حسن الصفدي: هل كان هناك عصر نهضة حقاً؟!

حسن الصفدي: كلنا شركاء

إذا كان قد سبق أن حدثت نهضة، في بلادنا، ونحن نتمتع بثمارها الآن! فيا لها من نهضة!!

في علم النفس الفردي وعلم النفس الاجتماعي، يجرى الحديث عن إنكار الواقع، أو الحدث، غير المرغوب فيه، ولمّا كان الإلغاء متعذراً، يكون الحل عبر حالين لدى الأفراد: إما الإغماء ومن ثم نسيان ما جرى أصلاً، أو مجابهة الأمر بقلب ترتيب الوقائع لتغدو النتيجة المتوقعة لصالحنا، والحال الثاني يحدث أحياناً في بعض المجتمعات، إذا لم نقل غالباً.

وإذا كانت دراسة التاريخ – لا قراءته أو إعادة قراءته- وفق المنهج التحليلي النقدي ضرورة لازبة من أجل فهم الحاضر واستشراف المستقبل، فالأمر، وحالنا ما نحن عليه، يتطلب ذلك.

لنبدأ بالتاريخ القريب، منذ منتصف القرن التالي لعصر النهضة. كانت خسارة سبعة جيوش عربية معركة منع قرار دولي بتقسيم فلسطين هزيمة مدويّة، ما أسرع أن وصفناها بالـ”نكبة”، فأصبح لها اسماً، وطفقنا نلفق لها التبريرات، بغية التغطية على هزيمتنا، بدلاً من الالتفات إلى مواطن الضعف وبواطن القصور لمعالجتها وتلافي عواقبها. وزاد في الطنبور نغماً حدوث الانقلابات العسكرية، التي بهدف التعمية وضعت عبء ما جرى على الساسة المدنيين، ورمت جانباً – وفق حديثنا أعلاه- حصتها من التسبب في الهزيمة لسوء تقديرها الإمكانات المتوفرة، ولعدم صدقها في تبيان واقع القوى لمن حمّلتهم العبء كله. بعدها بحوالي العقدين حدث ما أطلقنا عليه اسم “النكسة”، والأسباب خارجية – طبعاً- وليست ذاتية القصور والاهتراء.

غير أنه قي عقود تلت بدأت الانتصارات تترى، فما يحدث من خسارة ليس في الواقع خسارة، إذا ما نظرنا إلى الآفاق البعيدة لانتصاراتنا المؤزرة الحالية التي لا يجوز الاستهانة بها، وإليكم نتائجها البعيدة المدى.

إذا عُدنا صعوداً إلى قرن النهضة – التي لا يمل بعض الكتاب من الإشارة إليها كيفما اتفق، المهم ذكرها، والاستشهاد بها، دون إي تحليل! يُذكر الطهطاوي الطيب الذكر الذي كان فرداً نسيج وحده، ترك لنا ما ترك، إنما هل وُجِد هناك تيارٌ  ممن يُفترض أنه سار على خطاه، وبذلك تتأسس مدرسة فكرية تتابع العمل؟ ولا داعي للسؤال عن توجهات حفيده، فهذا سؤالٌ نفلٌ.

لنتابع إلى الأفغاني فما المدرسة أو التيار الذي تركه لنا؟! ترك لنا المأثورة عن فولتير “اللهم ارزقنا بمستبد عادل” وكان أن رُزِقنا بالاستبداد، وبقي علينا انتظار العدل، إلى جوار غودو “الذي يأتي ولا يأتي”. ونصل إلى الشيخ محمد عبده، وهذا أيضاً بأفكاره نسيج وحده. وسأسمح لنفسي برواية حكاية أعرف صاحبها معرفة وطيدة. كان في بدايات أربعينات القرن الماضي طالباً في المدرسة الشرعية في حمص، وكانوا يدربون الطلاب على خطبة الجمعة في المسجد الذي توجد فيه المدرسة. وعندما جاء دوره وصعد يومها إلى المنبر، وفي سياق الخطبة قال: “قال الإمام محمد عبده..” فوراً تعالت أصوات بعض الحضور من المشايخ بالاعتراض، فأنزل الخطيب من على المنبر، وصعد آخر ليتابع… خرج الطالب الشرعي من المسجد الجامع مرة وإلى الأبد ونت ثم درس الحقوق.

دعونا من بعض المثقفين والباحثين والدارسين الذين يتطرقون إلى أمثال هذه القمم، ولا يشكلون – على صخبهم- إلا نسبة أضأل من الضآلة، ويظنون أن مقالاتهم تفعل فعلها، وهي ليست أكثر من حبر مسفوحاً على الورق. هل ساءلوا أحداً غير نظرائهم وأمثالهم، المعروفة نسبتهم، والفرحين بما يفعلون، وينطبق عليهم قول السيد المسيح: “اغفر لهم يا أبت فهم لا يدرون ما يفعلون”، وتراهم يستهترون بما تعتقد كتلة الجماهير الهادرة/ الزاحفة/ الممتلئة حماسة، إنما ليس إلى ما يدعو إليه الخطباء، بل إلى ما يراود أذهانهم من معنى إحياء الماضي التليد.

لا داعي للتساؤل عن استمرارية عصر النهضة (وأقول ما من عصر للنهضة) مع الشيخ رشيد رضا، ولا حسن البنا، ولا سيد قطب، بل البدء من البدايات والبحث بالطرق المنهجية التحليلية، لنرى هل حقاً يحق لنا الحديث عن عصر للنهضة؟! وأي شكل من أشكال النهوض كان ذلك؟؟!!               

للحصول على الاخبار بشكل سريع يمكنكم الاشتراك بالصفحة الرئيسية للموقع على فيس بوك عبر الرابط:

https://www.facebook.com/all4syria.org

 

Print Friendly

Leave a Reply