فريق متخصص يصمم ماجستير علم النفس بجامعة قطر

قالت الدكتورة عائشة الحمادي المدرس المساعد بجامعة قطر والمتخصصة في مجال الاستشارات النفسية والصحة العقلية الإكلينيكية: إن العقبات التي تواجه مبتعثي قطر لنيل مختلف الدرجات العلمية تتنوع بين الثقافية والمادية والصحية بالإضافة إلى عقبة الانتقال وتغيير نمط الحياة والابتعاد الأهل.
وكشفت في حوار لـ «العرب» عن سعيها بالتعاون مع فريق متخصص إلى تصميم برنامج علم النفس لمرحلة الماجستير لتلبية احتياجات قطر.

كيف بدأت رحلة الابتعاث؟
-أنا خريجة جامعة قطر، وبعد تخرجي عملت كمرشد نفسي في مركز الإرشاد الطلابي في جامعة قطر، وهناك تعمقت في معرفة التخصص وآفاقه، وجاءتني الرغبة لمتابعة الدراسة، وكنت قد تعرفت على مكتب البعثات من خلال دراستي وعملي بالجامعة، وقمت بتقديم طلب ابتعاث، وحصلت على الموافقة، بدأت دراسة الماجستير في جامعة كولورادو من شهر يناير 2010، وتخرجت بعد ثلاث سنوات ونصف في مايو 2013، بواقع سنتين دراسة نظرية وسنة ونصف تدريب عملي، وتخصصي هو الاستشارات النفسية والصحة العقلية الإكلينيكية، عملت خلالها كاستشارية نفسية بعيادة الجامعة الخارجية، وأخيراً عدت لجامعة قطر كمساعد مدرس.

ما التحديات التي تواجه المبتعثين وما الذي واجهك منها؟
-من المعتاد أن يواجه الطالب المبتعث صعوبات مختلفة منها الثقافية والمادية والصحية، من ناحيتي أرى أن المجتمع القطري بات أكثر انفتاحاً وتقديراً للعلم، ولم يعد يتحفظ كما في البدايات على فكرة سفر الفتيات للدراسة، ولم تواجهني صعوبات تذكر من هذه الناحية، أيضاً في المعتاد يواجه الطلبة المبتعثون مشاكل في أمور مثل الماديات والتأمينات الصحية وغيرها، ولكن برنامج الابتعاث الخاص بجامعة قطر ساعدنا في تخطي كل هذه العقبات منذ البداية، ويسر لنا الأمور كلها، فلم نحمل هماً، وقد كانت الجامعة داعماً قوياً حتى فيما يتعلق بالتفاصيل البسيطة، وحرصت بشدة على توفير كافة احتياجاتنا حتى يتسنى لنا التركيز على الدراسة، أخيراً لعل العقبة الوحيدة كانت في الانتقال وتغيير نمط الحياة والابتعاد عن الأهل، فإن بلادنا العربية تمتاز بتوثق العلاقات بين أفراد العائلة، لذا كان من الصعب علي فراق عائلتي والاستقرار في مكان آخر.

ما أبرز ملامح رحلتك الأكاديمية في كولورادو وكيف اختلفت عن دراستك في جامعة قطر؟
-سعيت منذ بدء رحلة الدراسات العليا في اختيار برنامج يساعدني على الوصول للدرجة العملية والعلمية التي وضعتها بذهني، يركز على تعدد الثقافات ويسهل تطويعه ليصب في النهاية في صالح المجتمع القطري ويلبي احتياجاته، وهذا ما وجدته في برنامج الصحة النفسية والعقلية الإكلينيكية بجامعة كولورادو، ومن الأشياء الجيدة تقارب نظامي التعليم بين قطر والولايات المتحدة الأميركية، لذا لم يكن النظام جديداً كلياً، ولكن كان هناك اختلافات متنوعة خاصة في التطبيق العملي، فمثلاً، جزء من الدراسة كان يتطلب تصوير جلسات العلاج النفسي التي نجريها مع العملاء (وهو اسم بديل عن اسم «مريض» احتراماً لهم)، ونقوم بعد ذلك بمراجعة تلك التسجيلات مع المشرف، أيضاً كان عملنا اليومي يصور بالفيديو كما كانت هناك مرآة من ناحية واحدة، وراءها غرفة المشرف، حيث نكون نحن مع العميل كمعالجين، بينما يجلس المشرف ليتابع من وراء المرآة، ويوجد هاتف في غرفتنا يوجهنا المشرف من خلاله، إضافة إلى ذلك، كان من أبرز ما تعلمناه هو تصميم خطط العلاج حسب حاجيات العميل، فالأزمات المتعلقة بالصحة النفسية مختلفة عن غيرها من العضوية، فتكون جلسة العلاج حوالي 50 دقيقة، نتعرف فيها على العميل وعلى احتياجاته، ونقوم بتشكيل خطة علاجية، ومن عادتنا ألا ندع المريض يخرج من العيادة إلا ونحن مطمئنون إليه، ودائماً هناك جهات يمكننا الاتصال بها كالمستشفيات والمراكز الصحية أو الشرطة أحياناً لحماية سلامة العميل.

