المحروم من التعليم مشروع إرهابي.. خبراء علم النفس: نقص المدارس بالمناطق النائية ينشئ أجيالا فاقدة الانتماء.. أطفال حلايب كانوا لا يعرفون أنهم مصريون حتى أنشئت …

يؤكد خبراء علم النفس والاجتماع أن الحرمان من التعليم الأساسي، وعدم وجود مدارس بالعديد من قرى المحافظات، يؤدي إلى انتشار الأمية والجهل وغياب الوعي الذي يعد أساس التعليم، فضلا عن أن الحرمان من التعليم يساعد على نشأة أجيال تفتقد الشعور بالانتماء للوطن وتعانى التطرف والإرهاب، ويرجعون ما نحن فيه الآن من تطرف وإرهاب إلى غياب التفكير العلمي الصحيح والتعليم، فضلا عن غياب القيم المجتمعية والدينية لدى الأطفال.

الدكتورة هبة العيسوي، أستاذ الطب النفسي بكلية الطب جامعة عين شمس، ترى أن عدم وجود مدارس في أماكن عدة بالمحافظات النائية البعيدة عن القاهرة له تأثير سلبي، من خلال تكوين أجيال فاقدة لشعور الانتماء الوطني، فيشعر الطفل أنه مواطن درجة ثانية، فيحقد على الآخرين، ويكون مؤهلا لأي نوع من التطرف والشعور العدواني تجاه وطنه ولديه استعداد للإجرام، بالإضافة إلى عدم وجود من يمد له يد العون، وبالتالي لا يمكن أن يصبح إنسانا سويا.

وأكدت "هبة" أن المحروم من التعليم مشروع بلطجي ومتطرف ومجرم وإرهابي، موضحة أنه يجب على الدولة أن توفر للإنسان أساسيات الحياة، من حياة كريمة وطعام ومأكل ومشرب وتعليم حتى يشعر بمصريته، لتنشئة إنسان قادر على التعامل مع مفردات الحياة الحديثة، مؤكدة أن الحرمان من التعليم يمثل نقصا في الخصائص المكونة لأفراد المجتمع.

وأشارت إلى أن الصحة النفسية للطفل تعتمد على شعوره بالاحترام وسط أهله ومجتمعه، لافتة إلى أن الذي لا يتعلم لا يأخذ حقه في الحياة ولا حقه في الاحترام، ويشعر بأنه غير محترم وغير نافع في المجتمع، وأوضحت أن التعليم ليس تعلم القراءة والكتابة فقط، بل الوعي الثقافي وغرس الانتماء الديني والوطني في الأطفال.

ويؤكد الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي أن تأثير الحرمان من التعليم على الأطفال يؤدي إلى عواقب وخيمة وهى نشأة إرهابيين، لافتا إلى أن سيكولوجية الشخصية الإرهابية تعتمد على أنها محرومة من أساسيات الحياة ومنها الأمان والتعليم، وأشار إلى أن ذلك يؤدي إلى انهيار القيم الدينية والمجتمعية لدى الأطفال، وينشأ الطفل كارها للمجتمع وليس لديه أي ولاء للوطن.

وأضاف أنه في بداية التسعينات قام بزيارة حلايب وشلاتين، وكان الأطفال هناك لا يعرفون اللغة العربية وانتماءهم التام لدولة السودان، ولا يعرفون اسم رئيس الدولة، فأنشأت الحكومة حينها مدارس لتعليم الأطفال.

وأشار إلى أن فاقد الشيء لا يعطيه، والإنسان الذي لا يشعر بالانتماء لوطنه لا ينقل الانتماء لأبنائه، مؤكدا أن عدم الاهتمام بالتعليم يؤدي إلى ما نعيش فيه الآن، فالانحراف يبنى شخصية مضادة للمجتمع، ويبني "شخصية سيكوباتية" لديها إحساس بالسلبية واللامبالاة وعدم الاكتراث بعواقب تصرفاته، وتؤدى إلى تصرف يميني متطرف أو يساري ويصبح لصا أو منحرفا.

وشددت الدكتورة نجوى الرحمن، أستاذ علم الاجتماع بجامعة حلوان، على أن الحرمان من التعليم وعدم وجود مدارس للتعليم الأساسي يؤدى لانتشار الأمية وتفشي الأمراض الاجتماعية، ومنها الرذيلة والفساد، كما أن غياب التفكير العلمي وتنوير للعقل يؤدي إلى ارتجال الفكر.

وتوضح أن إحياء فكرة "الكتاتيب" ليس لحفظ القرآن فقط بل لتعليم القراءة والكتابة وإحياء العملية التثقيفية للأطفال في الأماكن النائية المحرومة من المدارس، وهذا يساهم في حل الأزمة بصورة مؤقتة.

وتوضح الدكتورة نادية رضوان، أستاذ علم الاجتماع بجامعة قناة السويس أن حرمان القرى من مدارس التعليم الأساسي يذكرها بحادثة قطار أسيوط الذي راح ضحيته أكثر من 40 طفلا، وهذا نتيجة عدم وفرة المدارس في محيط سكنهم واضطرارهم للذهاب إلى مدارس أخرى في قرى وأماكن بعيدة.

وأكدت أن الحرمان من التعليم هو تقصير من الدولة والمجتمع تجاه الأطفال، مشيرة إلى أن التعليم الآن ليس مجانيا بل مكلفا للأسرة البسيطة، فالفلاح والعامل الأجير ليس لديهما القدرة على تعليم أبنائهما، ومع أن القانون يجرم من يسرب أبناءه من التعليم إلا أن الدولة لا تخفض تكاليف التعليم أو توفر مبالغ للأسر تساعدهم على إلحاق أبنائهم بالمدارس.

وأشارت إلى أن ما نحن فيه الآن من غياب عقول نتيجة الحرمان من التعليم، مؤكدة أن التعليم يساوى "الوعي"، وغيابه يؤدي لانتشار الجهل، وعلينا أن نعلم أطفالنا كيف يفكرون، ولا نعتبر التعليم مجرد شحن للذاكرة، وضرورة إعمال العقل وربط الأسباب بالنتائج حتى لا ينساق الإنسان كالقطيع وراء من يقوده.

Leave a Reply