المراهقون.. تمرد مجتمعي وانغلاق تقني وآخرون تائهون

لكل شيء فوائد وأضرار، فكما بات الإنترنت شريكاً أساسياً لا يمكن الاستغناء عنه في كل مجالات الحياة سواء العملية أو العلمية أو حتى الاجتماعية، إلا أنه في الوقت نفسه وعبر تقنياته الحديثة مثل الماسنجر والشات وفيس بوك ـ أدى إلى بعض المشكلات النفسية للشباب والفتيات الذين تحوّلوا بفعل الطفرة التكنولوجية، إلى مدمنين ما أصابهم بـ"الانطوائية"، والتمرد على الواقع، والانعزال عنه، فيما أصيب آخرون بحالة من التوهان؛ نتيجة التغيرات الاجتماعية والنفسية التي سيطرت عليهم جراء انفتاحهم على العالم الافتراضي الحديث. فما هي المخاطر المترتبة على ذلك، وما الدور الذي يجب على الأسرة القيام به لتحمي الأبناء من الوقوع في براثن إدمان الإنترنت؟.."البيان" أجابت على هذه التساؤلات عبر لقائها بشباب وفتيات وأولياء أمور وخبراء في علم النفس والاجتماع ورجال دين.

"لا تقسروا أولادكم على آدابكم، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم".. هذا ما يؤكده دكتور نصر فريد واصل، مفتى مصر السابق، مرتكزاً على حكمة سيدنا علي بن أبي طالب "كرّم الله وجهه" حول كيفية العلاقة بين الآباء والأبناء خاصة مع الأجيال الجديدة، فهناك ثوابت لابد أن يربي الآباء أبناءهم عليها، وفي مقدمتها ضرورة التمسّك بعاداتنا وتقاليدنا وقيمنا وأخلاقنا، مع وضع أساس متين نبني عليه علاقتنا بهم، وتأصيل المبادئ والتعاليم الإسلامية، وتقاليد المجتمع التي تمثل حائط صد ضد سلبيات العصر. الجزائر.. المجتمع مهدد بتحول العنف إلى نموذج حياة

تواجه الجزائر ارتفاعا خطيرا في ظاهرة جنوح الأحداث وتمردهم على القيم الأسرية والمجتمعية خلال العقد الأخير. فهناك ما لا يقل عن 13 ألف مراهق تتم إحالتهم كل سنة إلى دوائر العدالة من أجهزة أمنية وقضائية، كما يوجد 100 ألف مراهق دون16 سنة يتركون المدرسة سنويا إلى الشارع مباشرة أمام فشل منظومة الإدماج المهني في التكفل بهم. وأشار تقرير رسمي لقيادة الدرك الوطني التابعة لوزارة الدفاع ، إلى أن المراهقين أصبحوا يميلون أكثر إلى العنف من خلال ارتكابهم لجرائم السرقة والاعتداء بالضرب والجرح حيت تم معالجة 9300 حالة العام الماضي، وأن الانحراف شمل 180 فتاة قاصر، حيث يتم تحريضهن على الفسق والدعارة والسرقة، فيما يتراوح سن الأحداث بين 10 و18 سنة، وسجلت المدن الكبرى على غرار الجزائر العاصمة ووهران و سطيف و تمنراست، أكبر الحالات نتيجة تخلي أولياء الأمور عن مسؤولياتهم تجاه الأسرة وفقدان القيم الأخلاقية.

أعلن ذلك البروفسورمصطفى خياطي الذي سبق له الإشراف على مجموعة من الدراسات المتخصصة حول الظاهرة بالتعاون مع منظمات إقليمية متخصصة ومنظمة اليونيسيف، وأرجع زيادة حدة الظاهرة وارتفاع حالات التسرب المدرسي وتوسع رقعة الفقر وزيادة معدلات الطلاق والتفكك الأسري إلى أسباب مختلفة ، وأشار إلى أن العدالة تقوم بتسليم 90 بالمائة من المراهقين إلى عائلاتهم، ويتم إيداع حوالي 1200 سنويا في مراكز رعاية القصر التابعة لوزارة التضامن الوطني.

وقد ساهم الجنوح في بروز حالات عدم الأمن الاجتماعي والسطو والاعتداء من شبكات جريمة منظمة تلجأ إلى استخدام المراهقين في الاعتداءات وترويج المخدرات والسرقة، ، في غياب البرامج الاجتماعية والثقافية والرياضية والترفيهية الضرورية للاستجابة لمتطلبات المراهقين.

