علم نفس المضاربة في العملات والأسواق العالمية وأهم مصطلحات المضاربين

علم نفس المضاربة Psychology of tradingقد يستغرب البعض هذا العنوان ولكن لوتمعن المرء قليلاً لأدرك أن الأسعار في الأسواق ليست إلا تعبيراً وانعكاساً لتصرفات الناس في السوق.

إن كنت قد سبق لك أن شاركت بعمليات مضاربة في الأسواق سابقاً ستجد أن ما نطرحه قد عانيت منه سابقاً. وان كنت لم تقم أبداً بالمضاربة من قبل فهذه فرصة لتكون فكرة قبل الخوض في هذا المجال.

يعتقد الكثير من الناس الذين ضاربوا في الأسواق أن هناك من ينصب لهم فخاً. فكثيراً ما يرتفع السعر وبمجرد أن يشتروا ينقلب السعر عليهم, وفي حالات أخرى بعد تعرضهم لخسائر يقوموا بتصفية أوضاعهم في السوق, فيتحسن السوق من بعد خروجهم فيشتاطوا غيظاً ويتمنوا لو بقوا في أوضاعهم لكان تحقق لهم الربح. هذا الشعور يؤدي إلى تولد عادات سيئة عند المضارب والتي ستؤدي في المستقبل إلى فشله.

إن السوق يشبه المحيط, فهو يعلو بموجه ويهبط دون أن يُعير انتباهه إلى ما تُريده أنت. قد تشعر بالسرور إذا اشتريت سهماً وازداد سعره, وقد يجف حلقك وتتصبب عرقاً حين تشتري سهماً وينقلب السوق ضدك وتبدأ أموالك بالذوبان مثل الثلج مع كل درجة هبوط للسعر.

هذه المشاعر ليس لها وجود إلا في نفسك ولاتتعلق بالسوق. إن السوق لا يشعر بوجودك، ولاتستطيع أن تفعل شيئاً لتؤثر به وانما تستطيع أن تسيطر على سلوكك.

إن المحيط لا يفكر بمصلحتك ولكن لا يريد الايذاء لك أيضاً. قد تشعر بالسرور حين تبحر بزورقك الشراعي في يوم مشمس ,وقد تشعر بالخوف والهلع في يوم عاصفٍ حين تدفع بك الأمواج باتجاه الصخور. إن مشاعرك عن المحيط توجد فقط في داخلك وهي تهدد بقاءك إذا تركتها تسيطر على سلوكل بدلاً من عقلك.

إن على من يريد أن يربح في التداولات في الأسواق أن يتعلم أنه لا يستطيع أن يسيطر على السوق ولكنه يستطيع أن يسسيطر على نفسه، فكما يدرس البحار الجيد التيارات وتغيرات المناخ والأهم من ذلك يتعلم متي يُبحر ومتى يبقى على الشاطىء, فعلى المُضارب الجيد أن يتعلم أن يكبح جماح نفسه.

يجب على المضارب أن يدرس اتجاه السوق وانقلاب السعر بنفس الطريقة التي يدرس بها البحار المحيط.يجب أن يضارب بمبالغ صغيرة حتى يُصبح ماهراً في السيطرة على نفسه في السوق.

إن المبتدىء الذي يربح عدة مرات يُصبح مغروراً, ويظن أن بامكانه السير على الماء، فيبدأ بالمجازفة الخطرة ويدمر حسابه. وفي نفس الوقت فإن الهاوي الذي يبدأ بعدة خسائر متتالية يشعر بالانهزام بحيث لا يستطيع أن يضع أمر شراء او بيع بالرغم من تحقق فرصة له. إذا كانت المضاربة تشعرك بالخوف أو الفرح فإنك لاتستطيع استخدام عقلك بشكل تام. إذا أصابك فرحٌ كبيرٌ فإنك ستُجري مضاربات غير منطقية, وإذا سيطر عليك الخوف الشديد فإنك ستفقد فرصاً كبيرة مفيدة. إن ردودالفعل العاطفية هي ترفٌ لا يمكنك أن تتحمل بهاظة ثمنه على محفظتك الاستثمارية.

