انعكاسات الأزمة السورية على الأسرة والعلاقات الاجتماعية

دمشق - سعيد خلف

ورأت الطبيبة النفسية مرسلينا شعبان حسن في تحقيق، أجرته صحيفة "تشرين" السورية الحكومية، أن شدة الأزمة، التي وصفتها بأنها "أزمة شاملة هزت جوانب حياة الأفراد وأسرهم" أنشأت "ثغرات بالحالة النفسية"، وأضافت أن هذه الظاهرة تجلت بوضوح من خلال "تزايد عدد الحالات التي نراها في العيادات المختصة (..) والتأثير الكبير الذي نلاحظه هو عند الأطفال، وخصوصاً من فقدوا أحد أفراد أسرتهم".

وزادت المختصة أن الطفل شديد التأثر حتى بالصورة التي يراها، وجاء الحدث معترضاً لحياته الروتينية اليومية التي تعود عليها، أما بالنسبة للشباب فإن الأمور تميل أكثر إلى الحماسة، والكثيرون منهم انخرطوا بالحدث لأن المراهق يميل إلى التحدي والاستعراض ونموه الوجداني يقظ، ولديه حب إثبات النفس والوجود أمام أسرته وأمام أقرانه، ما أثر على أمور الحياة الأخرى بالنسبة للشباب كالتحصيل الدراسي، لأن هذا الحدث طغى على حياته وحياة أسرته بالكامل".

وأوضحت الطبيبة أنه عندما يتم تبني الأفراد لآراء مختلفة "هنا يكون التحدي للوصول إلى التفاهم بين أفراد العائلة الواحدة، وهذه الأزمة في بلدنا كان لها خصوصية حيث ساهمت بتفجير الكبت لدى الجميع، حتى إن البعض فوجئوا بردات الفعل تجاه الحدث".

مشيرة إلى أنه "أحياناً كما نرى في العيادة النفسية يكون الخلاف نابعاً من إحساس الفرد بالخوف على عائلته، وأنه المنقذ لها، وعلى الجميع تبني رأيه للنجاة بوجوده بهذا الاتجاه أو ذاك وأحياناً تكون ردود الفعل هذه لا شعورية، وأحياناً تكون واعية ومقصودة".

وخلصت إلى القول: "قبل هذه الأزمةلم يكن كل الأشخاص مهتمين بالسياسة، أو على الأقل متابعين لنشرات الأخبار، وبالتالي تأثرهم النفسي أكبر وتفاعلهم مختلف، فعملية قياس الآثار النفسية في هذه الحالة مفيد جداً، لأن الأحداث طغت على تفاصيل حياة كل الأفراد بكل الشرائح..".

وفي مقالة حملت عنوان "الحب في زمن الكوليرا الطائفية"، وهو مقتبس عن عنوان رواية للكاتب غابريل غارسيا ماركيز، أعطت الكاتبة مرح ماشي أمثلة حسية على التداعيات السلبية للأزمة على المجتمع السوري، الذي شهد خلال العقود الماضية ارتفاع منسوب الزيجات المختلطة بين أبناء الطوائف المختلفة، الإسلامية خاصة. واليوم، باتت العديد من هذه الأسر بفعل الأزمة مهددة بالتفكك، كما أن هذه الظاهرة بحدِّ ذاتها تراجعت كثيراً، وربما يستمر هذا التراجع في المستقبل نتيجة الآثار النفسية العميقة التي ستتركها تداعيات الأزمة. ناهيك عن أن الانقسام المجتمعي بين مؤيد ومعارض للنظام داخل الأسرة أو العائلة أو الطائفة الواحدة في كثير من الأحيان لا يقل خطورة عن النظر إلى الخلافات السياسية من منظور طائفي.

ومن الأمثلة العديدة، التي ذكرتها الكاتبة قصة سناء، وهي "مدرّسة من حمص، على علاقة بمضر المتظاهر الدمشقي وينويان الزواج رغم معارضة الأهل التي أصبحت أشرس خلال الأزمة التي تشهدها البلاد. وأكدت سناء أنها تأثّرت حُكماً بآراء مضر كما تأثر بآرائها، فهما شريكان في الرأي والتفكير والحياة وتجده مُحقاً في موقفه وتظاهره لأننا "سئمنا من الكذب، ومن حقنا التعبير عما نفكر". ولفتت سناء إلى أن عائلتها المؤيدة للسلطة، رفضت سابقاً زواجها من الشاب الدمشقي لأسباب تتعلق باختلاف الطوائف، كما عائلتُه تماماً، إنما لم يكن الأمر بمثل هذه الصعوبة التي يمران بها اليوم، إذ إن رفض الزواج تحوّل بينها وبين عائلتها إلى حالة من العداء خلال الأزمة التي تمر بها البلاد فهو ليس من طائفة أُخرى في نظر والدها فحسب، إنما متآمر على الوطن أيضاً".

