باحث أمريكي: برامج السعودية في«المناصحة» واجتثاث الإرهاب متطورة

وصف برامج اجتثاث التطرف و"المناصحة" في السعودية بالمتطورة

التخلص من الفكر المتطرف لا يمكن أن يحدث في فراغ اجتماعي.

«الاقتصادية» من الرياض

يقدم آري كروجلانسكي الأكاديمي والمتخصص في علم النفس في جامعة ماريلاند، والباحث البارز في المركز القومي لدراسة الإرهاب، في هذا المقال وصفة من ثلاث خطوات لاجتثاث الأفكار المتطرفة، كما أنه يشير في المقال ذاته إلى جهود بعض الدول ومنها السعودية في هذا المجال واصفا إياها بالمتطورة إذ لا تهمل الجوانب الثلاثة المهمة في هذا الإطار وهي بحسب الباحث تتركز في ثلاثة أمور أولها تتبع حاجات المتطرفين ثم تقديم الرسالة المناسبة والملائمة لهذه الاحتياجات مع مراعاة ظروف عادات وتقاليد الشبكة الاجتماعية التي نشأوا فيها. وفيما يلي نص مقال الباحث كروجلانسكي حول هذه الخطوات الثلاث.

يؤكد علم النفس أن أعتى الجهاديين يمكن اجتثاث أفكارهم المتطرفة رغم ما قد يبدو من صعوبة تصديق ذلك. ولفهم كيف يتم ذلك ينبغي استيعاب كيف يحدث الاتجاه للتطرف في المقام الأول. ويعرف هذا المصطلح بأنه التمسك باتجاهات متشددة تنحرف عن الأعراف المقبولة والتصرف بناء عليها. ومع ذلك فالاتجاهات طيعة وعرضة للتغيير. فيمكن للأفراد اعتناق الأفكار المتطرفة والتخلي عن تلك الأفكار وحتى العودة إليها مرة أخرى.

وملاحظة أن التخلي عن الأفكار المتطرفة يمكن أن يحدث شيء وفهم كيفية حدوث ذلك شيء آخر تماما. ببساطة يعتمد التخلي عن الأفكار المتطرفة على ثلاثة أشياء: الحاجة والرسالة والشبكة.

الخطوة الأولى نحو نبذ التطرف تشمل الاعتراف باحتياجات الجهاديين التي تشكل دوافعهم ومعتقداتهم وواقعهم. كثيرا ما نرى فقط ما نريد أن نراه ونصدق ما نريد أن نصدق. فإن الحجج السليمة وإن كانت قوية يمكن أن تكون غير مقنعة تماما إذا كانت تتعارض مع احتياجاتنا.

أما الخطوة الثانية فهي صياغة رسالة تعترف بحاجة الشخص إلى الشعور بالأهمية والاحترام وتوافر وسائل غير عنيفة لتلبية تلك الحاجة. لهذا السبب تستخدم البرامج الحالية للتخلص من الفكر المتطرف في الدول الإسلامية أو الدول التي يعيش فيها عدد كبير من المسلمين ما هو أكثر بكثير من الحجج الدينية في مواجهة العنف. تلبي برامج في السعودية وسنغافورة والعراق حاجة المعتقلين إلى الشعور بالأهمية من خلال توفير التعليم المهني وإيجاد فرص العمل وحتى في بعض الحالات الزوجات.

والخطوة الثالثة هي أن ندرك أن الشبكة الاجتماعية التي نشأ فيها المتشددون عنصر في غاية الأهمية في تطرفهم وتخليهم عن التطرف. فإن اتجاهات ومعتقدات الناس تترسخ في الواقع المشترك لجماعتهم. فالتطرف يحدث في السياق الاجتماعي الذي تشكله العائلة والأصدقاء والشخصيات الكاريزمية. كذلك فإن التخلص من الفكر المتطرف لا يمكن أن يحدث في فراغ اجتماعي.

وبرامج اجتثاث التطرف المتطورة مثل تلك الموجودة في السعودية أو سنغافورة تكسر ديناميكيات الجماعات المتشددة من خلال فصل القادة المعتقلين والأعضاء الأساسيين عن أنصارهم. كما أنها تلجأ إلى الاستخدام الحكيم لعائلات المتطرفين إذ تجري دعوتهم لممارسة تأثير معتدل في المعتقلين قبل خروجهم، ما يساعد على منع انزلاقهم إلى التطرف مرة أخرى.

فما العقبات التي تحول دون اجتثاث التطرف؟

أحد العوامل هو انخفاض إدراك المسلحين الذاتي بالأهمية بعد ترك ساحة المعركة. ففي عملنا لاجتثاث الأفكار المتطرفة لدى نمور التاميل على سبيل المثال كثيرا ما شكا المسلحون السابقون من أن الوظائف الجديدة ليست مثيرة - أو "تمنح الشعور بالأهمية" - بنفس قدر ما كانوا يفعلونه في أيام قتالهم.

العامل الآخر هو مكانة المتشدد في التنظيم. فقد يحظى القادة بمستوى أعلى من الأهمية الشخصية بالتنظيم عن المجندين. وهذا قد يعني أنهم سيقاومون التغيير أكثر من أتباعهم.

قد تعتمد مقاومة اجتثاث التطرف أيضا على مدى الحاجة إلى تغيير في الاتجاهات. فالتبرؤ من جميع أعمال العنف لأسباب أخلاقية أو دينية يتطلب تغييرا في الاتجاه أعمق من فك الارتباط الشخصي بالعنف وهو الأمر الذي يمكن أن يتم رغم الاستمرار في التغاضي عن قيام الآخرين بذلك. وبالمثل فإن النبذ التام للعنف أصعب من النبذ المحدود مثل نبذ العنف ضد المسلمين الآخرين. ويتطلب التخلي عن المعتقدات المتشددة التي تأصلت في منظور الفرد للعالم منذ مرحلة الطفولة التغيير الأكبر ومن ثم يثير أكبر قدر من المقاومة. وباختصار فمن الأهمية بمكان تحديد نوع اجتثاث التطرف الذي ننشده وما هو ممكن على مستوى الواقع.

فيما يحتجز آلاف المتشددين في السجون بمختلف أنحاء العالم ويوشك آلاف على العودة إلى ديارهم بمجرد انتهاء القتال باتت قضية اجتثاث التطرف أكثر إلحاحا من أي وقت مضى. وعلى الرغم من أن مبادئ علم النفس لاجتثاث التطرف ليست غامضة فإن تطبيقها يتطلب مهارة وقدرة إبداعية وموارد.

لكن ما من سبيل أفضل للرد على هذا التهديد. مثلما قال المرشح الرئاسي السابق عن الحزب الجمهوري ميت رومني ساخرا إن الحكومات لا يمكنها أن "تخرج من هذه الفوضى بالقتل" ولا ينبغي لها. إن اجتثاث الأفكار المتطرفة للمتشددين ضرورة عالمية تستحق أقصى درجات اهتمامنا والتزامنا. هذا هو التحدي الجوهري لعصرنا.

Leave a Reply