 

غياب البرامج

من جانبه أكد الدكتور عرعار عبد الرحمن، رئيس الجمعية الجزائرية لحماية حقوق الطفل "ندى"، أن ما يعيشه الشباب الجزائري اليوم من تفكك وعنف ورفض للقيم المجتمعية السوية وعزوف وانطوائية يعود بالدرجة الأساسية الى التراكم الكبير للآلام التي عاشتها الجزائر خلال العشرين سنة الأخيرة نتيجة العنف المسلح وزيادة معدلات البطالة والفقر وتوسع الطبقات الهشة. كما أن الأزمة متعددة الجوانب التي عاشتها الجزائر دفعت الى إحداث تحولات اجتماعية عميقة في التركيبة المجتمعية، حيث أصبح العنف سمة التعبير الأساسية بين الفئات الشابة والمراهقة التي أصبحت تقتدي بالمنحرفيين. وطالب بمراجعة شاملة وسريعة من قادة الرأي والسياسيين والقائمين على مختلف مؤسسات الدولة، قبل أن يصبح العنف نموذج حياة للمجتمع الجزائري برمته، ويومها سوف تصبح تكلفة العلاج كبيرة جدا ومكلفة على جميع الأصعدة .

وأضاف أن الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي وأفلام الحركة وألعاب الانترنت، أصبحت تمثل المرجع الأساسي للمراهق في مجتمعنا نتيجة عدم وجود المرجعيات التقليدية وفضاءات المرافقة على مستوى الأسرة والعائلة والمدرسة والحي وغيرها التي كانت تساهم مجتمعة في التكفل بالطفل والمراهق والوصول الآمن به الى مرحلة الشباب والكهولة، ما يتطلب وبسرعة إعادة نظر شاملة في المنظومة الاجتماعية السائدة وفي الفضاء الاجتماعي الذي يجمع بين الكبار والمراهقين من أجل ضمان الاستمرارية في العلاقات السليمة سواء في البيت أو الشارع والنادي والمكتبة والمدرسة والمسجد والسينما والمسارح.

ويرجع أستاذ علم الاجتماع في جامعة الجزائرالدكتور نصر الدين جابي، ، ظاهرة العزلة وحالة الانطواء على الذات وجنوح فئات عريضة من المراهقين الى العنف والإجرام بشتى أنواعه، إلى التراكمات الاجتماعية الخطيرة التي خلفتها الأزمة الأمنية التي عاشتها الجزائر خلال تسعينات القرن الماضي. والتي خلفت ظروفا اجتماعية واقتصادية قاهرة ساهمت بشكل مباشر في انحلال مئات آلاف الأطفال والمراهقين نتيجة تفكك الأسر وغلق أزيد من 40 الف مؤسسة اقتصادية وطرد أزيد من 550 الف عامل الى الشارع. كما أن العنف والفقر ساعدا على بروز العديد من الآفات وفي مقدمتها الجريمة بمختلف أنواعها في وسط المراهقين من الجنسين، حيث تحول الشباب المراهق إلى منتج للعنف بعد أن كانوا ضحية له . الكويت.. الشباب بين مطرقة القيود وسندان الانفتاح

 

 

يختلف خطر مرحلة "المراهقة" من مجتمع لآخر بحسب حجم الحرية والقيود الاجتماعية والدينية التي يفرضها المجتمع من ناحية، وكذا التسهيلات والسيولة المالية التي يحظى بها أولئك الشباب دون عناء ,غير مدركين وسائل التدمير الذاتي، خاصة وانهم يسعون إلى التخلص من كل ما يمت بصلة للطفولة، بشئ من المغامرة، ونتيجة للانفتاح على العالم الخارجي الذي تعيشه معظم الدول ومنها الكويت، ما فاقم من حجم المشكلة بل وعقد عملية وضع الحلول الناجعة لها.

أستاذ علم النفس في جامعة الكويت الدكتور عويد المشعان يشير إلى أن سن المراهقة من اصعب المراحل العمرية، فعند بلوغها ينتقل المراهق من مصدر التأثير الاجتماعي من تقليد الأب الى تقليد الاقران الأكبر سنا، غير مدرك لسلبية او ايجابية ذلك وأكثر عادة سيئة تلفت انتباهه التدخين، فالتقليد سمة بارزة لهذه المرحلة، خاصة روح المغامرة والتأثر بالشكل والتصرفات لشخصيات وممثلين مشهورين.

