التناغم بين البيئة والمنظومة الاقتصادية والرياضية

قالوا قديما ''العقل السليم في الجسم السليم''، ونقول حديثا ''ما بين جسم وعقل الرياضي السعودي تنافر وفراغ غير سليم في محيط البيئة الرياضية''، ساهم في تراجع وتدني التصنيف الدولي للمنتخب والأندية الرياضية''.

يدور في الوقت الراهن تجاذب لأطراف الحديث الساخن في المنتديات وكذلك المجالس العامة والخاصة عن هموم ومتابعة لمستجدات الشارع الرياضي السعودي، عطفا على أهمية ودور الرياضة والشباب في خدمة مسيرة التنمية والعطاء والإبداع، وقد كان لي بمحض المصادفة وجود كضيف شرف في مجلس رواده من النخبة الرياضية الغيورة، حيث سجلت بعض التساؤلات والمحاور - بعد أن تم الطلب منا مع الرجاء كذلك - بالكتابة في هذا الخصوص.. (لماذا لا يساهم الدعم والبذل المادي لبعض المنظومات الرياضية في توافر نتائج إيجابية أو حصيلة فنية وإبداعية تلامس طموح وواقع الاهتمام والإمكانات والتجهيزات في المملكة؟ لماذا يلاحظ كثرة عملية استبدال أو إقالة بعض الكفاءات التدريبية والإدارية في هذه المنظومات والأندية الرياضية في المملكة؟ لماذا نسمع أو نشاهد اختلافا في وجهات النظر أو ضعفا في جانب التعاون أو التواصل بين بعض اللجان الرياضية والإداريين وكذلك اللاعبين في بعض منظوماتنا الرياضية؟ لماذا يفشل الغالبية العظمى من الرياضيين السعوديين في تسجيل أسمائهم في مسيرة الاحتراف الخارجي؟ أين النصيب العملي لواقع الأنشطة الاجتماعية والثقافية والتربوية في أنديتنا الرياضية؟ أليس من المفترض أن يكون لنظام الاحتراف الرياضي الراهن دور فاعل في تسارع وتقدم التصنيف والنتائج؟ وعلى طريقة ثقة الشاعر العربي بنفسه ومحيطه الاجتماعي:

ونحن أناس لا توسط بيننا

لنا الصدر دون العالمين أو القبر

أصبحت الرياضة في عصرنا الحاضر ظاهرة اجتماعية وثقافية واقتصادية وسياسية، تستقطب اهتمام جميع شرائح المجتمع، وذلك في زمن اتسعت فيه التغطية الإعلامية للنشاط الرياضي، مما نتج عنه زيادة في وعي الجماهير. إن الممارسة الرياضية وهي - تربوية في الأساس - لا يمكن لها أن تحقق المتعة فقط أو المشاعر الوجدانية دون التخوف من تعزز السلوك الأناني للرياضي الذي يمكن احتواؤه وتهيئته إلى سلوك يحترم ويستوعب ويأخذ في الحسبان مفهوم وثقافة روح الفريق الجماعي واحترام الآخرين والمشاركة في دعم وتنفيذ مختلف البرامج الاستراتيجية.

كما أن الإقبال المتزايد على ممارسة الرياضة بمختلف أنواعها أصبح ظاهرة وسلوكا حضاريا تتسارع وتيرته العالمية من قبل جميع الشرائح العمرية من الأطفال، الشباب والكهول، عطفا على الفائدة والمردود الصحي والنفسي والاجتماعي والاقتصادي، إضافة إلى تنامي روح وشعور المواطنة عند ربطها بالإنجازات والنتائج وأيضا عند التنظيم والاستضافة لبعض الفعاليات المحلية والدولية، حيث يلاحظ المختصون والباحثون في البيئة والتربية الرياضية وجود محاور مهمة تربط الرياضة مع المواطنة من خلال كون الرياضة (ضرورة وطنية لتنمية الإحساس بالانتماء وبالهوية، ضرورة اجتماعية لتنمية المعارف والقدرات والقيم والتوجهات والمشاركة في خدمة المجتمع ومعرفة الحقوق والواجبات). وترتبط الرياضة بالطبيعة بِرباط حيوي، فتوافر البيئة المادية والصحية شرط ومطلب ضروري لتطبيقات الرياضة الصحية، وهذه العلاقة الحميمة بين الرياضة والطبيعة تصقل وتنمي الموهبة والإبداع عند الرياضيين وترفع من معنوياتهم ونفسياتهم.

وحتى يمكن للمسؤولين أو صناع القرار في الرئاسة العامة لرعاية الشباب والأندية الرياضية والأكاديميات الرياضية الخاصة تهيئة وتنفيذ الخطط والتوجهات الاستراتيجية العملية والعلمية الحديثة، بالتزامن مع البيئة الرياضية المنشودة، يتطلب ذلك دمج الأخلاقيات والقيم والتطبيقات العلمية والصحية البيئية في جميع مستويات ومراحل ودرجات الأندية الرياضية في المملكة العربية السعودية بالتزامن مع التناغم والتوافق المطلوب لطبيعة الأنشطة البدنية والإبداعية والذهنية للرياضيين، بما في ذلك دمج الرياضة الترفيهية وتهيئة المحاور النفسية والاجتماعية المناسبة لطبيعة وسيكولوجية الرياضي السعودي، التي تسهم وتدعم توجه التفوق والتميز والتصنيف والاستثمار للأندية الرياضية السعودية في المنافسات والمحافل والمهرجانات المحلية والدولية، إضافة إلى التكيف والاستخدام الأمثل في هذا الخصوص لبعض المصطلحات والمعطيات العلمية والتربوية في محيط البيئة الرياضية، وهي على سبيل المثال: ''علم النفس الرياضي'' (يستخدم هذا العلم سيكولوجية الرياضة من خلال تبني مختلف المبادئ، والمفاهيم، والحقائق في مجال علم النفس وتطبيقها في المجالات الرياضية والإبداعية كما هو الحال مثلا في تعلم المهارات، الأداء، الدوافع، القدرات العقلية، الإدراكات، تطوير المفاهيم الخاصة بالجسم والشخصية الرياضية)، ''علم الاجتماع الرياضي'' (يهتم علم الاجتماع الرياضي بدراسة السلوك الاجتماعي للرياضي وكذلك دراسة بنية المؤسسة الرياضية كإحدى المؤسسات الاجتماعية وعلاقة هذه المؤسسة الرياضية بمختلف المنظومات والمؤسسات، إضافة إلى دعم وتهيئة الوصف الوظيفي)، فسيولوجيا التمرينات'' (وهي دراسة تعنى بالتركيز على أثر التمرينات وظروف العمل على التغيرات التي تحدث في الجسم نتيجة الاشتراك في التمرين الواحد أو المتكرر، وكذلك دراسة أفضل الطرق لتحسين استجابة الجسم للنشاط الرياضي المستقبلي، حيث إن محور الاهتمام لهذا العلم يتناول مواضيع تختص بمفاهيم السعة الهوائية الإعياء، إنتاج الطاقة، مبدأ الاستقرار المتجانس وكيفية نشوء الدفع العصبي ونقله مع طبيعة العمل).

Leave a Reply