الأسر المصرية تزداد صرامة مع أبنائها

الآباء يبحثون بجدية عن برامج تساعدهم في تربية أبنائهم بالصورة الصحيحة

كشف مسح ميداني أجراه طلاب مادة علم النفس المجتمعي المتقدم في الجامعة الأميركية بالقاهرة، والذي تدرسه منى عامر، الأستاذة المساعدة لعلم النفس بالجامعة، على التربية في أوقات الاضطرابات والعنف المجتمعي وعدم الاستقرار الاجتماعي، أن الكثير من الآباء في فترة ما بعد ثورة 25 يناير أصبحوا يشعرون بحالة من انعدام الأمان في مصر، وبالتالي أصبحوا مفرطين في حماية الأبناء، وصارمين، وعصبيين، ونافذي الصبر في تعاملهم مع أطفالهم، وأحيانا يشعرون بالعجز في ما يخص قدرتهم على تأمين مستقبل جيد لهم.

من خلال مناقشة ومحاورة 154 أبا وأما مصريين، وإجراء مقابلات مع منظمات غير حكومية وخبراء في مجال الصحة النفسية، بالإضافة إلى الرجوع إلى دراسات سابقة، قام الطلاب بإنتاج فيلم قصير بعنوان “متخافش”، وأصدروا “دليل التربية في أوقات الاضطرابات”، وهو من المقرر ترجمته إلى اللغة العربية هذا الصيف. يهدف الدليل إلى إرشاد خبراء الصحة النفسية والمنظمات غير الحكومية خلال عملهم مع الآباء عند تقديم الدعم لأبنائهم خلال حدوث هذه الاضطرابات التي يسببها العنف المجتمعي وعدم الاستقرار الاجتماعي. يجسد الفيلم كثيرا من نتائج هذه الدراسة ويقدم التوصيات، ويهدف إلى تنمية الوعي حول تربية الأبناء وإرشادهم وتوجيههم خلال أوقات تصاعد العنف المجتمعي.

توضح آلاء الدوح، إحدى الطالبات المشاركات في المشروع، “وقع اختيارنا على هذا الموضوع لأننا وجدنا أن الآباء يمرون بظروف صعبة خلال تربية أبنائهم، ويراودهم الكثير من التساؤلات ويشعرون بالقلق فيما يتعلق بكيفية مساعدة أبنائهم على التعامل مع أحداث العنف التي تحيط بهم. وتشير النتائج التي توصلنا إليها إلى أن الأحداث الجارية تجعل من الصعب بالنسبة لغالبية الآباء والأمهات تربية أبنائهم بشكل صحيح”.

وتكشف نتائج المسح المتعددة -والمثيرة للدهشة أيضا- عن الطرق التي أثرت على الأبناء وآبائهم من جراء أحداث العنف الجماهيري التي وقعت بانتظام خلال الثلاثة أعوام الماضية. فقد أوضح ما يقرب من نصف الآباء ممن شملهم الاستطلاع أنهم أصبحوا أكثر صرامة مع أبنائهم ويرصدون تحركاتهم وأفعالهم عما كان عليه الوضع قبل 2011. وقد لجأ الكثير من الآباء إلى وسائل سلبية للتعامل مع حالة انعدام الأمان المتزايدة، حيث أوضح 43 بالمئة من الآباء أنهم أصبحوا عصبيين، ونافذي الصبر في تعاملهم مع أبنائهم بصورة دائمة. تقول الدوح “يتأثر كل من الآباء والأبناء بصورة كبيرة بالتعرض للعنف بشكل أو بآخر”.

ووفقاً للمسح، فإن الوسيلة الأساسية للتعرض للعنف تأتي من خلال مشاهدة التليفزيون أو نشرة الأخبار، تليها سماع الطلقات النارية والمشاجرات في شوارع الأحياء التي يقطنون بها. ويعتبر الأطفال ذوو الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية المنخفضة، وخاصة الذين يعيشون في العشوائيات، هم الأكثر عرضةلمشاهدة مثل هذه الأحداث العنيفة بصورة مباشرة، هذا بالإضافة إلى أنه من المرجح أيضا أن الأطفال والأسر التي تقطن بالقرب من “النقاط الساخنة” مثل قرب ميدان التحرير يتعرضون لسلوكيات عنيفة.

ونتيجة لذلك، أعرب ما يقرب من 70 بالمئة من الآباء عن عدم شعورهم بالأمان في البلاد، ويشعر تقريبا ثلثي هؤلاء الآباء بالتشاؤم حول مستقبل مصر. بالإضافة إلى ذلك، لاحظ 40 بالمئة من الآباء زيادة شعور أبنائهم بالخوف والقلق، بينما شهد 37 بالمئة منهم رغبة ملحوظة من قبل أبنائهم في مناقشة السياسة وأحداث العنف. وقد أظهر بعض الأبناء أنماطا مختلفة من الأكل والنوم.