حين ترتطم رجل القرد بجذع شجرة فإنه يغتاظ جداً ويقوم بركل جذع الشجرة. أنت تضحك على القرد, ولكن هل تضحك عاى نفسك حين تقوم بعمل مماثل له؟

لقد فقد الكثير من المضاربين أموالهم لأنهم حين تهبط الأسعار وكانت بحوزتهم أسهماً فإنهم يشترون من جديد في محاولة لتعويض الخسائر بما يُعرف بـ averaging down أي محاولة الشراء ليصبح السعر الوسطي أرخص. ثم تهبط الأسعار مجدداً وعوضاً عن دراسة الأمر وتحليله يقوم المضارب بالشراء ثانية.

مالفرق بين مضارب يحاول أن ينتقم من السوق والقرد الذي يركل جذع الشجرة؟؟كل من كان يضارب يعرف الشعور الغريزي الذي يتولد عنده للشراء بمثل هذه الحالات.

وبالعودة إلى العادات السيئة ,فإنه من المتعارف عليه أن السوق معلمٌ رديءٌ يرسخ في المبتدئين عادات سيئة تكون مقدمة لهلاك محافظهم. فإن من أهم قواعد إدارة المجازفة risk management أن يحدد المتداول في البداية حجم الخسارة المسموح بها في كل عملية تداول, ويضع حداً للخروج منها stop loss. لكن حين يتكرر لعدة مرات خروج المضارب من وضعية تداول ليجد أن السوق تحسن بعد ذلك, يبدأ في التراخي في هذه المسألة, وقد يحالفه الحظ أحياناُ ولكن سيباغته السوق في حركة مفاجئة تستهلك الحيز الأكبر من أمواله.

وسنضرب هنا مثلاً حديثاً: بين أوائل تشرين ثاني عام 2008 و أوائل كانون أول كانت أسعار اليورو على الدولار تتراوح بين 125 و 130 فأصبح عند الناس شعوربالأمان، وبدأ الكثير يضاربون ببيع اليورو حين اقترابه من 130 وشرائه حين اقترابه من 125 واضعين ستوباً للخروج في حال تجاوز 130.

تجاوز اليورو 130 لعدة مرات ثم عاود الهبوط إلى 125وبالتالي كل من وضع ستوباً في جوار 130 أو فوقه قليلاً خسر مبلغاً صغيراً وفاتته فرصة الربح. ماذا حصل بعد ذلك تجاوز اليورو حاجز 130 فمن وضع ستوباً خرج من التداول ومن لم يضع أُصيب بكارثة إذ استمر اليورو بالارتفاع إلى ما فوق 147 في 7 أيام، فمن لم يخرج بالستوب وبقي فيه خسر أكثر من 14% من ماله ومن كان يضارب بالتسهيلات خسر كل ماله.

لقد جرت دراسات عدة تبين منها أن المضاربون الخاسرون جاؤوا من أرضية مهن ناجحة.فهم نجحوا في حياتهم العملية وحققوا انجازات ولكن لماذا يخسرون بالمضاربة؟
الجواب هو أن عليهم إعادة برمجة سلوكهم فإن النمط الذي تعارفوا عليه في حياتهم العملية يختلف كثيراً عن أجواء المضاربة.

إن في نفس الإنسان دافعان قويان تتنازعه حين المضاربة الطمع والخوف greed and fear وعليه أن يسيطر عليهما.

ولمن لم يُعجبه تشبيه السوق بالمحيط فليسمع ما يلي: سألني أحد الأصدقاء ماذا يفعل بالسيولة التي لديه, ورغم قناعتي بعدم إعطاء نصيحة للاسثمار بشكل مباشر، بينت له أن الفرنك السويسري له مستقبل بسبب احترام سويسرا لقواعد إصدار العملة, وكان سعر الفرنك السويسري على الدولار حوالي 121.5. بعد يومين شاهدته فقال لي لقد ارتفع الدولار على الفرنك إلى ما فوق 122، فهل مازلت عند رأيك لم أجبه لأن التوقعات يجب أن تكون للمدى البعيد، ولأنه في كل الأحوال لن يشتري. فماذا حصل انهار سعر الدولار على السويسري بشكل حاد إلى ما دون 105 أي أكثر من 14% في خلال 7 أيا م تداول!!
أليس هذا ما يفعله المحيط ؟لقد انحسر المحيط يوماً فسارع الناس إلى التقاط السمك فماذا حصل بعد ذلك ؟ داهمهتهم أمواج التسونامي كما ابتلع السوق كل من راهن على تحسن الدولار.

