علم السياسة..بقلم:فوزي منصور

علم السياسة..أو علم العلوم..والحاجة إلى تأسيسه على قواعد جديدة

 

السياسة ليست هي النظام السياسي واﻻننخابات والبرلمان وإنما هذه كلها آليات لممارسة السياسة، وليست السياسة ذاتها. السياسة هي العلم الذي يبحث في كيفية أدارة معاش الناس ومصالحهم وأمنهم وتحقيق السلام والوفاق اﻻجتماعي داخل مجتمعهم. وهو اﻷمر الذي ﻻ تحققه المزايدات والخطب الحماسية.علم يحتاج إلى العقول وليس الحناجر.

علم السياسة

هذا العلم ، الذي يتم الحديث عنه هنا والذي سبق تعريفه بإدارة معاش الناس ،وله تعريف مشابه لذلك استخدمه "الكواكبي"بأنه :"إدارة الشئون المشتركة بمقتضي الحكمة"، يعتمد، في تصوري ، على ثلاثة أركان أو عوامل تؤثر فيه وتحدده.

أولها : الإنسان : الذي استخلفه الله في اﻷرض لتعميرها باعتباره محور اهتمام العلم ،بما فطره الله عليه، وعادات وتقاليده ، وكل ما توصل إليه من علم ومعارف أو يحكمه من قيم أخلاقية ودينية يلتزم بها.

وثانيها: المكان: أي خصائص اﻷرض والموقع وكيفية التعامل مع ثرواتها الظاهرة والباطنة، أو بكلمة أخرى : الجغرافيا:الطبيعة والبشرية والاقتصادية والسياسية .

وثالثها: الزمان : أي التاريخ والحاضر وما تتطلبه ظروف العصر. ومن ﻻ يحيط علما بتلك اﻷركان أو العوامل الثلاثة، وتأثيراتها على السياسة ، ﻻ يعرف شيئا عن حقيقة السياسة ومتطلباتها.

الحاجة إلى علم جديد للسياسة

إن معظم من عالجوا موضوع السياسة كانوا يعملون في خدمة الحكام أو الدول أو يتقدمون إليهم بالنصح، ولذا تركزت اهتماماتهم وأبحاثهم حول الدولة وكيفية تنظيمها وتسييرها لصالح حكامها ودوام حكمهم ، وليس على السياسات التي يجب على الدولة إتباعها لخدمة مواطنيها. والتي هي أساسا السبب أو مدعاة أقامة وإنشاء الدولة ومؤسساتها، والدور الذي يجب أن تلعبه كل مؤسسة منها ، سواء كانت مؤسسة تشريعية أو تنفيذية أو قضائية.

وصار لذلك الفقه الدستوري هو أهم ما في علم السياسة حسب تلك اﻻهتمامات التي انصبت على الدولة. وفي أحسن الحالات صارت أبحاثهم تتركز إلى حد كبير على الكيفية التي يجب أن يسوس الحكام محكوميهم لكي ينالوا رضاهم .أي كيفية تحقيق مصالح الحاكمين لكي تتواصل سيطرة الحكام عليهم. وكيف يقيمون العلاقات مع الدول الخارجية لنفس الغرض..ثم انقسم العلم ضمن هذا التوجه الذي حصره في الدولة إلى علوم مثل : علم اﻻقتصاد السياسي ، وعلم اﻻجتماع السياسي وعلم النفس السياسي، والعلاقات الدبلوماسية، وغيرها مما أطلق عليه :" العلوم السياسية". وإذ يحتاج علم السياسة إلى كل هذه العلوم ، وعلوم أخرى كما سيتبين فيما بعد ،فإنه في الواقع يمكن أن نطلق عليه : علم العلوم .

 وهذا يعني أن السياسي عليه أن يعرف وظيفة كل علم في تخطيط سياساته، سواء تلك العلوم التي وصفت بالعلوم السياسية أو غيرها من العلوم التي لا غنى عنها أيضا في تخطيط السياسات واتخاذ القرارات السياسيةيضاأي.

ويجب أن تتغير ، في نفس الوقت، الفلسفة التي يقوم عليها علم السياسة أو علومها الحالية ،لكي تبني على فلسفة جديدة يكون فيها الحكام هم المحكومين أنفسهم.أي يشارك المواطنون  في اتخاذ القرارات التي تخدم مصالحهم الحيوية.

 ولقد استفادت الرأسمالية اﻷوربية في أوربا من الفلسفة الماركسية التي أظهرت لها عيوبها وتنبأت بزوالها، فقامت بالحد من تلك العيوب لكي تستمر في الهيمنة على الشعوب، وﻻيتم استبدال ديكتاتوريتها بديكتاتورية البروليتاريا كما أنذرتها الماركسية. ونحتاج نحن الآن إلى مراجعة الرأسمالية ذاتها ، لكي نستخلص الحكم منها لصالح الشعب كله.

