التعلم هو تغيير في السلوك – اليوم

الأطفال أشد حساسية وتقليداً من آلة التصوير هذه الآلة التي تطورت وتطورت حتى أصبحت تنقل الشكل واللون والصورة والحركة والصوت الأطفال يقولون عنهم في علم النفس وعلم التربية إنهم يتكونون خُلقاً وأدباً وسلوكاً بفعل المحاكاة والتقليد والاكتساب.

فالطفل مزود بقدرة عجيبة على محاكاة من يراه صغيراً مثله أو كبيراً لذا وجب على كل أفراد الأسرة في المنزل أن يكونوا على حرصٍ تامٍ في تصرفاتهم العلنية وخناقتهم البينية وخلافاتهم الأسرية.

فالطفل صفحة ناصعة البياض تستقبل ما يكون أمامهما دون تمحيص أو تفكير أو حتي معرفة ما هو نافع أو ضار.

زرت أحد أصدقائي في منزله وجلس إليّ ابنه الصغير وبدأ يحاورني محاورة الكبار بشكل أوقعني في كثير من الإحراج ولكن ما لفت نظري في ذلك الحوار غير المتكافئ هو أدب ذلك الطفل في الحوار وبذله الجهدَ في اختيار ألفاظه وتوضيح ما يجول في فكره وعكس ذلك ما حدث لي في منزل صديق آخر إذ حاورني أحد أطفاله فلمست في كلماته عدم التهذيب وسوء استعمال الألفاظ وعدم تورعه في إلقاء بعض الجمل التي لا تليق به وبالمجلس.

إذا الطفل جهاز امتصاص من الدرجة الأولى، ثم هو جهاز إفراز من الدرجة الثانية فبمثل ما يأخذ يعطي، والبيئة البيتية والمدرسية والاجتماعية هي مصادره في استقبال سلوكه المستقبلي.

ولخطورة ذلك أورد هذه القصة القصيرة المحزنة التي أوردها صاحب كتاب نساء ومواقف.. تقول امرأة: ذبح زوجي شاه مضحياً، ولي صبيان يلعبان، فقال أكبرهما للأصغر: أريك كيف صنع أبي بالشاه ؟ فعلقه فذبحه فما شعرنا به إلا متشحطاً في دمه فلما اشتعلت الضجة هرب الغلام ناحية الجبل فلحقه ذئب فأكله، ونحن لا نعلم، وأتبعه أبوه يطلبه فمات عطشاً . فأفردني الدهر .

فانظر عزيزي القارئ ما مدى طاقة الطفل على الامتصاص والإفراز وما نتائج ذلك..؟! وفتحت المدارس أبوابها ليدلف إليها أبناؤنا الطلاب طلاب العلم والمعرفة لينهلوا منها ما تيسر من المعارف، ويتخرجوا مواطنين صالحين بإذن الله.

والتعلم في اصطلاح التربية وعلم النفس واسع سعة حياة الفرد، بل سعة الكون . ولقد صدق الدكتور أحمد عزت راجح في كلامه عن التعلم في كتابه ( أصول علم النفس ) صدق حينما قال : يستخدم اصطلاح التعلم في علم النفس بمعني أوسع بكثير من معناه في اللغة الدارجة.

فهو لا يقتصر على التعلم المدرسي المقصود أو التعلم الذي يحتاج إلى دراسة ومجهود وتدريب متصل أو على تحصيل المعلومات وحدها دون غيرها من ضروب المكتسبات، بل يتضمن التعلم كل ما يكتسبه الفرد من معارف ومعان وأفكار واتجاهات وعواطف وميول وقدرات وعادات ومهارات حركية وغير حركية، سواء تم هذا الاكتساب بطريقة متعمدة مقصودة أو بطريقة عارضة غير مقصودة. فاللحن الموسيقي الذي أسمعه عدة مرات دون ان أقصد إلى حفظه ثم أجد نفسي أتغنى به .. لحن تعلمته .. والنفور من طعام معين لأنه ارتبط بظروف منفرة نفور مكتسب تم عن طريق التعلم، والخوف من الظلام أو من الكلاب نتيجة حادثة عارضة خوف مكتسب متعلَّم.. بهذا المعنى يكون التعلم مرادفاً للاكتساب والتعود بأوسع مفهوم لهما.

هذه الصورة المتعددة من التعلم التي تختلف في شكلها وفي موضوعها ومن حيث بساطتها وتعقيدها تدعونا إلى إقامة تصنيف لها، فهناك تعلم حركي يستهدف كسب عادة أو مهارة حركية، وتعلم معرفي علمي ثقافي ، وتعلم لفظي لغة ونطقاً صحيحاً وقراءة وتعلم عقلي وتعلم اجتماعي وتعلم وجداني ، والطفل آلة تصوير بالصوت والصورة والحركة . والتعلم هو تغيير للسلوك وهذا التغيير يكون متنامياً حسب حاجة الإنسان وظروفه.

وأخيراً يقول الدكتور نجاتي في (علم النفس في حياتنا اليومية) : ولا يتعلم الإنسان عاداته وأخلاقه الحميدة فحسب ، بل يتعلم أيضاً عاداته القبيحة وأخلاقه الرذيلة، وقد يكون التعلم سبباً لرقي الفرد وتقدمه، وقد يكون أيضاً سبباً لانحطاط الفرد وتأخره.