المثال الثاني قصة وداد التي رفعت دعوى طلاق على زوجها أحمد المؤيّد بسبب تعرّضه لها بالضرب إثر خروجها في مظاهرات، وهو ما تصفه وداد بأنه تصرف ينمُّ عن "عقلية المؤيدين الإلغائيين". وتنفي وداد -التي تزوجت عن حب- أن يكون خروجها في مظاهرات جاء على خلفية طائفية إنما من أجل التغيير، بينما يقول زوجها بالفم الملآن: "نعم صفعتُها، لأنني لم أحتمل أن ترفع زوجتي وحبيبتي وأم أطفالي شعارات طائفية في مظاهرة تحمل النفَس الطائفي الذي بنينا أسرَتنا على نقيضه".

ولا تنكر المستويات الرسمية السورية العليا تأثيرات الأزمة على نفسية المواطن السوري والعلاقات الأسرية والمجتمعية، ففي ندوة نظمت قبل أسابيع، أشار وزير الخارجية السورية وليد المعلم إلى أن "الأسرة السورية بأمس الحاجة اليوم لأن تهدئ من اندفاعات الغضب والتحديات وتتمسك بالوحدة الوطنية ملاذاً ومصدر قوة لنصنع من سورية وطناً للديمقراطية..". واعتبر المعلم أن الوحدة الوطنية "مهتزة"، وشدّد على أن نفي هذا الاهتزاز يتم "بتصالح السوريين مع ذواتهم وبعضهم مع بعض، والتقائهم على القواسم الوطنية المشتركة".

وإلى جانب التأثيرات النفسية السلبية طفت على السطح "مخاوف طائفية" متبادلة، وفي هذا الشأن يؤكد رجل الدين المسيحي الأب نديم نصار أن "الأقليات خائفة ويساورها القلق من الآتي مع تساؤلات في حال سقوط النظام الحالي عما إذا كان جميع السوريين سينعمون بالأمان والحماية إذ أن أبناء الأقليات هم سوريون أصلاء ينتمون للبلد وليسوا مستورَدين من بقعة أخرى على الأرض".

لكن الأب نصار، المقيم في بريطانيا، يوضح في تقييمه لهذه الظاهرة، أن الانتماء لأقلية "لا يعني الاحتماء وراء نظام بَـل بـِجاريَ المسلم والدرزي والعلوي والكردي والأرمني، ذلك أن التعددية في سورية هي التي تحمي المواطنين وليس النظام".

وجدير بالتنويه أن رئيس اللجنة الدولية المستقلة للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في سورية باولو سرجيو بينيرو عبّر في مؤتمر صحفي، عقده قبل أسبوع، عن حذره الشديد إزاء التحدث بخصوص "موضوع الأقليات" في سورية، مشيراً إلى "وجود مخاوف حقيقية لدى جميع الأطراف".

يشار في هذا الصدد أيضاً، إلى الرسالة المفتوحة التي وجهتها قبل أيام، مديرة مكتب الشرق الأوسط في منظمة "هيومن رايتس ووتش" سارة ليا واطسون إلى أطراف المعارضة وبينها المجلس الوطني السوري، وذكرت فيها أن "بعض الهجمات استهدفت فيما يبدو ممثلي الأقليات"، وأتبعت ذلك بالقول: "المعارضة السورية تحتاج إلى أن توضح رؤيتها عن سورية، وترحب بالكل بغض النظر عن الطائفة الدينية التي ينتمون لها". وبالطبع وجهت المنظمة في التقرير ذاته انتقادات قاسية للحكومة السورية.

بدوره بيِّن الدكتور عيسى الشماس، رئيس قسم أصول التربية في جامعة دمشق، أن أبرز مكونات المواطنة هي الانتماء والمساواة والحقوق والواجبات واحترام القيم العامة، ولهذا فإن فقدان أي مواطن لحقوقه وواجباته أو الانتقاص منها يفقده صفة المواطنية الحقيقية، الأمر الذي يشعره باغتراب في مجتمعه.

ولا يبدو ما ذهب إليه الدكتور شماس مجرّد شرح لمصطلح المواطنة بل سؤال غير مباشر عن مدى تطابق هذا التوصيف مع واقع الحال في حاضر سورية.

Leave a Reply