دخلت «المعلمين» لعيون «علم النفس» وفي اللحظة الحاسمة رافقت الإذاعة 50 عاماً

الإعلامي القدير حسن كمال «2/1»:

دخلت «المعلمين» لعيون «علم النفس» وفي اللحظة الحاسمة رافقت الإذاعة 50 عاماً


ليس سهلاً البتة أن يحاور الإعلامي إعلاميا! فما بالك حين يرغب الأول في جعل الأخير يفصح عن ما لا يعرفه الناس عنه! ماذا لو كان للأخير باع طويل في عالم الإعلام الغزير! وقد أعتاد على أن يحاور الناس لا العكس.
ليس سهلاً كل هذا، بيد أن تواضع الإعلامي القدير حسن كمال ضيفنا لهذا اليوم والروح الإيجابية التي يحاول بثها في سرده لسيرة حياته الماضية والحاضرة، تجعل ذلك سهلاً جداً، تماما كوضوح تحسره على ما آل إليه هذا الزمان. يقول حسن سلمان محمد بوكمال في أريحي مع "ذكريات" ولدت في العام 1942 في حي الفاضل بالعاصمة المنامة، هذا الحي المتعدد الألوان، فهنا تجد مختلف الأديان والطوائف والأعراق والأثنيات والجنسيات والتوجهات السياسية، سيما مع قربها من سوق المنامة، فان حي الفاضل من أعرق الأحياء، ونسبة كبيرة من قاطنيه هم من عائلات التجار المعروفة في البلد.
في هذه البيئة المنفتحة نشأت، وعلى طريقة تعددها تجد حسن بوكمال، الأمر الذي بدا واضحاً في منزله الكائن بالرفاع الشرقي. منزل يستقبلك بالياسمين، ويودعك صاحبه به، هل ثمة لقاء أجمل من ذلك! مكتبة عامرة بالكتب، و25 آلة عود، يعلق أكثرها على جدار الصالة، و"كاسيتات" من "زمن الطيبيين"، لأروع الأعمال العربية، يأبى استبدالها بالأقراص المدمجة الحديثة “CD”، ويقول "أنا مال أول".
الابن الأوسط
وبالعودة للحديث عن ولادة حسن كمال، فيشير "ولدت" لأكون الأوسط بين عشرة من الأشقاء والشقيقات" محمد، يوسف، كمال، فؤاد نعيمة ونفيسة، أمينة، حصة وفاطمة". ووالدتي رقية بنت خليفة الذوادي. عشت طفولتي بمرح، وشقاوة الأطفال، ومع أترابي في الحي مارسنا الألعاب الشعبية، ولعل أكثر ما طبع في ذاكرتي خلال طفولتي هو الحرائق التي كانت تحدث في منازل أحياء بعيدة، مصنوعة من "العشيش".
ومع بداية الخمسينات التحقت بالمدرسة الشرقية الإبتدائية ودرست فيها مع مجموعة من الزملاء والأصدقاء والذين لازالت علاقتي ببعضهم قائمة لليوم رغم مرور كل تلك الأعوام، من أمثال أبناء عبدالرحمن الباكر، حميد كاظم زمان، د.محمد الخزاعي، سدني خضوري، هارون ودوداد يهود، فوزي توماس، عبدالله يوسف العجاجي، وآخرين لا أتذكر اسماءهم الآن، لكن ليس للزمن قدرة على محو وجوههم وذكرياتي الجميلة معهم.
وبعد عامين من الدراسة التمهيدية أو الروضة كما يطلق عليها اليوم، درست لمدة 4 سنوات المرحلة الابتدائية، حسبما كان مقررا يومها. وتتلمذت في المدرسة على يد مجموعة من الأستاذة الأفاضل أمثال الأستاذ أحمد قاسم السني "ذلك الأسمر المعجون بالبني"، الأستاذ خليفة غانم، الأستاذ علي تقي، الأستاذ خليل زباري، الأستاذ أحمد عمر صالح، الأستاذ عدنان شيخو، الأستاذ محمد علي رباح، أما مدير المدرسة فقد كان المرحوم الأستاذ خير الدين الآتاسي، وكذلك الاستاذ حسن الجشي، وقد كان بعض الأساتذة من العرب، والبعض الآخر من البحرينيين ولكن الجميع تقريبا كان يتعامل معنا بألطف ما يمكن، فقد كانوا يعتنون بنا، ويهتمون بمستوانا الدراسي والتربوي ليس من باب أداء مهنتهم فحسب، بل كانت لديهم رسالة من القيم والأخلاقيات يودون أن نسير عليها، وبالفعل نجحوا في تربية جيل صلب وقادر على مجابهة الحياة، وتحمل المسؤولية.