كما ان الأسرة يقع عليها دور كبير اذ لاتزال تحتل الصدارة في تلقين أسس الحياة وترسيخ مبادئ التفاعل وتعليم قواعد التواصل والحوار عبر لغة مشتركة تنقل الافكار والمشاعر والرغبات، وهي مطالبة بتأمين الحماية والامان النفسي والاجتماعي لابنائها بعد اشباع حاجياتهم البيولوجية والاجتماعية والثقافية، ومسؤولية أولياء الأمور في تكون من خلال عدة خطوات تبدأ بالتوجيه والحوار الهادي، وتحقيق المطالب الأساسية ، مع منحه حرية بغير تسيب، وحب بغير تدليل، وحزم دون قسوة، ورعاية بلا تدخل، مع المحافظة على الاتزان الانفعالي.

من جانبه يوضح الاستشاري النفسي يوسف العلاطي ان الحل الأمثل في التعامل مع مرحلة المراهقة يكمن في الاحتواء الكامل لكل ما يشعر به المراهق سواء كان شابا أو فتاة، فالجنسان لهما متطلبات مختلفة ولا بد من استيعابها والتعامل معها حتى لا يقع المراهق فريسة للتقليد الأعمى الضار بمستقبله،وعند ممارسته لعادات غريبة عن المجتمع أو حتى الأسرة فالتعامل معه يصبح صعبا لأنه يعتقد انها ممارسات الكبار ومن حقه ان يقوم بها. والمراهقون في هذه المرحلة العمرية يسعون للتحرر من رقابة الوالدين أو الأسرة، خاصة مع التغيرات الطارئة على الجسد واكتشاف الحياة الجنسية.

كما ان المعضلة الرئيسية تكمن في الفجوة العمرية بين جيل الاباء وجيل المراهقين، وبحسب الدراسات والبحوث فإن المشكلة تدور حول الخوف من مناقشة المشكلات مع أولياء الأمور، في ظل فجوة بين ما يفكر فيه المراهق وما يعتقده الوالدان صحيحا. وينصح فواز عجيل وهو رب أسرة مكونة من خمسة أفراد ولديه ولد في سن المراهقة، أولياء الأمور بمصاحبة أبنائهم وبناتهم في سن المراهقة، عبر محاورتهم باستمرار وفتح قنوات اتصال دون تحفظ، مع إعطائهم الثقة بالنفس.

البحرين.. ثورة التقنية تحتاج تعاملا عقلانيا من الأسرة"يبقى المراهق حالة طارئة ينبغي مراعاتها من المحيطين به، حتى يتمكن من عبور جسره بسلاسة وتكيف نفسي واجتماعي ، لكن هناك من ينظر إليها على أنها مشكلة أوحالة شاذة، ما يجعل المراهق يتمرد على المجتمع ليؤكد للجميع أنه موجود سواء كان إثبات ذلك بطريقة إيجابية أو سلبية". هذا ما قاله الاختصاصي بوزارة التربية والتعليم بالبحرين أحمد سعد علي، وواصل «لاشك أن الإنسان اجتماعي بطبعه وهو يستخدم الوسائل المختلفة للتعبير ، ولا نعني استخدام وسائل التواصل الاجتماعي .

كما إن التغيرات التي تحدث للمراهق، تقابلها ثورة في التقنية ووسائل الاتصال، مايفرز حالة معقدة لشخصيته ، ويجب على الأسرة التعامل معه بنوع من الدراية والثقافة التربوية حتى يلجأ إلى الأسرة كفرد مؤثر فيها حتى يحقق إثبات الذات وإشباع الحاجات التي تتناسب مع ما يمر به من تغيرات، عن طريق إتاحة الفرصة له في التعبير عن ذاته بكل حرية، حتى لا يلجأ في المقابل إلى الإدمان على وسائل الاتصال الاجتماعي لإفراغ ما بداخله لان الأسرة هي الحاضنة والضابطة لسلوكه.

ولا نقول إن التعامل مع الانترنت مشكلة كبيرة، بل المشكلة تقع أولاً في عدم التوجيه بكيفية الاستفادة منه بشكل ينمي مهاراته وقدراته ويعزز معرفته وحل قضاياه ، ويجب أيضا إبعاده عن الاحتكاك مع المجتمع، فهناك من لا يستطيعون التعامل مع الآخرين ، أومن لا يجيدون إتقان حرفة معينة نتيجة عدم الاهتمام بالجانب البدني وبالتالي يفقد المراهق ميزة التغير الجسماني والعقليّ.

