دعاء بهاء الدين – ريم سليمان – سبق – جدة: أعاد مشهد حريق "براعم جدة" إلى الأذهان مرة ثانية كارثة سيول جدة، التي خلفت آثاراً من الصعب محوها، وقد أسفرت المعلومات التي حصلت عليها "سبق" من المعلمات، أن هناك حالة من الهلع والذعر أصبحت تصيب الطالبات في المدارس عند سماعهن لأي صوت عال قوي، وبدأ الأهل يتساءلون عن التهيئة النفسية لبناتهم، ليجتزن هذه الأزمة العصيبة خوفاً من أن تصبح فوبيا تهدد مستقبلهن!
"سبق" تواصلت مع مختصين في علم النفس، رغبة في الوصول إلى الطريقة التي يمكن أن نمحو بها آثار الصدمة.
حالة ذهول
في البداية تحدثت "أم سارة" لـ "سبق" عن معاناة ابنتها عقب نجاتها من حريق المدرسة، قائلة: بالرغم من مرور يومين على وقوع الحادثة، إلا أن ابنتي تعاني حالة ذهول، رافضة تناول الطعام، وقد طلبت منها البكاء حتى تخفف آلامها النفسية، بيد أنها صامتة دائماً.
وأوضحت "أم سارة" أن ابنتها شاهدت معلمة الروضة "ريما النهاري" وهي تنقذ الأطفال ثم ألقت بنفسها أمامها حتى لقيت مصرعها، وقد تأثرت كثيراً بهذا المشهد الأليم، مشيرة إلى رغبتها في عرض ابنتها على طبيب نفسي حتى لا تتدهور حالاتها النفسية.
أحتاج حضنك
"أمي أحتاج حضنك فأنا أشعر بالبرد والخوف" هذه الكلمات المؤثرة ترددها شوق لأمها منذ وقوع الحادثة، كما جاء على لسان "أم شوق" التي وصفت حالة ابنتها قائلة: منذ وقوع الحادثة وابنتي دائمة البكاء، موضحة أن ابنتها تطلب منها البقاء معها دائماً لأنها تشعر بالخوف.
وقالت لـ "سبق" ابنتي لا تصدق حتى هذا الوقت أنها ما زالت على قيد الحياة، حيث ألقت بنفسها من الطابق الثاني، ودائماً تحدثني عن الموت وماذا ستشعر حين موتها، معربة عن خوفها من إصابة ابنتها بالاكتئاب الذي يؤثر على حياتها مستقبلاً.
أما والدة "لين" فقالت: أشعر أن ابنتي تمر بأزمة نفسية كبيرة جداً، فهي مرحة محبة للحياة، ودائماً ما تملأ البيت ضحكات، إلا أني أراها الآن بائسة لا تريد التحدث إلا عما جرى وما حدث وماذا لو كانت ماتت، هذا ما تريد أن تردده معنا فقط، وعندما أحاول أن أخرجها مما هي في تفضل الصمت وعدم المشاركة في الحديث.
وقالت: أحمد ربي ليلاً ونهاراً على رجوع ابنتي لي سالمة، إلا أنني لا أعرف هل ستتغلب على الحالة النفسية السيئة التي تمر بها، أم ستصبح ضحية للخوف والرعب نظراً للتجربة التي عايشتها.
وجاء كلام والدة الطالبة "نوف" محملاً بالقلق على فلذة كبدها، حيث قالت: ابنتي فقدت الأمان ليس في مدرستها فقط، بل أيضاً داخل منزلها، ولا يوجد لديها سوى هاجس الحريق الذي يسيطر على تفكيرها ومنظر صديقاتها ومعلماتها اللاتي رأتهن يلقين أنفسهن من الشباك؟ وتابعت: لقد قررت أن أعرضها على طبيب نفسي لمحو آثار الأزمة التي أخاف أن تترك أثر سلبياً عليها.
الحصانة النفسية
كشفت لـ "سبق" استشارية علم النفس عضو مؤسس الجمعية السعودية لرعاية الطفولة، عن تشكيل خمس لجان لدراسة حالة مصابات حريق براعم جدة، موضحة أن هذه اللجان هي اللجنة القانونية، ولجنة تأهيلية للإرشاد النفسي، ولجنة التواصل المجتمعي، واللجنة التربوية، فضلاً عن اللجنة الإعلامية.