إن مشاعر الخوف أقوى من مشاعر الطمع لذا ينهار السعر في الأسواق بشكل أسرع بكثير من صعوده.
قد يظن الإنسان أن السيطرة على الذات أمام اغراءا ت الأسواق هو بالأمر السهل, تذكر نفسك أو أحد معارفك في حال اتباع حمية لتخفيف الوزن. إن الشعور بلذة الأكل القصيرة أقوى بكثير من الشعور بالرضى عن الذات لتحقيق تخفيف الوزن. لذا يفشل الكثيرون في تخفيف وزنهم. ستجد صعوبة كبيرة في كبح الجموح عندك للدخول في السوق. عليك أن تستفيد من الطبيعة, فالفهد من أسرع الحيوانات، لكنه لا ينقض على فريسته جزافاً. إنه يتربص ويتخفى وينتظر الفرصة السانحة وغالباً ما ينتقي الحيوان الأضعف من القطيع. إن الفرص في الأسواق تذهب وتأتي فلا تتسرع بالدخول في أي عملية تداول. غالباً ما تظن أن القطار فاتك,وإذ بالأسعار تعود للسعر الذي فاتك أو أقل منه.

ولا بد لنا أن نذكر شيئاً عن تصرفات الحشد في الأسواق. إن تصرف الحشد أشد بدائية من تصرفات الأفراد. إذا أردت أن تربح فعليك أن تعرف متى تمشي مع الحشد ومتى تشعر أن الأمر أوشك على الانقلاب. لأن في لحظة انقلاب السعر ترى الحشد يتلاشى بسرعة. وبعد دخول تداول الانترنت فإن انقلاب الأسعار لم يعد يترك كما في الماضي فرصة لأي تحسن في الأسعار فترى السعر ينحدر بشكل ليس له مثيل في السابقNose diving إن نمط سلوك الحشد حين فقدان الثقة أقرب إلى الهلع و لاينفع في مثل هذه الحالات أي مهارة فللحشد اليد الطولى.
إن من ينصح الناس بالبقاء في السوق بالرغم من خروج الحشد يطالبهم بأعمال بطولية في غير مكانها. فليس الحشد في الأسواق جيشاً يُدافع عن بقعة أرض وتستوجب البطولة لبعض أفراده للحفاظ على مواقعه أمام الهجمات. تذكر أن هذا الحشد هو خليط من المتداولين أقصى ما يريده الشخص فيهم هو تحقيق الربح الذي غالباً ما يكون على حساب سخصٍ آخر في الحشد. لقد وصف أحدهم الأسواق بأحسن وصف حين قال لم أشاهد أشخاصاً عدوانيين الواحد تجاه الآخر مثل الأسواق طبعاً باستثناء ساحات القتال.
لقد كلفت نصائح معظم المحللين الماليين الناس بالتريث والثبات والحفاظ على المواقع أن خسروا معظم أموالهم.

وأخيراً لا بد أن نذكر أن المضاربة تولد الإدمان عند البعض وإن الكثير من المضاربين خاصةً بعد انتشار التداول على الانترنت يتسمرون في أماكنهم طوال أوقات التداول. والمصيبة الأكبر عند من يتداول في أسواق السلع والعملات والذهب فهي على مدار 24 ساعة.
يذكر الكثير من المضاربين أنهم يشعرون بالضيق أثناء عطلة نهاية الأسبوع، فإذا شعرت بذلك فأنت قي طور الادمان.

للوقاية من ذلك خصص يوماً من الإسبوع تمتنع فيه عن التداول ولو كانت الأسواق تعمل.إن المضارب الذي يستمر باالخسارة والمضاربة يشبه المدمن على الكحول فهو يُغير نوع الكحول كما يغير المضارب أسلوب مضاربته وتستمر الخسائر لأن مكمن الداء هو داخل أعماق النفس، فما لم يسيطر على اندفاعه فإنه سيستمربارتكاب نفس الأخطاء .
لقد استفاد كبار المضاربين من الدراسات النفسية للأسواق وأصبحوا يضاربون وهم يتوقعون مسبقاً ردات فعل العامة مما أضاف عبئاً جديداً على صغار المتداولين.

Leave a Reply