاً إنسانياً فإن تجربته مع العالم الثاني تظل بدائية جداً، وتجربته مع العالم الثالث تظل معدومة. وهذا يقودنا إلى القول بأن الوليد لا يمتلك شخصية خاصة مستقلة. ويُعَدُّ نشوء وتنامي إدراك الذات (العالم الثاني)، بفضل التعامل مع العالم الثالث، عالم الثقافة، صيرورة مغلقة سرية. ويمكن فهمها على أنها بنية مزدوجة متصاعدة ومتنامية ومتواصلة بعضها مع بعض بصلات متصالبة فعالة (رسم 6). يمثل السهم العمودي في الرسم التوضيحي مسار الزمن انطلاقاً من التجارب الأولى للطفل حتى تشكُّل البالغ المكتمل مروراً بالطفولة. ولكل درجة من درجات العالم الثاني صلة مع المستوى ذاته من العالم الثالث. ويتكرر الأمر في الدرجة الأعلى حيث المستوى الأعلى يمثِّل تزايداً في ثقافة الشخص على نحو رمزي. بدورها، تؤثر مصادر الذات من العالم الثالث على نفسها من أجل خلق مستوى من الوعي أكثر رفعة واتساعاً لهذه الذات. وهكذا يتطور كل منا تدريجياً بعملية خلق ذات تتابع نموها خلال الحياة. والحق أن ما نحن عليه يتعلق بالعالم الثالث الذي استغرقت أنفسُنا فيه، وبالفعالية التي تمَّ بها استغلال الفرص المتاحة لاستخراج الحدِّ الأقصى من قدراتنا الدماغية الكامنة.
لإيضاح أهمية العالم الثالث نذكر إحدى الحالات المأساوية التي أدَّت إلى عزل طفل عمره سنة في حجرة حتى بلغ الرابعة عشر. وبعد تحريره احتفظ بكيانه الإنساني وفق شخصيته، إذ كان في أدنى درجات السلم. والحق أن العناية الطبية، المكثفة والمخلصة، أوصلته إلى سنِّ العاشرة ذهنياً. وعلى الرغم من قيام النصف الأيمن من الدماغ بتأمين الحد الأدنى المطلوب من الكلام، لكن أضراراً بالغة أصابت النصف الأيسر بسبب الامتناع عن الكلام. كما استطاع الطفل أن يصبح شخصاً واعياً يمتلك أحاسيس وقدرات يدوية وبصرية، على الرغم من الانغماس المتأخر جداً في العالم الثالث. هكذا نتبيَّن الأهمية الكبرى للعالم الثالث بالنسبة للإنسان. فإن كان الدماغ يتشكَّل من المعلومات المتضمنة في الشيفرة الوراثية، لكن الشخصية تتشكَّل عن طريق العالم الثالث، أي بالتعلُّم والاكتساب. لقد كان الطفل المذكور يعاني من فجوة أحدثَها غياب التعلُّم والتعامل مع العالم الخارجي لمدة ثلاثة عشر عاماً.
نقتطف بعض ما يقوله تيار دو شاردان في كتابه ظاهرة الإنسان: "حالما يولد الطفل يصبح التنفس ضرورياً، وإلا فإنه يتعرض للموت. وبالطريقة ذاتها يلتف المركز النفسي المفكر إلى الداخل على ذاته بواسطة حركة مضاعفة هي بالفعل حركة واحدة. وعندئذٍ يزداد تركيز ذاته على ذاته، كما يركز باقي العالم حول تأسيس حقل أكثر تنظيماً وتناسقاً في الحقائق التي تحيط به. وتواظب الذات Ego على وجودها بأن تصبح ذاتها أكثر فأكثر بالقياس الذي تجعل من كل شيء آخر أن يكون ذاته. هكذا يصبح الإنسان شخصاً في الشخصانية ومن خلالها."
