واشنطن: آرثر ألين
كانت ماري زيروينسكي الاختصاصية في علم النفس المعرفي وصديقها، يتجادلان بحدة وغضب مع بعضهما البعض، وهما في طريقهما من مدينة سياتل في الولايات المتحدة، حيت تعمل ماري في قسم الأبحاث في «مايكروسوفت»، إلى مدينة فانكوفر في كندا. ولم تكن تتذكر ماهية الموضوع، لكنها تتذكر أن هاتفه رن فجأة، وبرزت على شاشته رسالة نصية قصيرة تقول: «صديقتك ماري تشعر بتوعك، وينبغي عليك الاتصال بها فورا».
* مراقبة العواطف وكانت زيروينسكي في ذلك الوقت تضع على رسغها جهازا لا سلكيا يرصد عواطفها صعودا ونزولا، وهي تقنية تشابه تلك المستخدمة في اختبارات الكذب، عن طريقة مراقبة الإشارات، مثل معدل ضربات القلب، والتغيرات الكهربائية في الجلد. وهذا ما دفع الجهاز إلى إرسال رسالة استغاثة إلى هاتفها الجوال أولا، الذي قام بدوره بإذاعتها إلى الشبكة التي تتضمن أصدقاءها، ومنهم صديقها الذي كان يجلس بجانبها في السيارة.
وتعمل زيروينسكي في قطاع العمليات الكومبيوترية التأثيرية التي برزت من مختبرات روزاليند بيكارد في «معهد ماساتشوستس للتقنية» (إم آي تي). وكانت بيكارد وزملاؤها يحلمون في صنع روبوتات تعتني بالآخرين. وكانت الخطوة الأولى أنهم قرروا إنتاج آلات يمكنها اكتشاف عواطفنا الخفية والتعامل معها.
وكان أول مشاريع بيكارد مساعدة ألأطفال الذين يعانون من التوحد، نظرا لأن أجهزتها هذه كانت غالبا هي الأفضل من الأطفال أنفسهم في التواصل مع مشاعرهم، وبذلك فقد صممت أساليب لتغذية المعلومات من مستشعرات توضع على أرسغتهم، إلى هواتف ذويهم، الذين يعتنون بهم، بغية الاستجابة لهم بسرعة.
وفي هذا الصدد تقول بيكارد: «إن المستشعرات وفرت بيانات ومعلومات أتاحت للأشخاص تبين أمور كانوا يتكهنون بشأنها»، ومثال على ذلك، فقد يكون أحد الأطفال من المصابين بالتوحد مضطجعا على الأرض، ويبدو مسترخيا كسولا، لكن الإشارة الصادرة عن رسغه تظهر أنه متوتر للغاية، وربما هو مضطجع هكذا، بغية التخفيف من شدة أحاسيسه. وقد لا تفهم معلمة المدرسة ذلك، وتأمره بدلا من ذلك بالنهوض ليعود إلى طاولته. لكن الإشارة قد توضح الوضع تماما.
ويبدو أن زيروينسكي شرعت في توجيه هذه التقنية إلى مناح أخرى، إحداها التأسيس لأساليب جديدة بالنسبة إلى أشخاص لا يعانون كثيرا من حالات مثل هذه، بغية رصد حالات التوتر في الحياة اليومية ومراقبتها.
* نظم رصد المزاج وقد ضم المشروع الذي قامت بتطويره مع زملائها، وشمل إستا روزواي أحد كبار مصممي الأبحاث في «مايكروسوفت»، مجموعة من الأسلاك التي تشبه الفراشة بشكلها، تلحق بالمستشعر الذي يوضع على رباط رسغ اليد. ويقوم النظام هذا الذي يدعى «مود وينغس» Mood Wings» (أجنحة المزاج) بالخفقان بمعدلات مختلفة، وفقا إلى درجة توتر لابس الرباط. وقام المطورون أيضا بصنع سترة عليها ما يشبه الأوراق الموصولة بالأسلاك التي ترفرف عن طريق استخدام 40 محركا، عندما يكون مرتديها سعيدا. ولإظهار حالة التوتر، تقوم محركات مشابهة في ظهر السترة، أو القميص هذه، برفع ما يشبه الريش. ومن ابتكاراتهم الأخرى نوع من النسيج الذي يعلق على الجدران الذي يتحول إلى اللون القرمزي مشغلا مروحة كهربائية أيضا، لدى التقاطه إشارة توتر من حامل المستشعر.