ويعتبر الكثيرون  أن أول كتاب في علم السياسة الحالي هو كتاب:" اﻷمير "لمكيافيللي". والذي كان بمثابة توجيهات للحاكم معتبرا أن القوى المحركة للتاريخ هي "المصلحة المادية" و"السلطة.وكتبه كموظف في حكومة جمهورية فلورنسا بعد ما فقد  وظيفته ودخل السجن وتعرض للتعذيب على إثر  عودة الملكية واتهامه بالتآمر عليها . وراح بعد فقدانه عمله يقرأ ويفكر ويكتب و يحاول استخلاص الدروس السياسية مما حدث في بلده، ومعالجة أخطاء الحكم التي تسببت في سقوطه، وفقده وظيفته فيه.ونشر كتابه بعد وفاته بعدة سنوات.

ولكن أيضا يمكن اعتبار كتاب كليلة ودمنة ﻻبن المقفع كتابا له علاقة بعلم السياسة وإن كان عبارة عن حكايات حول الحيوانات ، فكان يستهدف به انتقاد حكم الخلفاء العباسيين الذي كان يخفي معارضته لهم ،وفي نفس الوقت تقديم النصح للحكام.كما يمكن النظر إلى كتاب : "الأحكام السلطانية والولايات الدينية: للماوردي المتوقي عام 450هـ بأنه يندرج ضمن هذا النوع من الفكر السياسي الموجه للحكام ، ولو أن تلك الكتابات، ﻻ تؤسس علما قائما بذاته.

يحتاج اﻷمر في هذه الحالة إلى إعادة صياغة العلوم السياسية لكي تتخذ اﻻنتاج وتحقيق رفاهية المجتمع وعدالة التوزيع فيه مركز الاهتمام لها، وليس الدولة وإدارتها وأحزابها ومؤسساتها على النحو الذي ساد خلال القرنين الماضيين. بل قد تفضي هذه الفلسفة الجديدة المطلوب أقامة علم  السياسة عليها إلى أشكال جديدة لنظم الحكم غير تلك النظم التقليدية التي عرفتها دول العالم  حتى اﻵن. خاصة إذا ما أخذ في اﻻعتبار أن أشكال أو نظم الحكم التي يتم العمل بها في العالم حاليا هي من إفرازات الثورة الصناعية في أوروبا والتاريخ اﻷوروبي، وأنه تظلنا اﻵن ثورة معلوماتية تعطي إمكانات أفضل لمشاركة الشعوب في تقرير مصيرها ومستقبلها لم تكن متوفرة من قبل في ظل الثورة الصناعية، وتتيح بالتالي المشاركة اﻹوسع في الحكم ، وقد بدأ الحديث بالفعل على نطاق واسع في العالم الغربي عن إحلال الديمقراطية التشاركية أو التشاورية محل الديمقراطية البرلمانية التقليدية الحالية.

وسواء كان اﻷمر يتعلق بعلم السياسة الحالي الذي ينظم شؤون الدولة والحكم بما يتيح استمرارية القوى النافذة في المجتمع ومصالحها بعد توفيقها مع مصلحة الشعب، أو كان متعلقا بعلم السياسة الذي تتم الدعوة إليه هنا، والمبني على أساس فلسفي مغاير، يتلخص في أن مهمته: تدبير شؤون الناس وليس المحافظة على مصالح الحكام، والذي يقود مباشرة إلى تحقيق التنمية اﻻنسانية العادلة بأوجهها اﻻنسانية واﻻقتصادية والثقافية واﻻجتماعية والحضارية، فإن إقامة مشروع إنتاجي وفق علم السياسة كما هو عليه،أو وفق أسس جديدة ، على نحو ما تتم الدعوة اليه هنا، فإن تنفيذ المشروع يحتاج الى استخدام العديد من العلوم مثل التخطيط واﻻحصاء والتنظيم واﻻدارة والطاقة وعلوم الهندسة أنواعها من مدنية ومعمارية وكهربائية وميكانيكية واتصالات وإنتاج وتعدين وزراعة وإلى التقنية والتمويل والتسويق...وما إلى ذلك.

 وليس مطلوبا من السياسي أن يتخصص في كل  تلك العلوم أو أن يكون ملما بتفاصيلها، وإنما يحتاج الى أن يعرف ما هي العلوم التي يحتاج المشروع الى اﻻستعانة بمتخصصين فيها، ودور كل علم في تنفيذ المشروع وضمان  المنتج القادر على المنافسة في اﻷسواق المحلية والخارجية، أو في تحقيق مزايا نسبية تزيد من قدرته التنافسية،. وهو ما تتضمنه عادة دراسة الجدوى اﻻقتصادية للمشروع، والتي يفترض أن تتم بعد إنجاز الدراسات الفنية له.

 ومن هنا يأتي الفرق بين السياسي المنشغل بالسلطة والصراع عليها، ولا يعرف ما ذا يصنع بها حين يحوزها، والسياسي الذي يبحث فيما يجب توظيف السلطة فيه بعد الحصول عليها، وكيفية تحقيقه.

