رام الله - دنيا الوطن
في مكتبة رام الله عقد منتدى رام الله الثقافي ندوته الشهرية تحت عنوان: (التداعيات النفس اجتماعية على الفلسطينيين ما بعد العدوان على غزة)، وتم استضافة كل من المختصين في علم النفس والصحة النفسية د. فتحي فليفل مدير دائرة الصحة النفسية في الهلال الاحمر الفلسطيني , د. موسى نجيب مدير عام جمعية مرفأ للصحة النفسية، وأدارت الجلسة السيدة أريج عياش عضو إدارة المنتدى، وبعد أن رحبت د. هالة كيلة مديرة مكتبة رام الله بالحضور، بدأت السيدة اريج بالحديث قائلة: (عرف الفيلسوف الالماني كانت التفكير بأنه هو الكلام النفسي) , فلنفكر اليوم بصوت مسموع ولنتحدث ونحاور الضيوف على اسئلة ومنها: هل العدوان على غزة بات يشكل تأريخا جديدا حلّ في ذاكرة الزمان والمكان؟ وماذا عن الصلابة النفسيه للفلسطينيين، هل اكدت لنا غزة ان الطريق الوحيد لتحرير الوطن هو عبر المقاومة المسلحة؟, هل نحن اليوم متصالحون مع ذواتنا ؟؟ ام ان الشعور بالخذلان والإحباط قد تعمق اكثر ؟؟ وماذا عن الضحايا والمتضررين المباشرين من الحرب على غزة ؟؟ هل حالة الاغتراب والإحباط هي من دفعت هؤلاء لدفع بدل تكلفة موتهم الجديد والهجرة الاخيرة الى اوروبا. تساؤلات كثيرة نطرحها ونناقشها تحت مبدأ (التحدث عن المشكلات اولى خطوات ايجاد الحلول).
ثم تحدث كل من الضيوف الاخصائيين فتحدث بداية الدكتور موسى نجيب قائلاً ان الاعلام عجز عن نقل حقيقة ما حدث في غزة اثناء العدوان، وأضاف مستشهداً بمقولة للمرحوم إميل حبيبي "شعبي ليس أفضل شعب، ولا يوجد شعب أفضل من شعبي"، وأكد أهمية البدء برحلة البحث عن الذات، ومعرفة هل نحن بعد العدوان الأخير امام مفصل تاريخي نفسي عند الشعب الفلسطيني، وقال لمعرفة ذلك علينا الاجابة على :
1. ما هي الاثار المباشرة بعد الحرب على غزة؟
2. هل ثقافة نحن افضل ناس هي الحقيقة التي يجب ان نفهمها ونفهم تأثيراتها وهل هي ما اوصلتنا للواقع الذي نحياه الآن؟ أم أننا نقف امام مفهوم جلد الذات، ام أننا نعيش امام اسطورة الصمود ونتناسى كل شيء آخر؟
واعتبر أن الشعب الفلسطيني خلال العدوان انتقل نقلة نوعية لواقع جديد بعد حالة الخذلان النفسي الذي ساد منذ اوسلو حتى اليوم، مستشهداً بعودة ثقافة المقاومة والرفض والمقاطعة لدى المواطن الفلسطيني، و هي عملية تتركز على البحث عن مخارج ورغبة في التغيير وإعادة مكونات الشعب الفلسطيني ليكون موحدا ورافضاً للتقسيمات الجغرافية والفئوية الضيقة التي اصبحت معلم واضح وظاهر من معالم المجتمع الفلسطيني بعد اوسلو.
بعد ذلك بدأ الدكتور فتحي فليلفل حديثه حول واقع التداعيات النفس اجتماعية بعد العدوان على غزة بقوله: الناس في غزة تمتلك صلابة واستطاعوا أن يحولوا المعادلة التي بقيت ملازمة للشعب الفلسطيني بأنه الشعب الضحية الذي ينتظر مساعدات بطاقة التموين وعطف الدول الى شعب ناجٍ يملك قدره بين يديه" واستطاع تغيير المعادلة وخلق مفهوم التوازن مع العدو.
