العنزي: إهمال مراعاة نفسية الطفل في الخطاب الديني يسبب الإصابة بالاكتئاب

إن أسلوب الخطاب الموجه إلى الأطفال يحتاج إلى درجة كبيرة من التوضيح والتبسيط مراعاة لعقلياتهم ومستوى قدراتهم، خصوصا إذا ما تناول الخطاب الأبعاد الدينية في مواضيعه، وذلك لتضمنه الأخبار الغيبية والمصطلحات الدقيقة. وقد أسهم انتشار الوعي الديني من جراء ثورة المعرفة في الإنترنت والفضائيات في إقناع المؤسسات التربوية -إلى حد ما- بأهمية ذلك البعد في تعديل السلوك وغرس القيم لدى الطفل. ويأتي هنا دور الدعاة والمشايخ –وحتى غيرهم ممن استخدموا البعد الديني في خطابهم- في إيصال الرسائل الدينية إلى الأطفال عبر الوسائل المتنوعة في ذلك كالمحاضرات وورش العمل والإصدارات المقروءة أو المرئية أو المسموعة، ومن خلال وسائل الاتصال التقليدية والحديثة، خصوصا أن التعاليم الدينية لم تبخل بمبادئها الواضحة في مجال رعاية الأطفال، فكفلت حقهم في التربية والحصول على احتياجاتهم، ومن تلك الاحتياجات ما ينضوي تحت أسلوب التعامل وشكل الخطاب.

وانطلاقا من ذلك، قام الأستاذ الباحث محمد حسين عقاب العنزي المدرب والمرشد النفسي (حاصل على بكالوريوس علم نفس ودبلوم عال في التربية وهو مقدم برامج تربوية إذاعية وتلفزيونية ومدرب دولي معتمد في تنمية الذات) على عمل بحث ميداني بعنوان «مراعاة نفسية الطفل في الخطاب الديني»، ليقوم بتسليط الضوء على الأسس النفسية التي يبني عليها المربون في خطابهم الديني للأطفال. وقد استهدف البحث الذي قدم إلى منتدى مؤسسة قطر السنوي للبحوث- 2011، طلاب المدارس في قطر، وقد صنف البحث من ضمن أهم بحوث المنتدى نظرا لتطرقه لموضوع لم تسبق مناقشته في الأوساط العلمية. وقامت أكاديمية نيويورك للعلوم في الولايات المتحدة الأميركية بنشر البحث، كونها الجهة المخولة بنشر بحوث المنتدى المتميزة عبر مجلتها العلمية في موقعها الرسمي. وتعتبر أكاديمية نيويورك واحدة من أقدم المنظمات العلمية في الولايات والأكثر أهمية في المجتمع العلمي الدولي. «العرب» التقت الباحث محمد العنزي وتحدثت معه عن أهمية الدراسة والهدف منها والنتائج التي خلصت إليها. وأوضح العنزي أن هذا البحث «يدرس حالة الطفل النفسية في الخطاب الديني الإسلامي بالخصوص، ويستهدف الطلاب الذكور فقط»، وقال: «آمل في توسيع دائرة بحثه –مستقبلا- ليشمل الأديان الأخرى وشريحة الطالبات». وأشار إلى أن أسباب اختيار الموضوع تعود إلى أهمية الخطاب الديني عند كثير من المجتمعات، حيث يساهم في تشكيل الفكر ويؤثر في المبادئ والسلوك الإنساني، فضلا عن الرغبة الجامحة لدى الباحث في استقراء ما حوته العلوم النفسية في موضوع مراعاة نفسية الطفل في الخطاب الديني، والسعي إلى إحاطة الدعاة والمشايخ بأهمية موضوع مراعاة سيكولوجية الطفل حتى يصل الخطاب مفهوما وبنتائج إيجابية.

البحث الميداني
وقال العنزي إنه اختار دراسة المرحلة العمرية ما بين الثامنة وحتى الثانية عشرة لأنها تظهر العمليات الاستدلالية التي يمكن أن تتفق مع أسس المنطق، وتنمو –كذلك- في هذا الطور بعض المهارات المعرفية لدى الطفل والتي تساعده على فهم الخطاب الديني.
وذكر الباحث لـ «العرب» أنه لامس اهتماما لافتا للنظر من قبل أطفال المدارس بدولة قطر بالمحاضرات الدينية، فبعد تحليل نتائج الاستبيان الذي أجراه وشمل 138 طالبا بين سن الثامنة واثني عشر عاما وتضمن السؤال التالي: هل تحب الاستماع إلى المحاضرات الدينية؟ أجاب 130 طالبا بـ «نعم»، وطالب واحد بـ «لا»، وأجاب السبعة الباقون بأجوبة أخرى.
ولفت العنزي إلى أنه توصل بعد تحليل نتائج الاستبيان إلى أكثر ما يعجب الأطفال في المحاضرات الدينية، وتبين أن أغلبية أطفال عينة البحث (54 طالبا) يفضلون الحديث عن الأحاديث والقصص الدينية لأنها تتناسب مع قدراتهم العقلية وتوفر لهم جوا من المتعة والتشويق، وفضل عدد 49 منهم الاستماع إلى ترتيل القرآن من المحاضر، وقد توافقت نتائج هذا الاستبيان مع نتائج الاستبيان الذي أجراه
الباحث على عينة من المشايخ ومعلمي التربية الإسلامية بلغ عددهم 15 شيخا ومعلما، حيث أجاب أغلبيتهم بنفس جواب أطفال المدارس.
وقال العنزي إن البحث بيّن أن العدد الطاغي من أطفال عينة البحث (70 من أصل 138)، أكدوا على أن أكثر ما يسبب لهم الخوف من المحاضرات الدينية هو الحديث عن النار، في حين جاءت 41 إجابة تفيد بأن الطفل لا يخاف من شيء يذكره المحاضر، وأجاب 22 طالبا بأنه يخاف من ذكر الموت، وأجاب الستة الباقون بأنهم يخشون الحديث عن أشياء أخرى كالجن والشياطين.