ومن النظم الأخرى التي قامت زيروينسكي وفريقها باختباره واحد يقوم بتعقب الشخص في مكتبه خلال اليوم، مستخدما رباطا للرسغ، ومستشعرات مركبة على كرسيه، وآخر يستخدم تقنية التعرف على الوجوه، فضلا عن مسجلات الصوت التي يقال إنها تتحرى الحالة العقلية وبيانات نظم الملاحة (جي بي إس». وتقوم هذه النظم بوضع خريطة عن مستويات الإثارة والانفعال والغضب طوال اليوم عن طريق الألوان، والنقط المرمزة على صورة أشكال تظهر على شاشة.
وتقول زيروينسكي: «أنت لست بحاجة إلى مثل هذا النظام ليذكرك بسيئات يومك وما مررت به، لكنه قد يشكل مؤشرا إلى ما لا تعرفه من أمور قد تزعجك، أو التي قد تتكرر باستمرار. فقد يكون هناك شخص في حياتك يزعجك مرآه، أو يجعلك حزينا، أو ضجرا، أو ما شابه. وخلال سنة على هكذا رصد قد تتبين أمورا أخرى، وهكذا».
ويخطط فريقها لإنتاج لوحات مفاتيح تكون حساسة جدا لنقراتك ومدى شدتها، التي تعد مؤشرا آخر عن المزاج والحالة النفسية «فقد أفكر بلوحة مفاتيح قادرة على إرسال رسائل نصية بهذا المعنى، كأن تقول، لا ترسل الرسالة الإلكترونية هذه عندما تكون تنقر وتطبع بقوة وشدة»، كما تقول، والتي تبين الوضع النفسي».
ولا تملك زيروينسكي ولا بيكارد دليلا قاطعا عن كفاءة هذه التقنية، لكنهما مقتنعتان بأنها وفرت لهما قرائن وأدلة مدهشة عن الحالة النفسية والعقلية للشخص المعني، تماما مثل تعرق كفة اليدين في حالات التوتر والانتظار.
وكانت بيكارد وزميلتها في «إم آي تي» رنا القليوبي قد أسستا شركة تدعى «إفيكتيفا» لتسويق مثل مستشعرات الرسغ هذه لسنوات عدة، قبل أن يقررا إحلال نظام ثان محلها قاما بابتكاره، ويستخدم كاميرا للتعرف على الحالة العاطفية للشخص مثل اندهاشه، وكرهه لبعض الأمور، ودرجة إحراجه عن طريق مسح الوجه. وكان علماء «إم آي تي» قد سجلوا نحو مليار تعبير مختلف للوجوه لآلاف الأشخاص، التي أدخلوها جميعها في خوارزميات كومبيوترية شرعت تزداد كفاءة ومهارة باستمرار. وتقول بيكارد إن شركات التسويق قد هرعت لاستغلال هذه التقنيات، فقد شملت قائمة زبائن شركة «إفيكتيفا» مثلا، شركات مثل «يونيليفر» و«كوكاكولا» وغيرها.
وأخيرا سواء أعجبتنا هذه التقنية أم لا، فهي قادمة إلينا بلا شك «ففي المستقبل قد لا نرى هذه المستشعرات التي نضعها على أيدينا، بل ستكون مبيتة في أجسامنا»، وفقا لزيروينسكي.
* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»