المراهقون.. تمرد مجتمعي وانغلاق تقني و آخرون تائهون في العالم الافتراضي

لكل شيء فوائد وأضرار، فكما بات الإنترنت شريكاً أساسياً لا يمكن الاستغناء عنه في كل مجالات الحياة سواء العملية أو العلمية أو حتى الاجتماعية، إلا أنه في الوقت نفسه وعبر تقنياته الحديثة مثل الماسنجر والشات وفيس بوك ـ أدى إلى بعض المشكلات النفسية للشباب والفتيات الذين تحوّلوا بفعل الطفرة التكنولوجية، إلى مدمنين ما أصابهم بـ"الانطوائية"، والتمرد على الواقع، والانعزال عنه.

فيما أصيب آخرون بحالة من التوهان؛ نتيجة التغيرات الاجتماعية والنفسية التي سيطرت عليهم جراء انفتاحهم على العالم الافتراضي الحديث. فما هي المخاطر المترتبة على ذلك، وما الدور الذي يجب على الأسرة القيام به لتحمي الأبناء من الوقوع في براثن إدمان الإنترنت؟.."البيان" أجابت على هذه التساؤلات عبر لقائها بشباب وفتيات وأولياء أمور وخبراء في علم النفس والاجتماع ورجال دين.

"لا تقسروا أولادكم على آدابكم، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم".. هذا ما يؤكده دكتور نصر فريد واصل، مفتى مصر السابق، مرتكزاً على حكمة سيدنا علي بن أبي طالب "كرّم الله وجهه" حول كيفية العلاقة بين الآباء والأبناء خاصة مع الأجيال الجديدة، فهناك ثوابت لابد أن يربي الآباء أبناءهم عليها، وفي مقدمتها ضرورة التمسّك بعاداتنا وتقاليدنا وقيمنا وأخلاقنا، مع وضع أساس متين نبني عليه علاقتنا بهم، وتأصيل المبادئ والتعاليم الإسلامية، وتقاليد المجتمع التي تمثل حائط صد ضد سلبيات العصر. وطالب المفتى السابق الآباء أن يتخلوا عن أساليبهم القديمة في معاملة وتربية أولادهم، وعدم التمسك بالأساليب التي تربوا عليها؛ لأنها لا تتماشى مع متغيرات العصر، ولا شخصية المراهقين.

اليمن.. القات دمر البعض والثورة كشفت معدن الشباب

يرى خبراء التربية في اليمن عبر تقاريرهم أنهم لم يتوصلوا بعد إلى دراسة الآثار التي أنتجتها تقنية التواصل الحديثة في البلاد وانعكاساتها على المراهقين، سعياً لوضع الحلول لمشاكلها وآثارها السلبية على الشباب عموماً. والسبب كما يقولون يعود إلى ضألة المخصصات المرصودة للبحث العلمي، وإذا وجدت مثل تلك المخصصات المرصودة للبحث، في هذه القضايا، فإنها تجير للاعتبارات والمعايير السياسية أكثر من خضوعها لمقتضيات البحث العلمي وشروطه فالكثير من المراكز البحثية بسبب طغيان الهواجس السياسية للقائمين عليها، لم يتمكنوا من إنجاز المطلوب، كما أن تبعيتهم المالية لدوائر السياسة تجعلهم يلجؤون إلى للبحث عما يؤطر الشباب ويوجههم للحشد والتعبئة السياسية.

ورغم أن انتفاضات الشباب في ثورات الربيع العربي باغتت وداهمت الجميع بما فيها المراكز والمؤسسات البحثية نظراً لغيابها أو بعدها عن قضايا وهموم المراهقين، إلا أنها حولت جاهدة مواكبة الأحداث خاصة ومعظم المشاركين في حراك الشارع اليمني بل غالبية المنخرطين في الانتفاضات الشعبية هم شباب من الفئة العمرية بين 15- 20 سنة من أولئل الذين ربما تعاملت معهم الأسرة بنظرة سلبية سادت زمناً، ناهيك عن مجتمع نظر إليهم نظرة دونية قادتهم للتمرد، ومراكز بحثية تجاهلتهم ولم تفكر فيهم أو تدرس أحوالهم.

