ما هي الدوافع للممارسات الوحشية في الحروب؟

"طاب يومك يارفيق" هكذا يقول أحد الجنود، الذين ظهروا في شريط فيديو جديد يُظهر مجموعة من قوات مشاة البحرية الأمريكية وهم يتبولون على جثت أفغان. "إن هذا مثل حمام ذهبي". يقول جندي أمريكي آخر. طيلة 39 ثانية يظهر الفيديو عددا من جنود النخبة وهم ينتهكون حرمة الموتى. الغريب في الأمر أنهم قاموا بأنفسهم بتصوير ذلك.

 والسؤال الملح الآن، هو ما الذي يدور في رؤوس هؤلاء الجنود؟ لماذا يبدو أنه توقف لديهم كل تفهم للمبادئ الأخلاقية؟ المختص في علم النفس الاجتماعي فيل.س.لانغر كان قد توجه قبل حوالي عامين إلى أفغانستان لإجراء حوارات مع الجنود الألمان حول رؤيتهم لعملهم وواجبهم العسكري، بهدف وضع دراسة علمية عن هذا الموضوع.

ويقول لانغر: " إنني أحذر من نموذج شرح مبسط لهذه الظاهرة". وفي نظره ينبغي عدم التسرع في وصف الفاعلين بأنهم يعانون من خلل مرضي جعلهم قادرين على اقتراف مثل هذه الأعمال". ويضيف لانغر: " تطبيع العنف في الحرب قد يكون أيضا إحدى محاولات الفهم التبسيطية، والقول بأن العنف في الحرب شيء عادي يؤدي إلى ما أريد وصفه بتهدئة للضمير بشكل حضاري.

من التخلي عن العنف إلى المبالغة فيه

Bildunterschrift: Großansicht des Bildes mit der Bildunterschrift:  حرب مثالية وأخلاقية قد تكون شبه مستحيلة نحن نعيش في مجتمع يدعو إلى التخلي عن العنف ونبذه، كما أن القتل يعتبر محرما فيه بشكل قاطع، وهذا ما تربينا عليه. لكن ينبغي أن يتصور المرء ماذا يعني ذلك بالنسبة لجنود ينحدرون من مجتمعات ديمقراطية وغربية عصرية، يجدون أنفسهم فجأة في حالة حرب، يكون فيها استخدام العنف  مطلبا إيجابيا. إنه تحول تام من الأنماط الحضارية للتخلي عن العنف إلى النمط العسكري للاستعداد لممارسة العنف.

وهذا يعني من الناحية النفسية وقوع الجندي في ورطة كبيرة، يتأرجح فيها بين مطلبين متناقضين، ويتعين عليه أن يتعايش مع هذه الحالة. لكن هذه الحالة لا تشكل عذرا ولا تبريرا للأعمال الشنيعة، لا لقيام جنود أمريكيين بالتبول على الموتى وانتهاك حرمتهم، ولا لقيام جنود ألمان في قوات إيساف بتصوير أنفسهم إلى جانب جماجم  لقتلى، ولا مشاهد  التعذيب في السجن العسكري الأمريكي ذي السمعة السيئة أبو غريب. لكن المبالغة في الممارسات الشنيعة يمكن اعتباره تصرفا تعويضيا.

من المفروض أن تحول حقوق الانسان والقانون الدولي دون حدوث مثل هذه الأفعال. لكن ما قيمة هذه المبادئ الإنسانية إن كان الجنود لا يطبقونها؟ الخبير لانغر يقول: "لهذا السبب بالذات يجب التركيز بشكل أقوى على جعل القيم الأخلاقية جزءا من التكوين العسكري للجنود، كما ينبغي نقل هذه المقاييس الأخلاقية إلى واقع الحرب". ويضيف: "في الوقت الحالي على سبيل المثال يتلقى الجنود الألمان لائحة تحتوي على مجموعة من القواعد والتعليمات، من قبيل افعل و لا تفعل". ولا يعتقد لانغر أن الجنود الأمريكيين لم يكونوا واعين أنهم يمارسون عملا خاطئا "الإخراج الذي قاموا به للصور وكأنه يظهر شيئا مهما، يبين أنه في لاوعْي الجنود يكمُن إحساس بأنهم يقومون بشيء غير شرعي".

الحرب المثالية المستحيلة

Bildunterschrift: Großansicht des Bildes mit der Bildunterschrift:  يعاني بعض الجنود من انفصام في الشخصية ويرى الخبير لانغر أن الصور الدعائية عن العدو تلعب دورا أيضا في الإفراط في العنف، فالخصم لا يعتبر مجرد خصم، إنما يتم تجريمه وتجريده من إنسانيته، ولاينظر إليه كإنسان. ويعتقد لانغر أن "تصوير طالبان على أنهم قساة متوحشون يجعل الجنود يتجاهلون بعض المواثيق".

سابينه مانيتس التي تعمل لدى مؤسسة السلام والأبحاث في مجال التوترات والصراعات في هيسن، وضعت تقريرها لرصد حالة الكرامة الإنسانية في الحروب لسنة 2005، وكتبت تقول: " من المحتمل أن يكون الرأي العام الأمريكي قد أظهر اهتماما أكبر لو كان الضحايا الذين تعرضوا للتعذيب في سجن غوانتنامو ليسوا عراقيين أو أفغان وإنما مواطنين أمريكيين".

من الصعب أن نتصور حربا خالية من صور الأعداء، أو حربا تراعي القواعد الأخلاقية والقيم الإنسانية، وقد تكون مثل هذه الحرب المثالية ضربا من الخيال، لكن يراد أن يتحقق ذلك، كما تقول سابينه مانيتس، مؤكدة أن "القانون الدولي يطالب بالتصرف بشكل حضاري وضبط النفس حتى في الحالات القصوى".

 

لاورا دوينغ/ ريم نجمي

مراجعة: منى صالح

Leave a Reply