وفيما يلي بيان للعوامل الثلاثة المحددة للسياسة السابق ذكره ، وهي : اﻻنسان والمكان والزمان ،يظهر أهميتها وتأثيرها أيضا على علم السياسة وعلى تحديد أهداف السياسات اﻻنمائية، أيا كان نوعها، التي تستهدف صالح المجتمع بكل مكوناته ، وليس تسخير أغلبية المكونات لمكون واحد أو أكثر في المجتمع دون بقية المكونات.

أوﻻ : إلإنسان


يحتاج اﻷمر لمعرفة ما هو اﻹنسان والفطرة التي خلقه الله عليها ، والحاجات البيولوجية الضرورية له، والحاجات الكمالية التي تحسن ظروف معيشته ولا غنى له عنها . أي ما يلبي رغباته وترتاح له نفسه ، وهو ما يدخل في اختصاص علم النفس، والذي يسترشد فيه بالنسبة للمجتمع المسلم بما ورد بالقرآن الكريم عن نفس  اﻹنسان وعن دوره في اﻷرض التي استخلفه الله فيها، على أساس أن الخالق هو اﻷعلم بمن خلقه، ولم خلقه؟. قال تعالى : ونفس وما سواها ، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها..وقال تعالي : وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة...وأحل الله للإنسان ما فيه صالح له وحرم عليه كل ما يضره.

 واﻹنسان كائن اجتماعي ، ﻻ يمكنه أن يعيش اﻻ في مجتمع يحتضنه، وهنا تأتي الحاجة الى علم الاجتماع.

 وحاجة اﻻنسان الى الغذاء، وتلبية كافة احتياجاته، وإلى تبادل المنفعة مع الغير، وهو يدخل في اهتمام علم الاقتصاد. ولكونه كائن اجتماعي فإن له عادات وتقاليد ومعارف وثقافة وهو ما يبحثه علم اﻷنثروبولجيا.

ويحتاج أن يعيش في تجمعات عمرانية تتوفر على خدمات التعليم والصحة والماء والطاقة والنقل وهو ما يختص به علم العمران والعلوم الهندسية المتنوعة من مدنية ومعمارية وكهربائية وميكانيكية واليكترونية وغيرها.

والسياسة التي تتمحور حول سد احتياجات اﻹنسان لن تكون في غني عن أي علم من العلوم التي حقق فيها اﻻنسان على مستوى العالم تقدما. أهم وظيفة لعلم السياسة هو كيفية توظيف كل تلك العلوم في خدمة اﻹنسان وتعزيز وجوده الحضاري وامتلاكه القوة الكافية لحماية مصالحها وأهم مصدر لتك القوة هو قوة المعرفة، أو ما سماه بول كيندي بقوة المعنى. ولذا يمكن أن يطلق على علم السياسة : علم تحصيل القوة أيضا.

علم السياسة إذن هو علم يتميز بطبيعته الأبيستمولوجية. إذ يتداخل مع العديد من العلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية. وليست السياسة كما يفهمها العديد من السياسيين والعسكريين والأمنيين والإعلاميين وكافة المتدخلين فيها في عالمنا ضربا من الفهلوة لا يحتاج إلا إلى التمتع بقدر من الذكاء والدهاء. فالسياسة غير منفصلة عن التاريخ والجغرافيا (خاصة الاقتصادية منها) وعلوم الاقتصاد والنفس والاجتماع وباقي العلوم كما بينا، وليست معزولة عن الثقافة السائدة في المجتمع (بما فيها الأيديولوجيات والدين) أو عن القوانين والحقوق.
وقد خرجت من هذه العلوم علوم متفرعة منها . وكلها مطلوبة لما تخضع إليه عملية صنع القرار السياسي من مؤثرات عديدة. متباينة

ثانيا : المكان:

تلعب خصائص المكان دورا هاما في تحديد السياسة والتي هي مضطرة للتعامل مع تلك الخصائص والمزايا أو العيوب التي تشوب المكان. ومن أهم خصائص المكان بالنسبة للدولة هو موقعها الجغرافي. وهو اﻷمر الذي أوﻻه اهتماما كبيرا العالم المصري الراحل جمال حمدان فيما بحثه عن فلسفة الموقع المصري. ولم يكن نابليون بونابرت مبالغا كثيرا عندما قال حسب ما ينقل عنه بأن من يستولي على مصر يحكم أو يسود العالم.وقد تكون مقولته تلك ذات مصداقية كبيرة في زمانه ولكن ﻻ يعني هذا أنها تحتفظ بنفس القيمة في كافة اﻷزمنة، وإنما أيضا ﻻتفقد قيمتها كلية.

وإذا كان ﻷهمية الموقع مزايا فإن تلك المزايا تشكل أيضا مصدرا للمخاطر طالما أنها ستغري الغير للهيمنة عليه واستغلاله لمصالحهم ، وهو ما يعد سبب كل الغزوات التي تعرضت لها مصر في تاريخها القديم والحديث معا.

