علم النفس يفسر انجذاب الكبار قبل الصغار للرسوم المتحركة!

علم النفس يفسر انجذاب  الكبار قبل الصغار للرسوم المتحركة!

 عمان - (النوستالجيا) او الحنين والاشتياق الى الماضي في ذكرياته الجميلة التي عاشها الانسان وصل الى الافلام والمسلسلات الكرتونية التي شاهدها ايام الطفولة واصبحت جزءا اصيلا من الذاكرة بفضل ارتكازها على اعمال ادبية عالمية راقية المستوى.
وتعدى الاهتمام بهذه المسلسلات الكرتونية الى تقديم شارات بدايات هذه المسلسلات في حفلات جماهيرية بمصاحبة فرق موسيقية بمواهب اردنية من خلال مؤديها الاصلي، وذلك في تجربة هي الاولى من نوعها في الفعاليات الفنية المحلية والعربية، والتي جذبت الكثير من الشباب الذين تفاعلوا مع خطوة جديدة ارتبطت بشكل مباشر بطفولتهم مثلما ارتبطت هذه المسلسلات باذهانهم. يقول الموسيقي الاردني عزيز مرقة الذي يعتبر اول من اقدم على هذه الخطوة انه قدم اغنية (شارة) المسلسل الشهير (جزيرة الكنز) الذي عرض مطلع ثمانينيات القرن الماضي وشارة مسلسل مغامرات الفضاء (جراند دايزر) برفقة مغنيهما الاصلي اللبناني سامي كلارك من خلال فعالية باب (فرق عبر الحدود) الذي اقيم في عمان على مدى اربعة مواسم في السنوات الماضية بمشاركة مواهب اردنية وعالمية.
ويضيف لوكالة الانباء الاردنية (بترا) ان ما دفعه الى تقديم شارات اغنيات مسلسلات الرسوم المتحركة هو ظهور الكثير من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي التي تدور فكرتها حول الذكريات الجميلة في ايام الطفولة لجيل ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي والحنين الى بساطة تلك الايام التي عززت في النفوس الكثير من المفاهيم والمفردات والصفات النبيلة مثل الشجاعة ومساعدة الاخرين. وينقل مرقة عن الفنان اللبناني مدى سعادته في اعادة تقديم اغنيات هذه العملين الموجهين للاطفال منذ 25 سنة، من جديد امام جمهور بمصاحبة فرقة اردنية ولاول مرة بعد هذه السنوات الطويلة، واللذين رسخا في الوجدان لتركيزهما على قيم البطولة والشجاعة، والصراع بين الخير والشر. مؤسسة ومديرة جمعية بيت الحكايات والموسيقى ربيعة الناصر تنوه باستمتاعها بمشاهدة المسلسلات الكرتونية مع أطفالها، وربما يعود ذلك وفقا لها الى أنها قرأت معظم قصص هذه المسلسلات كروايات في طفولتها معتقدة ان هذا ما كان يميز تلك المسلسلات، إذ أنها كُتبت أولاَ كقصة وليس كما يحدث الآن في معظم الأحيان، حيث يتم كتابة قصص حسب الطلب لإعدادها كأفلام كرتونية. وتضيف ان مضمون بعض هذه المسلسلات الكرتونية كان يهتم بفضول الطفل ويدفعه الى الاكتشاف والمعرفة  وتعزيز هذه المعرفة، لهذا لامست تلك المسلسلات الكرتونية وجدان وعقل الصغير والكبير.