تتغلب غالبية الآباء على هذه المشاعر عن طريق اختيار تجنب الأماكن التي يرونها خطرة أو غير آمنة. وفي الحالات القصوى، منع بعض الآباء أبنائهم من الذهاب إلى المدرسة كاحتياط أمني أو قاموا بنقلهم إلى مدارس أخرى. أما البعض الآخر، فقد اتصلوا بخطوط ساخنة أو تلقوا مساعدة محترفة لكي يتمكنوا من التعامل مع مخاوفهم. تقول كارين فانوس، طالبة أخرى بالمشروع، يرغب جميع الآباء في مساعدة أبنائهم، ولكن القليل منهم فقط يدركون أنهم في حاجة إلى مساعدة أنفسهم أولاً كي يتمكنوا من القيام بذلك”.

لم تتوقع فانوس أن ترى الكثير من الآباء يعترفون بتأثرهم سلبا جراء عدم الاستقرار الاجتماعي الذي مرت به البلاد. وتتفق الدوح في الرأي معها، مضيفة أنها تفاجأت أن الكثير من الآباء يبحثون بجدية عن برامج تساعدهم في تربية أبنائهم بالصورة الصحيحة في ظل تعرضهم المتزايد إلى أحداث العنف. تقول الدوح ” يبدو أن هناك طلبا كبيرا للحصول على المعلومات من خلال العديد من الوسائل، مثل التليفزيون، والإنترنت، والبرامج والكتيبات المدرسية”.

ومن أجل مساعدة المنظمات غير الحكومية وخبراء الصحة النفسية في عملهم مع الآباء، قدمت الطالبات قائمة بالأعراض والسلوكيات التي تظهر على الأطفال نتيجة التعرض للعنف. وتشمل القائمة وجود المزاج السيىء، والمستوى الزائد من النشاط، وسهولة التشتت وعدم التركيز، بالإضافة إلى وجود صعوبة في التعبير عن المخاوف والقلق.

ومن أجل مواجهة أي مشاعر أو سلوكيات سلبية للأطفال، أكدت الطالبات على ما يسمى بـ”مرونة الأطفال”، أي قدرة هؤلاء الأطفال على الاستمرار والمضي قدما، ومواجهة الصعوبات ومصادر التوتر والتأقلم معها. ومن هذا المنطلق، تصبح جودة وقيمة علاقة الآباء بالأبناء أكثر أهمية.

وذكرت الطالبات في دليل “التربية في أوقات الاضطرابات”: “إن مفتاح الآباء ومقدمي الرعاية في تنمية المرونة لدى الأطفال يكمن في منحهم الحب والإرشاد، وأن يكون الآباء قدوة إيجابية لهم، بالإضافة إلى تشجيع الأبناء على الاستقلال في حدود معقولة”.

وتوضح الطالبات أن الآباء يمكنهم تحقيق ذلك من خلال الاستماع الجيد لأبنائهم، والحفاظ على علاقة معهم تكون قائمة على الدعم والرعاية، وتشجيع المسؤولية الاجتماعية والشخصية، وتوفير مناخ آمن بالمنزل، وأن يكون الآباء قدوة حسنة لهم.

يشار إلى أن دليل “التربية في أوقات الاضطرابات” أعده الطالبات آلاء الدوح، وفرح حلوة، وهايدي عبد ربه، وكارين فانوس، ونيفين الدفراوي، وشيرين ميخائيل، وزينب قابيل. وتم إطلاق الدليل والفيديو المصاحب مؤخرا خلال مؤتمر أقامته الطالبات بحضور المنظمات غير الحكومية المعنية لنشر التوعية حول المشروع.

وتقول الدوح “تمت صياغة الدليل لتيسير فهمه من قبل العاملين بالمنظمات غير الحكومية وخبراء الصحة النفسية لكي يكون هناك وعي أفضل بالمشكلات المطروحة من وجهات نظر الآباء والخبراء. كما تم تقديم توصيات لبرامج محتملة قابلة للتنفيذ وفقاً للمجتمع المستهدف، بالإضافة إلى طرح تساؤلات الآباء التي تتعلق بأبنائهم وكيفية الإجابة عليها، والتي تتشابه مع التساؤلات التي تتلقاها المنظمات غير الحكومية وخبراء الصحة النفسية”.

Leave a Reply