ووجود لمصر سواحل طويلة على البحر اﻷبيض المتوسط وعلى البحر اﻷحمر، يفرض على سياستها أن تعني بتلك السواحل وأن تعمرها وتكفل أيضا حمايتها من أي عدوان أجنبي عليها من الطامعين في السيطرة على الموقع المصري.

ونفس الشيء يمكن قوله على موقع المملكة المغربية التي لها أيضا سواحل طويلة على البحر المتوسط والمحيط اﻷطلسي.

و نجد دولة مثل السودان محاطة بتسع دول، تتوسطها مثلما تتوسط جوهرة في عقد ، ومنها دول ليس لها منافذ على البحر ، وتحتاج للسودان. وهو ما يشكل ميزة للسودان ومصدرا أيضا للمخاطر عليه كدولة. وعندما نجد أن سبع دول منها تعد دوﻻ زنجية، ودولة واحدة هي مصر ذات أصول زنجية ولكنها لم تعد محسوبة ضمن المحيط الزنجي للسودان، فإن السياسة السودانية يفترض فيها أن تولي أهمية للدول السبع اﻷخرة أكثر من مصر وليبيا. ولذا يعد القول بهوية السودان العربية اﻹسلامية، رغم صحة ذلك من حيث اللغة والدين، هو قول ليس في صالح السودان وقد أثبتت اﻷحداث اﻷخيرة ذلك ، سواء الصراع مع قبائل الجنوب التي انتهت بانفصال الجنوب أو الصراع في دارفور أو في الشرق مع قبائل البجة أو تململ النوبة، وهي وضعية تهدد السودان بمزيد من اﻻنقسامات والتدخلات اﻷجنبية. ولن تنفعه لحماية نفسه أو ضمان استقراره تلك الهوية العربية اﻻسلامية التي جعلها أغبياء فيه من المقدسات.

إنني كمصري أحب السودان، وأدرك عمق العلاقات التاريخية به من أيام الفراعنة . وأعرف أن ﻻحياة لمصر بدون السودان، ولكن اﻷمانة الفكرية والعلمية كانت تقتضي مني دائما اعتبار إن اهتمام السودان بمحيطه الزنجي واﻻندماج فيه هو ما تقتضيه مصلحته .ويصب في نهاية اﻷمر في صالح اﻹنسان المصري على المدى البعيد. بل سيزيد من أهمية السودان للشعب المصري والدولة المصرية ويدفعها إلى اندماجها معه  في النسيج اﻹنساني اﻷفريقي مما يزيد من تحصيل شعوب شرق أفريقيا لمنافع كثيرة لا غنى لها عنها.

ويأتي ضمن ما يفرضه المكان على السياسة: ما يختزنه المكان من ثروات تحت الأرض وفوقها، أو فرص هامة توسع من نطاق التنمية لصالح الشعب إن أحسن استثيمارها. وبناء على  ذلك: فإن كل ما يتعلق بتعمير واستقلال أراض في الصحراء الغربية المصرية أو سيناء أو السواحل المصرية الطويلة في الزراعة والصناعة وإعادة توزيع السكان على اﻷرض بعد مد المياه اليها ، تعد كلها مشروعات ذات أهمية بالغة يجب أن تتصدر اهتمامات أي سياسة مصرية طلبا للقوة وضمان أمن السكان.

ونفس الشيء يمكن قوله بالنسبة للصحراء الشرقية والغربية وساحل البحر اﻷحمر في السودان والتي تعد امتدادا لمثلها في مصر ، وهو ما يتطلب سياسة موحدة في هذا الشأن في كل من مصر والسودان معا ومشاريع تستهدف التنمية المشتركة لكل من البلدين وتعود بالنفع على شعبيهما، بل وعلى الشعوب اﻷخرى المحيطة بالسودان، والتي يفرض عليه موقعه الوسطي بينها، والمركزي في نفس الوقت، الى التعامل معها بروح اﻷخوة والمساواة والتخلي عن أي شوائب عنصرية أو عرقية.

ويتحكم المكان أيضا في السياسات الخاصة بتلك المشاريع ،حيث يكون لطبيعة التربة إذا كانت رملية أو طينية أو حمراء أو من اللتريت في أساليب التعامل معها، وأيضا تتحكم طبوغرافية اﻷرض كأرض سهلية أو جبلية واتجاه الميل فيها واتجاه الرياح وكل ما يتناوله عادة علم الجغرافيا والهندسة المدنية وعلوم الزراعة والتعدين أو الجيولوجيا.