من جهة أخرى، فلم تكن الصفوف الدراسية مزدحمة، مما سهل عملية المدرسين هذه، وبدورنا فقد كنا نحترم الأساتذة أيما احترام، فللمدرس هيبته واحترامه الشديد، فقد كانوا يعاملوننا كأبناء باهتمام وتوجيه، وكنا ننظر لهم كآباء بمحبة واحترام، وحين نرى المدرس في الشارع ونحن في حالة غير لائقة نتحاشى مقابلتهم، كي لا يرونا ونحن في هذه الحالة.
فرحة لا توصف
وفي الرحلات المدرسية إلى البساتين والمزارع والشواطئ وغيرها تخلق علاقة وطيدة بين المدرسين والطلبة، خصوصا بعد تأسيس فرقة الكشافة والتي تضم الطلبة مع المدرسين وتضم مختلف مدراس البحرين وفي بدايات تأسيسها كانت تضم المدرسة الغربية ومدرسة المحرق وأنا هنا أتحدث عن أيام اوائل تكون الفرق، يوم كانت الحياة بسيطة وجميلة، وبعيدة عن تعقيدات هذا الزمان.
ولعل من باب الطرفة أن أذكر اننا ومن باب شقاوة الطفولة كنا في فصل الشتاء بأيام المطر في الصف الثالث الإبتدائي كنا إذا نزل المطر "ننشر السقف بالماي"، ونخبر الإدارة والمعلمين بأن المدرسة "تخر"، ونطلب منهم منحنا عطلة عن المدرسة لهذا السبب، وكانوا وهم الذين يجدون السقوف "تخر" فعلاً، يمنحنوننا إجازة عن الدراسة، ولكن الغريب ليس في منحنا الإجازة بل في اننا نذهب للمدرسة بالرغم من اننا في الإجازة التي طلبناها وتمنيناها، للاجتماع واللعب! ويومها كانت فرحتنا لا توصف!
وفي المرحلة الثانوية التحقت بمدرسة المنامة الثانوية الواقعة في القضيبية، وكنا نتوجه لها مشيا على الأقدام مرتين في اليوم، الأولى صباحاً ونعود للمنزل ظهراً لتناول وجبة الغداء، ومن ثم نعود للمدرسة مشيا على الاقدام ونعود للمنزل مرة ثانية، ويستغرق ذهابنا من المنزل للمدرسة نصف ساعة أو أكثر، لا أعلم فلم تكن هذه المسافة الطويلة ترهقنا، نحن المستمتعون بها وبرفقة أصدقائنا، والأحاديث الطفولية التي لا تنتهي.
وخلال تلك الفترة كانت هناك أربعة أقسام بالمرحلة الثانوية علمي، أدبي، تجاري ومعلمين، وأنا اتجهت للأخير، لسبب يتعلق بمادة تعجبني وهي «علم النفس»، دون أن أعي جيداً معناها، هذه الكلمة قادتني للتوجه للدراسة في المعلمين.
وبعد عامين من الدراسة، تخرجت من المعلمين، وتوجهت لمدة اسبوع إلى فترة تدريبة بالمدرسة، غير أن ما كنت مخطط له بالدخول لعالم التدريس لم يكتمل. فخلال هذه الفترة صارت الإذاعة مع تأسيسها الأول تبحث عن شباب للعمل الإذاعي، وتم ترشيحي من قبل المدرسين لهذه الوظيفية، سيما مع تجربتي في الإذاعة المدرسية ومشاركاتي خلال المدرسة مع الطلبة المشاركين في بعض البرامج الإذاعية، كالتمثيلات حول قصص الأنبياء، والتمثيلات التاريخية، والتمثيلات من الأدب العربي، وكما حصل في اختياري لتخصص المعلمين، لم يرفض أهلي رغبتي في دخول مجال الإذاعة، وفسحوا لي المجال لحرية الأختيار.
رفقة الإذاعة
ورأسا وافقت على العمل، وبخبرتي البسيطة تمكنت من اجتياز رهبة «المايكرفون»، وصرت منذ العام 1959 وحتى 50 عاماً، رفيقاً للإذاعة والإذاعة رفيقتي. ويومها كان في الإذاعة إبراهيم كانو مدير الإذاعة، وكان يومها يقدم العديد من البرامج ونشرات الأخبار وإبراهيم كانو معروف بصوته العظيم والجهوري، وبلفظه الصحيح وصوته الآسر، ولقد تعلمنا منه الكثير.
ومع عملي في الإذاعة تنامت ميولي الأدبية والفنية، واذكر انني كنت أطلب من مدرس اللغة العربية أن يطلب من ثلاثة إلى أربعة طلبة قراءة النص قبلي، لأقوم وأسرده حافظاً أياه عن ظهر قلب، وبالخصوص الأناشيد الوطنية والقومية، إضافة لأنواع أخرى من الشعر.
لم تنته بعد ذكريات الإعلامي القدير حسن كمال، وفي الجزء القادم ذكريات مشوقة فترقبوها.





Leave a Reply