عندما تتحول الحياة إلى خرم إبرة!

    عندما تتحول الحياة إلى خرم إبرة!

    عاش حياة كريمة وسعيدة خالية من اليأس والإحباط تعلم كما تعلم معظم أقرانه ببساطة ورغبة عارمة ومتحفزة للتفوق حتى كان من المتفوقين من أبناء قريته وصار طالباً جامعياً ثم معيداً بكلية كبيرة وتخصص فى مجال علم النفس والاجتماع وتدرج بفضل أبحاثه العلمية حتى أصبح أستاذاً مساعداً لقسم علم الاجتماع.

    وأكمل نصف دينه وعقد قرانه على من اختارها قلبه وعاش حباً ومرحاً وسعادة وحباه الله بالذرية فأنجب من الأبناء 3 أولاد أكبرهم فى التعليم الثانوى. والمتوسط فى المرحلة الاعدادية، وآخر العنقود تلميذ فى الابتدائية، وكانت حياته تسير بالشكل التقليدى لنموذج من النجاح المستقر.
    ولكن لأن للحياة فلسفتها الخاصة التى احتار فى تفسيرها علماء النفس والاجتماع فقد كانت تخفى لأستاذ علم النفس والاجتماع جزءاً من التعقيدات التى يختلف الأشخاص فى التعامل معها بقدر خبراتهم وقدرتهم على احتواء المصاعب وتجاوز العقبات، فالقادر بحكم خبرته وقدرة احتماله يتجاوز الصعب بقدر تعامله مع السهل، أما من كانت قدرتهم على التعامل مع تلك التعقيدات ضعيفة فيسقط منهم من يسقط فى براثن الضعف النفسى فيتهاوى ويسقط كما تسقط أوراق الشجر مع أول نسمة هواء عابرة فهذه النسمة فى عرفهم رياح عاتية لاقبل لهم بالتعامل معها.
    وحالتنا اليوم – مأساة – إنسانية واجتماعية فى حد ذاتها لأنه تهوى سريعاً كورقة شجرة مع هبوب أول ضربة هواء فى مصيدة اليأس والإحباط لمجرد أن دخل فى تجربة تجارية لا يعرف عنها شيئاً فتكالبت عليه الديون وخنقته ضائقته المالية فأعمت بصره وبصيرته عن كل حل طبيعى لتجاوز الأزمة وأصبحت «الآخرة» بالنسبه له هى الملاذ الأول والأخير.
    وأصبح دكتور الجامعة خبراً فى صفحات الحوادث بحجم مأساته الإنسانية عندما عثر على رأسه معلقاً فى سقف منزل تحت الإنشاء قريب من منزله بقرية «إبشواى الملق» وجسده على الأرض ليتناقل أهل القرية الهادئة نبأ انتحار الدكتور أستاذ الجامعة ومتخصص علم النفس والاجتماع بسبب تراكم ديونه ومروره بضائقة مالية لم يقو على التعايش معها فكان الانتحار شنقاً «قبلة» الدكتور الأخيرة، التى أصر على التوجه لها طلباً للحل والإنقاذ من حياة كانت فى نظر الكثيرين هادئة ومستقرة إلا من بعض المنغصات التى يعيش بها غالبية الناس العاديين!
    كانت بداية الخبر بلاغاً تلقاه العميد طارق داود مأمور مركز قطور من سيد عمارة السودانى «40 سنة» مدرس مقيم بقرية إبشواى الملق دائرة المركز، يفيد بأنه أثناء توجهه لمنزل شقيقه - تحت الإنشاء - تبين له تواجد بقايا جثة متحللة بإحدى الغرف بالمنزل.. على الفور انتقل العقيد أحمد لاشين نائب مأمور المركز والرائد محمد كساب رئيس مباحث المركز إلى مكان البلاغ، وتبين أن المبنى تحت الإنشاء وبداخل إحدى الغرف جثة لشخص يرتدى «ترينج» وفى حالة تعفن رمى متقدم ومتدلية رأسه من سقف الغرفة بواسطة شال من القماش الأبيض نتيجة لتحلل الجسد حيث ظل الرأس معلقاً وسقط الجسم أسفله وعثر على برميل أسفل الجثة مباشرة ملقى جانباً.
    وقام النقيب أيمن الشاذلى معاون مباحث المركز بفحص بلاغات التغيب ومن خلال الأوصاف والملابس التى ترتديها الجثة أمكن التوصل لحالة الغياب بالقرية لياسر سليمان عجيز، مدرس علم اجتماع بكلية الآداب جامعة قناة السويس، ومنها بلاغ شقيقه محيى سليمان عجيز «46 سنة» مدرس، والذى تعرف على ملابس الجثة وقرر أنها خاصة بشقيقه المتغيب، كما عثر بملابس الجثة على مفاتيح خاصة بمسكن المتغيب، وأقر فى تحقيقات اللواء علاء السباعى مدير المباحث والعميد أسعد ذكير رئيس مباحث المديرية أن شقيقه يعانى من حالة نفسية بسب مروره بضائقة مالية وسبق له محاولة الانتحار ولكنها فشلت حتى تحقق له ما أراد هذه المرة!
    تجمعت خيوط المأساة التى وصلت لنهايتها أمام العقيد أحمد العايدى مدير مباحث قطور ومفادها أن الدكتور انتحر بسبب دخوله فى مشروع نجارة مع أشقاء زوجته والتى رهن بسببه منزله للبنك مقابل 150 ألف جنيه، وحاول بكل الطرق التى بلغها عقله للوصول لحل وعرض بيع ماكينات المشروع لسداد ديونه ولكنه فوجئ بأن ثمنها لاينقذه! فقرر الانتحار لتعرض أوراق القضية فى شكلها الأخير على شريف عباس وكيل النائب العام بقطور، الذى قرر ندب الطبيب الشرعى والتصريح بدفن الجثة!


    طباعة المحتوى

    أرسل المحتوى الى صديق

    Leave a Reply