ثالثا : الزمان

ﻻ يعني الزمان هنا مجرد دراسة التاريخ واستخلاص الدروس منه وإنما يعني أيضا التخلص مما تراكم عبره من مفاسد ومن أوضاع معيقة للتغير والتقدم ، وأيضا اﻻستفادة مما شهده العصر من تقدم في شتي العلوم والمعارف وبحيث تواكب السياسة مستجدات العصر ومتطلباته. لقد كنا نستورد من أوروبا ليس فقط التقنيات وإنما أيضا النظريات والفلسفات ونظم الحكم وغيرها التي ﻻ تدخل في نطاق الماديات ، وعلى الرغم أنها صيغت تحت ضغط متطلبات التحولات الكبرى التي شهدها تاريخها والتي لم تمر مجتمعاتنا بها. ومع ذلك فإننا لم ننتبه بعد بأن ما ينشغل به مثقفونا من إفرازات الحداثة الغربية كان ناتجا عن الثورة الصناعية بأوروبا، وأن العالم اﻵن يشهد ثورة في المعلوميات تتطلب أخذها في اﻻعتبار. وهذه الثورة من شأنها أن تقلب كل ميراث الثورة الصناعية ظهرا على عقب. وهو اﻷمر الذي اهتم بالتبشير له في مصر الدكتور راجي عنايت، وإن بمقولات فيها بعض التطرف ، حيث تبنى كل ما قال به المفكرون الأمريكيون لاستبدال التكنولوجيا الجديدة ذات العائد الكبير والتي لمنتجات الولايات المتحدة منها  مزايا نسبية  بمصانعهم القديمة التي لم تعد منتجاتها التقليدية قادرة على التنافس مع مثيلاتها من منتجات الدول الأخرى، بينما بلادنا بقدر حاجتها الى خوض غمار عالم المعلوميات مازلت مختلفة في الزراعة والصناعة وليست في غني عن أي منهما لتلبية احتياجات السكان، ويمكن لتطبيقات المعلوميات أن تسهم في تطوير الزراعة والصناعات لدينا..وعموما فإن دعوته الهامة   لم يجد إذنا صاغية لما يدعو إليه من قبل الحاكمين ولم يستوعب أهميتها أيضا المواطنون والنخب الثقافية.

ولقد عملت النظم اﻻستبدادية الحاكمة في دول شمال أفريقيا على تحصين وجودها واستمراريتها بخلق أوضاع وأجهزة وطبقة منتفعة من حكمها، ونشر قيم فاسدة في مجتمعاتها، تكفل لها استمرارية الحكم، ونهب الثروات ، وحماية مصالحها.

وعندما قامت ثورة 25 يناير الشعبية في مصر كتبت كثيرا أن أي ثورة تروم تغيير اﻷوضاع لن تنجح في تحقيق أهدافها ما لم يكن لها بنية تنظيمية موحدة لها ومغايرة لبنية النظام الحاكم وثقافة سياسية أيضا تكون على النقيض من ثقافة النظام الحاكم. ولعدم توفر قوى الثورة على تلك البنية التنظيمية وﻻ على تلك الثقافة ، فما أن ترك حسني مبارك مكانه تحت ضغط الشارع حتى حل محله أعوانه من العسكريين واﻷمنيين الذين كان يعتمد عليهم ﻻستمرار حكمه، وعملوا على إجهاض الثورة والحيلولة دون تحقيق أهدافها. بل إن المليارات التي هربتها أسرة مبارك والضالعين معه في حكم البلاد إلى الخارج لم يتم العمل على استرجاعها ، ﻷن استرجاعها سيتطلب بالضرورة إن تتم مصادرة واسترجاع كل اﻷموال التي هربها الشركاء في الحكم من العسكريين والمدنيين ورجال اﻷعمال وكشف ما هربوه وفضحهم ، وﻻ يمكن أن يطلب من الدول اﻷجنبية أن تصادر أموال البعض وترك أموال آخرين دون مصادرة طالما الأمر يتعلق بمن شاركوا مبارك وعائلته حكمهم وفسادهم ونهبهم لثروات البلاد. وساعد على ذلك ظهور شهوة السلطة لدى أفراد وجماعات ، ساهمت على شرذمة الثوار وتشتيت جهودهم ، أو توافقت مع العسكر على اقتسام السلطة معها مقابل المساعدة على إجهاض الثورة.

وﻻ يقف اﻷمر عند حد إرث النظام السياسي الذي قامت عليه الثورة، وإنما يتطلب أيضا مواجهة ما أفرزته قرون من التخلف التي عرفتها شعوبنا بعد أن انتقلت الحضارة التي عرفتها المجتمعات المسلمة في القرون الوسطي الى أوربا في بداية العصر الحديث وعاش شعوب منطقتنا في ظلمات متراكمة من الجهل والتخلف أفسدت القيم المجتمعية والعقل الجمعي والفردي على حد سواء.وهي أمور مازالت تعاني منها مجتمعاتنا حتى اﻵن، ومنها على سبيل المثال ﻻ الحصر الظاهرة السلفية وظاهرة الطرق الصوفية السابقة لها، وتشمل أيضا معتنقي المذاهب المنحرفة عن دين اﻷمة والمعادية له ، والذين يريدون المحافظة على اﻷوضاع ومقاومة التغيير يعتبرون الكثير من موروثات الماضي الفاسدة من خصائص شعوبهم، ومن مقومات هويته أو أصالتها المزعومة.

