«علم النفس الإقناعي» .. مفاتيح لكسب القلوب

روبرت كيالديني لديه اقتراح متواضع: صياغة دور جديد تحت اسم كبير الإداريين للإقناع - CPO.

توجد مصلحة ذاتية هنا. ذلك أن البروفيسور كيالديني خبير إقناع ومن داعمي "علم الإقناع". قبل 30 عاماً، أسس عالِم النفس هذا مؤهلاته عندما نشر الكتاب الأفضل مبيعاً "التأثير: علِم النفس الإقناعي" وأصبح معروفاً بأنه "عرّاب التأثير". فضلاً عن عمله الأكاديمي - اليوم هو أستاذ كرسي ريجنتس الفخري في علِم النفس والتسويق في جامعة ولاية أريزونا - يبيع البروفيسور كيالديني أيضا خبرته لمؤسسات مثل جوجل، وميريل لينتش، وحلف شمال الأطلسي "الناتو".

يقول إن "علم الإقناع" - الذي يعتمد على علم النفس، وعلم الأعصاب والاقتصاد السلوكي - ينبغي أن يتم نشره بطريقة منهجية. فهو الآن يستخدم في كثير من الأحيان بطريقة فوضوية ونادرا ما يقوم على "الأبحاث التي تجري على نحو سليم وخاضعة للتجربة بشكل صحيح". ولهذا السبب يعتقد البروفيسور كيالديني أنه بدلا من ترك القرارات التي تؤثر على الزبائن والموظفين لخبراء التسويق أو تنفيذيي الموارد البشرية، ينبغي التعاون مع أهل الخبرة من كبار الإداريين المختصين بالإقناع.

الآن، مع المؤلفين المشاركين، ستيف مارتن ونوه جولدشتاين، نشر البروفيسور كيالديني كتابا آخر، "الكبير الصغير: التغيرات الصغيرة التي تستثير التأثيرات الكبيرة". وكما يشير الاسم، فهو يتناول الأمور الصغيرة التي بإمكان الشركات وصنّاع السياسة والأفراد القيام بها لإحداث التغيير.

كتب المؤلفون: "عندما يتعلق الأمر بالتأثير على سلوكيات الآخرين، غالبا ما تكون أصغر التغيرات في النهج هي ما تُحدِث أكبر النتائج". ويدعون هذا النوع من التغير "الكبير الصغير".

إنه أحدث كتاب لنشر الفكر لعامة الناس يعتمد على علم الاجتماع وأبحاث الاقتصاد، في الوقت الذي يستهدف فيه جمهور الأعمال. وهذا الكتاب يلي النجاح الهائل لكتابَي الاقتصاد السلوكي "الدفعة: تحسين القرارات حول الصحة والثروة والسعادة" من تأليف البروفيسور ريتشارد ثالر والبروفيسور كاس سانشتاين من جامعة شيكاجو، إضافة إلى كتاب "التفكير بسرعة وبطء" للخبير الاقتصادي دانيال كانيمان الحائز على جائزة نوبل.

كما يمكن رؤية التأثير المتنامي للاقتصاد السلوكي من خلال تأسيس المملكة المتحدة والولايات المتحدة وحدات تقدم المشورة للحكومة حول أفضل طريقة لتغيير سلوك الجمهور.

ووفقاً للبروفيسور كيالديني، فكرة تأليف كتاب عن الأمور الصغيرة ظهرت لأنه في كل مرة يعلن فيها المؤلفون للجمهور أنهم سيكشفون عن أمر صغير لإحداث تغيير كبير كانت "الأجواء تتغير، والرؤوس ترتفع، وتستعد الأقلام لأخذ الملاحظات".

التنفيذيون الذين يتعرضون لضغط الوقت يرغبون في تجاوز الضجيج والتعلّم من خلال الاقتداء بالآخرين. ويعترف بأن جزءاً من الجاذبية يعود أيضا إلى أن القيام بأمر صغير لا يُكلّف شيئا.

مهمة الكتاب هي دحض الافتراضات أنه بإمكاننا تغيير السلوك، أو تقديم القرارات من خلال تزويد الزبائن والموظفين بكل المعلومات المتاحة. مثلا، قد يصدر مدير تكنولوجيا المعلومات المحبط من تنزيل العاملين البرامج غير المصرّح بها، رسالة رسمية يصف فيها مطولا الآثار المحتملة لتصرفاتهم، لكن هذا النهج لا ينجح في مجتمع مثقل بالمعلومات، فالأشخاص ليس لديهم الوقت لذلك.

كتب المؤلفون: "التأثير الناجح يخضع بشكل متزايد للسياق وليس الإدراك، وللبيئة النفسية التي يتم فيها تقديم مثل هذه المعلومات". بالتالي، بإمكان القرّاء زيادة قدرتهم على إقناع الآخرين من خلال القيام بتغيرات صغيرة في نهجهم – على نحو يقومون فيه بربط رسالتهم بالدوافع البشرية.

أحد الأمثلة هو هيئة الإيرادات والجمارك، وهي سلطة الضرائب في المملكة المتحدة، التي أرادت أن يدفع المزيد من المواطنين ضرائبهم في موعدها. بدلاً من التهديدات وحملات التلفزيون أضافت سطرا على رسالتها. قالت، مناشدةّ عقلية الجميع، إن عدداً كبيراً من الناس يدفع قبل الموعد النهائي. النتيجة؟ 86 في المائة من المستجيبين دفعوا في الموعد المحدد، مقارنة بـ 57 في المائة في العام السابق.

هل نفد صبرك وتريد أن تستعجل الزملاء على التسجيل من أجل المشاركة في اجتماعك؟ أخبر المدعوين أن معظم الآخرين استجابوا بالفعل.