بدوره قال اختصاصي إرشاد نفسي بوزارة التربية والتعليم يعقوب يوسف نسيم "شبابنا يعيش فراغا يدفعه ليتمرد على الواقع وينعزل عن المجتمع باغلاق نفسه بين جدران التقنية الحديثة عبر الماسنجر والشات والأمور الأخريات والثمن تدفعه الأسر بسبب البطالة والعطالة.والعولمة من أهم المظاهر التي فَرضت نفسها على الساحة الدولية، . فهي تطرق بشدة كل باب حتى أصبح شبابنا والمراهقون يعيشون في بيئة يتعرضون فيها لتيارات وقيم ثقافية وفكرية متنوعة ومتناقضة في بعض الأحيان .

ويرى الباحثون ان من أهم الآثار النفسية السلبية للانترنت غياب الصوت البشري في الاتصال ما يقلل درجة التفاعل، حيث إن للصوت البشري مهمة أساسية في نقل المشاعر والأحاسيس والانفعالات، بينما الاتصال عبر الانترنت هو التفاعل البارد. والانفصال المادي والمكاني ينشأ نتيجة للتباعد المكاني داخل المنزل، مثل وجود حجرة مخصصة لكل فرد مع وسائله المتنوعة، ، اما الانفصال الذهني فينشأ بين أفراد الأسرة رغم التواجد في مكان واحد لاستخدام وسيلة اتصال محددة . وذلك يؤدي لتقلص العلاقات الاجتماعية للفرد، خاصة مع أسرته ومحيطه . ومن ثم فقدان الشعور بالأمن والاستقرار في المنزل، وفقدان حاجته في الحصول على الحب والاهتمام لعدم إشباعهما من قبل الوالدين، ما يؤدي الى حدوث الاكتئاب والقلق، والإحباط، والوحدة .

 

ثورة عارمة

من جانبه أوضح عبدالرحمن الكاتب ان مرحلة المراهقة تفرز تغيرات شاملة من النمو الاجتماعي والنفسي والعقلي والجسمي ،حيث تتغير فيه حالته الجسمية والفسيولوجية وذلك بفعل الغدتين الصنوبرية والتيموسية،ليبدأ عملية البحث عن الآخر المكمل له في علاقاته العاطفية مع الجنس الآخر أو التوسع في علاقات اقرانه في المدرسة او الجيرة، والتفكير في التخصص المهني .وفي ضوء ما سبق فان المراهق يجد نفسه في ثورةعارمة قد تكون عشوائية وتؤدي به الى عالم اخر من المشكلات الاجتماعية والنفسية والجنسية والفوضى منها التمرد المجتمعي والانغلاق التقني وآخرون يبحثون عن هوية وكينونة غائبة.
وقد يجدون ضالتهم في اصدقاء طيبين يشغلون انفسهم ووقتهم في تواصل اجتماعي ايجابي ، او أصدقاء سيئين ضلت بهم الطرق نحو التمرد والانعزال عن الاهل والمجتمع بفعل العولمة السلبية او وسائل التقنية الحديثة.

وفي المقابل قد يجد المراهق نفسه في مظلة رعاية اسرية ومدرسية واعية للتغيرات وتوفر له التوجيه التربوي الاجتماعي المدروس من خلال البرامج العلمية والانشطة الهادفة التي تستجيب لدوافعه واهتماماته وتتعامل معه برؤى هادئة موجهة ومرشدة بين حانية وحازمة .

فلسطين.. انسداد الأفق السياسي وتردي الوضع الاقتصادي وراء الظاهرة

 

يلعب الواقع الفلسطيني المعاش حالياً والمتمثل بانسداد الأفق السياسي، وتردي الوضع الاقتصادي، وتفشي الفقر والبطالة دورا هاما في تشكيل شخصية المراهقين الذين أصبحوا يعيشون حالة من الضياع، والتمرد على هذا الواقع والهروب منه في سبيل تغييره نحو الأفضل واللجوء الى التقنيات الحديثة للسياحة في الفضاء الخارجي عبر" الماسنجر،والفيسبوك ،وتويتر .... وغيرها من وسائل التقنيات الأخرى"، حيث بات معظم الشباب والمراهقين/ات يقضون جل أوقاتهم خلف شاشة الحاسوب، بعيدين عن عائلاتهم الأمر الذي زاد من حالة التفكك الأسري والعزلة، وبات الشباب المراهق يعيش الفراغ ويتمرد على الواقع وينعزل عن المجتمع مغلقاً نفسه بين جدران التقنية الحديثة.