دراسة التاريخ في هذه الحالة ﻻتقف عند الهزائم  واﻻنتصارات وإنما فهم الواقع وتأثره بتاريخه .

 وعلى سبيل المثال فإن القيم اﻷخلاقية الواردة في كتاب الموتى الفرعوني تعد هي القيم اﻷصيلة للمجتمع المصري وليست تلك القيم السائدة في زماننا هذا. ونفس الشيء فإن الشريعة اﻹسلامية ليست شعائر أو مناسك دينية أو حدود للجرائم فقط، وإنما هي منهج حياة متكامل يكفل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والقضائية والمساواة لجميع المواطنين، وكافة حقوق اﻻنسان الوارد معظمها في المواثيق الدولية، ومحاولة حصر الشريعة في نطاق ضيق، أو الحد من حقوق اﻹنسان أو حرية الفكر واﻷخذ بالعلوم الحديثة وتطبيقاتها هو ضد الشريعة وأحكامها والقيم التي وردت بها والمقاصد التي استهدفتها.

وسبق لي أن قدمت أمثلة من التاريخ المعاصر عن تأثير العوامل الثلاثة السابقة على السياسات الدولية .حيث كتبت في أول يناير 2008 مقالا بعنوان :"علم السياسة وتعدد مصادر التأثير على صناع القرار "، يوجد في اﻻنترنيت بموقع صحيفة "التجديد "على الرابط التالي: http://www.attajdid.ma/affdetail.asp?codelangue=6 info=38171.: ، وكذلك في موقع "مغرس "على الرابط التالي :http://www.maghress.com/attajdid/38171 ويوضح أهمية التاريخ في فهم سياسة الدول ، قلت فيه:

لقد أشعلت الجغرافيا الحرب العالمية الثانية بعد أن ضاقت حدود ألمانيا باقتصادها المزدهر وتسببت طبيعة أرضها المجافية للإنتاج الزراعي في نشوء الحاجة إلى أراض خصبة في أوكرانيا شرقا تزرع القمح. واحتاجت الصناعة في ألمانيا أيضا إلى الخامات المعدنية في الإلزاس واللورين وبولندا كما احتاج الإنتاج الصناعي إلى أسواق عالمية لتصريفه ، تسيطر عليها الدول الاستعمارية الأوروبية مثل بريطانيا وفرنسا وأسبانيا والبرتغال، فضلا عن تحكمها في الموارد الطبيعية للمستعمرات بينما لا يتبع ألمانيا الأكثر تقدما سوي مستعمرة ناميبيا وبضعة جيوب صغيرة في أفريقيا وهي الأكثر تقدما وحاجة إلى المواد الأولية.
ورغم بروز هذا التطلع الذي يمكن تفهمه، والذي كان يمكن تحقيقه بدون التوسع في الحرب بعد الانتشاء بنشوة الانتصارات السريعة التي تحققت لألمانيا في بدايتها والذي انتهي بخسارة الحرب. فقد شاب قرار الحرب من بدايته عامل نفسي عبارة عن طلب ثأر قديم للألمان عند الممسكين بسلطة الحكم في الاتحاد السوفييتي، وليس عند شعوب الاتحاد ذاتها. أججه خسارة ألمانيا للحرب العالمية الأولى، وهو أمر يتجاهله معظم المؤرخين.

فالثابت تاريخيا أن كل من فلاديمير التش لينين و تروتسكي كانا يهوديين ألمانيين أرسلتهم ألمانيا إلى الاتحاد السوفييتي لإثارة الفوضى في أطرافه وإثارة النزعات القومية لدى الشعوب التي ضمتها الإمبراطورية الروسية قسرا إليها. فأرسلت ألمانيا لينين إلى أسيا الوسطى والذي كان بالفعل يثير شعوبها ويعدها بأنها لو ساعدت حزبه الشيوعي وانضمت إليه ستنال استقلالها التام وكانت كتاباته قبل ثورة 1917 تدور حول حقوق القوميات وحريتها واستقلالها ثم ارتد عن ذلك كله بعدما فشلت البورجوازية الروسية التي أنجزت ثورة 1917 في إدارة شؤون الدولة واضطرت بعد حوالي عامين تقريبا من إمساكها زمام السلطة للتنازل عنها للينين والذي وضع المرابون اليهود أموالهم وديعة في خزينة الدولة لكي تستثمرها لحسابهم وحساب ورثتهم من بعدهم مقابل فائدة سنوية تدفع في حساباتهم البنكية وعلي أن يتولوا هم إدارة الاستثمار.
وبناء عليه، تحولت الإمبراطورية الروسية السابقة إلى شركة سوفييتيه يهودية مساهمة واحدة كبرى، وتحولت شعوب الإمبراطورية إلى بروليتاريا في خدمة تلك الشركة، مستغلة أسوء من الاستغلال في الدول الرأسمالية في انتاج فائض القيمة وليس لها الحق في تكوين نقابات تدافع عن حقوقها. وتم التنكر لحقوق القوميات وإن منح بعضها نظام حكم ذاتي شكلي يسيطر عليه الحزب الشيوعي. وهذا يفسر لم كان 99في المائة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي من اليهود .ويفسر أيضا لم انهار اقتصاد الاتحاد السوفييتي السابق بمجرد أن قام عدد من اليهود بسحب مليارات الدولارات من خزينة الدولة وتهريبها إلى إسرائيل والولايات المتحدة وسويسرا ودول أوروبا الغربية.
ويفسر أيضا لما كان جميع رؤساء حكومات بوريس يلتسن من اليهود والذين أطلقت عليهم تسمية :" الإصلاحيين "، ولم يكن أمامه سوى ذلك لإغرائهم على إعادة أموالهم المهربة واستثمارها في روسيا إنقاذ اقتصادها المنهار ، وقد أعادوا معظمها فعلا  واشتروا بها جميع مؤسسات الدولة الإنتاجية الكبرى بأبخس الأثمان باسم الخوصصة والإصلاح الاقتصادي ، ومن هؤلاء المليونيرات العائدين تتكون ما يطلق عليها حاليا : "الأوليغارشيا " الروسية، والتي تسيطر إلى حد كبير على الاقتصاد الروسي وبالتالي على السياسة الروسية الداخلية والخارجية، إلى جانب عصابات المافيا التابعة لها.