كذلك يعطي الكتاب نصائح عن كيفية الحصول على فريق عمل جديد من أشخاص غير متوافقين للعمل معا (ينبغي أن يبحثوا عن "القواسم المشتركة غير المألوفة"، مثل الصفات أو الاهتمامات المشتركة غير المتوقعة)؛ تأكد من أن الأشخاص يؤمنون بالمراجعات النقدية الإيجابية للمنتجات عبر الإنترنت (عن طريق اقتراح أن يقول المراجعون إنهم زاروا المطعم أو المتجر اليوم)؛ ومساعدة رسائل بريدك الإلكتروني للحصول على نتيجة (بإضافة مقتطف من معلومات شخصية لجعل المفاوضات إنسانية).

يقول ماريو موسى، المؤلف المشارك لكتاب "فن التودّد: استخدام الإقناع الاستراتيجي لترويج أفكارك"، إن عمل البروفيسور كيالديني مهم لأنه يشير إلى أن إقناع الناس يعني تغيير الطريقة التي "يرى فيها الناس الحقائق".

يقول نيك تشاتر، أستاذ العلوم السلوكية في كلية وورويك للأعمال، والمؤسس المشارك لشركة "تكنولوجيا القرار"Decision Technology، التي تساعد الشركات على فهم عملية صُنع القرارات حول المستهلكين: "ليس بإمكانك التقليل من أهمية الأمور الصغيرة في التأثير على الأشخاص. التفاصيل مهمة. إنها رسالة عادية لكن كانت هناك منطقة عمياء ضخمة في مجال الأعمال والسياسة العامة فيما يتعلق بهذا الأمر".

مع ذلك، يُدرك البروفيسور كيالديني أن هناك حدودا. فالتكتيكات مثل تلك المذكورة أعلاه هي كما يدل اسمها: مجرد تكتيكات ولن تكون كافية لتحسين وضع شركة فاشلة، وليس بإمكانها تعويض الاستراتيجية الضعيفة.

وفي حين أن البروفيسور تشاتر يملك مصلحة مهنية في "مجال التأثير"، يقول إن هناك مشاكل في تطبيق "المبادئ القابلة للتعميم" من الماضي. "ما تُظهره الأبحاث القديمة هو ما هي الأمور المهمة والأمور التي قد تكون مهمة، لكنها لن تحدد أي هذه العوامل ستكون ضرورية".

فيليب إيفانز، وهو شريك أول في مجموعة بوسطن الاستشارية، يقولها صراحة: "بإمكان الاقتصاد السلوكي تحقيق النتائج الواحدة بعد الأخرى، لكنه لن يصل إلى نظرية عامة لأي شيء".

ويطرح البروفيسور تشاتر حالة افتراضية لمتجر كبير ينسخ حيلة خطابات الضرائب. "إذا قمت بإخبار الناس في الحي أن الكثير من الناس يأتون إلى متجرنا الكبير، فإن بعضهم سيرغب في القدوم. لكن آخرون لن يفعلوا لأنه سيكون مزدحما جدا". بالتالي، محاولات الإقناع، لهذا السبب، لا تزال بحاجة للاختبار قبل أن يتم تعميمها على نطاق واسع. لكنه يقول إن معظم الشركات لا تحب التجارب. علاوة على ذلك، القليل منها يعين أشخاصا لإجراء بحوث الإقناع.

ستيف بوث باترفيلد، الذي يكتب مدونة تأثير الإقناع السليم، يقول إن جاذبية مثل هذه الكتب هي أن "معظم الناس يريدون الطريق المختصرة، الكتاب الصغير بحد ذاته، أو التطبيق، أو الدورة التدريبية التي تجعلهم بارعين في الإقناع". ويشبه ذلك بالاعتقاد بأن درساً في التمثيل سيجعلك مثل ميريل ستريب. "الإقناع عمليا مسألة معقدة جدا ومن الصعب إتقانه".

جاي هينريتشز، مؤلف كتاب "شكرا على الجدال: ما يستطيع أرسطو ولينكولن وهومر سمبسون تعليمنا إياه عن فن الإقناع"، يعتقد أن هناك خللا في هذه الطريقة، وهو أن "العلماء يغلب عليهم أن يكونوا فنانين سيئين". ويؤكد أن كسب انتباه الناس يتطلب الإبداع والإصالة.

"تعمل الدراسات والمقاييس على تعليم العملاء إنجاز الأشياء نفسها مرارا وتكرارا. بإمكان الدراسات أن تخبرك ما هي الألوان والأحجام التي يحسن استخدامها هذا العام، حتى تُظهر دراسات أخرى أن الأشخاص قد سئموا من تلك الألوان والأحجام. بإمكان المقاييس جعل أفكار الإبداع الخيالية حقيقية. لكن ليس العلم هو ما أنتج لنا ستيف جوبز".

قواعد من كيالديني

في كتابه المعنون "التأثير: علم نفس الإقناعي"، جاء كيالديني بما يدعي أنه ستة مبادئ عامة للإقناع:

أولا، المعاملة بالمثل ـ يشعر الناس أنهم ملزمون برد الجميل الذي قدَّم لهم.

ثانيا، السلطة – يتطلع الناس إلى الخبراء حتى يبينوا لهم الطريق.

ثالثا، الندرة – كلما شح المورد، ازدادت رغبة الناس فيه.

رابعا، الارتياح والإعجاب – كلما ازداد الناس ارتياحاً للآخرين، ازدادت رغبتهم في أن يقولوا لهم نعم.

خامسا، الاتساق – يريد الناس أن يتصرفوا بصورة متسقة مع قيمهم.

سادسا، البرهان الاجتماعي – يتطلع الناس إلى الآخرين من أجل الاسترشاد في سلوكهم الخاص.

Leave a Reply