هندام النفس وتقويم الشخصية.. لماذا نهرب؟

كم من الزيجات القديمة والحديثة حولك انتهت بالطلاق أو الانفصال؟ وكم من البيوت حولك يعيش أهلها على وفاق ظاهر وخلاف دائم ومستتر؟ وكم من أبنائنا رغم ذكائهم ونباهتهم تدمرهم تشوهات نفسية أو إعوجاجات في السلوك؟ وكم شاب حولك لم يعمر في وظيفته فعاد للبطالة وعانت مؤسسته في ترويضه ففشلت؟

حياتنا كلها علاقات اجتماعية، والعلاقات الاجتماعية تحتاج إلى هندام للنفس وتقويم للشخصية، فالبعض يقف ليرى هندامه أمام المرآة أو يذهب ليقوم أسنانه لدى طبيب الأسنان ويهرب من الوقوف أمام مرآة مستشار نفسي واجتماعي ليرى هندام نفسه أو ليقوم شخصيته..والنتيجة كوارث اجتماعية بداية من الأساس داخل الأسرة: زوجة مقهورة أو قاهرة..أطفال مشوهي الأنفس معوجي الشخصيات، يسيرون في الحياة بتشوهاتهم واعوجاجهم، ليورثوا العوار لمن بعدهم وهكذا دواليك..جيلا بعد جيل، لكن البشرية اكتشفت من خلال الخبرات والمعارف المتراكمة ومن دون استعمال للدواء طرقا وأساليب وحيل لتشخيص وعلاج النفسية والشخصية وهو ما يعرف بالـ Psychotherapy.


العلاج النفسي أو Psychotherapy تعرفه موسوعة الويكيبيديا بأنه مساحة للتفاعل العلاجي الذي يتم من خلال التفاعل بين مهني متدرب من ناحية، وبين "زبون أو عميل" أو مريض أو أسرة أو زوج وزوجة أو مجموعة من ناحية أخرى. وهو مصطلح عام لعلاج مشكلات الصحة النفسية بالحديث مع طبيب نفسي أو متخصص في علم النفس أو أي مزود بخدمة الصحة النفسية. وخلال العلاج النفسي يأمل الشخص في أن يتعرف إلى حالته، ومزاجه، ومشاعره وأفكاره وسلوكياته (كأنه يقف أمام المرآة)، وكيف يتحكم في حياته ويستجيب للظروف المتحديّة من خلال التحلي بمهارات التواؤم الصحية. أما المشكلات التي يتم التعامل معها فهي نفسية في طبيعتها، ويمكن أن تختلف في أسبابها وتأثيراتها وموجباتها وقراراتها المحتملة. والتقييم الدقيق لهذه وغيرها من المتغيرات تعتمد على قدرة الممارس ويمكن أن تتغير أو تتطور مع اكتساب الممارس للخبرة والمعرفة والبصيرة.

يشمل العلاج النفسي عمليات تفاعلية بين شخص أو مجموعة من ناحية وبين المؤهلين في مجال الصحة العقلية (طبيب نفسي، معالج نفسي، أخصائي اجتماعي إكلينيكي، مستشار مرخص، أو غيره من الممارسين المدربين)، والغرض منه هو استكشاف الأفكار والمشاعر والسلوك بغرض حل مشكلة أو تحقيق مستويات أعلى من الأداء. ويهدف العلاج النفسي إلى زيادة شعور الأفراد بالسواء وحسن الأداء من خلال ما يطبقه المعالجون النفسيون من تقنيات لبناء العلاقة القائمة على الخبرة والتجربة والحوار والتواصل وتغيير أنماط السلوك وهي كلها مصممة لتحسين الصحة النفسية للعميل أو المريض أو لتحسن العلاقات داخل المجموعات كالأسر مثلا.


والعلاج النفسي يقوم به أشخاص ذوي مؤهلات مختلفة بما في ذلك الطب النفسي، وعلم النفس، والخدمة الاجتماعية للمرضى أو الأصحاء، والاستشارات النفسي، واستشارات الصحة العقلية، واستشارات الزواج والعلاج الأسري، واستشارات إعادة التأهيل، والاستشارات المدرسية، والعلاج بالتنويم المغناطيسي، والعلاج باللعب، والعلاج بالموسيقى، والعلاج بالدراما، والعلاج بالفنون، والعلاج بالحركة أو الرقص، والعلاج المهني والتمريض النفسي والتحليل النفسي وغيرها من العلاجات النفسية. ويختلف تنظيم هذه المهن من بلد إلى آخر.

