مراجعة وزير سابق(2)

    لأن الظروف والأسباب التى جاءت بالدكتور شاكر عبدالحميد إلى وزارة الثقافة وجعلت منه وزيرا لثلاثة أشهر أو تزيد فقد كان الكثيرون يأملون أن ينتهزها الرجل فرصة لإصلاح يقوم به فيها قدر استطاعته.

    وأن يكون ذلك سببا فى بقائه وأن يوفق فى ذلك بقدر ما تسمح به نفس الظروف. فللحقيقة لم يكن الأستاذ الجامعى الذى جيء به من قسم علم النفس بكلية الآداب – فورا وبعد ترقيته مباشرة – كى يحتل منصب عميد المعهد العالى للنقد الفنى الذى لم يكن فى علومه ولا مناهجه شيئا مما درسه فى كلية الآداب وأكمل تخصصه وعمقه فيه. حيث أنشأه المرحوم الدكتور رشاد رشدى ليكون مؤسسة للدراسات العليا فى تخصصات أكاديمية الفنون بأقسامها وفروعها: المسرح والسينما والباليه والموسيقى العربية والعالمية بتخصصاتها المعروفة والتى ليس من بينها علم النفس بأى نوع من أنواعه حتى ولو كان يتم تدريسه كمقرر فرعى «ثقافي» شأنه شأن المنطق أو الفلسفة أو علم الاجتماع وكل ما يدخل فى تعريف «المادة المكملة». لكن التخطيط «التآمري» للمستقبل كان أوسع وأعمق وأكثر دهاء. حين تم تعيين الدكتور شاكر وبسرعة - كأنما يتم تسريبه إلى المنصب – عميد لمعهد النقد الفني. أما السبب خلف تلك الحلقة الأولى من المؤامرة فقد كانت رغبة رئيسها - الذى قضى فيها أربعة عشر عاما كاملة باقيا على كرسيه علاوة على أربع سنوات سابقة قضاها عنيدا لمعهد الفنون المسرحية وثلاث أو أربع أخرى نائبا لرئيسها - أن يحتل أستاذ غريب عن الأكاديمية هذا المنصب.
    أستاذ لم يتخرج فيها وليس من بين أبنائها ولا يعرف شيئا عنها يتيح له أو يمكّنه من أن يمدّ بصره فيصل إلى عمقها ويحيط بتاريخها ويعرف السيرة العلمية وحتى «الذاتية» لكل أستاذتها وطلابها والعاملين فيها. وقد كان ذلك شأن أو ميزة حقيقية فى مؤسسة علمية فريدة من نوعها فى مصر والشرق العربى ومحدودة فى عدد طلابها وأساتذتها وإدارييها قبل أن تصاب بالتضخم من تطبيق قانون توريث الأبناء والأقارب والمعارف والأصدقاء. وبالعمالة العليلة الراكدة والبطالة التى تفخر فى وقاحتها بكونها سافرة ومقنّعة وليس لها حتى مكان تجلس فيه أو مقعد تلقى بأجسادها المترهلة من الفراغ الوظيفى عليه. أما الحكمة فى الإتيان بمثل ذلك الأستاذ فواضحة لا تخفى على أحد ويظهر وضوحها أكثر عندما نعلم أن مبانيها الجديدة – التى يسميها الطلاب الآن بجوانتانامو لقبحها وسوء تهويتها وتقادم أجهزتها التى لا تتناسب أبدا مع مبلغ الخمسمائة مليون جنيه التى أنفقت عليها وتعادل عشرة أمثالها الآن. وربما وجدت بعض الإجابات لدى أجهزة الدولة القانونية والرقابية وبعض الشواهد لدى بعض من صدرت ضدهم أحكام بالسجن ومن لم تصدر ضدهم بعد!!
    أما الدكتور شاكر الذى كان – كما قلت - قد أحضر من قسم علم النفس بكلية الآداب بناء على رغبة رئيس سابق هام جدا لها وفيما يشبه الوصفة الشافية لتخّوفه من أن يحتل هذا المنصب واحد من أساتذتها الشرعيين – فقد تم الدفع بها أيضا ليحتل منصب نائب الرئيس ويثير زوبعة من الغضب بين أساتذتها المستحقين للمنصب. غير أن قوة وبطش ذلك الرئيس أبقت على الأستاذ الغريب فى منصبه زمنا لم يتحمل فيه قوة الرفض ولا شراسة المعارضة، فقرر السفر إلى الخليج العربى للمرة الثانية كى يكمل أعواما عشرة أو تزيد يشغل منصب الرئيس فيها ثلاثة من أبنائها لم ينج واحد منهم من تدخلات وتوجيهات وتنبيهات رئيسها السابق الذى ظل مدعوما برضا الدولة ورضا الحزب الوطنى ورضا لجنة السياسات ورضا وزير الثقافة الفنان!
