هوس الأيدلوجيا

    لنتفق أولاً على مصطلحين جديدين لا أخفي رغبتي أن أقدمهما هدية إلى مصطلحات علم النفس ربما استطاع أساتذته أن يقدموا لنا تفسيرا أو تحليلا يكون خطوة العلاج الأولى.

الأول هو "الأيدومانيا" والذي يعني مقطعه الثاني "مانيا" جنون أو هوس، والثاني هو "الأيدوفوبيا" والذي يعني مقطعه الثاني "فوبيا" "الخوف" ليعني المصطلح الأخير "خوف الأيدولوجيا" وأقصد منه هنا محاولة بث الخوف بالأيدولوجيا عندما تتضح وجهة نظري.

ما أعرفه أن الناس، كل خلق الله وبلا استثناء، يحملون انتماءين لا ثالث لهما، انتماء لوطن، وانتماء لدين، ومن هنا نقول ان كل من يعيش على أرض وطننا هم " سعوديون – مسلمون "

هذان هما أول شرطين للمواطنة، بعده يأتي الولاء لثلاث : الدين والوطن وولي الأمر من يرعاه.

من يريد درجة أعلى من البروز والتميز فلديه دائرتا الانتماء ودوائر الولاء يتفانى بالعطاء والتجويد فيما يجد نفسه فيه منها، وقد يدهشه أن عطاءه يرد اليه مضاعفا بحسن الجزاء من الخالق عز وجل الذي يجزي المخلصين الصادقين، ومن الوطن الذي يزهو بعطاء بنيه، ومن أولي الأمر الذين يضعون فيه الثقة ويكرمون سيرته في الحياة وبعد الممات.

هنا تبدأ مشكلة لدى قلة من الناس، فالذين يضعف في قلوبهم الولاء والانتماء لا يجدون سانحة للتفوق والظهور، وتهن بداخلهم قدرة البذل والعطاء، ويذكرهم كبر السن بتقدم القدم باتجاه القبر، ويعز عليهم الخروج من نسيان الى نسيان. هؤلاء وجدوا فيما عجت به شوارع الصراع وأزقته في أوروبا وأمريكا وروسيا من طرح لعملات " الأيدولوجيا "، من شيوعية الى رأسمالية الى ديموقراطية الى غيرها مما حمل أسماء الأحزاب أحيانا، بادعاء مفضوح أنهم مؤسسون ومالكون لما ليس يملكه الغير، وحاملون عصا التخويف من الاتهام بالخذلان والضعف والجهل عند العامة الطيبين، أقول وجد أولئك القلة في عالمنا العربي ضالتهم.

انبرى المضيعون في عالمنا العربي في التسابق الى تلك الأيدلوجيات يقلبها ليتخير منها ما يراه الأقوى في نظره، وأراهن أن كثيرين واجهوا حيرة عند الاختيار أو تقلبوا من واحدة الى أخرى، لا لسبب إلا لأن شيئا لا يمثل لديهم قناعة خالصة أو فكرا أو فلسفة. وبأقل وعي كان من الممكن أن يدرك المستوردون خديعة الغرب الذي نفضح ألعابهم الأثيرة في طرح العملات الزائفة لإغراق سوق الفكر والوجدان، أو ضرب ديانة بديانة أو طائفة بطائفة داخل الدين الواحد.

والأيدولوجيا في الأساس منهج تولد في الدماغ عبر تلافيف العقل، ولكنه استقر في القلب مثل عقيدة، والذين استوردوها أحلوها في القلب محل الولاء والانتماء.. هل هذا معقول؟ بل الأسوأ أن بعض الأيدولوجيات قد تم استيرادها بعد أن أعيد تصنيعها في الجوار كالناصرية أو غيرها.

وهنا أيضا كارثة، لأن هذا التحول لو جاء من شاب صغير السن لقلنا انه لا يدرك وقومناه، ولكنه عادة ما يأتي من كبار ضاق بهم الزمن، وكانوا في وقت يمثلون رموزا قبل أن يأفل نجمهم، وبقيت لهم قدرتهم على إغواء الشباب الصغار الذين لم تتفتح بعد مداركهم، تلك القدرة التى جاءتهم من التخويف بالجهل فيما أسميته " الأيدوفوبيا " كسلاح يمنحهم بعض القناعة بالمواصلة إلى أن يوغلوا في " الأيدومانيا " أو هوس الأيدولوجيا.

إن كان لي أن أسدي نصيحة فنحن أمة عربية إسلامية، ولدينا شريعة الحق التي نعتز بها، وعلى الراغب في البحث عن وجوده ضمن أيدولوجية أن يستخرجها من تلك الشريعة السمحاء، وربما صادفه فيها قيم للإخلاص والولاء والطاعة ، تتحقق له مآربه دون أن يفقد ولاءه وانتماءه ، يضاف إليهما من كل الناس " جزاء " الاحترام.

Leave a Reply