خلال رحلتك الأكاديمية، هناك تفاصيل صغيرة تشكل شخصية الدارس، حدثينا عن ذلك؟
-هذا صحيح، فالدارس لا يتعلم فقط التخصص، بل من الحتمي عليه أن يتعلم النظام ويستوعب إيجابيات وكيفية الاستفادة منه للتطوير، خاصة نحن في جامعة قطر، يناط بنا تخريج أجيال المستقبل؛ وكمبتعثين وجب علينا التعمق في التفاصيل وفهمها حتى نستطيع بناء أنظمة مثلها سواء أكانت برامج أكاديمية أم مقررات أو معايير أخلاقية قانونية كخصوصية المريض، بحيث نفتح الباب أمام تطور مجالنا ليرتقي للمعايير العالمية باسم قطر.

درست بولاية كولورادو بأميركا، كيف كان شعورك لاختلاف الثقافات وكيف تغلبت عليه؟
-بداية، يجب الاعتراف بأن المجتمع الأميركي يختلف 180 درجة عن المجتمع القطري، ويمكنك دون مجهود استشعار الاختلافات، خاصة كما أن الشعور بالغربة وبالاختلافات يزداد لأننا لسنا ذاهبين للسياحة أو للاستجمام، بل ذاهبين للإقامة ولنكون جزءا من هذا المجتمع، فلا بد أن تشعر كثيراً بالحنين للوطن، ولكن على الجانب الآخر، ساعدتني دراستي كثيراً في التغلب على هذه المشاعر، حيث إن جزءا من برنامج الدراسة هو العمل على الذات قبل الآخرين، ولا أنكر أني وجدت دعماً كبيراً من البرنامج أساتذة وزملاء، وفي النهاية، استطعت أن أجعل من هذه الاختلافات قوة داعمة لي لزيادة خبرتي في تخصصي، أيضاً، كان من حسن حظي وجود مبتعثين كثر من قطر بالولاية التي سكنتها مما ساعدني على التكيف.

نود أن نعرف، هل ساعدك التعدد الثقافي في قطر على تقبل المجتمع الجديد؟
-هذا صحيح إلى حد كبير، فالتعدد الثقافي واسع جداً في قطر، كما في أميركا، وقد تربينا في قطر على تقبل الآخر وفهم الاختلاف واستيعابه من خلال بيئات مختلفة في الدراسة والعمل وساعدني هذا على التعامل مع الجنسيات المختلفة دون الاستغراب منها.

لا شك أن تعدد الثقافات يفتح المجال للتعلم، هل كانت هناك ثقافة معينة ساهمت في التأثير على شخصيتك؟
-بالتأكيد، لعلي سأتحدث عن ثقافة طبقة اجتماعية معينة، وهي طبقة الأشخاص الذين لا يملكون مأوى «Homeless»، هي ثقافة مختلفة تماماً عنا والتعامل معها أكسبني غنى معرفي لا يقدر بثمن، كان بعض منهم من عملاء عيادتنا، تعلمنا أن نتجرد من كل الأحكام المسبقة عليهم والتعامل معهم بشكل طبيعي للغاية، مما يفتح الأبواب أمام فهم تلك الثقافة بشكل أكبر، وأبرز ما تعلمته من تلك الثقافة هو أن الوضع الاجتماعي والاقتصادي لا يحدد هوية الإنسان ولا أخلاقه ولا ثقافته، وأن نظرة المجتمع الدونية لمثل هذه الثقافة وعدم الاكتراث والأحكام المسبقة، تغلق كل الأبواب أمام التعرف على هوية أي إنسان وأخلاقه وثقافته.

كيف كنت سفيرة لقطر خلال ابتعاثك وهل واجهتك أي تحديات في الحفاظ على الهوية؟
-دون شك، المبتعث هو سفير بلاده وثقافته في المجتمع الجديد، وفي هذا لي تجربة خاصة مع أسرتي وأبنائي، حيث اعتبرنا أنفسنا سفراء لقطر وساعد ذلك أبنائي في التعرف على الثقافة القطرية واستيعابها وتشكيل هويتهم، وعبر ثلاث سنوات ونصف كانت لديهم القدرة على قول «أنا من قطر» وتعريف المحيطين بالثقافة القطرية وأبعادها ومعالمها، كما كان أكثر ما يدخل السرور على نفسي هو افتخار أبنائي باليوم الوطني والاحتفال به حتى بالغربة، ولعل أكثر ما استفدناه على صعيد الأسرة من تجربة الابتعاث كان تنمية مهارة التكيف وتثبيت وتقوية هويتنا القطرية.

ما خططك لتطويع رحلة الدراسة في الخارج لخدمة الوطن؟
-أسعى الآن تحت مظلة جامعة قطر ومع فريق متخصص إلى تصميم برنامج علم النفس لمرحلة الماجستير، بحيث يلبي احتياجات دولة قطر، وعلى كل الأصعدة، هناك دائماً فرصة لإثراء قطر في كل المجالات، حيث إن بلادنا الآن في طور التنمية وأذرعها مفتوحة للجميع ليضع بصمته للمستقبل، لنخرج وطناً قوياً لأبنائنا ونخرج أجيالا قوية لوطننا.

Leave a Reply