قاضي قضاة فلسطين السابق الدكتور تيسير التميمي يؤكد أن استخدام الشباب لآليات التواصل الاجتماعي شيء جيد وايجابي اذا استعمل لغاية تبادل الافكار والمعرفة بما يخدم قضاياهم ويحقق التبادل الثقافي والمعرفة والاطلاع وليس لمضيعة الوقت، اما اذا استغلت هذه المواقع ووسائل الاتصال لعلاقات غير اخلاقية وعلاقات فيها فساد فذلك مرفوض ومنبوذ ومحرم، وعليهم استخدام وسائل التقنية بما يخدم مجتمعاتهم ويعزز كرامتها ورفعتها.

كما يجب على أولياء الأمور والآباء والأمهات ضرورة الانتباه لابنائهم خاصة المراهقين، والاشراف على مواقع الانترنت التي يتابعونها وتقنين ذلك. فالاستخدام السلبي للمواقع يؤدي الى كوارث اجتماعية كبيرة.

الاخصائية النفسية آلاء كنيس تقول ان المراهقين في هذا العصر يعيشون أزمة بين التقنيات الحديثة والمجتمع، الامر الذي قد يؤثر على حياتهم وتفاعلهم مع الآخرين داخل الاسرة وخارجها.والتقنيات الحديثة نجحت في اجتذابهم اليها بسبب ما تحققه من ملء فراغ سواء العاطفي او الاجتماعي وخاصة بالنسبة للشاب الخجول والأقل ثقة في نفسه.

والسبب في ذلك يعود الى طبيعة المجتمع الذي نعيش فيه وثقافة العيب التي ادت الى عدم التطرق والحديث عن مواضيع خاصة بالمراهقين وحياتهم كالثقافة الجنسية والفروق النفسية والفسيولوجية بين الجنسين، ما أادى الى الانفتاح دون وعي الى التقنيات ذات الاثر الخطير عليه.

وللحد من تفاقم يجب على الاهالي السعي لاحتواء الابن التائه واستيعابه وتفهم طبيعة التغيرات الفسييولوجية والنفسية التي يمر بها، وان تبنى التربية على الصداقة والثقة المتبادلة بين الاهل والابناء.

الفراغ العاطفي

من جهتها ترى الاخصائية الاجتماعية ختام زهران أن المراهقين اصبحوا يعيشون فراغا عاطفيا ومجتمعيا نتيجة لتواصلهم الدائم ولساعات طويلة عبر الانترنت، حيث بات الشاب يلبي احتياجاته ومشترياته عبر الاعلانات والتواصل بالتقنيات الحديثة بوسائلها المختلفة ، ما أدى الى اغراقهم بالخيال الذي جعلهم يتمردون على ما هو واقع في مجتمعهم من عادات وتقاليد وثقافة .

وقد خلقت التكنولوجيا الحديثة فجوة كبيرة في التواصل بين الأهل والأبناء فالفيس بوك او الماسنجر هما الأساس وليس الحوار المباشر الذي كان سائدا قبل سنوات ويسهم في حل أي مشكلة تواجه احد افراد الأسرة بشكل مباشر، فيما بات الفراغ العاطفي والاجتماعي والتفكك الأسري السمة المسيطرة على المجتمع.

عمر ناصر طالب مدرسة بضواحي مدينة القدس في السادسة عشرة من عمره يقضي معظم وقته خلف شاشة الحاسوب في منزله بعد أن اشترى له والده العاطل عن العمل مضطراً جهاز حاسوب لكي يتمكن من ضبطه في المنزل بدل أن يتردد على مقاهي الانترنت لساعات طويلة ويقضي وقته خارج المنزل متسكعا في الشوارع، كما يقول والده.

