في أي مرحلة يعيش النظام السوري؟ (1-2)

في أي مرحلة يعيش النظام السوري؟ (1-2)

بقلم: خالص جلبي

في مهنتي كطبيب وجراح أوعية أميل أحيانا إلى تسخير قوانين البيولوجيا لفهم الظاهرات الاجتماعية، وهو أمر استفدت فيه من الفيلسوف البريطاني (هربرت سبنسر)، ومما وقع تحت يدي دراسة ظريفة قامت بها باحثة من حقل علم النفس للمراحل التي يمر بها مريض الموت، أي ذلك المشرف على الموت والمتأكد من دخوله هذه المرحلة.

وهي دراسة قد تفيد بشكل عام، وقد لا تنفع عند كل فرد، فصديقي الدكتور رياض وهو المختص في الأورام والسرطانات أصيب بورم قتاميني في فروة الرأس، ولم ينتبه له إلا وقد انتشر إلى الصدر، ولم تنفع فيه عمليات الاستئصال الواسعة للورم ولا المعالجة الكيماوية والشعاعية، وقد جاءتني نعوته في 25 أبريل من هذا العام 2012م، فبعد أن وصلت الانتشارات إلى الصدر أرسل لي يودعني ويطلب مسامحتي إن كنت قد أسأت في حقه فقد أصبح وجهه باتجاه العالم الآخر. هكذا قال.

نحن الأطباء نحب أن نقوم بمقارنات بين البيولوجيا والسسيولوجيا وحين وقعت تحت يدي هذه الدراسة الشيقة للمرضى المقبلين على الموت شعرت أنها تنفع أيضا في الأنظمة المنهارة أو على وشك الانهيار كما في النظام السوري؛ فسوريا لم تعد كما كانت من قبل بسبب بسيط هي كسر حاجز الخوف ومربعات الرعب الأمني؛ ولذا ففي قناعتي أن النظام السوري آيل للسقوط لا محالة مثل مرضى الموت المدنف، ولكن الوقت هو الذي يصعب تقديره، وقد يطول أي تحول الحالة من حادة إلى مزمنة. كما هو في العلل والأمراض، قد تنفجر الزايدة الدودية ولا تقتل وتتحول إلى ورم زائدي يعلعل منه المريض ولا يستفيق. أو كما في الحمى التيفية والملاريا فتضرب الحمى كل يوم جمعة بأسماء شتى فيرتج المريض ويصاب بفقر الدم التدريجي وكذلك هو الحال في سوريا كما كان عنوان الجمعة الأخير (إخلاصنا خلاصنا).

وهناك الكثير من رؤوساء الدول من يحقونهم بكل الأدوية ليحافظوا عليهم ولو بالشكل كما حصل مع ستالين وملوك من الشرق الأوسط وشاه إيران وهواري بومدين من الجزائر.

وربما تنفعنا الآية القرآنية من سورة سبأ حين يتحدث عن موت النبي سليمان وبقاء الجثة تستند على المنسأة حتى قرضتها دابة الأرض فهوى فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين.

)فلما قضينا عليه الموت مادلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب مالبثوا في العذاب المهين( في الدراسة التي قامت بها (إليزابيث كوبر روس E.K.Ross) على مئات المرضى الذين يواجهون الموت لاحظت أنهم يمرون بخمس مراحل قبل تسليم الروح ولبس الكفن.

هذه المراحل الخمسة هي:

(1)(الإنكار) وعدم الاعتراف بعمق الأزمة الوجودية) كما كان حال النظام السوري أنه ليس ثمة من أزمة مطلقاً.
(2)(الغضب والتحدي) ظهر ذلك في نسف المدن بالصواريخ والمدفعية كأي مراهق طائش يفجر كل شيء أمامه.
(3)(المساومة) ومحاولة التملص من قبضة الموت).
(4)(الاعتراف مع الكآبة) وأخيرا (5)(الاستسلام) فالموت حق فلا وزر..
ولعل النظام السوري هو الآن في (المرحلة الثالثة) فالمخاض عند الحامل يشتد فيه الطلق والألم والنزف حين الوضع، ثم يخرج الجنين إلى الحياة وهو المتوقع مع سوريا الديمقراطية المدنية الجديدة، بدون مخبرين سريين وحبوس وفلق... وقل أعوذ برب الفلق.
والآن لنأخذ تفصيلات البحث وتطبيقه الاجتماعي على سوريا الجديدة.

تقول الباحثة إن الإحساس بقرب النهاية يتم على مراحل خمس هي:
1ـ (الإنكار Deny) ورفض الاعتراف أنه سيموت فضلا أن يكون بالأصل مريض، وهي في الأنظمة رفض الاعتراف بالأصل أن هناك أي أزمة كما هو الحال عند الطبيب الجاهل أو المهمل أو المستكبر، أو كل ذلك معا حين يلاحظ النزف عند المريض؛ فلا يقدر أو يستخف أو ينام ومعه تنام سمعته.

في القرآن يوجد شيء يشبه هذا عن فرعون حين تحركت مئات الآلاف من المصريين العمال من بني إسرائيل مع موسى فوقف فرعون يقول إنهم شرذمة قليلون وإنا لنا لغائظون وإنا لجميع حاذرون وسنضرب بيد من حديد على المخربين والمسلحين والمارقين. قارن تعبير النظام السوري (العصابات المسلحة).

2 ـ تقول الباحثة روس ثم يدخل المريض (الميت) المرحلة الثانية فتأتي مرحلة الغضب (Anger) والشعور بعدم العدالة، وتكون هذه المرحلة خطيرة من الغيظ والكلام السيئ واللعن بل والضرب والإيذاء فلماذا اختاره الله هو بالذات ليلبس كفن الموت وكان البارحة في متعة وحبور؟
وهو ما شعر به بشار الأسد بعد 11 عاما مريحة على ظهر العباد محروسا بخناجر الحشاشين.
فلماذا التغيير والعصابة مستريحة؟
ظهر هذا الارتياح بغبار من الكلمات كعادته أن الإصلاح ليس موضة (صرعة) وأنه بعون المخابرات سوف يغير البلد ليبقى سرجا مريحا للركوب إلى يوم التناد.

ولعل النظام السوري عبر المرحلة الثانية إلى الثالثة بعد تدمير بابا عمرو من الغضب على هؤلاء الجرذان بتعبير المهرج الليبي، والسلفية والمندسين بتعبير نظام البعث فكان الفتك شديدا جدا، فقتل الآلاف واعتقل عشرات الآلاف وفر مئات الآلاف فيما لم تعهده سوريا منذ الثمانينات.

كيف أمكن للخرفان أن يتحدوا الأسد في غابة تسرح فيها الضواري الأمنية؟؟ كيف تجاسروا ؟ كيف تجرؤوا؟ في الثورة الفرنسية شبه البعض الحالة أنها خرفان التهمت الأسد فهل هذا يحصل في سوريا الأسد؟

3 ـ وحين يصمد المستضعفون في وجه المستكبرين يدخل المريض (الميت) المرحلة الثالثة وهي (المساومة Bargain) وهو ما فعله النظام السوري مع فتح الباب للمعارضة الداخلية، ومحاولة فتح باب المفاوضات والعفو العام، ومبادرات شتى آخرها مبادرة عنان مع الاستمرار في القتل اليومي، وما شابه عسى أن ينجو من قبضة ملك الموت..

كاتب ومفكر انساني

Leave a Reply