دروس في علم الثورات!

ثمّة علمٌ للثورات، إِذن، يوضحُ كيف ينبغي أَن تقوم، وكيف على نتائجها أَن تكون، على الشعوب العربية أن تدرسه جيداً، في حصصٍ مدرسية ربما، قبل أَن تنهض ضد الفساد والاستبداد والتسلط والتهميش. أما إِذا ورَّطت نفسَها بذلك، كيفما اتفق، فأَيُّ نجاحٍ تحققه سيكون منقوصاً. ... على شعوبنا، إِذا عنَّ لها أَن تثور، أَنْ تتحمَّلَ كل قتلٍ وتمويتٍ وعسفٍ تواجهه احتجاجاتُها، لأَنَّ سلمية الاحتجاجات مبدأُ أَعلى من قيمة الدفاع عن النفس، وأَسمى من أُزعومة الدفاع عن النفس، وأَوْلى من خرافةِ حق البشر في الحياة. لا يجوز للشعوبِ حين تكون تحت الرصاص أَنْ تستدعي أَيَّ نصرة، أَو تتلقى عوناً من أَيِّ خارج، فلهذا الخارج أَجنداتُه، وهو متآمرٌ بالضرورة، وإِنْ كان من بعضِنا نحن العرب، ولا يُقدِّم مساعداتِه، السياسية والإغاثية لوجه الله أَو لسواد عيون الضحايا. على شعوبِنا، أَنْ تختار قياداتٍ لثوراتِها حين تُقرِّر أَن تثور، ومحبَّذٌ أَلا يكون من بين القيادات منشقون عن السلطةِ المنتفضِ ضدها، ولا إِسلاميون، فهؤلاء وأولئك وأَترابُهما ينشدون السلطة وليس، وهم أُحاديون وإِقصائيون، وانتهازيون حين لا يشاركون بالثورات كما ينبغي، ثم ينجحون في انتخاباتِ البرلماناتِ التاليةِ لإسقاطِ رؤوس الأنظمة. وعلى الشعوب أَنْ ترتابَ من الفضائيات، فتتعاطى معها بمنطقِ الشُّبهة، وإِن استدعت أَحوالٌ قد تستجدُّ في مطرحٍ أَو آخر الإفادةَ من هذه الفضائية أَو تلك في غير مسألةٍ أَو شأن.

إِذا لم تحفظ شعوبُنا دروس علم الثورات، سينفذُ الأَميركان والغربيون إِلى بلادِنا في أَثوابٍ جديدة، لحمايةِ مصالحِهم، وتتمكَّن فلولُ الأَنظمةِ قيد السقوط من القفز قدّام المشهدِ كله، وسيسرقُ الإسلاميون والتطبيعيون وأَهل الهوى الأَميركي والمتسلقون الثورات ويقطفون نتائجها، باستغلالهم طيبةَ الناس وفقرَهم وبصلتَهم المحروقة. لذلك، على الشعوب العربية أَنْ تكون يقظة، وتقف بالمرصاد (مع الاعتذار عن تقليدية هذا التعبير) لمثل هؤلاء، ما يكون بتعلمِها العلمانية والليبرالية والدمقرطة، قبل أَنْ تنخرطَ في التظاهرات والاحتجاجات، لأن حفظ دروس هذه اللوازم الواجبة، هو ما يوصل شعوبَنا إلى مُشتهاها من ثوراتها، ويمكنها من إقامة دول حديثةٍ مدنيةٍ قوية. أَما إِذا آثرت شعوبنا ثوراتٍ من دون شيءٍ من هذا، فعليها أَنْ لا تزعلَ ممن سيقول إن تظاهراتها ما صارت إِلا بفعلِ فاعل، وأَن ترتيباتٍ أَميركيةً طبخت القصة كلها، منذ حدوتة محمد البوعزيزي في تونس، مروراً بتسلم المجلس العسكري السلطةَ في مصر، وصولاً إِلى قتل معمر القذافي وترئيس عبد ربه منصور هادي في اليمن. وأَتاحت للإخوانيين والسلفيين مقاعدَهم الوفيرة في برلماني مصر وتونس، ويسَّرت نجاة علي عبد الله صالح من أَيِّ مساءَلة، وهيّأَت ليبيا كما أَراد “الناتو”، وتركتها نهباً للأصوليين والميليشيات. وما تبيَّن شيءٌ من هذا كله إِلا مع انكشافِ التآمر الحادثِ على سوريا، البلدِ الذي بُعثت الأسلحة إِلى عصاباتٍ فيه، لتدميرِه وإِرهاقِ نظامِه المقاوم والممانع.

... هذا بعضُ كلامٍ شديدِ البؤس، يسوقُه بعضٌ بيننا، من دون حياءٍ واحترام أَبجدياتِ احترام الشعوب وخياراتِها وتجاربِها في التغيير، وتمارينِها، أَيضاً، في نفضِ ركام الخوف عنها. بإيجاز، للثورات العربية قوانينُها، ومفاجآتُها المضيئة حقاً، وإِنْ نتمسَّك بحسِّنا النقديِّ الواجبِ تجاه أَيِّ ظاهرة، مقروناً مع احترامِ عقولنا، وانحيازِنا إِلى وجوب إِسقاط أَنظمةِ الطغيان والقتل، ومن لا يريدُ أنْ يقتنع فثمَّة أَلفُ حائطٍ ليضرب بأَيٍّ منها رأسَه.

Leave a Reply