سلـوك الآبـاء .. دافـع للأبنـاء

الدستور ـ طلعت شناعة

تخيل نفسك تقود سيارتك، والى جانبك طفلك او طفلتك، وتتصرف بطريقة غير ايجابية مع المارة او مع السائق المجاور، كأن تشتمه او تبصق عليه او تقذف من نافذتك علبة المياه الغازية او تفعل ما يخالف القوانين والاداب العامة، كأن «تعاكس» فتاة وتتعمد ايذاء رجل يعبر الشارع الى غير ذلك من السلوكيات السلبية والتي تتحول تلقائيا الى «سلوكيات» يظنها الصغير «نماذج» للسلوك القويم. نحن جميعا ننسى انفسنا ونحن نتصرف برعونة ودون اعتبار لمن حولنا. مع ان المفروض ان نراقب انفسنا سواء كان معنا اطفال او كنا لوحدنا.

انعكاس

ما ينعكس على اولادنا بشكل غير مباشر. يطلقون عليه في عالم التربية «التربية الخفيّة»، أي تلك الصفات السلوكية التي تنغرس في نفس الابناء بشكل عفوي،

وبالتالي تكمن الخطورة في تقليدهم لنا وكأن ما فعلناه. يصبح «نماذج» لأفعالهم.

الدكتورة فريال ابو عوّاد (مدرّسة علم النفس التربوي في كلية ناعور) تحدثت عما أسمته «المنهج الخَفيّ». وقالت: الطفل او الشاب يعتبر الاب او الام «قدوة» وسلوكياتهما هي جزء من تبعات هذه القدوة. واضافت الدكتورة ابو عواد ان الطفل بمثابة «جهاز تسجيل» وبدون تخطيط يتلقى ويحفظ ما يراه ويسمعه من والديه

ومن الكبار. اما المعلّم فهو القدوة في المدرسة والجامعة والكلية، واحينا يقدم هذا المعلم معرفة بشكل غير مباشر وغير مخططة وتنعكس هذه العلوم والمعارف على المتلقين من الطلبة.

عادات

وجدت دراسة علمية إن الأطفال في مرحلة ما قبل الدراسة أكثر عرضة لاكتساب عادات أولياء الأمور من تدخين وشرب للكحول. وتمحورت الدراسة، التي

شارك بها حوالي 120 طفلاً تتراوح أعمارهم بين الثانية والسادسة بالإضافة لباحث قام بإسناد دور «باربي» أو الدمية «كين» لكل المشاركين، على مراقبة عملية

تسوق الأطفال في محل تجاري مزعوم.

وأتيح للأطفال المشاركين حرية اختيار 133 من البضائع المصغرة من سجائر وفواكه وخضروات ومقبلات ومشروبات كحولية وذلك بملء كبونات شراء.

وجاءت نتائج التسوق بمثابة مفاجأة لأولياء الأمور وفق الباحثة المساعدة في الدراسة مادلين دالتون من كلية طب «دارتموث».

ولجأت الشريحة العظمى من الأطفال المشاركين - 60 في المائة - إلى شراء الكحول فضلاً عن لجوء 28 في المائة لشراء السجائر.

ووجدت الدراسة إن احتمالات شراء أطفال المدخنين للسجائر ترتفع إلى أربع أضعاف كما ترتفع احتمالات شراء الأطفال الذين يحتسى أحد والديهم الخمر، إلى ثلاثة أضعاف.

وطلبت طفلة في الرابعة من العمر سجائر بحجم دمية الباربي من مركز التسوق المزعوم وهي تردد «أريد سجائر إلى رجلي.. أليس هذا ما يحتاجه الرجال.»

فيما عرض طفل في السادسة على دمية تدخين سيجارة قائلاً «عزيزتي.. هل لك بالتدخين..هذا ما أحبه للغاية.» وتزايدت نزعة شراء الكحول بمعدل خمسة أضعاف، بين الأطفال الذين سبق لهم مشاهدة أفلام للبالغين.

وتؤكد الدراسة على أهمية حرص الوالدين في اختيار نوعية الأفلام التي يشاهدها أطفالهم، بحسب ما أشار كريغ أندرسون الذي يدرس عنف الإعلام في جامعة إيوا.

وقال أندرسون: «الأطفال ليسوا سوى الآلات تعليم مصغرة.. يلتقطون كل المشاهد التي تعرض أمامهم.» وتقترح الدراسة أن تتركز جهود وقاية الأبناء من العادات السيئة وهم في سن الطفولة.