Leave a Reply

التعلم هو تغيير في السلوك – اليوم

الأطفال أشد حساسية وتقليداً من آلة التصوير هذه الآلة التي تطورت وتطورت حتى أصبحت تنقل الشكل واللون والصورة والحركة والصوت الأطفال يقولون عنهم في علم النفس وعلم التربية إنهم يتكونون خُلقاً وأدباً وسلوكاً بفعل المحاكاة والتقليد والاكتساب.

فالطفل مزود بقدرة عجيبة على محاكاة من يراه صغيراً مثله أو كبيراً لذا وجب على كل أفراد الأسرة في المنزل أن يكونوا على حرصٍ تامٍ في تصرفاتهم العلنية وخناقتهم البينية وخلافاتهم الأسرية.

فالطفل صفحة ناصعة البياض تستقبل ما يكون أمامهما دون تمحيص أو تفكير أو حتي معرفة ما هو نافع أو ضار.

زرت أحد أصدقائي في منزله وجلس إليّ ابنه الصغير وبدأ يحاورني محاورة الكبار بشكل أوقعني في كثير من الإحراج ولكن ما لفت نظري في ذلك الحوار غير المتكافئ هو أدب ذلك الطفل في الحوار وبذله الجهدَ في اختيار ألفاظه وتوضيح ما يجول في فكره وعكس ذلك ما حدث لي في منزل صديق آخر إذ حاورني أحد أطفاله فلمست في كلماته عدم التهذيب وسوء استعمال الألفاظ وعدم تورعه في إلقاء بعض الجمل التي لا تليق به وبالمجلس.

إذا الطفل جهاز امتصاص من الدرجة الأولى، ثم هو جهاز إفراز من الدرجة الثانية فبمثل ما يأخذ يعطي، والبيئة البيتية والمدرسية والاجتماعية هي مصادره في استقبال سلوكه المستقبلي.

ولخطورة ذلك أورد هذه القصة القصيرة المحزنة التي أوردها صاحب كتاب نساء ومواقف.. تقول امرأة: ذبح زوجي شاه مضحياً، ولي صبيان يلعبان، فقال أكبرهما للأصغر: أريك كيف صنع أبي بالشاه ؟ فعلقه فذبحه فما شعرنا به إلا متشحطاً في دمه فلما اشتعلت الضجة هرب الغلام ناحية الجبل فلحقه ذئب فأكله، ونحن لا نعلم، وأتبعه أبوه يطلبه فمات عطشاً . فأفردني الدهر .

فانظر عزيزي القارئ ما مدى طاقة الطفل على الامتصاص والإفراز وما نتائج ذلك..؟! وفتحت المدارس أبوابها ليدلف إليها أبناؤنا الطلاب طلاب العلم والمعرفة لينهلوا منها ما تيسر من المعارف، ويتخرجوا مواطنين صالحين بإذن الله.

والتعلم في اصطلاح التربية وعلم النفس واسع سعة حياة الفرد، بل سعة الكون . ولقد صدق الدكتور أحمد عزت راجح في كلامه عن التعلم في كتابه ( أصول علم النفس ) صدق حينما قال : يستخدم اصطلاح التعلم في علم النفس بمعني أوسع بكثير من معناه في اللغة الدارجة.

فهو لا يقتصر على التعلم المدرسي المقصود أو التعلم الذي يحتاج إلى دراسة ومجهود وتدريب متصل أو على تحصيل المعلومات وحدها دون غيرها من ضروب المكتسبات، بل يتضمن التعلم كل ما يكتسبه الفرد من معارف ومعان وأفكار واتجاهات وعواطف وميول وقدرات وعادات ومهارات حركية وغير حركية، سواء تم هذا الاكتساب بطريقة متعمدة مقصودة أو بطريقة عارضة غير مقصودة. فاللحن الموسيقي الذي أسمعه عدة مرات دون ان أقصد إلى حفظه ثم أجد نفسي أتغنى به .. لحن تعلمته .. والنفور من طعام معين لأنه ارتبط بظروف منفرة نفور مكتسب تم عن طريق التعلم، والخوف من الظلام أو من الكلاب نتيجة حادثة عارضة خوف مكتسب متعلَّم.. بهذا المعنى يكون التعلم مرادفاً للاكتساب والتعود بأوسع مفهوم لهما.

هذه الصورة المتعددة من التعلم التي تختلف في شكلها وفي موضوعها ومن حيث بساطتها وتعقيدها تدعونا إلى إقامة تصنيف لها، فهناك تعلم حركي يستهدف كسب عادة أو مهارة حركية، وتعلم معرفي علمي ثقافي ، وتعلم لفظي لغة ونطقاً صحيحاً وقراءة وتعلم عقلي وتعلم اجتماعي وتعلم وجداني ، والطفل آلة تصوير بالصوت والصورة والحركة . والتعلم هو تغيير للسلوك وهذا التغيير يكون متنامياً حسب حاجة الإنسان وظروفه.

وأخيراً يقول الدكتور نجاتي في (علم النفس في حياتنا اليومية) : ولا يتعلم الإنسان عاداته وأخلاقه الحميدة فحسب ، بل يتعلم أيضاً عاداته القبيحة وأخلاقه الرذيلة، وقد يكون التعلم سبباً لرقي الفرد وتقدمه، وقد يكون أيضاً سبباً لانحطاط الفرد وتأخره.

Leave a Reply