حذارِ أيّها المعلّم من “لُغة قبضة اليد”!

الخبير في تحليل لُغة الجسد

نضال نصرالله:

لعلّ أهم مرحلة في حياة الإنسان فترة التأسيس العلمي – التعليمي، والتي على نجاحها أو فشلها، أو ما بينهما، يتحدّد مستقبل حياته العملية. وهي بحق البنية التحتية لذلك المستقبل، وعلى صلابتها وتماسكها يتوقّف كل شيء.يعرف التربويون الأكاديميون واختصاصيو علم النفس التربوي أنّ العلاقة بين التلميذ والأستاذ هي مغناطيس العملية التربوية؛ إذا تجاذبت الأقطاب حصل الإنسجام الخلاّق، وإذا تنافرت الأقطاب كان الإحباط والفشل. وهم يضعون مواصفات لا بدّ من توفُّرها في المعلّم كي يكتسب صفة الناجح ، تتلخّص في الآتي:

• أن يكون كفؤًا ومحبًا للعمل التربوي.

• يسعى لإقامة علاقة اجتماعية متوازنة مع تلاميذه.

• يتحلّى بالصبر والحِلْم والذكاء ثم الحزم وقوّة الشخصية.

• متسامحًا، عطوفًا، متّبعًا أنجح الأساليب التربوية التي تُشعر الطالب بالراحة النفسية.

• مُلمّاً بالثقافة الإنسانية والمهنية خصوصًا علم النفس والتربية والتدرب العملي، وعلم النفس الخاص بالطفولة ومرحلة المراهقة.

حبّ المعلّم ينعكس على حب المادة والحقيقة التي لا يجادل أحد في ثبوتها، أن كثيرًا من الطلاّب، في شتّى حقول الدراسة، تقدّمت درجاتهم نتيجة حبّهم لمدرّسيهم وأسلوبهم في التدريس. وممّ لا شكّ فيه أنّ نجاح عملية التعليم لا يمكن أن تقتصر على طرق التدريس وأساليبه فقط، العبرة ليست في استعمال أسلوب قديم أو حديث، بل في التأثيرات التي يمكن أن يتركها المعلّم في نفس المتعلّم.

لُغة الجسد تكمّل النقص المزمن في العملية التربوية، القواعد التربوية آنفة الذكر، والمتعلقة بالمواصفات والمؤهلات التي ينبغي أن تتوفر في المعلّم / المربّي، ظلّت إلى حين قريب، تتمتع بصفة الكمال المثالي،حتّى ظهرت "لُغة الجسد" بأبجديتها الخاصة. فكيف تؤثر "لُغة الجسد" التي نزلت ساحة التداول للتوّ، على العلاقة بين التلميذ وأستاذه، وكيف لها أن تحقّق حالة الصلح والمصالحة بينهما، لتسير العملية التربوية بتناغم هارموني مثالي.

تأثير لُغة الجسد على العلاقة بين التلميذ وأستاذه:

في هذا المجال ثمّة أمور إذا لم تكن صحيحة، ومتقّنة منذ نقطة البداية، قد يصعب تدارك الوضع. اللقاء الأول بين المعلّم والتلاميذ في مطلع الدرس الأول من العام الدراسي، يلعب الدور الحاسم في مسيرة العلاقة مع تلاميذ قاعة الدرس حتى نهاية الفصل السنوي. رزمة نصائح ثمينة مستخلصة من تجارب مثبتة، عن كيفية الاستعانة بلُغة الجسد لإحكام السيطرة الإيجابية الفعّالة من قِبل المعلّم ، أي الطوعية بالرّاحة على الفصول الدراسية، دون أن تكون هناك أي ضرورة لرفع الصوت أوالتأنيب أو تدخّل الإدارة، واضعين هذا المبدأ أمام أعيننا: بداية صحيحة، مسيرة سليمة ونتائج جيدة.

1 - في اليوم الأوّل: قِفْ بجانب الباب المخصّص لدخول التلامذة عند وصولهم. استقبلهم فردًا فردًا، بنظرة مركّزة تجمع بين الجِدّ والودّ، ولا بأس بابتسامةعفوية خفيفة. ذلك يسهّل عملية دخولهم إلى قاعة الدرس تدرُّجًا بطريقة منظمة، وعدم تلكؤهم أو تدافعهم.