كما اشار لظهور ثقافة الرفض للواقع الإسرائيلي وأكد على ضرورة التوقف عن استخدام شماعة الاحتلال للتملص من مسؤوليتنا امام قضايانا النفسية لشعبنا، وللوصول لهذه النقطة وتحقيقها علينا معرفة "السياسة النفسية" من خلال معرفة التاريخ النفسي للإسرائيليين وكيفية تعاملهم مع الفلسطينيين بشكل ممنهج ومدروس لضرب الذات للإنسان الفلسطيني، لأن السياسة النفسية بشكل عام تبنى على الواقع النفسي للشعوب ليصبح المعتدي قادر على السيطرة على هذه الشعوب. واعتبر أن الفلسطينيين منذ معاناتهم لا يوجد عندهم توثيق كامل للقصة الفلسطينية لضحايا الحروب من ناحية نفسية، وأشار لأهمية وضرورة البحث في مفهوم الصلابة النفسية لدى الفلسطينيين لمساعدتهم بالصمود أمام هذا الاحتلال. واعتبر ان الواقع النفسي الفلسطيني قائم على انقسام نفسي سياسي وبحاجة لوجود حصانة نفسية تساهم بمساندة السكان.
وأكد على ضرورة توفر دراسة للواقع النفسي الفلسطيني بعد كل حرب يتعرض لها، لمعرفة الآثار النفسية بدقة للتعامل معها بشكل مهني. وبما ان الحرب على غزة انتهت ولم تنته اثارها من كافة النواحي وما زال سكان القطاع يعانون من هذه الاثار النفسية والآلاف منهم بدون مأوى، وهذا وحده كفيل بزيادة اثار العدوان النفسية سوءًا، واعتبر أن العدو "الصهيوني" بعدوانه الأخير قام بتدمير الآلاف من المسكن بشكل مقصود ومدروس لإيذاء نفسية الشعب الفلسطيني ولينال من صموده النفسي.
وأكد دكتور موسى نجيب على ضرورة ازاحة الرماد والتعامل مع الجمر الذي تحته لكي نخرج من الصدمة بشكل اقوى وبتجربة تساعدنا ان نكون بحالة نفسية افضل. لدرجة أن باتت عدة اسئلة بالظهور امام الأطباء النفسيين الفلسطينيين وهي: هل ذاكرة الشعب قصيرة المدى لدرجة أننا ننسى ماذا يجري معنا؟ اين دورنا وما هو دورنا؟ أم تم الغاء دورنا؟ وهل تم تحليل التراكمات والآثار للحرب؟
وأكد أن الارادة هي المحرك الاساسي لواقع المقاومة. ومن الضروري والمهم اعادة قراءة الواقع النفسي لفهم الواقع بشكل افضل وللوقوف امام العجز الممنهج الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني منذ اوسلو حتى اليوم وإيجاد طريقة للتعامل معه.
ثم فتح باب النقاش للحضور وكان كله يدور حول العدوان وأثاره على الفلسطينيين بشكل عام، وركزوا على ضرورة التوقف عن جلد الذات لأن الشعب الفلسطيني في غزة لم يكن امامه خيارات غير البقاء داخل القطاع. وتم ربط ما يجري في المحيط العربي من حالة فوضى وقتل وإجرام وتشظي وتفسخ وأثاره السلبية على الفلسطينيين، وتم التأكيد من قبل بعض المداخلات على ضرورة اعادة بناء الهوية الفلسطينية القائمة على الارادة والإدارة مع التركيز على عودة الثقة للفرد بقيمته ودوره، وإعادة بناء الانموذج الفلسطيني الذي تهشم بسبب اتفاقية اوسلو، وضرورة وجود قيادة للشعب يكون لديها القدرة والمقدرة على إتمام المسيرة الشمولية والمحافظة على التوازن الذي حدث خلال وبعد العدوان على غزة والمحافظة على هذه الظاهرة وترسيخها لدى الفلسطينيين.
واختتمت الندوة بالإجابة على التساؤلات التي طرحت من قبل الحضور بالقول ان واقع الشعب الفلسطيني بعد الحرب على غزة هو اكثر اتزاناً من السابق، وان من طبيعة الفرد الاستمرار بالبحث عن وجود بدائل ليتمكن من العيش بشكل افضل مما دفع عدد من سكان القطاع الاستمرار بالهجرة التي باتت مظهر ملازم للشعب الفلسطيني منذ عدة عقود وكان ثمن الهجرة في هذه المرة غرقهم وموتهم في قلب البحر.