لنفس الغاية أرسلت ألمانيا تروتسكي إلى فنلندا في شمال شرق روسيا إلا أنه بعد أن استولى رفيقه لينين على الحكم في موسكو انقلب من عميل ألماني إلى متطرف روسي. وانتهى أمره ،بعد أن هاجر إلى الأرجنتين وخسر معركته على الزعامة مع لينين ،باغتياله هناك في ظروف غامضة. وقد اعتبرت ألمانيا آنذاك تصرف كل من لينين وتروتسكي ومن لحق بهم من اليهود الروس بمثابة خيانة يهودية لهم دفع ثمنها بعد ذلك يهود ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية حيث تم حشرهم في المعتقلات باعتبارهم عناصر غير مأمونة الجانب على مصالح الدولة وهي في حالة حرب كإجراء احترازي تلجأ إليه كل الدول تقريبا في حالة الحرب .

وقد اتبعته الولايات المتحدة بعد أن قصف اليابانيون من الجو أسطولها البحري في" بيرل هاربر" فقامت باعتقال جميع مواطنيها من أصول أسيوية طوال الحرب العالمية الثانية.

لم تكن مصيبة اليهود الألمان نتيجة عنصرية النظام النازي فقط وإنما نتيجة ما ترسب في العقل الألماني من استحالة الثقة في اليهود.
ولم يكن حرص الألمان على مد حربهم إلى الاتحاد السوفييتي خلال الحربين العالميتين الأولي والثانية نتيجة دوافع اقتصادية وإنما تحت تأثير عوامل نفسية لدي القادة الألمان سواء الإمبراطور غليوم في الأولى، أو هتلر في الثانية والرغبة في الثأر من القيادة اليهودية السوفييتية.

وكان خلط الدوافع الاقتصادية أو الإستراتيجية بدوافع نفسية هو السبب الرئيس في خسارة الحربين. وسنلاحظ هنا أيضا بأنه نشأ في السياسة الألمانية في أوائل القرن العشرين ثقافة إستراتيجية تتلخص في عبارة: الاتجاه شرقا وتعنى أن مصالح ألمانيا توجد في الشرق وليس في الغرب المنافس لها ورغم أن الألمان يرغبون في نسيان كل ما يمت بصلة إلى الحربين المدمرتين اللتين خاضوا غمارهما، سنجد أن سياسة الاتجاه شرقا مازالت تحرك الاهتمامات الإستراتيجية الألمانية خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ، وأن معظم اهتمامات ألمانيا السياسية تتركز حاليا في دول شرق أوروبا ولا يستثني من تلك الاهتمامات روسيا الاتحادية أيضا.

لا يمكن فهم السياسة الأمريكية أيضا مع إهمال ثقافتها السياسية والإستراتيجية الأنجلو/سكسونية والموروثة عن الإمبراطورية البريطانية التي لفظت أنفاسها مع انتهاء الحرب العالمية الثانية لكنها سلمت رايتها للولايات المتحدة الأمريكية. ويتجلى ذلك فيما يعرف بالسياسة البحرية التي تتطلب نشر الأساطيل الأمريكية فيما وراء البحار، والسيطرة على المضايق البحرية وخطوط النقل البحري عبر العالم وعلى نحو ما كانت عليه البحرية البريطانية في سالف الأزمان،والتي كانت سببا في اعتبار بريطانيا سيدة البحار آنذاك. وأيضا نشر قواعد عسكرية في مناطق مختلفة من العالم وانتهاج أساليب الاستعمار البريطاني القديمة في شن الحروب واحتلال البلدان التي تشكل أهمية اقتصادية أو يشكل موقعها أهمية إستراتيجية وفق المفاهيم الجيو/سياسية.بالإضافة إلى مصالح القوى السياسية المسيطرة المتعلقة بالسلطة أو المال ومصالح مجموعات (لوبيات) الضغط السياسية والاقتصادية والعسكرية المحلية و التي تعد أقوي المؤثرات علي توجيه السياسات وصناعة القرارات السياسية بما فيها قرارات الحرب باعتبارها وسيلة لتحقيق أهداف للسياسة،