أحد الشباب ويدعى عمر م يقول أنا كنت اذهب الى "الكوفي شوب" بشكل شبه يومي حتى أتواصل مع اصدقائي وزملائي عبر الفيس بوك والماسنجر، وبعد فترة طويلة قام والدي بشراء حاسوب لي ولاخواني الخمسة. قطر.. «أرشدني 2 » حملة تهدف للعناية بالأحداث

يتراوح عدد حالات جرائم الأطفال من الأحداث في قطر ا بين مئة إلى مئة وخمسين جريمة.ويعتبر الرقم متدنيا بل لا شيء قياساً بباقي الدول العربية ,كما ان الجرائم التي يرتكبونها بسيطة للغاية ولا تزيد عن سرقات صغيرة ومشاجرات غالبا ماتحدث بين طلاب في نهاية المرحلة الإعدادية وبداية الثانوية ويرجع السبب في تدني جرائم الأحداث لطبيعة المجتمع القطري الملتزم بالقيم الأخلاقية والدينية كما انه ينعم بالأمن والاستقرار الاقتصادي الذي يضمن حالة أسرية مرضية للمواطنين والوافدين على حد سواء.

وكشف ناجي عبدربه العجي مدير إدارة الحماية الاجتماعية في قطر عن عزم الإدارة تدشين حملة وطنية لتوعية الأطفال من أعمار 7 إلى 16 عاماً وسوف تشارك في الحملة مختلف مؤسسات الدولة.

وشدد على اهتمام إدارة الحماية الاجتماعية بالأطفال في تلك المرحلة العمرية ضمانا لمستقبلهم ولإبعادهم عن أي مؤاثرات وكذلك رفقاء السوء.

وهناك ضرورة ملحة تبرز من أهمية تعاون الأسرة والمدرسة مع الشؤون الاجتماعية من أجل حماية الصغار خصوصا في مرحلة ماقبل المراهقة .

وأكد مدير إدارة الحماية الاجتماعية أن معدل جرائم الأحداث في قطر، يعتبر الأقل خليجياً وعربياً، مقارنة بنسب الجرائم في بعض الدول المجاورة والعربية بصفة عامة.وهناك أهمية قصوى لتضافر جهود مؤسسات الدولة وبخاصة التربية والتعليم والمجلس الأعلى للأسرة والشؤون الاجتماعية والشرطة المجتمعية والمؤسسات الخيرية اذ يقع عليها مجتمعة الدور الأكبر في ترشيد سلوك الأحداث.

على صعيد متصل تقوم إدارة الحماية الاجتماعية حاليا بحملة "أرشدني 2" الموجهة لطلاب المرحلة الابتدائية بالتعاون مع مؤسسة الشيخ عيد بن محمد آل ثاني الخيرية والمؤسسة القطرية لرعاية الطفل والمرأة "أمان " والتي تستمر ازهاء الثلاثة أشهر وتغطي "11" مدرسة ابتدائية ,حيث تم اختيار طلاب المدارس الابتدائية ليكونوا مرتكزا أساسيا لاهتمام الحملة في عامها الثاني بعد نجاح الأولى في المدارس الإعدادية والثانوي والتركيز هذه المرة وعبر الحملة في عامها الثاني على تنمية مهارات الأخصائيين الاجتماعيين لاكتشاف حالات التلاميذ الذين يتسمون بالعنف في المدارس وكيفية علاجها , كما تسعى للعناية بالمراهق الذي يعيش حالة من الفراغ والتمرد ودراسة تأثير استخدام التكنولوجيا على حياة المراهقين.

وتتمثل مهمة إدارة الحماية الاجتماعية في توليها مسؤولية توفير الرعاية الاجتماعية للحالات التي تحول ظروفها الاجتماعية والنفسية والبيئية والذاتية عن التكيف مع المجتمع، وتعمل على توفير الأمن والطمأنينة والرعاية المناسبة لها كما تهدف إلى تحسين ظروفهم الأسرية وبث الوعي فيهم وحثهم على حياة فعالة ليتمكنوا من الاعتماد على أنفسهم وليستطيعوا العودة إلى المجتمع أفراداً أسوياء.

والرؤية التي تتبناها إدارة الحماية الاجتماعية تتمثل في تقديم الخدمات للأحداث الذين أتموا السابعة من عمرهم وحتى السادسة عشر عاماً، والأسر من خلال نشر التوعية اللازمة في إطار تربية ورعاية الأبناء من خلال جهاز متخصص من الإداريين والقانونيين والأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين وطاقم من المشرفين والمدربين المختصين.

