مع الزيادة المطردة في استخدام الهواتف الذكية حول العالم، التي يُتوقع أن يصل عددها إلى ملياري هاتف بحلول عام 2015، تتجه الأنظار إلى ما تتيحه من طرق مبتكرة لجمع أنواع مختلفة من البيانات على نطاقٍ واسع، وإمكانات توظيف ذلك في الأبحاث العلمية والطبية، والتنبؤ بالأخطار.
وأظهر بحث جديد إمكانية استخدام ألعاب الهواتف المحمولة بشكل موثوق في أبحاث علم النفس والأعصاب، وأثبت دورها في اختبار سمات شخصية، مثل تقبل المخاطرة والاندفاع.
واستخدم العلماء تطبيقThe Great Brain Experiment المُصمم خصيصاً للتجربة، والمتاح مجاناً للهواتف العاملة بنظامي «آي أو إس» و«أندرويد».
ويضم التطبيق أربع ألعاب تقيس جوانب مختلفة من الوظائف الإدراكية، مثل التذكر والانتباه، واتخاذ القرارات، وقبول المخاطر، والسلوك الاندفاعي.
وفي الوقت نفسه، يطلع العلماء على هذه النتائج، التي لا يمكن التعرف الى هوية أصحابها، بغرض تحليلها. ويأمل الباحثون أن تساعد نتائج آلاف المشاركين في التعرف الى الاختلافات الشخصية.
وبحسب ما تضمّن تقرير نشره موقع «بي بي سي»، قال عالم الأعصاب في جامعة «كوليدج لندن»، الدكتور بيتر زيدمان، الذي شارك في الدراسة: «تعتبر كلٌ من هذه الألعاب تجربة علمية جادة»، مشيراً إلى أن اللعب لا يُقدم للناس نصيباً من المرح فقط، لكن يُتيح لهم المساهمة في أحدث أبحاث علم النفس وعلم الأعصاب.
ومن بين ألعاب تطبيقThe Great Brain Experiment واحدة باسم «هل أنا مندفع؟» تقيس مدى التحكم في الأفعال، وتطلب من المشاركين سحق الفواكه التي تسقط من الشجر بواسطة أصابعهم، مع مراعاة تركها في حال تبيّن عفنها، وهو ما يظهر بتحولها إلى اللون البني.
ويسمح التطبيق بالاستفادة من نتائج عدد كبير من الأشخاص يتجاوز ما تتيحه التجارب العلمية التقليدية في المختبرات ذات النطاق المحدود.
وأشار «زيدمان» إلى أن قدرة الشخص على منع نفسه من القيام بشيء ما، هي مقدرة إنسانية مهمة، وأمر يسعى العلماء إلى فهمه على نحوٍ أفضل.
وقال «زيدمان» إن الأشخاص الذين يُواجهون أمراضاً نفسية أو مشكلات عصبية يتسمون بضعف القدرة على كبح جماح تصرفاتهم، مثل مرضى «قصور الانتباه وفرط الحركة»، والفصام، وفي حال أمكن التوصل إلى فهم أفضل لكيفية ضبط الأشخاص الأصحاء لتصرفاتهم، فإنه يُمكن تعلم المزيد عن هذا الجانب.
وبحث فريق العلماء، الذي ينتمي إلى «مركز ويلكوم ترست لتصوير الأعصاب»، فيما إذا كان من المفيد الوثوق بنتائج تطبيقات الألعاب، باعتبارها جزءاً من التجارب العلمية، وتوصل إلى أن نتائج الألعاب تُعادل جودة تجارب المختبرات، مع ميزة إضافية تتمثل في اتساع نطاقها ووجود عيّنة كبيرة الحجم.
وقارنت الدراسة نتائج 16 ألفاً من المشاركين بنتائج مشابهة أجريت في مختبرات الأبحاث، وتبين أن الألعاب الأربع أعطت نتائج قوية إحصائياً، على الرغم من احتمال تعرض المشاركين للعديد من عناصر الإلهاء، والتشتت أثناء اللعب على هواتفهم المحمولة.
وتسمح الطريقة التي صُمم بها تطبيقThe Great Brain Experiment للعلماء، بالتواصل مع المشاركين الذين يحققون نتائج جيدة بشكلٍ غير معتاد. ويضمن التطبيق تجهيل بيانات المشاركين تماماً، ويسمح بإرسال رسالة إلى أحد الهواتف لسؤال المشارك عن إمكانية قبوله إجراء مسح للدماغ. ويأمل العلماء بأن يُساعد التطبيق على دراسة تغير الذاكرة والاندفاعية، ومدى تقبل المخاطرة بمضي الوقت، وكذلك العلاقة في ما بينها.
ومما يُؤكد إمكانية الاستعانة بنتائج الألعاب في الدراسات العلمية، استعانة بحث تناول «الذاكرة العاملة»، والاحتفاظ بالمعلومات لفترة قصيرة جداً بنتائج إحدى ألعاب التطبيق. وتوصل البحث، الذي نُشر في «دورية علم النفس التجريبي»، إلى تعامل المخ مع الإلهاء بطرقٍ مختلفة.
واعتبرت مؤلفته الرئيسة، فيونا ماكناب، من «جامعة برمنغهام» البريطانية، أن فهم الإلهاء على هذا النحو يُمكن أن يحل التناقضات السابقة، ويقود إلى اكتشافات جديدة في مرض الفصام وصحة الشيخوخة، إذ تضعف فيهما الذاكرة العاملة.
وفي حين اعتمدت التحليلات الأولية لدراسة «مركز ويلكوم ترست» على أربع ألعاب، فإن تطبيق The Great Brain Experiment يوفر حالياً أربع ألعاب أخرى، منها واحدة تختبر قدرة الأشخاص على التصرف عند تعرضهم للضغوط، وواحدة باسم «هل يمكنني التنبؤ بالمستقبل؟» تُركز على اختبار مدى علم الناس بالجوائز المتاحة في البيئة المحيطة، واحتمال تغيرها مع مضي الوقت.
ومنذ إطلاق التطبيق في منتصف مارس من عام 2013، فقد حمّله 93 ألف شخص، وتخضع للتحليل حالياً بيانات 65 ألف شخص. وقال الباحثون إنه يُمكن مستقبلاً دمج بيانات الألعاب مع معلومات طبية أو وراثية، أو تتعلق بنمط حياة الأشخاص للتعرف الى كيفية ارتباط الرفاه بالخصائص النفسية لأولئك الأشخاص.
ويُشير ذلك إلى إمكانات الاستعانة بالألعاب المرحة والمحبوبة في تجارب علم الأعصاب وعلم النفس، ودور مشاركة الأشخاص العاديين في التجارب العلمية، وهو ما تكرر سابقاً في تجارب سابقة، مثل لعبة طورتها «المؤسسة البريطانية لأبحاث السرطان»، تستعين بجهود اللاعبين في تحليل بيانات تتعلق بمرض السرطان، وكذلك لعبة «آي وير»، التي طورها أحد علماء «معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا»، يُسهِم لاعبوها في رسم خريطة للخلايا العصبية في شبكية العين.