المؤثرات الخارجية

توجد أيضا مؤثرات ثقافية خارجية لمؤسسات دولية رسمية وعلنية أو غير رسمية وسرية تتدخل أيضا في توجيه سياسات الدول عن طريق صناع القرارات فيها مباشرة. مثال لذلك الوكالة اليهودية والمحفل الماسوني وأندية الروتاري والليونز التي تعد من روافده وكذلك على المستوى القاري نجد مجلس الكنائس العالمي الذي يتخذ من كينيا مقرا له يقف خلف معظم التوترات في القارة الأفريقية.

وبينما يتحدث الغرب عن العلمانية كثيرا ، نجده يستخدم الكنائس التابعة له في الدول الأخرى والمنظمات التبشيرية أو ما يسمي بالمنظمات الإنسانية غير الحكومية لتحقيق أهداف سياسية أو استخباراتية محضة . ويظهر ذلك أكثر في الدول التي توجد بها أقليات مسيحية مثل مصر والتي أرسلت لها الولايات المتحدة جماعات" شهود يهوا"، وكنائس "الأدفنشت" ،وكنائس الله البروتستانتية، والتي أهملت أنشطتها الحكومة المصرية على مدى قرن كامل، باعتبارها شأن مسيحي لا يجب عليها التدخل فيه بينما كان من واجبها حماية الكنيسة الأرثوذكسية الوطنية، والتي تعد ديانتها تراثا ثقافيا تاريخيا مصريا

 . لقد تضرر الكنيسة القبطية الأرثوذكسية الوطنية من أنشطة هذه الكنائس الأجنبية جعلها تدخل في تحالف مع نظام الحكم لتبادل المنافع ولحماية نفسها ، وكان من نتائج هذا التحالف توجيه أصوات كافة الناخبين الأقباط لصالح حسني مبارك في الانتخابات الرئاسية التي قاطعتها أحزاب المعارضة وباقي الشعب المصري فحقق الأغلبية بفضل أصواتهم. بل وصل الأمر بالبابا الراحل أن أبدي قبوله توريث حكم مبارك لإبنه .و يشتبه في أن يكون لتلك المؤسسات الدينية الأجنبية دور في إثارة ما يعرف بالفتن الطائفية من حين لآخر في مصر الى جانب الأجهزة الأمنية المصرية. ويمكن اعتبار تلك المؤثرات الخارجية مرتبطة أيضا بنفس العوامل الثلاثة السابق ذكرها على نحو أو آخر. أي تستغل ظروف الإنسان ، ونقص الوعي لدى الإنسان المصري. وأهمية المكان وما يكفله من فرص ، وما يتيحه الزمان من حماية أنشطتها من قبل دول عظمى، يحرص أتباعها من الحاكمين على مرضاتها والتقرب اليها.

الخلاصة

بسبب طبيعة علم السياسة المعقدة، اهتمت الدول المتقدمة بإنشاء مراكز أبحاث سياسية، أو ما يعرف بخلايا التفكير، تقوم بتحليل الأوضاع السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية داخل الدولة، وفي نطاقها الجغرافي ،وفي العالم الخارجي بأكمله واستخلاص الموجهات والمؤشرات التي يحتاج العقل السياسي إدراكها عند التخطيط لسياسات قصيرة أو متوسطة أو بعيدة المدى، أو عند اتخاذ القرارات السياسية . في المقابل نجد السياسة في الدول المتخلفة ليست أكثر من ردود فعل متشنجة أو انفعالية لفعل فوجئت به صدر من دولة أخرى أو حدث مفاجئ داخلي أو نحو ذلك. وهو ما يتطلب اﻻهتمام بعلم السياسة ، وصياغة كافة السياسات وفق متطلباته والحاجة إليه لتحقيق أدارة مثلى للشأن العام.

ولكي نتوفر على نخبة سياسية صالحة للعمل في السلطة التنفيذية وفي السلطة التشريعية وفي العمل الدبلوماسي ، ذات كفاءة عالية ، تتيح للبلاد تحقيق ما تنشده من تقدم ، فقد يتحقق ذلك على المدى القصير لو تم إنشاء مدرسة عليا لعلم السياسة يلتحق بها خريجو الجامعات بصرف النظر عن تخصصاتهم العلمية للدراسة لمدة أربع سنوات يحصلون في نهايتها على شهادة تعادل شهادة الدكتوراه.

        فوزي منصور

http://www.fawzymansour.com

 

Leave a Reply