المحامي مطهر البذيجي يشير إلى أن الشباب يتعرض في سن المراهقة لتغير هرموني يجعله متقلب المزاج ميالاً إلى ممارسة أعمال الكبار شعوراً منه بأنه قد بلغ مبلغهم، لكن في اليمن ثمة عوامل كثيرة تحول دون تفجير طاقات عنف المراهقين ضد أسرهم أو مجتمعاتهم منها: التأنيب الاجتماعي في الوسط القبلي والعشائري فهي تشكل قيوداً على المراهق لا يستطيع تجاوزها، إلا في حالات محدودة واستثنائية، كما أن مجالس القات الجماعية التي عادة ما ينضم إليها المراهقون، فحوالي 70 إلى 80 % منهم يتعاطونه وهذا يتيح لهم فرصة الجلوس مع الكبار والاستماع لآرائهم، كما يشاركون في النقاشات التي تدور بين الحاضرين في تلك المجالس.

كما أن غالبية الأسر ينخرط أبناؤها في العمل من سن مبكرة لمساعدة أسرهم. قابل ذلك الفضاء التقليدي التربوي في الوقت الحالي تتنوع وتعدد مصادر التربية والتوجيه، فالأسرة لم تعد تنفرد بالتربية كما أن المحيط الاجتماعي للشاب لم يعد الذي نشأ فيه الاباء إنما أصبح إلى جانب المحيط التقليدي ذاك محيطاً افتراضياً للمراهق يعيش فيه ويستلهمه في تصرفاته وسلوكياته فهناك تعدد في وسائل الاتصال من فضائيات انترنت، الهاتف النقال وكل هذه الوسائل أضحت لها تأثيراتها النفسية والاجتماعية والثقافية والقيمية، لأن تأثيراتها وصلت إلى الحد الذي أنتج سلوكيات وتصرفات جديدة تتطلب الدراسة والتحليل.

رام الله.. فتيات يغازلن الحاسوب ويتجاهلن المكتوب

 

يجلس الفتى خليل فخر الدين 15 عاماً من مدينة نابلس شمال الضفة الغربية معظم وقته أمام شاشة الحاسوب يقلب صفحات الأنترنت وصفحات التواصل الاجتماعي يتحدث مع ابن عمه الذي يشاركه السكن في البناية نفسها، بعد ان أصبحت العلاقة بين القريبين تقتصر على المحادثات "الفيس بوكيه " كما يسميها، والغريب انه أصبح يشكو من ألم في عينيه نتيجة جلوسه لساعات طوال أمام الحاسوب، كما تقول والدته أسماء التي لم تدخر جهداً لإخراج ابنها المراهق من حالة العزلة التي يفرضها على نفسه لدرجة انه أصبح يرفض الخروج من البيت، ولا يكترث لمراجعة دروسه، ونتيجة للإهمال تراجع خليل في دراسته لدرجة انه رسب العام الماضي في معظم المقررات الدراسية.

وتقول رغد أبو السعود التلميذة بإحدى المدارس الثانوية في رام الله: أقضي معظم وقتي أمام الحاسوب فأنا أتواصل مع صديقات المدرسة، والإنترنت أصبح بالنسبة لي أهم من الطعام، فقد أصبحت أتحدث حتى مع شقيقتي في الحجرة المجاورة عبره، ثم تبتسم وتتابع أحياناً نتبادل الرسائل ونحن داخل البيت ماذا جهزت لنا الوالدة من طعام، أو إذا ما أردت كأس ماء أطلبه من شقيقتي حتى لا أضطر للذهاب إلى المطبخ وترك صديقاتي على "الفيس بوك"، رغد زاد وزنها 15 كيلوغراماً نتيجة عدم الحركة، كما تقول والدتها حنان التي تتحدث عن ظهور نوع جديد من المشكلات الأسرية المقلقة، وأنا دائماً اضطر لمراقبة ابنتي الاثنتين، معظم الوقت لمعرفة نوع الصفحات التي تدخلان عليها، فقد حصل تراجع كبير في تحصيلهما العلمي، وأصبحت الدراسة بالنسبة لهما شيئاً ثانوياً.