الإنسان والدماغ
يمتلك كل واحد منا شعور بأنه يعي، بل بأنه يعي أنه يعي ذاته، أي أننا نمتلك معرفة ومعرفة بأننا نعرف. نستطيع، ونحن نسعى إلى تحديد أو تعريف الشخصية، أن نستشهد بفكرتين لإمانويل كانط:
1. "الشخص هو الفرد المسؤول عن أعماله."
2. "الشخص هو الإنسان الواعي لهوية ذاته الخاصة في مختلف الأوقات."
ولما كنا نعتبر الدماغ مركز الفردية الواعية يمكننا أن نعتبر عناصر هامة منه غير أساسية. وعلى سبيل المثال نقول: إن استئصال المخيخ يصيب القدرة الحركية بشدة، لكنه لا يسبب أي ضرر للفرد (الشخصية).
ويختلف الأمر فيما يتعلق بالقسم الرئيسي من الدماغ المؤلف من نصفي الكرة المخية؛ وهذا لأن نصفي الكرة المخية يرتبطان بوعي الإنسان ارتباطاً قوياً. والحق أن 95./. من الناس يمتلكون نصف كرة مخية أيسر غالباً، هو نصف الكرة الرابط باللغة؛ وإن استئصاله يؤدي إلى أضرار نهائية في الشخصية دون أن يلغيها بالكامل. ومن جهة أخرى، يسبب استئصال نصف الكرة الثانوي، وهو نصف الكرة الأيمن، فقد الحركية في الجانب الأيسر hémiplégie والعمى في العين اليسرى hémianopsie، دون أن تخضع الشخصية لاضطرابات حادة. أما الأضرار الملحقة في أجزاء أخرى من الدماغ فقادرة على إحداث اضطرابات خطيرة في الشخصية، كاستئصال النهاية العصبية التي تؤدي طبيعياً العمل الخلفي الضروري لنصفي الكرة المخية. والمثال الأكثر خطورة هو فقدان الوعي العميق في حال تعرض القسم المركزي من الدماغ لحادث.
يُحتمَل أن يرتكز الشرح الكامل لتطور الكائن الإنساني على الدماغ البشري. وقد نكتفي بقولنا بأن التفسير المادي يُمِدُّنا بدلالة أن التجارب الواعية تتأتى من وظيفة الدماغ. ومع ذلك نخطئ إذ نعتقد أن الدماغ هو الممثل (الفاعل) وأن تجاربنا الواعية ليست إلا انعكاساً للوظائف الدماغية. وقد يشكِّل هذا الموقف وجهة نظر فلسفية مقبولة في بعض الأوساط التي تعتبر "الأنا" الواعية مجرد مشاهد سلبي للأدوار المتمَّمة بالآليات العصبية للدماغ، وتعتبر كذلك أن إيماننا بقدرتنا على اتخاذ القرارات وبممارسة رقابة ما على أفعالنا ليس إلا وهماً. ولكن كلاً منا يتصرف كما لو كان – ولو جزئياً – مسؤولاً عن أفعاله الخاصة. وهذا يقودنا إلى فرضية التفاعل الثنائي التي عرضها بوبِّر والكس في أكثر من موضع: دماغنا، من جهة، والذات الواعية، من جهة أخرى. وتُعَدُّ الذات مركز كلِّية التجارب الفردية في حياتنا اليقظة. وأثناء النوم تمتلك الذات وجوداً يقع تحت مستوى الوعي. وفي الأحلام وأثناء اليقظة تسترجع الذات الواعية عملها، مع بقائها مرتبطة بالماضي بفعل استمرار الذكريات والتذكُّر. والحق أن الذاكرة هي التي تخلق فينا أشخاصاً قادرين على القيام بتجارب وجودية موضوعية. وهكذا نواجه المعضلة المبدئية التي طرحها ديكارت: ما هي طبيعة التفاعل بين الدماغ والعقل الواعي؟ ويبقى هذا السؤال لغزاً.