2 - بادرْ، واقفًا، بتحيّة التلاميذ بصوتٍ عالٍ نسبيًا ونبرة واثقة واضحة ومتفائلة.

3 - عرِّف عن نفسك وإسمك ودرجتك العلمية واختصاصك والجامعة التي تخرّجت منها ، وأيضًا نبذة عمّا قد يُفيد اختصاصك في مستقبلهم وخياراتهم.

4 - أطلب من التلامذة فردًا فردًا، التعريف عن أسمائهم، فذلك يخلق نوعًا من التعارف الأوّلي بينك وبينهم أولاً، وبين التلميذ ورفاق صفِّه الجُدُد الذين سيكونون زملاءه ثانيًا، خصوصًا إذا كان الصف بداية مرحلةٍ دراسية جديدة. كما قد يفيد ذكر كل واحد إسم مدينته أو المنطقة التي يقطن فيها.

5 - إسأل بشكل واضح عن مخططاتهم: "ماذا تريد أن تكون في المستقبل؟"، ذلك يزيدك معرفة كأستاذ عن نوعيّة طلابك وآفاق طموحاتهم، ويشعرون ضمنًا، بأنّك مهتم بهم وبمستقبلهم، اهتمامًا مسؤولاً. ولا بأس أن تنوِّرهم بما تعرف، عن أبعاد وظروف وآفاق الاختصاصات التي ينوون متابعتها، كما يمكنّك ذلك من مشاركتهم هواياتهم، ليسود ذلك الجو الذي يشعر الجميع أنهم، وأنت في مركب واحد.

6 - تجوّل في أنحاء الصف وأنت تشرح الدرس، وحاول الوقوف قليلاً بجانب كل تلميذ، وإشعاره أنك مهتم به تحديدًا، فمن شأن ذلك أن يوقظ عقل التلميذ لتلقّف الدرس، خصوصًا إذا أحسّ بالأهمية.

7 - حاول ما استطعت الاتصال بالعيون، وتلقّي إجابات التلاميذ بابتسامة رضا، ذلك يطمئنهم و يدفعهم، خصوصًا قليلو المبالاة، إلى مزيد من التركيز وتشغيل عقولهم للعثور على الإجابة الصحيحة.

8 - إيماءات اليدين مهمّة أيضًا، عليك بتوظيفها لتنساب منها الرسائل التي تريدإيصالها بشكل طبيعي.

ما هي الحركات الجسدية التي يقوم بها الأستاذ والتي قد تشكِّل ردَّ فعل سلبي عند الطالب؟

عند مواجهة تلميذ سلبيّ السلوك، إقترب منه لتكون بمستواه. تحدّث معه بهدوء تام وجدية، حول العواقب المحتملة لتصرفاته، عليه هو بصورة خاصة، لكن دون أن ترفع صوتك أو أن توبِّخه، بل كنْ على مسافة قريبة منه ونبِّهه، كصديق ناصح، وحازم من أجل مصلحته هو. ثمّ، لا تضع حواجز تباعد بينك وبين التلاميذ: لا تشرح الدرس وأنتَ واقف وراء مكتب (المكتب هُنا يُوحي بالقطع والفوقية)، ولا تقف مباشرًة أمام التلميذ ولا فوق رأسه خلال شرح الدرس. لا توجّه نظرك إلى الأرض (فذلك من علامات ضعف الشخصية أو تهيِّب الموقف) ولا إلى النص المكتوب (لئلا يقول أحدهم في سرِّه أو يوشوش رفيقه: الأستاذ ليس متمكنًا من الدرس) أو أي شيء آخر يجعلك تميل برأسك بعيدًا عن المتلقي، أي التلميذ. كما يمكنك استخدام اليدين للمس التلميذ لكن حاذر من أن ينتج عنه ردّة فعل، أو يعتبرك تكسّر الحواجز بينكما. لا تنحدر في الوقوف، لا تجلس، لتكن وقفتك منتصبة، لا تشبك ذراعيك. أخيرًا، احرص أن تكون لُغة جسدك سلسة وحازمة وإيجابية وأن تظل يداك مبسوطتان خلال المناقشة، وحاذر من عدم  السيطرة على انفعالك  بأن تجد نفسك منساقًا إلى استعمال "لُغة قبضة اليد" أو التلويح بالإبهام... هنا سيفهم التنبيه تهديدًا، وهذا خط أحمر يجب الانتباه إليه.

Leave a Reply