ويرى أستاذ علم الاجتماع في جامعة النجاح الوطنية في نابلس الدكتور ماهر أبو زنط ان وسائل الإعلام الاجتماعي الفلسطينية أصبحت تؤثر بما تخلقه من نمط جديد ينعكس على شخصية الأبناء، وهو نمط يتضمن جانباً كبيراً من السلبية، ولذلك أصبح الحكم على الأشخاص في المجتمع هل هم من مرتادي الـ"فيس بك أم لا؟، وعليه فإن السلبي في الموضوع، اختصار استعمال الإنترنت على نوع محدد من القضايا، والأهل يعتقدون ان استعمال الأبناء لوسائل التواصل الاجتماعي بالسلبي، وهم محقون بذلك كون وسائل الاتصال لها لغة جديدة تعتبر طارئة على المجتمع.

جامعة النجاح في نابلس شهدت واقعة غريبة قبل فترة، حيث تقدمت طالبتان بشكاوى لإدارة الجامعة اتهمتا زملاء لهن بتصويرهما في باحة الجامعة، ونشر صورهما على صفحات التواصل الاجتماعي دون استئذان، ما حدا بإدارة الجامعة لفتح تحقيق حول الحادثة.

المدون محمد أبو علان يقوم بمصادرة خادم الإنترنت "المدم" من البيت حتى لا يدخل أبناءه إلى الإنترنت في وقت الدراسة ويقول: "لم يعد طلبي من أولادي الاهتمام بدراستهم مجدياً مع وجود الإنترنت، لذلك قررت فصل خادم الإنترنت وأخذه معي إلى العمل، وعندما أقوم بوصل الخدمة أعطي لكل طفل وقتاً محدداً، وأقوم بمراقبته.

فهناك حالة انجرار من الأطفال خلف الإنترنت ناتجة عن غياب النشاطات المجتمعية، التي تستقطب اهتمام الأطفال والمراهقين، وذلك ما يدفعهم للبحث عن وسائل أخرى لملء الفراغ. كما أن المنهاج التربوي لا يساعد على زرع روح المبادرة وتوسيع أفق المعرفة لدى الأبناء.

أما المستشارة القانونية في محافظة نابلس لينا عبدالهادي فتؤكد انه لا يمكن منع الإنترنت، فالحصانة يجب ان تأتى من الأسرة مع ضرورة سيادة الحوار الديمقراطي وأتفاعل بين الأسرة والمدرسة، وقالت أجواء الديمقراطية في الإنترنت هائلة على عكس الواقع، ونحن غير قادرين على التعامل مع المراهقين بحكمة وتعقل، نتيجة غياب البرامج التي تجذبهم، إذ لا يمكن للمراهق الحصول على المعلومات دون اغتراب، والفرصة الوحيدة المتاحة هي الإنترنت، والمشكلة أننا في المجتمعات العربية أصبحنا نعيش في اغتراب لعدم وجود تدرج في إعطاء الثقافة.

مصر.. غياب الحوار بين الآباء والأبناء وراء الظاهرة

المراهقون من الشباب والفتيات في مصر لهم عالمهم الخاص، ولغتهم التي يتحدثون بها، وهواياتهم التي يغرقون أنفسهم فيها، وقد احتار الآباء في كيفية التعامل معهم، أو سبر أغوارهم لمعرفة ما في دواخلهم، حتى يتمكنوا من إيجاد العلاج الناجع بما يحقق أهدافهم، ويقرب المسافة بين الأجيال، ويزيل حواجز التعامل فيما بينهم.

الدكتور أحمد شوقي العقباوي، أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر، يتحدث عن المراهقة واصفاً إياها أنها من أهم المراحل التي يمر بها الإنسان، حيث تتكون فيها شخصيته ويكون لديه استعداد للمعرفة، ويصاحب هذه المرحلة تغيرات كثيرة على مستوى الانفعالات والعواطف والقدرات العقلية والثقافية والعلاقات الاجتماعية..

ومن أبرز تلك التغيرات، الميل إلى الاستقلالية وعدم تقبل النقد، فتحب الفتاة أن تعامل مثل الكبار، وهكذا الشاب يفضل ان يعاملوه كرجل. ويميل الطرفان إلى عيش مرحلة عمرية أكبر من سنهما، ولا شك في أن تلك المرحلة اختلفت عما كانت عليه قديماً في ظل ثقافة الفيسبوك، وتحوّل الانفتاح إلى تقليد أعمى بطريقة لا يمكن السيطرة عليها. وهناك حالتان قد يلجأ إليهما المراهقون، هما الانعزال والانطوائية أو الاندماج، والذي يساهم في تحديد ذلك بلا شك هي الأسرة من خلال أسلوب معالجتها لتصرفات أبنائها المراهقين.