افكار مقتبسة
وتبين ان فكرة الافلام قديما كانت مقتبسة او مأخوذة عن قصة مكتوبة، وجلية وتتسم بالوضوح وتبرز قيم ومفاهيم الصدق والوفاء وغيرها، أما الان فان التطور الذي أحدثته تكنولوجيا الاجهزة الحديثة وخاصة اللوحية منها التي باتت متاحة للجميع، جعل المنتجين يتجهون إلى الإغراق في الخيال الصاخب والعنيف.
وتشير الناصر مستشارة مكتبة الأطفال (درب المعرفة) في مؤسسة عبد الحميد شومان الى ان المعنى الإنساني في المسلسلات الكرتونية القديمة كان سببا في تخليد روايات مثل البؤساء وجين إير ومرتفعات وذرنج، ومسلسلات كرتونية مثل ساندي بل وتوم سوير وسندباد وعلاء الدين والمصباح السحري التي ما زالت في ذاكرة من شاهدها، إذ أن الإنسان بطبعه يميل إلى استحسان القديم.
وتبين ان الكثير من المسلسلات الكرتونية التي تبثها قنوات الاطفال الان لا تشاهد لانها سطحية ومصطنعة وعنيفة وصاخبة ولا تتميز بالجمال عدا عن رسومها غير المحببة، وتحضر فيها بكثرة شخصيات شريرة سمتها القتل، وهذا يسهم في تكريس الأنانية والتسلط والعدوانية والعنف بشكل عام.
وتقول ان محدودية وسائل الاعلام في العقود الماضية وضعت الجميع امام خيارات محدودة جداَ، لذا شكل ذلك عامل جذب للاطفال للأعمال التي كانت منقولة عن روايات عالمية قرأها الكبار وارتبطت في الوجدان فيما بعد، بفضل وجود قيم متفق عليها منذ بدء البشرية وهي: الحرية، والحب، والجمال، والعمل، والصداقة، والتكافل، والتعاون، والخير بكل مفرداته.
انجذاب
ويفسر استاذ علم النفس التربوي في الجامعة الاردنية الدكتور يوسف قطامي انجذاب الكبار الى افلام الكرتون خاصة تلك تابعها هؤلاء في الصغر بقوله:  ان وراء كل سلوك انساني دافع، وهذا يكون ضمن سعي الانسان نحو فهم الكثير من القضايا، إذ ان الكبار يسهل عليهم فهم مغزى اي مقطع كرتوني دون اي جهد كبير للاستيعاب لذا يلجأ البعض منهم الى مشاهدته. ويبين ان افلام الكرتون تثير لدى البعض ذكريات وأيام الشباب وهذا يجلب لهم السعادة من ايام ماضية كانوا فيها سعداء بقصد استحضارها مرة اخرى دون اي مسؤولية، فعندما تشاهد مسلسلا او فيلما كرتونيا فذلك لا يتطلب منك كشخص كبير اتخاذ موقف او الشعور بالانفعال او الغضب، وهذا ما يستثير الفرد ويدفعه الى المتابعة لان الفيلم مريح ومرن وبدون مسؤولية ودون أي موقف.    

كبار وصغار
وحول متابعة الكبار والصغار لهذه الافلام الكرتونية القديمة سويا وردود الفعل يشير الدكتور قطامي الى ان ما يحدث في هذه الحالة هو عملية حوار بين الجيلين، والمقارنة التي من الممكن ان تجذب الاطفال وتشجعهم على التفكير وتثير في انفسهم الكثير من الاسئلة عن زمنين مختلفين.
المتخصصة بأدب الاطفال في قسم اللغة العربية بجامعة البترا الدكتورة هوازن القاضي تقول ان أفلام الرسوم المتحركة التي شاهدناها في صغرنا تركت بصمات واضحة في طفولتنا وشخصياتنا في الكبر، لذا فقد تجد من يوجه أبناءه لمتابعة هذه المسلسلات الكرتونية التي أحبها    ربما- ليكون الابناء نماذج من هذه الشخصيات التي اعتبرها في يوم من الايام مميزة.
وتضيف أن بعض المسلسلات الكرتونية تُعمل الفكر وتُثري الخيال وتُعلم التفكير المنطقي المنظم، وإن كان في بعضها خيال كثير، لكن هناك عبرة وقيما نستخلصها كالتعاون والقناعة والشجاعة والأخوة ونبذ العنف والدعوة إلى السلام وترك الجشع والطمع، والمعاملة الحسنة، كما ان محدودية وسائل الإعلام والقنوات المخصصة للأطفال اسهمت في جذب الطفل إليها، وبات ينتظر الحلقة التالية بفارغ الصبر. وتبين الدكتورة القاضي انه كان لهذه الرسوم المتحركة دور تربوي، وآخر إنساني، وثالث لغوي في غاية الأهمية من خلال الشخصيات الناطقة بالعربية الفصحى، اسهم في تعليم اللغة العربية للأطفال بتلقائية بسبب الشخصيات التي يحفظون عباراتها عن ظهر قلب، لكن حالها اليوم اصبح يفتقد الى المضمون الجيد مهملة بذلك المضامين والقيم التي تبثها.
وتفسر حب الكبار للرسوم المتحركة في طفولتهم بأنها طرحت قضايا اهتمت بشؤون وهموم الجيل وشكلت متنفساً يخفف الالم ويفتح نوافذ الأمل الى حياة أفضل عبر نماذج مشرقة للأبطال جذبتهم قديماً بما تقدمه من شجاعة وانتصار للخير. (بترا - رياض ابوزايدة)

Leave a Reply