في عام 1947، نشر المؤرخ الأميركي الرسمي للحرب العالمية الثانية العميد مارشال إس إل إيه كتابه رجال في مهب النيران. الخلاف المذهل من جانب مارشال، والذي تمت مناقشته عن كثب منذ ذلك الحين، هو أن ما نسبته 75٪ من القوات المقاتلة في الحرب العالمية الثانية لم يتمكنوا من توجيه أسلحتهم صوب العدو وتم تفريغ المدافع من الذخيرة، لكن كان يتم توجيهها عمداً فوق رؤوس العدو. فالغالبية العظمى من الجنود لم تتمكن من القتل في الواقع. وأصبحوا، في خضم المعركة، رافضين من داخلهم المشاركة فيها بحكم الأمر الواقع.
لقد شكّك العديد من المؤرخين في الطريقة التي قام بها مارشال بجمع أدلته. لكن عددا قليلا منهم شككوا بأن تجد الغالبية العظمى من الناس صعوبة بالغة في قتل إنسان آخر. إنه شيء واحد يمكن من خلاله الجلوس داخل مخبأ في ولاية نيفادا وتوجيه طائرة بدون طيار لشن هجوم من خلال عصا التحكم.
وهناك شيء آخر يتمثل في تعقب زميل على مرمى البندقية أو غرس سكين في بطن شخص ما. ويولد التعاطف الإنساني الطبيعي مقاومة نفسية هائلة ضد القتل. فكيف يتسنى لجندي أميركي السير في قرية أفغانية في منتصف الليل خلسة و قتل 16 مدنياً رمياً بالرصاص جلّهم من الأطفال والنساء؟.
هناك تفسير واحد هو استخدام عملية التهيئة النفسية التي يمارسها الجيش الأميركي على قواته من أجل إعدادهم لقتل مزيد من البشر بسهولة. وأخذ كل من الجيشين الأميركي والبريطاني كتاب مارشال على محمل الجد للغاية. فالجندي الذي لا يستطيع أن يقتل هو كالمحاسب الذي لا يستطيع القيام بالمهام الحسابية.
وهكذا بدأت المؤسسة العسكرية التفكير بجدية بشأن السبل التي يمكن من خلالها تخطي النفور الطبيعي لدى البشر باتجاه القتل، من خلال التحول إلى علم النفس السلوكي المعرفي المتطور حديثاً لإسداء المشورة، وهو الأسلوب الذي أثبت نجاحه.
وعندما أرسل مارشال مرة أخرى إلى الحرب الكورية في عام 1953، وجد أن تقنيات التدريب الجديدة التي طورها علماء النفس قد بدأت تؤتي ثمارها. فقد أصبح الآن 55٪ من الجنود يمتلكون الشجاعة لإطلاق النار على العدو. وفي حرب فيتنام، وصلت النسبة إلى 90٪.
منذ أول مرة يخوض فيها البشر الحرب، سعى الجنود إلى البحث عن سبل لمساعدتهم على تجنب الواقع الكامل لمهمتهم. كان ذلك في معظمه من خلال بناء حاجز عاطفي، حيث يتم تحقير من شأن العدو على أنه أقل من درجة البشر و من خلال السخرية من ثقافته.
ومنذ الحرب العالمية الثانية فقد تم دمج فئتين نفسيتين على وجه الخصوص في تصميم التدريب العسكري، وهما إضعاف المشاعر و التكيف. فاستخدام الأفلام وألعاب الفيديو التي تتضمن المحتوى العنيف تجعل من العنف يبدو أمراً عادياً.
فضلا عن هذا، يتم ترتيب عملية التدريب بشكل متعمد لكي تحاكي بيئة القتال. فلم يعد الجنود يطلقون النار على أهداف دائرية، بل يتم إطلاق النار على دُمى تبدو أقرب شبهاً للبشر بقدر المستطاع. و طوال التدريب، تصبح عملية القتل مسألة مألوفة للغاية، حيث يتم التدريب على تكرار أعمال القتل باستمرار.
وتبدأ عملية التحول إلى جندي حديث وفق مسار تعديل قوي في سلوك الجنود. وفي هذا الصدد، يقول العقيد ديف غروسمان، وهو محاضر سابق في علم النفس العسكري في ويست بوينت: لقد بزغ فجر عهد جديد في الحروب الحديثة، وهي حقبة الحرب النفسية، تلك الحرب التي تتم ممارستها ليس ضد العدو، ولكن على القوات ذاتها.
الجندي الأميركي الذي توجه بكل هدوء لقتل ستة عشر مدنياً أفغانياً من الرجال والنساء والأطفال تخطى كل الحواجز النفسية التي غرست في نفوسنا نتيجة الضغط الاجتماعي الصارم في مجتمعنا. وتشير تقارير إلى أنه شارك في ثلاث عمليات انتشار للقوات الأميركية في العراق من قبل، فيما تشير تقارير أخرى إلى أنه يعاني اختلالا في الدماغ إثر تعرضه لحادث تفجير قنبلة يدوية الصنع.