الحياة السلبية

بعد نصف قرن تقريباً من الظلم والفقر وهدر الكرامة، هل نفض العرب السلبية من حياتهم؟ وهل خروجهم إلى التظاهر يعني عودتهم إلى الحياة من بوابة (أعطني حريتي وأطلق يديا)، النتائج تشي بذلك، والشاهد وقوف التونسيين بالطوابير لانتخاب ممثليهم واختفاء الرقم السحري 99,9 الذي لازم نتائج الانتخابات الشكلية المزيفة للقادة الدهريين، واختفاء صور الأب القائد الخالد المناضل الذي (لا يشله سيف ولا يصيبه حيف)!

حسب علم النفس، اللامبالاة هي حالة وجدانية سلوكية، معناها أن يتصرف المرء بلا اهتمام في شؤون حياته أو حتى الأحداث العامة كالسياسة أو تشجيع الفريق الوطني لكرة القدم، أو عزوفه عن أي حدث جماهيري (حفلات الشعراء والمغنين)، مع عدم توفر الإرادة على الفعل وعدم القدرة والرغبة على الاهتمام بشأن النتائج، أو هي قمع الأحاسيس مثل الاهتمام والإثارة والتحفز أو الهوى.

فاللامبالي هو فرد لا يهتم بالنواحي العاطفية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، وكذلك قد يبدي الكسل وعدم الحساسية. وكأن علماء النفس وضعوا الشخصية العربية في مختبرهم وبنوا النظرية من خلالها.

كان أول من أنشأ مصطلح السلبية أو اللامبالاة هم الرواقيون، حيث انطفاء المشاعر بسبب سيادة العقل. وفي المسيحية دخلت اللامبالاة الفكر الديني على يد كلمنس الكسندروس الذي اعتمد المصطلح للتعبير عن الازدراء من جميع الشواغل الدنيوية، وكحالة من إماتة الجسد. وأوضح الفيلسوف روبرت مينارد هاتشينز أن موت الديمقراطية هو بسبب اللامبالاة السياسية. في حين اعتبر عالم النفس الدكتور روبرت مارين أن اللامبالاة يمكن توصيفها على أنها عرض أو متلازمة أو مرض.

وقد جاء في أهوال الحروب أن اللامبالاة تحدث بعد أن يشهد الفرد ضغوطاً أو صدمات نفسية مروعة، مثل قتل أو تشويه الناس أثناء الحرب. وأصبح هذا المفهوم أكثر شهرة بعد الحرب العالمية الأولى، بسبب ما تسمى "صدمة القذيفة".

حيث الجنود الذين كانوا يعيشون في الخنادق وسط القصف ونيران الرشاشات، والذين شهدوا ميادين معارك مع رفاقهم القتلى والمشوهين، إذ وضعت فيهم تلك الأحداث والحالات، شعور اللامبالاة وفقدان الحس بالتفاعل الاجتماعي.

لذلك كانت اللامبالاة السياسية هي السلبية بعينها، لأنها تؤدي إلى إقصاء ذاتي يمارسه الفرد على نفسه، ظناً منه أن هذا الإقصاء ينجيه من المشاكل ويعفيه من المسؤولية والواجب، غير أن ظاهرة الفردنة وروح العزلة تبرز عند الأفراد في المجتمعات شديدة المركزية في الحكم، وما أشبه تلك الصفة بمجتمعاتنا! وإذا شاهدنا اليوم ما هو غير ذلك فإننا نسأل:

هل حقاً طرد العرب اللامبالاة من حياتهم؟!

 

Leave a Reply