وحدة الذات
نستطيع أن نتعرف إلى، ونتثبَّت من وجود، وحدة نفسية على المستوى الذاتي، من خلال استمرار ذكرياتنا الأولى. وتشكِّل هذه الوحدة النفسية وجوداً إنسانياً عالمياً و تشكِّل، بالإضافة إلى ذلك، الأساس في مفهوم الأنا. وبهذا الصدد يعالج جون إكّلز في كتابه النفس الإنسانية الأبحاث التجريبية التي تشير إلى وحدة الذات. وينتج الإثبات الأكثر أهمية، المتصل بوحدة الوعي، من تجربة سبِرِّي وزملائه على المرضى الذين خضعوا لشقِّ الملتقى بين نصفي المخ commisurotomie. تُجرى هذه العملية أحياناً لإزالة صَرَع معنِّد، وتقوم على قطع الجسم الثفني corps calleux الذي يشكل ممر الألياف العصبية (200 مليون) التي تصل بين نصفي الكرة المخية. وأثناء تقصٍّ أكثر تعقيداً، استمر لأكثر من ساعتين من الفحوص، ظهر بوضوح أن نصف الكرة الثانوي (الأيمن) على علاقة بالأجوبة الواعية على مستوى أعلى من ذاك الذي تمَّ الكشف عنه عند الثدييات غير الإنسانية. أما السؤال المريب الذي يطرح ذاته فهو معرفة ما إذا كان نصف الكرة الأيمن يتداخل مع إدراك الذات، مما يعني أنه يسمح بمعرفة الشخصية. والحق أن سبِرِّي وزملاؤه استطاعوا في بحوثهم المعمقة أن يقدِّروا قدرة المريض على التعرف على صورة معروضة على النصف الأيمن من وجهه. وقد أظهرت التجربة مهارة المريض في التعرف على الصور على الرغم من تثبيط قدرته على التعبير الكلامي. وتمَّت الفحوص المخصصة للتأكيد على وجود وعي ذاتي بسيط على مستوى صوري وعاطفي. ويمكننا أن نشك بأن النصف الأيمن الذي يُظهِر درجة من الوعي يتمتع بوعي كامل للذات. هنا نتساءل: هل يتمتع بقدرة على التخطيط؟ هل يمتلك فاعلية التطلُّع إلى المستقبل؟ وهل تستند أحكامه وقراراته إلى نسق من القيم؟
هذه الخصائص الأخيرة مزايا أساسية للشخصية كما نفهمها عادة، كما تُعَدُّ دليلاً على وجود النفس (أو الروح). ويمكن أن نخلص إلى النتيجة التالية: يرتبط الوعي المحدود للذات بالنصف الأيمن. ومع ذلك، تبقى شخصية الفرد سليمة نسبياً بعد شطر الدماغ إلى نصفين. وهذا يعني أن الوحدة النفسية تبقى سليمة بسبب ارتباطها الحصري مع النصف الأيسر من الدماغ. وبعد شطر الدماغ إلى نصفين يبدو النصف الأيمن، الذي يحوز وعياً شبيهاً بوعي طفل صغير، وكأنه يلعب دور الوسيط. وتشبه صورة الدماغ الأيمن (الرسم 5)، مع وجود مركز صغير، يشير إلى المستوى الأولي للذات. وعلى العموم، نعتقد بأن الكائن البشري لا ينفصم إلى اثنين بقطع الدماغ إلى نصفين، بل يحتفظ بشخصية واحدة تظل على اتصال بالنصف الأيسر (الكلام). ومع ذلك يُحتمَل أن يوجد وعيٌ متدنٍّ يرتبط بالنصف الثانوي، مما يؤدي إلى تشكيل وعيين هما على علاقة في دماغ منقسم إلى اثنين (رسم 7).