ورداً على سؤال حول الاضطرابات النفسية الناجمة عن حادث الحريق، أجابت حريري: قد تصاب الطالبة الناجية باضطرابات القلق كنوبات الهلع، ورهاب الأماكن، وكذلك اضطراب الضغوط الحادة، محذرة من الإصابة بالاكتئاب الذي يؤدي إلى العزلة والانسحاب عن كل مثير يجعل الطالبة تتذكر "الحدث الصادم"، مؤكدة على اختلاف درجة التأثر النفسي للطالبات بحسب أعمارهن.
وأكدت على دور الأهل في التأهيل النفسي لبناتهم من خلال: تجنب الحديث معهن نهائياً حول حادثة الحريق، وعدم متابعة ما تبثه وسائل الإعلام عن الحادثة، مشيرة إلى ضرورة مشاركة ابنتهم في الاهتمامات الخاصة بها، وكذلك ضرورة فتح قنوات للحوار معها لمعرفة مدى تفكيرها، لافتة إلى أنه قد تكون أفكارها غير سوية، وغير عقلانية قد تؤدي بها إلى الاضطرابات النفسية.
وأوضحت أنه في حالة إصابة الطالبة بحروق بليغة تشوه جسدها، فعلى الأهل التعامل مع المشكلة بشكل طبيعي، لافتة إلى أنه عند تضخيم المشكلة سوف تبدأ الفتاة في مراقبة نفسها، فتربط مصيرها وأهدافها المستقبلية بالحدث، وقد تتوقع عدم تحقيق حلمها في استكمال دراستها أو عدم زواجها مستقبلاً.
ورأت أنه من الأفضل تغيير المدرسة موقع "الحدث الصادم" للتخفيف من أثر معايشة المكان، وبالتالي نسيانه بمرور الوقت، مشددة على دور معلمات المدرسة الجديدة التي تنتقل إليها الطالبات في معاملتهن بطريقة خاصة واحتوائهن نفسياً عن طريق اندماجهن في المجتمع المدرسي، وكذلك تقديم الدعم المعنوي لهن حتى يجتزن المحنة النفسية بأمان.
من جهتها، أوضحت أستاذ مشارك علم النفس الدكتورة زينب عايش أن الخوف من الحادث قد انتقل إلى خوف معمم لكل الأشياء التي لها علاقة بالمدرسة، ومن الضروري جداً أن تخفف كل أسرة وطأة الخوف والهلع الذي ينتشر بالعدوى.
ولتأهيل الفتاة مرة ثانية قالت: لا بد من محو ما حدث بخبرات بديلة وأفكار جديدة حتى يتم التأكد من أن المدرسة آمنة، مشيرة إلى أن الطالبات بحكم سنهن لا يستوعبن النصح والإرشاد بالكلام، ولا بد من الطمأنة بالفعل والعمل وليس باللفظ.
وشرحت طريقة الطمأنة الفعلية، وقالت: القيام بورش عمل وتجارب عملية داخل المدرسة لتعليم الطالبات كيفية التغلب على الأزمات، وهذا ما نسميه العمل بالممارسة كعمل نماذج كرتونية وغيرها من الأشياء، وتعليم الطالبة كيفية التصرف في هذه الحالة حيث تشعر وقتها أنها شاركت في الحل وتشعر بشجاعتها وقدرتها على حل الأزمات، وهذه الطريقة تساعد كثيراً في الخروج من الأزمات وتشعر الطالبة بقدرتها.
وأكدت على أنه من الضروري جداً وضع نماذج إيجابية لطالبات أقل وطأة وخوف من نفس الأعمار السنية للطالبات، حتى يشعرن أن هناك أخريات تعرضن لنفس الحدث بيد أنهن تغلبن عليه، مشيرة إلى أن الخوف من الأمراض المعدية حيث يكون الخائف عرضة للإيحاء أكثر من غيره، فهناك تهيؤات تؤثر على الفرد تدعوه للهلع، ولذا على الأسرة الدور الرئيسي في احتواء الطالبات.
وعادت وأكدت أنه من الصعوبة بمكان نزع الخوف والهلع بالكلام، والخبرة الفعلية هي الحل، مطالبة بضرورة عمل برامج فورية لإدارة الأزمات وعلى كل مسؤول أن يتواجه مع مسؤولياته، فسلامة أبنائنا تستدعي الوقوف مع النفس والبحث عن الحلول.