    ثم قامت ثورة يناير وعاد الدكتور شاكر عبد الحميد إلى مصر وأقبل على الأكاديمية فوجد منصب الرئيس والنائب مشغولين فدفعه الدكتور عماد أبو غازى – وزير الأشهر القليلة أيضا – إلى رئاسة قطاع الإنتاج الثقافي. وشهادة للتاريخ ؛ فقد كنت أنا من شجع الدكتور شاكر ورغّبه فى قبول هذ المنصب والبعد عن الحرب من أجل منصب رئيس الأكاديمية أو حتى نائبه. وأن يجد فى الراتب الأكبر والبدلات الأكثر فى قطاع الإنتاج الثقافى عوضا له. وقد قلت له فى حينها أمام مصعد الدور الثامن بعد لقائى معه فى مكتب الدكتور سامح مهران حينما طلب نصيحتى ومشورتى ؛ أن يقبل هذا المنصب ويفرح به بعيدا عن توترات الأكاديمية وما تثيره بعض عناصرها الفاسدة والمشبوهة من اضطرابات تدخل فى سياق ما «تفرغ به مصر جوفها الآن» كما سمّيته فى مقال سابق لى بالوفد!
    لكن القدر صعّده به أمينا عاما للمجلس الأعلى للثقافة ليضرب ضربته الكبرى لاحقا وبسرعة حين دفعه لاعتلاء منصب الوزير إعمالا لقاعدة «من هو الوزير؟.. فتكون الإجابة هي: هات اللى وراه أو اللى بعده»!.. كما حدث فى وزارات كثيرة نتيجة لارتباك ظرف الوطن وصعوبة الاختيارات وكل ما نعيشه الآن ويكدر حياتنا من عدم استقرار! وقد ذكرت فى مقالى السابق أنى وبناء على طلب الدكتور شاكر ولسابق مودة كنت دائما أظنها قائمة بينى وبينه أعطيته مشورتى التى طلبها ونصيحتى التى رحب بالاستماع إليها.. وأظن أن آخرين مخلصين قد وجهوا له مشورات حميمة ونصائح مخلصة لكنه وللأسف قد تغاضى عن كل ذلك بل ضرب به عرض الحائط منفذا أسلوبا آخر وخططا مختلفة تمثلت فى فتح أذنيه على مدى اتساعهما لوقائع الخلاف بين فرق وزملاء ومستفيدين وطامعين متحاربين بشراسة. وأنه اختار برغبته أن يتجنب الحياد بينها أو التحكيم الموضوعى فى خلافاتها كما يقتضى منصبه. وأنه متعمدا قد أمعن فى تأجيج حرائق الخصومة للمضربين والمحرضين والمحتجين والمتظاهرين ورافضى الاستقرار ضد رئيس الأكاديمية الحالى وضد أساتذتهم. بل شجع تدخل الطلاب فيما لا يعنيهم من شئون المبانى وعقود المقاولات التى تمت بين شركة من شركات القوات المسلحة رست عليها مناقصة قانونية لترميم وإصلاح معهد المسرح ووضعت كل مستندات أعمالها تحت يدى الجهات الرقابية والقانونية.
    مثلما زاد الطين بلّة قيامه بعدة تعيينات وتنقلات فى مناصب الوزارة دون سبب موضوعى مقنع. وأهمها تعيين الدكتورة راندا رزق «رئيسة جمعية فتاة الغد» المنبثقة روحا وبنوّة ووصاية عن جمعية الرعاية المتكاملة التى كانت ترأسها زوجة رئيس المخلوع أو ابنهما جمال. ورغم أن الدكتورة راندا رزق هذه كانت إحدى فتيات الحزب الوطنى الفاعلات المتحركات والمتحدث الرسمى للوزير على مصيلحي. ورغم أن دراستها للنقد المسرحى لا تسمح أبدا بتعيينها وكيلا للوزارة لشئون التسويق. مثلما لا تسمح بذلك درجتها العلمية كمدرس بكلية التربية النوعية ؛ فقد كان ذلك القرار خطأ فادحا متعمدا من الدكتور شاكر عبد الحميد يدفعنا لأن نسأله الآن عن توجهاته وخططه ونواياه لمصر بعد الثورة حتى ولو كان قد تم الاستغناء عنه. وللموضوع بقية.

    بقلم - دكتور أسامة أبوطالب


    طباعة المحتوى

    أرسل المحتوى الى صديق

    Leave a Reply