فرادة الذات
مما لاشك فيه أن كل إنسان يدرك فرادته التي تشكِّل قاعدة للحياة الاجتماعية وللحقوق والقانون. وإذا فحصنا عن أساس هذه القناعة وجدنا أن علم الأعصاب يقدِّم لنا شروحه في عبارات فيزيائية؛ وينزع الماديون إلى تثبيت الدماغ. أما الثنائيون (التفاعليون) فإنهم يأخذون في اعتباراتهم الأنا والعالم الثاني ككينونة تتمتع بفرادة ترتكز على التجربة. ومع هذا كلِّه نستبعد أي حل تبسيطي لفرادة الذات. والحق أن تجربتنا المباشرة ذاتية، وذلك لأنها مشتقة اشتقاقاً كلِّياً من دماغنا وأنا–نا. ويتحدد وجود الذوات الأخرى عن طريق العلاقة المتداخلة بين الذوات.
إذا كانت فرادتنا المعيشة تنتج مباشرة من فرادة أدمغتنا فهذا يعني أن أبحاثنا يجب أن تُجرى على مستوى فرادة الأدمغة الإنسانية. ولا يمكن أن يتعلق الأمر بفرادة عدد لانهائي من الاتصالات بين 10 ملايين من خلايا القشر الدماغي الإنساني، وهذا لأن هذه الاتصالات تتغير باستمرار (موت وتشكُّل). وعلى الرغم من التأكيد المادي الأكثر انتشاراً أو شيوعاً، الذي يرى أن الفرادة المعيشة تتعلق بالفرادة الوراثية، ما من أحد قام بفحص نقدي عن هذا التأكيد. والحق أن المورِّث الوحيد المسؤول عن الفرادة المعيشة يُعَدُّ حصيلة يانصيب مورِّثي غاية في اللااحتمالية (ضئيل الاحتمال) 1/10000 من كمية تقدَّر، مع التحفُّظ المطلوب، بـ 30000 جينة بشرية.
إضافة إلى ذلك، أوضح ستَنْت بأن التطور الشكلاني للدماغ phenotype يتجاوز المعطيات النمطية الجينية genotype نتيجة للعمليات التي وصفها وادنغتون بـ"ضجيج النمو"bruit de développement. والحق أن النمط الجيني المسؤول عن بناء الدماغ يعمل في محيط، يغيِّر محصِّله صيرورة البناء الشكلاني إلى حدٍّ كبير. ففي مثال التوأمين تساهم الأنماط الجينية المتماثلة في بناء دماغين مختلفين كثيراً، وذلك بسبب التنوع الشديد في "ضجيج النمو". ويجب الانتباه إلى أن ضجيج النمو يجعل كل محاولة لتفسير أحاديثنا المعيشة من خلال أحاديثنا الجينية أمراً عشوائياً. فقد رأينا أن محاولة كهذه تخضع للانهاية من الاحتمالات التي تتحكم بالوجود الفعلي لنمطنا الجيني الوحيد.
يشكِّل التأكيد على أن العامل الحاسم هو فرادة التجارب التي تُراكِمُها الأنا خلال مجرى الحياة جواباً لطيفاً وشائعاً لهذا اللغز، لكنه يظل تفسيراً سطحياً. وعلى العموم، نقبل أن يتعلق سلوكنا وذكرياتنا وكلِّية محتوى حياتنا الواعية الداخلية بتجاربنا المتراكمة خلال وجودنا. ومهما تكن التغيرات التي يمكن أن تفرضها الظروف فإننا نظل نحن ذاتنا المتمتعة باستمرارية الذكريات منذ العام الأول، نبقى ذاتنا إنما بمظهر آخر. لذا يُعَدُّ حذف الذات وخلق ذات أخرى أمراً غير معقول. وقد يضطرنا عجزُ الحلِّ المادي عن شرح فرادتنا المرتكزة إلى التجارب إلى أن نعزو فرادة النفس إلى إبداع روحي فوق طبيعي. ولا نبالغ إذا قلنا بأن المزيد من التفسير بعبارات لاهوتية يجيز لنا القول بأن كل نفس هي مخلوق إلهي يرتبط بالجنين خلال نمو الكائن بين التشكُّل والولادة.
