مصطفى محمود: علم النفس افتراض خيالي..والقرآن صيدلية إلهية

المفكر الراحل د.مصطفى محمود

- 3 مراحل لعلاج النفس بـ " علم النفس القرآنى الجديد "
- علم النفس ليس علماً بل مجرد أفكار و افتراضات ظنية

" سيداتى و سادتى هل تعلمون ما معنى أن الله موجود ؟، معناه أن العدل و الرحمة و المغفرة موجودة ، معناه أن يطمئن القلب و ترتاح النفس و يسكن الفؤاد و يزول القلق فالحق لابد واصل لأصحابه، معناه أن دموعك وصبرك لن تذهب سدى، و أن الخير لن يكون بلا مقابل، و الشر لن يكون بلا رادع و لن تفلت الجريمة بلا قصاص، معناه أنه لا عبث فى الوجود و إنما حكمة فى كل شئ " .

هكذا استهل المفكر الراحل مصطفى محمود حديثه فى مقاله " علم نفس قرآنى جديد "، مؤكدا أنه لا يوجد دواء حتى الآن يستطيع أن يحدث فى النفس ما تحدثه " لا إله إلا الله " ، فهى الصيدلية التى تداوى كل أمراض النفوس .

و يهاجم  مصطفى محمود أدوية الأعصاب التى تداوى شئ و تفسد أشياء  ، و هى تداوى بالوهم ، و تريح الإنسان بإطفاء مصابيح عقله و تخدره و تنومه ، أما من يستودع همه  لله نام ملء جفنيه .

"و لأن الله موجود فإنك لست وحدك .. و إنما تحف بك العناية حيث سرت و تحرسك المشيئة حيث حللت" ، فتشعر دوما بالأنس و الأمان بلا ضياع و لا وحدة و لا اكتئاب، ذلك حال أهل " لا إله إلا الله " ، ففى الصيدلية الإلهية دواء لكل داء .

و يقول المفكر أن الصفة الجامعة لطابع المؤمن هى " السكينة " لأنها تعنى أن الإنسان ساد مملكته الداخلية و حكمها ، فانسجمت عناصر النفس ، و توافقت المتناقضات ، و خضعت لصاحبها و هو أمر لا يوهب إلا لمؤمن ، فهو الذى يؤمن أنه لو اجتمع الناس لن يضروك أو ينفعوك إلا بما كتبه الله لك  .

كما يفرق بين الأخلاق بالمعنى المادى و الدينى، فالمعنى المادى هو أن تشبع رغباتك بما لا يتعارض مع حق الآخرين فى إشباع رغبتهم ، أما المعنى الدينى فهى ان تتحكم فى شهواتك و تخالف هواك ، فأنت لا تستطيع أن تحكم العالم إلا إن حكمت مملكتك الداخلية، فالأخلاق هنا تخرجك من عبودية النفس و ترتقى بها للمنازل العليا .

و يؤكد مصطفى محمود أن القارئ للقرآن يتعلم منه علم نفس قرآنى متميز فى تربيته للمسلم ، و يدلل مصطفى محمود على ذلك بالمقارنة بين المنهج القرآنى و المنهج الفرويدى .

بين المنهج الفرويدى و القرآنى

يقول المفكر أن علماء النفس فى الغرب لا يركزون سوى على انحرافات النفس و تشوهاتها، و أن علاجها إشباع الشهوة ، و أن الأساس الذى يفسر به فرويد جميع التصرفات  هو عقدة أوديب – شهوة الطفل لأمه – و عقدة الكترا – شهوة البنت لوالدها - ، ففسر فرويد الإحساس بالذنب على أنه مرض، و التوبة نكوصا و الندم تعقيدا و الصبر برود ، و قمع الشهوات كبت عواقبه وخيمة .

بينما نظرة الدين على النقيض تماما فسلامة النفس فى كيح الشهوات،  و الإحساس بالذنب علامة صحة ، و التوبة موقف و إدراك، و الندم فطرة سوية  ، فيرى الدين النفس قابلة للفجور و التقوى ، و لكن علم النفس الغربى لا يركز إلا على الجانب الأول .

و يتابع مصطفى محمود أن تفسير فرويد لكل الأحلام يرجعه للهوس الجنسى و الرغبات المكبوتة و بذلك فهو يركز على نوع واحد  من الأحلام و الجانب المادى الحيوانى من النفس فقط ، أما القرآن فيفرق بين نوعين من الأحلام " أضغاث الأحلام " و هو حديث النفس الأمارة بالشهوات أو حديث الشيطان لهذه النفس و هو ما ركز عليه فرويد. أما النوع الآخر فهو " الرؤية " و تكون من الله للنفس أو من ملائكته المكلفين ، وتلك الرؤى تكون صادقة و يدلل بالآيات القرآنية " يا أيها الملأ افتونى فى رؤياى " و " قالوا أضغاث أحلام و ما نحن بتأويل الأحلام بعالمين ".