والمشكلة التي تعانيها غالبية الأسر العربية هي غياب لغة الحوار بين الآباء والأبناء؛ لذلك على الآباء حل هذه المشكلة حتى يستطيعوا تكوين البناء النفسي والشخصي والمعرفي والاجتماعي لأبنائهم المراهقين، وألا يفرضوا قناعاتهم الخاصة على أولادهم، وأن تكيف الأسر تعاملاتها مع ظروف العصر واحتياجاته، وحثّ أولادها على العمل، وانشغال أوقاتهم بالقراءة وأشياء أخرى مفيدة.

 

صادقي أولادك

وبدأت الدكتورة وفاء المستكاوي، أستاذ علم الاجتماع، حديثها بقول مأثور يحدد العلاقة بين الأسرة والأبناء وجاء فيه: "لاعبوهم لسبع وأضربوهم لسبع وصادقوهم لسبع ثم أتركوا لهم الحبل على غاربه"، فهذه النصيحة توضح كيفية التعامل مع أبنائها في الصغر، والملاحظ أنها توجه إلى مصادقة الأبناء في المرحلة الثالثة من 14 إلى 21 عاماً وهي التي تشهد تحوّلات الشباب في سن المراهقة. وعلى الرغم من صعوبة الصداقة بين الآباء والأبناء المراهقين؛ نتيجة اختلاف الثقافات، ولأنهم يتناقلوا أفكارهم وثقافتهم وخبراتهم من اتجاه واحد، وفي مستوى واحد إلا أن صداقة الآباء يفتقدها المراهقون كقيمة وكاحتياج لخبرات وثقافات تدعمهم وتمنحهم ما يفتقرون إليه.

وهذه المرحلة تمثل إدراك بداية رجولة وأنوثة متوترة ومشوشة، ومن هنا يصبح العبء أكبر على الأهالي فإذا فشلوا في احتواء أبنائهم في هذه المرحلة الحساسة فمن الصعب، بل يكاد يستحيل عليهم السيطرة على شخصية أولادهم بعد تكوينها مستقبلاً، فضلاً على التأثيرات السلبية التي تنجم عن ذلك، كالتمرد على الواقع الذين يعيشون فيه، لافتة إلى أن أول ما يتمرد عليه مدمنو الإنترنت هو الأسرة ثم يتطور الرفض ليمتد إلى أساليب التعليم، والبيئة التي يعيشون فيها، وعاداتهم وتقاليدهم، حتى مبادئهم التي تربوا عليها تتأثر بتلك الثقافة الجديدة.

والشاب في هذه المرحلة يشعر أن لديه رغبة جامحة في التخلص من المسؤولية والالتزامات الاجتماعية والمهنية والتعليمية والأسرية، بتواجده في عالم آخر لا يعترف بتلك المسميات، لأن هذا التفكير بطبيعته يؤثر في الشباب وشخصيتهم، فضلاً عن أنه يدفع المراهق إلى عدم التأقلم مع مجتمعه ويقوده إلى الشعور بالوحدة والغربة. وذلك أمر طبيعي، وعلى الأسرة احتواء المسألة بحكمة، وأن تشعر أولادها بوجود نقطة تواصل بينهما، كتواصل فكري، وثقافي، ورؤى، حتى لا يشعروا بأنهم في عالم جديد بمفردهم، فيقعوا فريسة لكل الأفكار والرؤى الغربية.

 

المراهقون ماذا يقولون؟

تحكي منى أحمد (18 عاماً) تجربتها مع شبكة الإنترنت، وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي وعلى رأسها الفيسبوك، مؤكدة أنها لجأت إلى هذه المواقع هرباً من الأوامر المستمرة التي تتلقاها من والدتها بفعل شيء أو الكف عن شيء آخر. وأشعر أن الخناق يضيق عليّ باستمرار، وكأنني في سجن، وهذا ما جعلني ألجأ إلى الإنترنت لأقضي أوقاتاً جميلة مع أصدقائي نتحاور معاً في عالم بلا حدود أو تضييق، حيث تتلاقى أفكارنا وطموحاتنا، وهذا ما نفتقده كثيراً داخل أسوار المنزل.