ثمة مقاييس تعتبر الجسم والدماغ كومبيوتر ينشأ عن شيفرة وراثية ويتكوَّن عن طريق التطور البيولوجي. وتشير هذه المعايير إلى أن النفس هي مبرمِج هذا الكومبيوتر. فكلٌّ منا يولد على نحو مبرمَج مع كومبيوتره في الحالة الجنينية الأولية، وينمِّي هذه الحالة خلال حياته كلِّها (رسم 6). هذا الحاسوب هو الرفيق الحميم لكل مراحل الحياة؛ فهو يتلقَّى ويعطي للعالم الذي يحتوي أنا أخرى. هكذا تكمن الأسرار الكبيرة للحياة في كوننا مبرمجين في خلقنا، أو في كوننا نعرف كيف نختبر ونكتشف. وباتحادنا يستطيع كل فرد منا، من خلال وجوده مع كومبيوتره الخاص، أن يجتاز الحدود بين العالم الثاني والعالم الأول.
خاتمة
لقد بتنا اليوم نعرف أن الإنسان ليس مجرد كائن قابل للاختزال إلى أحداث سلوكية معينة؛ وهذا لأن كلاً منا يستطيع أن ينظر إلى داخل نفسه ويرى فرديته الواعية. قد يوفِّر الموقف السلوكي شروحاً كافية عن الإنسان كما يُرى من الخارج، لكنه يفشل إذ يطبَّق على الإنسان من الداخل. ويُعَدُّ هذا الموقف موقفاً خاصاً، إذ يتَّخذه كلٌّ منا احتراماً لذاته الخاصة. وإن محاولة فهم الإنسان أو السلوك الإنساني في إطار علم نفس حتمي تنتج عنه صيرورتنا أسرى حتمية يحكمها عنصران: إرثنا وظروفنا؛ بمعنى أن كل ما يتعلق بالإرادة والتقرير محض وهم. ومن علم النفس الحتمي هذا نشأ الشعور باللامسؤولية، والشعور بعبثية الحياة ولامعناها. وما زلنا حتى اليوم نشكو من العَسَف غير المبرَّر الذي مارسه بعض علماء النفس تجاه عملهم عندما حذفوا من موضوعاته كل التجارب الواعية.
وفي مقابل الشعور بعبثية الحياة وباللامسؤولية، قد تكون المهمة الأساسية للعلم، وحتى للآداب الإنسانية، البحث عن معانٍ وقيم جديدة للحياة، والسعي لإظهار علاقة الإنسان بنفسه وبالآخرين وبالكون – وهو الذي كان يستمد معاني وجوده من هذه العلاقة. يقول جون إكّلز إن سرَّ النفس الإنسانية هو الذي حرَّكه وألهم حياته كباحث في علوم الأعصاب. ويذكر إكّلز عن شرنغتون، الذي كان يرفض وجود الروح، بأنه صارحه في أيامه الأخيرة باعتقاده أن الروح هي الحقيقة الوحيدة. أما بوبِّر فقد اعتبر تسامي الذات الحقيقةَ الأكثر أهمية وإلحاحاً لكل حياة، ولكل تطور، وخاصة التطور الإنساني.
وقد قال يونغ بسيرورة التفردن individuation process التي تذهب من الطبيعة إلى الروح، حيث التفردن لا يستبعد العالم، بل يتضمَّنه؛ إنه سير من التعددية إلى الوحدة. ولم يكن تيار دو شاردان بعيداً عندما قال بالأنسنة humanisation على أنها عملية تصعيد؛ إنها القفزة من الغريزة إلى الفكر بالدرجة الأولى؛ وهي التروحن spiritualisation بالدرجة الثانية.
