بدون كلام، بقلم : سارة طالب السهيل – العراق


الصورة للتوضيح فقط

هل من الممكن ان تترجم ما يدور بخلدك وانت صامت؟
برأيي كل هذا جائز عند الكثير من المتخصصين بهذا العلم الذي يعتبر جزءا من علم النفس والاجتماع معا كما ممكن ان يكون هبة من الله يطورها الانسان بملاحظاته ومراقبته لأحوال الناس ويعتبر هذا جزءا من الفراسة التي عرفت كعلم من قديم الزمن وتحدثت عنها كتب الأخبار والأشعار الا انه لم يعرف حديثا بدراسات جادة الا بالستينات من القرن السابق وقد كان دجوليوس فاست أول من أصدر كتاب عن لغة الجسد عام 1970 .
ولكن غير المتبحر بهذا العلم الذي يلزمه الموهبة والمعرفة والخبرة نجده احيانا يخطىء بالحكم على الآخرين كونه عمل كالمترجم الحرفي الذي لا يصلح ان يترجم السير الذاتية او القصائد والروايات أي كل ما يتعلق بالمشاعر والاحاسيس والتعبير وبهذه الحالة المترجم سيفقد النص روحه ونبضه وصدقه وعوامل عديدة وجماليات النص وهكذا هو الحال لمن لا يفقه علم الفراسة ولغة الجسد (body language) وعلم النفس والاجتماع فتجده في كثير من الأحيان يتسرع بإلقاء الأحكام على الآخرين من خلال مظهرهم الخارجي لانه ترجمه ترجمة حرفية . الا ان فضول الانسان الذي فطر عليه يجبره احيانا للتأمل بالبشر وشؤونهم الخاصة التي تعنيه منها والتي لا تفيده بشيء وانما مجرد ارضاء لفضوله وفي بعض الحالات نجد أنفسنا مدفوعين للغوص في بحور النفس البشرية، وربما يحدث ذلك دون قصد منا ، خاصة أن هناك عوامل كثيرة تعكس تقبلنا للشخصية التى أمامنا وكيفية فهمها وأخذها ، وعلى سبيل المثال ، إذا كنا في باص أو قطار ، حيث يزدحم المكان بالأشخاص الغرباء الذين لا نعرفهم ولم نتكلم معهم ، ومع ذلك نجد أننا ، لا شعورياً ، نبدأ بالحكم على الأشخاص ، وفي بعض الأحيان نستطرد لنأخذ موقفاً بالخوف من شخص دون الآخر أو العكس ، فقد نبتسم لإحدى السيدات دون الأخريات ، ليس لإعجابنا بما تتمتع به هذه السيدة من جمال أو أناقة أو تسريحة الشعر وانما هناك عامل آخر أكثرأهمية فى تفسيرانجذابنا لمثل هذه السيدة ، وهو ما يعرف بعلم (لغة الجسد) Body Language وهو علم ودراسة قائمان بحد ذاتهما . ويحتاجهما كثير من السياسيين وأفراد الشرطة أو علماء النفس والاجتماع وأفراد الاستخبارات لسد فراغات الغموض او التحقق من صدق الوعود او الادعاء واحيانا يحتاجها المبدعون والفنانون بقراءة وجوه المتابعين والجمهور ، وأيضًا في مجال الصفقات والتجارة ، وبالطبع الدول المتقدمة اول من يلتفت لاي علم يدر عليه ربحا ماديا او معنوي فنجد ان بعض الشركات الكبيرة بأمريكا وأوروبا تعطي لموظفيها دورات ودروساً في فن فهم لغة الجسد ، ليستطيع من خلالها السيطرة على العميل أو الحكم على الزبون وجديته ، وتعلمه متى يتوقف ، ومتى يبدأ الكلام ، وكيف يقرأ الشخص الذي امامه وكل هذا سيفيده فيبدو مقنعاً وغيرمتردد ، وبالدرجة الأولى موظفي المبيعات أو العلاقات العامة ، وحتى صاحب العمل او المدير الذي سيعقد الصفقات الكبيرة.
ونحن النساء ، تهمنا كثيراً مثل هذه الأمور، خاصة لأنها علم وواقع حقيقي ليس كفتح ورق الشدة ( الكوتشينة ) وقراءة الفنجان بل هي علم مبني على وقائع حقيقيه ملموسة، فمن خلالها نستطيع أن نركز على الكثير من الحركات والتصرفات ، لتبين لنا خفايا السلوك الإنساني المعقّد . ومن المؤكد أن بعض ربّات البيوت والزوجات يستخدمنها في كشف المستور عن أزواجهن ، لمعرفة ما إذا كانت هناك خيانة أو كذب أو نفور من الزوجة ، فكل هذا من السهل كشفه بهذه الحاله فالحذر يا معشر الرجال هههههه. ومن المؤكد أن نسبة كبيرة من السيدات اللواتي سيقرأن هذا، سيتوجهن فوراً إلى المدارس المتخصصة فى هذا العلم !
يؤكد عالم نفس بدراسة أجراها أن 7% فقط من الاتصال يكون بالكلمات و 38% بنبرة الصوت و 55% بلغة الجسد، وقال ان الناس عادة تختار لغة الجسد للحكم على مصداقية المتحدث في حال اختلاف الكلام مع لغة الجسد ، يقول
البروفيسور برد هويسل بأن الشخص العادي يتحث بالكلمات تقريبا عشر دقائق في اليوم وأن الجملة الواحدة تأخذ تقريبا ثانيتين والنصف. ويتفق معظم الباحثين على أن الكلام الشفهي لنقل المعلومات، أما لغة الجسد تستخدم للتفاوض في المواقف ما بين الأشخاص،كبديل للكلام المنطوق