 

الأردن.. تحذيرات من الاستسلام لوحش التكنولجيا

لا شيء تعنيه الاحصاءات التي تتحدث عن ان الشباب العربي يستخدم الانترنت يوميًا، سوى اننا أمام مستقبل لجيل اختبر حياة لم يدرك الاجداد انه بالامكان وجودها أصلا. والأخطر ان 10 في المئة من مستخدمي الانترنت في الأردن هم اطفال لا تزيد اعمارهم عن الـتسع سنوات، بينما الـ 80 في المائة ممن يستخدمون الانترنت أعمارهم اقل من 19 سنة، ما يعني انهم تشربوا الانترنت مع وجبات الافطار، وليس بالامكان أن يفهم الوالد العلاقة الحقيقية التي تشكلت بين ابنه وذلك الجهاز السحري المسمى الحاسوب.

يقول استاذ علم الاجتماع الدكتور حسين الخزاعي ان ذلك يعني اننا أمام نمط حياة اجتماعية اخرى غير تلك التي اعتدناها، ما يستدعي تحصين الجيل بثقافة المجتمع التي باتت مخترقة والمسألة ليست قيمية ثقافية وحسب، بل هي سياسية واجتماعية واقتصادية ايضا. بل ان التحدي الاكبر والخطر المحدق هو عدم وجود حدود فاصلة وواضحة بين تداخل الاسرة في ضبط مراهقيها خلال جلوسهم امام الانترنت وبين كبت حرياتهم. المستشار النفسي دكتور محمد عبدالهادي يقول ان السؤال الذي يجب طرحه على رب كل اسرة والبحث عن اجابة شخصية له هو: كيف يمكن التعامل مع مراهق متمرد بطبعه والسير به نحو بر الامان بأقل ما يمكن من خسائر؟

ثم ماذا يفعل أب بشاب شرب الانترنت مع حليبه؟. الزمن تغير ويجب مواكبة عصر الأبناء لا الآباء، الذين يدركون ان الاستسلام للفكرة أخطر من مخاطر الانترنت مجتمعة. ويقول ابو محمود وهو معلم لغة عربية في احدى المدارس في عمان اسلم بأني لن افهم طبيعة العلاقة بين ابني والانترنت لكن ذلك لا يعني تركه امام وحش افتراضي يفتك بعقله حتى يحيله الى كائن غير اجتماعي. صحيح ان الزمن تغير، والانترنت وسّع مدارك الأطفال والشباب ووضع بين أياديهم مختلف المعلومات الوافدة من أنحاء العالم.

لكن هذا لا يعني تركه يغرق في عالم مفتوح حتى النهاية دون ضوابط. ولاشك ان كل أب همه الأول تحصين ابنه اخلاقيا واجتماعيا. واذا نجحنا سيكون الانترنت اضافة نوعية لطفلي البالغ 13 سنة وليس عامل هدم. عالم الشريعة الدكتور نضال سلطان يقول ان مشكلة الانترنت انه يقدم للمراهقين افكارا، كانت تنجح الاسر في السابق على منعهم منها بسهولة. ولكن ماذا نفعل امام عالم يأتي بعوالم النوادي الليلة إلى غرف اطفالنا 24 ساعة دون ان نشعر بوجود وحوش تلتهمهم. فأولياء الامور آثمون اذا لم يراعوا الكثير من مخاطر الانترنت.

وهناك العديد من الاجراءات التي يمكن ان تخفف الاضرار بعدم ترك الطفل او المراهق يجلس امام الانترنت طويلا، وبصورة منفردة في غرفة مغلقة. وتساهل بعض الاسر في مسألة الانترنت افساد في الارض، لانهم يجهزون رجالا ونساء لعالم الغد.

أما أم اسامة، وهي ربة منزل، فتقول إنها تفرض على ابنائها رقابة لكنها ليست مشددة. اما كيف فهي لا تجعل في نقاشاتها معهم الانترنت كأولوية بمعنى، تجبرهم على الانتهاء أولا من كل واجباتهم المدرسية والطعام ثم تفرض عليهم الجلوس فترات محدودة أمام الانترنت، وخدمة الانترنت بالمنزل آمنة ولا يوجد فيها ما يخدش الحياء. لكن تبقى مسألة المحادثة والفيس بوك الذي يحتاج الى جهد من الام والاب لضبطه. فقد اتفقت مع ابنتي التي لديها حساب على "الفيس بوك" على ضوابط معينة، في مقدمتها عدم اضافة اية فتاة يوجد في لائحة اصدقائها اولاد حتى لو كانوا من اشقائها.

 

Leave a Reply