لذا يرى فرويد أن الحزن نتيجة لحب الدنيا و الحرمان منها ، فيما يرى الدين أن الحزن نتيجة للانغماس فى الدنيا  و البعد عن الله .

أما عن النسيان  فينظر إليه علم النفس على أنه مرض  يحاول معرفة الخبر المنسية فى اللاشعور و التى تسبب النسيان سواء لأن الموضوع مؤلم أو قديم أو من عدم الاهتمام أو كثرته، و لكن الدين يربطه بإطار العلاقة مع الله  ، فالذاكر لا ينسى شيئا ، أما البعد عن الله  فيسبب الغفلة و النسيان ، فيقول تعالى " نسوا الله فأنساهم أنفسهم  ".

كما ينظر علم النفس  للوساوس على أنها حديث النفس للنفس  ، و لا يتصور أن النفس محلا لمخاطبة الملائكة ووسوسة الشياطين أو مكالمة الرب جل جلاله  ، كما  ينظر للعذاب النفسى فى إطار الحرمان ، غير مدرك أن العذاب الدنيوى يمكن أن يكون ابتلاء من الله  ، كما يفعل الحداد بالحديد عندما يلقيه فى النار فيزداد صلابة .

و نظرة فرويد للطيب على أنه ضعيف، فى حين يأمر الدين بالعفو و الصفح، و أن النفس القوية هى القادرة على العفو.

علاج النفس

وطبقا لاختلاف علم النفس و الدين فى نظرتهم للنفس فهم أيضا يختلفوا فى علاج الأمراض النفسية، فعلم النفس يرى أن النفس لا يمكن تغييرها لأنها تتخذ الشكل النهائى فى السنوات الخمس الأولى من الطفولة، و أن على الطبيب فقط إخراج المكبوت فيها إلى الوعى للتنفيس و تخفيف الغليان ، وشبه مصطفى محمود هذة الطريقة بمحاولة معالجة السرطان بالمراهم .

أما الدين فيرى أن النفس يمكن أن تتغير و انها بالمصابرة و جهاد النفس تنتقل من الدرك الأسفل للشهوات للكمالات الأخلاقية ، و للوصول إلى ذلك يمر الإنسان بـ 3 مراحل :

أولها تخلى النفس عن عاداتها السيئة بالاعتراف بذنوبها ، كما قال يونس عليه السلام عندما نادى الله من بطن الحوت " لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين "، و عندما قال موسى  بعدما قتل شخص بالخطأ " رب إنى ظلمت نفسى فاغفر لى فغفر له ".

و المرحلة الثانية هى التوبة و الندم على ما فات و مراقبة النفس فيما يستجد من أمور فعلا و خاطرا،
أما فى المرحلة الأخيرة فهى مجاهدة النفس بأضدادها  ، فتجبل النفس الشحيحة على الإنفاق ، و إكراه النفس الشهوانية على التعفف ، و دفع النفس الأنانية للبذل  ، و المزهوة على التواضع ، و استنهاض الكسولة للعمل ، فيقول المفكر " معالجة الضد بالضد تصل النفس للوسط العدل ".

و يؤكد مصطفى محمود أن هذة الخطوات الثلاث لن تتم دون طلب المعونة من الله ، و أن ذروة العلاج النفسى فى القرآن هى " الذكر "  و استشعار الحضرة الإلهية على الدوام ، فالذكر يعيد الصلة المقطوعة بين العبد و الرب ، فيحل النور على ظلمات النفس و تتعمر بعد الخراب .

فى حين فشل علم النفس فى تحقيق ذلك  فيلجأ للمسكنات و المنومات و المهدئات ، و يرى المفكر أن علم النفس ليس علما بل مجرد أفكار ظنية و افتراضات خيالية ، قائلا أن النفس الإنسانية " ذات " لا يمكن إحالتها لموضوع مجرد و هى تستخفى على التحليل .

و يقول مصطفى محمود : " خطأ أصحابنا الماديين أنهم يتعاملون مع النفس الإنسانية على أنها مادة هى الأخرى، و جسد يمكن اقتحامه بالتشريح و التجربة ، و هم يفعلون ذلك عن إيمان بأنه لا روح هناك و لا ذات و لا نفس .. و انما مجموعة مركبات كيماوية وجينات وراثية اسمها الإنسان و تلك هى خطيئة الحضارة المادية ".



انعدام قطرة المياه تهدد الحياة بمدينة الصدقة في اسوان


شواطئ مطروح وصخرة ليلي مراد تتحول إلي موائد للإفطار في رمضان

Leave a Reply