وعلى سبيل المثال ، إذا جلست أنت وزوجك على نفس الأريكة ، وكانت وضعية جلسته متجهة نحوك بظهره ووجهه ، فمن الطبيعي أن تشعري بقربه ودفئه ، أما إذا كانت زاوية وجهه متجهة لخارج الأريكة ، بما معناه أن ظهره ورأسه عكس اتجاهك ، فهذا يعني أن هناك بعض النفور أو الزعل . أما إذا كنت تُجرين مقابلة مع موظف يريد العمل لديك ، فإذا وقف مكتوف اليدين . فهذا يعني أنه خائف بعض الشيء ، وفي وضع دفاعي وتنقصه الثقة بالنفس ، بينما لو وقف شامخاً ويداه مسدلتان بلا تكتيف ، فهذا يعطينا انطباعاً عن ثقته بنفسه وحيويته .
عندما يقوم شخص امامك بفرك يديه ببعضهما معنى هذا انه في حالة انتظار
اما وضع اليدين على الخد معناه انه يتأمل ويتمعن
ونظرات العيون لها هي الأخرى لغة خاصة تتكلم بها ، وفي كثير من الأحيان تغنينا عن الكلام ،فقد قال الشاعر (ما في القلوب من البغضاء والإحن إن العيون لتبدي في نواظرها)
من يتجنب النظر إلى عينيك ربما يخفي عنك شيئاً أو يخجل من شيء ما ، وفي بعض الأحيان يكون غير راغب في هذه المقابلة ، إلا أن الزوجين المتحابين ينظران لبعضهما البعض بنظرات تفيض بالحب والحنان ، ويفهمها الطرفان دون داع للشرح ، ومن نظر الى جهة اليسار وهو يكلمك هذا يعني انه صادق ويحاول تذكر الاحداث والمواقف لينقلها لك اما من ينظر لجهة اليمين فهو الى حد كبير يؤلف من خياله. اما إذا تجولت عينا الشخص يمينا ويسارا على مستوى أذنيه معناه انه يتذكر أصوات فلو نظر الى يسار فانه يسترجع صوت معين من ذاكرته كصوت الرعد مثلا لو كان يتحدث عنه
حتى طرق المصافحة لها تفسيرات كثيرة ، فعلى سبيل المثال ، من يصافحك بأطراف أصابعه ، فمن الممكن أن يوحي لك بالتكبروالغرور أوعدم الحيوية والضعف . أما من يصافحك وهو يضغط على يديك إلى أن يؤلمك ، فهو يُعطى انطباعاً بالحزم والهجوم .
وايضا لو جلس شخص امامك يضع قدم على قدم و يهز احداهما فهذا يعني انه بحالة ملل و ايضا التثاؤب دليل على الضجر و محاولة انهاء الجلسة أما لمس الراس او حكة يعني ان الشخص يفكر او يقوم بمحاولة استرجاع الذاكرة اما لو وضع يديه على فمه محاولا اخفاؤه هذا يعني انه غير مصدق لما يسمعه وانه يعتقد انها كذب الامثلة كثيرة واكثرها يتمركز في العيون والحواجب والجبين واليدين والفم والاذنين والاقدام ونبرة الصوت لهذا اجد ان المراسلات النصية تفقد الكثير من روحانيات المشاهدة او على الاقل سماع الصوت فبسماع الصوت يمكنك عالاقل ان تميز من نبرة الصوت المزح من الجد الكذب من الصدق التأثر والحزن والتعاطف والجدية والوقار او الطيش فكل هذا لا يتضح بسهولة بالكتابة مهما كنت بارعا لن تصل رسالتك كاملة الا بحالة المشاهدة والرؤية ليتمكن المستمع مقارنة كلامك بايحاءاتك وتعبيرات وجهك وجسدك وان لم تتمكن من رؤية الشخص فالصوت اضعف الايمان يمكنه ان يسد جزءا من الغموض والتشويش وحل الالغاز.
أخيرا اود ان اقول لكم اننا احيانا انطباعاتنا عن المحيطين بنا قد تتنافى في كثير من الأحيان مع التصرفات أو اللمسات أو النظرات ، ولهذا أجد أن النفس البشرية لها مفاتيح عديدة جدًا ، فكما يمكننا القول بأن ( المكتوب باين من عنوانه ) يمكننا أيضًا أن نقول بأن الكتاب لا يقرأ فقط من عنوانه ، لكي نكون فعلاً منصفين ، لأن ما قرأناه ، يشرح طبيعة الإنسان في التو واللحظة وليس كصفات دائمة ملازمة للشخص ، وربما وليدة لحظة أو ظرف أو شعور أو ردة فعل لأمر ما ، لذلك يجدر بنا التروي قبل الحكم على الآخرين حكماً نهائياً .

انتباه كتبة المقالات الكرام ، انه ولاسباب مهنية مفهومة فان موقع بانيت لا يسمح لنفسه ان ينشر لكُتاب ، مقالات تظهر في وسائل اعلام محلية ، قبل او بعد النشر في بانيت . هذا على غرار المتبع في صحفنا المحلية . ويستثنى من ذلك أي اتفاق اخر مع الكاتب سلفا بموافقة التحرير.
يمكنكم ارسال مقالاتكم مع صورة شخصية لنشرها الى العنوان
panet@panet.co.il.

لمزيد من زاوية مقالات اضغط هنا

Leave a Reply