النتائج
وأشار العنزي إلى أن الدراسة كشفت عن أبرز الأساليب التي تراعي نفسية الطفل في الخطاب الديني، والتي تشكل عاملا مهما في صحته النفسية وتقبله وفهمه لذلك الخطاب. كما أوضحت الدراسة أن الدين يراعي -من حيث المصادر الشرعية- قدرات الطفل وإمكاناته، فلم يحمله فوق طاقته ودافع عن حقوقه، وأولياء الأمور مكلفون بتعليم الأطفال بعض الآداب الشخصية وتدريبهم على العبادات.
إلى ذلك، قال العنزي إن الدراسات النفسية توصلت إلى أن دين الطفل لا يختلف عن دين الراشد من حيث الانتماء إليه وتقبله، ويستطيع الطفل الإيمان بوجود شيء غير مرئي (غيبي) والاعتقاد في الحسنة والخطيئة، وأن بعض تلك الخبرات هي وقائع أصيلة (فطرية) لا يلعب فيها تقليد البيئة أي دور، مضيفا أن الدراسة أظهرت اهتماما خاصا من قبل أطفال المدارس بالمحاضرات الدينية والرغبة في الاستماع إليها. ورأت الدراسة أن بعض المفاهيم الدينية تتطور عند الطفل عند بلوغه الثامنة، فهو يعتبر الموت حادثا طبيعيا في نهاية سلسلة من الحوادث المرتبطة ارتباطا عليا، ويدرك الطفل أن نار الآخرة تختلف عن نار الدنيا. كما أن دراسة الظواهر الدينية من قبل علم النفس أمر مشروع كما قرره الباحثون النفسيون في مؤتمر جنيف.
إلى ذلك، أظهرت الدراسة أن إهمال مراعاة نفسية الطفل في الخطاب الديني قد يسبب الإصابة بمرض الاكتئاب، وأثبتت أن أغلبية أطفال هذه المرحلة يفضلون الاستماع إلى الأحاديث والقصص الدينية.
وقال العنزي إن الدراسة أولت أهمية كبيرة لقيام المحاضر عند تناوله مواقف تسبب الخوف، بتهيئة الطفل للتعامل مع التوتر، وأن يعمل على الغوص التدريجي في تلك المواقف التي يتطرق إليها في خطابه الديني.
وبينت أن اللجوء إلى تخويف الأطفال كثيرا وبدون مراعاة لحالتهم يعد عائقا يقف في سبيل نموهم الصحي كثيرا. ونوه إلى أن الدراسات النفسية أوضحت أن المخاوف المعقولة كذكر النار والموت جزء طبيعي من الحياة، وبعض هذه المخاوف تساعد على حفظ الذات، وقد تكون هذه المخاوف أساسا لتعلم أمور جديدة؛ فذكر النار بقصد التحفيز على الطاعة وفعل الخير مع مراعاة تهيئة الطفل نفسيا والتدرج في ذكرها، هي طريقة مفيدة وفعالة في تعليم الطفل في عملية الخطاب الديني.
وتوصلت الدراسة إلى أن مراعاة إشباع حاجات الطفل الإنسانية هي طريقة فعالة لتقبله للخطاب الديني وتأثره به إيجابيا.

التوصيات
وعلى ضوء النتائج السابقة قال العنزي، إنه خرج بمجموعة من التوصيات، أهمها انتقاء المواضيع المناسبة لقدرات وإمكانات الطفل في المحاضرات والمناهج الدينية.
وشدد على ضرورة توجيه المشايخ والدعاة ومعلمي مادة التربية الإسلامية نحو الاهتمام بدراسة وتطبيق النظريات والأساليب التي تراعي نفسية الطفل في الخطاب الديني. ودعا لإنشاء مراكز نفسية للأبحاث لدراسة الظواهر الدينية وإصدار المؤلفات وإقامة الندوات ذات الصلة والمؤتمرات الدولية.
وحث على إيجاد نوع من التواصل بين المشايخ والاختصاصيين النفسيين في المدارس، وتضافر جهودهما لتكتمل دائرة العمل التربوي، وتحقيق الأهداف التربوية الرامية إلى إعداد جيل واعد قوي البنية النفسية والثقافية.
وشدد على أهمية تعزيز دور الأسرة التوجيهي والرقابي، في مراعاة نفسية الطفل وتثقيفه الثقافة الدينية الصحيحة التي تدعم صحته النفسية، وإيجاد الإعلام الديني الهادف الموجه، القادر على اجتذاب الناشئة وتحقيق التوازن النفسي في شخصياتهم.

Leave a Reply