"المؤسف لا أحد يفهمني، أو يبالي بمعرفة رأيي؛ لذلك أغلق عليّ باب غرفتي، وأخلد إلى مفكرتي الخاصة لأدون فيها أحاسيسي". بهذه العبارة بدأ محمد حافظ (24 عاماً)، وهو حاصل على مؤهل جامعي، الحديث عن علاقته بأسرته وخاصة منذ دخوله مرحلة المراهقة، مؤكداً أنه صار يتجنب أي احتكاك بينه ووالديه، وخاصة في ما يخص حياته المهنية، فهو منذ تخرجه، لايزال يبحث عن وظيفة ولكن دون جدوى؛ لذا توقّف تماماً عن فتح أي حوار أو مناقشات، بعد أن لاحظ نظرات الاستنكار في عيني والده، والسخرية من تصرفاته.

 

 

صحافي يمني: الرياضة أهم علاج لامتصاص الطاقة وإنهاء تمرد الشباب

تمرد المراهق ورغبته في الاستقلال، وما يطرأ على شخصيته من تغيرات في طموحاته وتطلعاته وعواطفه وأحاسيسه، ورغباته أصبحت من القضايا التي تشغل بال الأهالي في اليمن خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة والاجتماعية المعقدة في البلاد، وتزايد الانفتاح على وسائل وتقنيات المعلومات والاتصال، ويلعب القات دوراً كبيرا في تشكيل شخصية المراهق فهناك مابين 70 إلى 80 % من الشباب يتعاطون القات، كما أن الواقع بكل ظروفه ومعطياته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية يلقي بظلاله على سلوكيات أغلبية المصنفين ضمن فئة المراهقين.

وهناك صراع بين رغبات الاستقلال وطموحات الشباب من جهة وبين محدودية الموارد والإمكانات للأسرة من جهة أخرى، فالبؤس وقلة الحيلة للأسرة تدفعان الشباب إلى أمرين، اليأس أوالاحباط نتيجة الشعور بالدونية أمام الإمكانات التي يتمتع بها أقرانهم في الدول الأخرى والذين أصبحوا على علاقة يومية بهم من خلال الفضائيات والإنترنت، وتبادل مقاطع الفيديو عبر الهاتف النقال، كما تعاني البلاد شحاً في الوسائل الترفيهية والرياضية ما يجعل العبء على الأسرة والمجتمع مضاعفاً، فضلاً عن أن الأوضاع تضاعف معاناة المراهق، فالأندية والملاعب تكاد تكون معدومة في الريف وفي المدن بسبب ارتفاع قسمة الأراضي وتسابق المتنفذين للسيطرة على الأملاك العمومية.

الصحافي المتخصص بالشؤون الرياضية فضل الذبحاني يرى أن الرياضة قد تلعب دوراً كبيراً في امتصاص طاقة المراهق وتكبح نزعة التمرد لديه لكن للأسف النظرة لها قاصرة وغير مستوعبة للدور التربوي، وهذه النظرة المشوهة راسخة لدى الفرد والأسرة، والمجتمع، أو في المؤسسات التربوية، وحتى عند صناع القرار، فكلهم لم يستوعبوا أنها وسيلة للتربية الجسدية والنفسية والاجتماعية، إنما غالبية اليمنيين مازالوا يعتبرونها ضرباً من ضروب اللهو وضياع الوقت، ولهذا لا تجد أهمية كبيرة في العملية التربوية، مع أنها أصبحت من الوسائل الناجعة التي تعمل على إفراغ الطاقة الجسدية لدى المراهقين وتمتص ميولات التمرد لديهم والوعي بأهمية الرياضة في تربية المراهق يتعين أن يبدأ داخل الأسرة والمدرسة والمجتمع والسلطة حتى يكون لدينا جيل منخرط وفعال في مجتمعه.

الرياضة هي الوسيلة الفعالة التي يمكن أن تخرج المراهق من العزلة التي فرضتها عليه الألعاب الإلكترونية أو الإنترنت أو الفضائيات التي تجعله بعيداً الاندماج الاجتماعي، ومع أن الألعاب الإلكترونية والانترنت تفتحان مدارك المراهق وتقوي ملكاته لكن مخاطرها عديدة أبرزها انفصال الشباب عن الواقع على عكس الرياضة التي تربطه بالجماعة.