وبعد أن استعرضنا طرفا مما قالته الويكيبيديا عن العلاج النفسي من المهم أن نقدم الملاحظات التالية:

العلاج النفسي كما ترون هو أداة فاعلة يمكن أن تساهم في "حفظ المجتمع" كمقصد للشرع يمكن أن نستقرئه من نصوص القرآن والسنة ومن سيرة الرسول، ويمكن أن تساهم في حماية وتنمية "رأس المال الاجتماعي" للمجتمع، والذي من غيره لا تقم لأية علاقة اجتماعية قائمة.
تقدم هذه المنظومة أدوات للتشخيص ومعرفة الحالة النفسية والسلوكية للأسوياء قبل المرضى على مسطرة العلم، وفي هذا فائدة لوقاية المقبلين على الزواج مثلا من الوقوع في علاقة فاشلة نتيجة عدم ملاءمة أنماط الشخصية، وأظن أن أهمية أمر كهذا لا تقل إن لم تفق عن أهمية الكشف عن فصائل الدم أو الكشف الجيني عن الأمراض الوراثية المحتملة وغيرها.

أهمية هذه الأداء التشخيصية والعلاجية تكمن في أنها حتى في العلاقات القائمة بالفعل (زواج، عمل..إلخ) يمكن أن تضع برنامجا للتقويم النفسي والسلوكي تفوق في أهميته عمليات تقويم الأسنان، بما يساعد في استمرارية واستدامة تلك العلاقات والوقاية من فشلها.
أهمية هذه المنظومة التشخصيصة العلاجية إذا أهمية اجتماعية واقتصادية وسياسية ولا أبالغ إذا قلت واستراتيجية إذا كان من يقرأ ويستمع ويعي يدرك أهمية تماسك المجتمع والحفاظ على متانة علاقاته ونجاحها في تحقيق أهداف الأمة.
في بلد كمصر يتخرج الآلاف من دارسي علم النفس والخدمة الاجتماعية (فضلا عن الطب النفسي)، ولا تعرف الأمة كيف تستثمر وتستفيد من هذه الثروة البشرية والمعرفية الهائلة فيما هي له بالأساس، فيضطر الكثيرون من هؤلاء أن يعملوا في وظائف لا علاقة لها بتخصصهم أو في وظائف تقزم أدوارهم ولا تعظم منها.

يبقى أن قلة الوعي والوعي الزائف الذي يصم كل من يذهب لـ "...نفسي" بأن به مسا من الجنون مثلا، مع أن الأصل أن القاعدة العريضة لجمهور هذه المنظومة هم من الأسوياء الذين لديهم بعض الجوانب السلبية التي تحتاج إلى التعرف والاعتراف ومن ثم العلاج، وأغلبية أفراد المجتمع من هذا الصنف.
يبقى أن زيادة الضغوط الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في المجتمع تزيد من احتمالية ظهور هذه الجوانب السلبية التي قد تصبح أحيانا كالشروخ في مبنى نفس وشخصية الإنسان، والتي تأتي الزلازل فتزيدها عمقا، وتزيد من خطورتها حيث يمكن للبنيان أن ينهدم على رأس ساكنه إنسانا ومجتمعا، ومن هنا تأتي أهمية الوعي بالتشخيص والعلاج النفسي في ظل ما نعانيه في مصر والعالم العربي من مشكلات حادة.

من أجل كل ذلك وغيره مما يمكن للمتخصصين أن يقولوه، بدأ الوعي بأهمية هذا العلاج تزداد في السنوات العشر الأخيرة  ولذلك قصة أخرى يمكن لأهل التخصص أن يسردوها، ومن ثم تستطيع أن تجد حولك عيادة لطبيب نفسي يؤمن بهذا الأسلوب من العلاج أكثر من إيمانه بالأدوية النفسية لما لها من آثار جانبية خطيرة، أو تجد حولك مركزا للاستشارات النفسية والاجتماعية يديره خبير من دارسي علم النفس أو الخدمة الاجتماعية، ومن المهم لمستقبل العلاج النفسي في مصر زيادة مساحة الخبرة والمعرفة لدى المؤهلين بتقنيات وأساليب العلاج النفسي، وأن يستطيع هؤلاء تغطية المساحات الجغرافية المحرومة في الأقاليم، وأن يتم تقنين وضبط وتحديد وظائف أنواع الكوادر المختلفة المؤهلة، حتى ولو عن طريق التنظيم الذاتي، ومن المهم في المقابل القيام بحملة عامة للتوعية بأهمية التشخيص والعلاج النفسي لدى الجمهور العام.

 

لمزيد من التفاصيل طالعوا موقع الويكيبيديا حول العلاج النفسي:

http://en.wikipedia.org/wiki/Psychotherapy

Leave a Reply