هناك مرض معروف في مجال علم النفس والتحليل النفساني، تُطلق عليه تسمية "الفصام "، أو "انفصام الشخصيّة". ويتمثل أهم أعراضه، حسب قاموس الطب، في ميل المصاب فيه إلى الانطواء على النفس، والإغراق في عالم الوهم والتخيّل، بعيدا عن الواقع، وعدم الانسجام عبر المزاج والفكر.
إذا كان التعرّض لتوصيف حالة المصابين بـ "الفصام" شائعا كثيرا في المجال الطبي، فإن القليل من العاملين في حقل الكتابة والأدب، تطرّق الى هذه الحالة . ومن هنا تأتي أهمية عمل الكاتب الفرنسي بوبو تونكا، الذي يقدّم فيه شهادة عن حالته الشخصية باعتباره مريضا هو نفسه، بالعصاب. ولكنه، حاليا، في مرحلة النقاهة، كما يقول. ويحمل الكتاب عنوان "حوارات مع نفسي".
ما يؤكّده بولو تونكا هو أنه في ذلك المسار الصعب الذي مرّ فيه، وهو في اللحظة التي كان فيها عند نقطة الاستسلام الكامل للمرض، حدث أمر لم يملك له دائما أي تفسير. ومفاده، انه أحسّ أن الحياة والأمل، يعودان إليه، وأن المرض أخذ بالتقهقر. مع ذلك لم يكن ذلك التحسّن في حالته الصحية سوى لفترة من الزمن.
ومن جديد، تدهورت حالته الصحيّة، مع رغبة ملحّة بتقديم شهادة عن معركته مع المرض. ومن هنا كان قراره في أن يجري نوعا من اللقاء بين "شطرين"، "طرفين"، من كيانه يسميهما: هو ونفسه. ومن هنا أيضا جاء عنوان الكتاب: "حوارات مع نفسي".
لكن ذلك "التقسيم" داخل الذات، يتماشى بالتحديد مع حالة الفصام الموصوفة فــي عالم الأمراض النفسية، أو ما يصفه المؤلف بـ "ذلك الانقسام الذي يعاني منه الإنسان المصاب بانفصام في شخصيته". ويشير الى أن الحوار بين المريض وذاته، له فضائل علاجية كبيرة.. ويساعد في "توحيد الوجود" كخطوة لا بدّ منها للخروج من النفق.
ومن الأفكار الرئيسية التي يؤكّد عليها المؤلف، الإلحاح على أهمية الاستماع الى الآخر، ومحاولة الاعتراف به . وهذا ما يعبّر عنه بالقول: "معرفة الاعتراف بألم الآخر، علم لا يتشارك فيه كُثر. وفي أغلب الأحيان، عندما يبوح لكم أحد بأنه يتألّم من الأفضل أن يقال له: الأمر ليس خطيرا. أو ربما القول: هذه الحال لن تستمرّ طويلا. هذا مع العلم أن ليس هناك سوى الاعتراف بألم الآخر، ما يمكن أن يدخل الطمأنينة إلى نفسه ويساهم في التئام جروحه".
ويحذّر المؤلف، على ضوء معاناته، من حالة قلق ربما تنبعث من جديد في أيّة لحظة. ويمكنها أن تدفع المعني بها في أسوأ الحالات، الى الانتحار. وفي أفضل الحالات، إلى التوجّه إراديا، الى المستشفى وطلب العلاج، مع كل ما يترتب على ذلك من تجربة قاسية، يصف المؤلف تفاصيلها على مدى العديد من الصفحات.
المؤلف في سطور
بولو تونكا. كاتب فرنسي يعيش، منذ سن الثامنة عشرة من عمره، حالة "انفصام في الشخصية". وهو، حاليا، كما يقدّم نفسه، في مرحلة التماثل للشفاء . وهذا هو كتابه الأّول.
الكتاب: حواراًت مع نفسي
تأليف: بولو تونكا
الناشر: اوديل جاكوب ـ باريس ـ 2013
الصفحات: 240 صفحة
القطع: المتوسط
Dialogue avec moi meme
Polo Tonka
Odile Jacob - Paris- 2013
240 pp