وكثير من الأباء وأولياء الأمور يرون أن القراءة من الوسائل الناجعة في توجيه المراهق إلى عمل خلاق يكبح نزعات التمرد لديه وتهذيب سلوكه فهي من أنجع الوسائل التي تعمل على تكوين شخصية المراهق، وتمكنه من الاكتشاف الذاتي لمعارف جديدة، لكن يجب أن تكون اختيارية بمعنى أن يتم إرشاده إلى مجموعة من الكتب المتنوعة في مجالاتها وفروعها ومن ثم إثارة نقاشات معه، لأن ذلك يتيح له فرصة لاستعراض معارفه والتعبير عن شخصيته المستقلة.

 

إعلامي فلسطيني: العالم الافتراضي يزيد اغتراب الشباب عن الواقع

قال الدكتور نشأت الأقطش أستاذ الإعلام والعلاقات العامة في جامعة بيرزيت ان العالم الافتراضي عبر وسائل التواصل الاجتماعي الإلكترونية يزيد من حالة اغتراب الشباب الفلسطيني عن الواقع، فذلك العالم ووسائل الإعلام الجديدة وضعت الشباب في عالم أحلام مثالي، جعلهم يبنون أحلامهم وآمالهم في عالم وردي، وبالتالي بات معظم الشباب يعيشون غربة داخل وطنهم، وأزمة الاغتراب هذه تتزايد بسبب الواقع الاقتصادي الصعب في فلسطين سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة وتفشي ظاهرة الفقر والبطالة خاصة في صفوف الشباب.

وكلما زاد الفقر واختلفت الظروف الواقعية عن العالم الافتراضي الذي يعيشه الشباب كلما اتسعت الفجوة، وفي فلسطين خاصة هناك تناقض تام بين عالم الإنترنت والواقع الحقيقي اليومي الذي لا يعكس آمال وطموحات الشباب في حياة مثالية.

كما أن اغتراب الشباب الفلسطيني عن واقعه آخذ في تصاعد لأن فئة الشباب لا تجد في حياتها الواقعية ما تصبو إليه، ونسبة كبيرة منهم يقضون ساعات طويلة في الدخول إلى مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك وتويتر"، تفوق بكثير الوقت الذي يقضونه في المدرسة أو الجامعة، ولا يستطيع أحد أن يعزلهم عن هذا الواقع الافتراضي الذي يجدون فيه كل ما يريدونه.

وهناك مشكلة في وسائل الإعلام خاصة الورقية منها سواء في فلسطين أو في العالم العربي تتمثل في عدم توفر صفحات أو مواد إعلامية متخصصة تهتم بالشباب وطموحاتهم وآمالهم، وضعف الاهتمام يعد من أسباب قلة الإقبال على الصحافة الورقية. ولذلك يتجه الكثيرون إلى تأسيس مواقع إلكترونية ومدونات خاصة يتم الكتابة فيها بكل ما يجول في خاطر صاحبها، دون قيد أو شرط، مع التأكيد على أن معظم مصادر المعلومات تتم من خلال وسائط الإعلام الحديثة وليس من خلال الوسائل التقليدية التي باتت تعيش أزمة حقيقية.

وأوضح الاقطش أن هناك نسبة كبيرة من الشباب الفلسطيني تفوق إلـ 50 في المائة تحاول التسوق عبر الإنترنت لشراء حاجياتها والاطلاع على المنتجات والسلع الجديدة.

ويستخدم الشباب الفلسطيني الحيز العام الافتراضي لتعويض ما فاته في الحيز الواقعي ولتفريغ مكبوتاته الاجتماعية والسياسية ولكسر حالة التشابه التي يفرضها الوضع الاقتصادي والاجتماعي، حيث يعتقد انه بذلك قد غيرها على أرض الواقع.

الجدير ذكره أن عدد مستخدمي موقع التواصل الاجتماعي "الفيس بوك" لوحده في فلسطين قد بلغ مليون مشترك بحسب دراسة فلسطينية حديثة، وهو الرقم الأكبر عالمياً بالقياس بعدد سكان البلاد، يأتي ذلك وسط دعوات إلى مزيد من التوجيه والتوعية من أجل استخدام أنجع لتكنولوجيا الاتصالات الحديثة في خدمة القضية الفلسطينية.

 

Leave a Reply