يبدو أن قدرنا ككائن فريد يتحدد من خلال استمرار الاختبار والسعي والكشف عن المعاني العميقة المتضمنة في هذا الوجود، يدفعنا إلى ذلك الأمل بوجود معنى حميم للروح الإنسانية. وننهي بحثنا بما ختم به شرنغتون إحدى محاضراته قائلاً: "تتبعنا كيف أننا مصنوعون بحيث إن عالمنا الذي هو تجربتنا عالم واحد، عالم ثنائي، عالم الظاهر والباطن، عالم التجربة المدرَكة، والتجربة غير القابلة للإدراك. وهو يبدو لنا واسعاً لا يمكن الإحاطة به، وفي نفس الوقت يبدو وحدة متماسكة منسجمة... وحتى لو كان محكوماً على الوعي أن يختفي في كارثة طبيعية، ومعه عقل الإنسان، فسيكون الإنسان قد حصل على ما يعزِّيه ويكافئه. لقد لمح عالماً متمادياً كان هو علامة من علاماته الموسيقية، والإصغاء للحن بتلك الروعة هو اتحاد مع مبدعه..."!
المراجع
- ECCLES, John, Facing Reality, Edition Roche, Basel, 1973.
- ECCLES, John, Le Mystère humain, Ed. Pierre Mardaga, Bruxelles, 1981.
- ECCLES, John, « Le miracle de l’existence humaine », Le 3e Millénaire, No. 12, 1989, p. 26.
- SHERRINGTON, Charles, Man on His Nature, Penguin Books, Harmondsworth, Middlesex, 1955.
- SPERRY, Roger, « Structure et signification de la révolution de la conscience », Le 3e Millénaire, No. 13, 1989, p. 51.
- KUHN, Thomas, The Structure of Scientific Revolutions, University of Chicago Press, Chicago, 1962.
- POPPER, Karl, “On the Theory of Objective Mind”, International Kongresses für Philosophie, V. I. Wein, 1968.
- Marx Hillix, Systems and Theories in Psychology, U.S.A., 1979.
- بوبر، كارل، منطق الكشف العلمي، بترجمة ماهر عبد القادر محمد علي، دار النهضة العربية, بيروت، 1986.
- تيار دو شاردان، بيار، ظاهرة الإنسان، بترجمة ندره اليازجي، مطابع ألف باء الأديب، دمشق، 1971.
- اليازجي، ندره، المدخل إلى المبدأ الكلي، دار الغربال، دمشق – المنشورات الجامعية، طرابلس، 1984.
- بودوان، شارل، علم النفس المركب، بترجمة سامي علام، دار الغربال، دمشق، 1992.
________________________________________
[1] إيفان بافلوف (1849- 1936): حاز على جائزة نوبل على أعماله على الغدد الهضمية وقام بدراسات على المنعكسات وعلى عمل نصفي الكرة المخية.
[2] المدرسة السلوكيةBehaviorism : هي المدرسة التي أسَّسها واطسن (1878-1950) في مطلع هذا القرن؛ وهي تدرس العلاقة المباشرة بين المنبِّه الخارجي والسلوك، وتختلف عن مدرسة بافلوف بأنها لا تعطي أي اهتمام للمظاهر الفسيولوجية للسلوك، ولا تحتفظ من ردِّ الفعل إلا بالمظهر السلوكي.
[3] الفينومينولوجياPhenomenology : هي المبدأ الفلسفي الذي يرد الأشياء المادية إلى معطيات حسية.
[4] روجر سبِرِّي Roger W. Sperry: حاز على جائزة نوبل للفسيولوجيا والطب عام 1981 عن أعماله في إيضاح عمل كل من نصفي الكرة المخية في الوظائف الإدراكية.
[5] شارلز شرِّنغتونSir Charles Sherrington : حاز على جائزة نوبل للفسيولوجيا والطب 1932 عن كامل أعماله في علوم الأعصاب.
[6] جون إكِّلزSir John C. Eccles : حاز على جائزة نوبل للفسيولوجيا والطب 1964 لاكتشافه العمليات الكيميائية المسؤولة عن انتشار السيالة العصبية.
[7] يمثل تيودور فتشنر Theodor Fetshner (1801-1887) بداية علم النفس التجريبي.