اراء

يقول سنان منتصر: من أهم ما يشغل بال المربي الثمرة التي زرعها في نفس المتربي، والتي لطالما حرص على سقيها ورعايتها، فتجده بين الفينة والأخرى ينظر إلى من يربيهم هل أثرت تربيته على سلوكهم؟ وهل أفلح في تنشئتهم التنشئة الصحيحة؟ وهل كانت تلك النصائح والتوجيهات التي يسديها لهم لامست قلوبهم قبل أن تلامس مسامعهم؟.

أسئلة كثيرة ترد على ذهن المربي يتشوق إلى إجابة سريعة لها، والواقع أنه في بعض الأحيان بل في كثير من الأحيان –إن لم أكن مبالغاً– لا يلمس أثر تلك التربية سريعاً، وذلك أن بناء النفس يحتاج إلى وقت ومراحل، فلا يستعجل المربي الثمرة؛ لأنها ستظهر ولو بعد حين.

ويقول الدكتور حسين خزاعي استاذ علم الاجتماع: ما أريد الحديث عنه فهو الثمرة التي لا يراها المربي ولو بعد حين، ولكن بذورها موجودة فهذه هي (الثمرة الخفية) وتفسير ذلك أن ما يبذله المربي من جهد في التربية قد يؤثر في المتربي ولكن هذا التأثير لا يقوى على أن يظهر في سمات المتربي، ولكنه قد زرع بذرة في نفس ذلك المتربي ووضع لبنة من مجموعة لبنات تمثل بمجموعها شخصية المتربي فنحن نتذكر أناساً كان لهم أثر كبير في بناء شخصياتنا، وإذا تأمل الإنسان في نفسه وفي شخصيته وجد أنها عبارة عن مجموعة من اللبنات كل لبنة منها قام بوضعها مربٍ مرَّ عليه في حياته من أب مشفق، أو أم حانية، أو أستاذ فاضل، أو شيخ جليل... الخ.

ويرى حسام مشهور ان ثمة سلوكيات لا ننتبه اليها وهي تنعكس على الابناء مثل: التصنت على المكالمات الهاتفية، ووضع برامج للتجسس في البيت، وتحويل الحياة إلى حياة عسكرية وأوامر وأسئلة وتحقيقات، السؤال عن أصدقائه وصديقاتها والاستماع لحواراتهم المباشرة.

ويقول ان المطلوب في مثل هذه الحالات: خلق التوازن المطلوب في أمر الخصوصيات بطرق متنوعة مثل التربية من الصغر على مراقبة الله والضمير.ومناقشة الهموم والأسرار دائما بروح الحب.

وكذلك الاستماع للمراهق والشاب بلا استهزاء أو عدوانية. واعطاؤه قدرا من الثقة المتبادلة. واعتماد التربية القائمة على مراقبة الضمير. وايضا توفر الاجتماعات والنقاشات والحوارات والاستماع المستمر بين الجميع.

سلوك

ومن المناسب ان يمارس الاب سلوكا معينا مع الابناء مثل: راقبه بشكل غير مباشر: قل له ـ مثلا ـ «لو سمحت أعطني تليفونك أتصل، إيه أخبار الرسائل الحلوة، أنا

نفسي أشوف حاجة على الكمبيوتر». وأنصح بجزء خفي، ومن غير علمه تماما، راقبه بحب؛ لتحدد موضع الخلل وتعالجه بطريق غير مباشر. وترى ايناس محتسب إن أكثر المشكلات التي يقع فيها الشباب، وبخاصة في مرحلة المراهقة؛ ناتج عن سبب، إما حرية مفرطة، أو حماية مفرطة.

ولهذا فمن المستحسن انشاء الصداقة قبل كل شيء (المرء على دين خليله).والحوار البناء الذي يقوم على الإقناع.و تقدير الذات واحترام الخصوصية.

و المتابعة القائمة على دعم الثقة بالنفس وليس الخوف عليه من التفلت أو الانحراف.وتنمية روح مراقبة الله تعالى، بدلا من الحرص على المراقبة. وعدم التشدد في المتابعة. والاستماع له أكثر من توجيه الكلام والتعليمات. ومن المهم جدا الاقتراب، والتقارب الروحي أكثر وأكثر ليحكي لنا ما يجول في خاطره.والتدريب على مهارات اختيار الأصدقاء (عدم فرض صديق عليه). وألا نشعره ـ الابن ـ بالمراقبة لحاجاته، مما يدفعه –أحيانا- إلى ارتكاب الأفعال السيئة رغبة في الانتقام. وعدم اقتحام خصوصياته دون استئذان مهما كان الهدف.

Leave a Reply