اللبنانيون الأكثر استهلاكا للمهدئات بالمنطقة

حالة الاضطراب النفسي وعدم وضوح الرؤية بشأن المستقبل تلجئ اللبنانيين إلى المصحات النفسية (الجزيرة)

يؤكد أخصائيو علم النفس في لبنان أن تقلبات المشهد السياسي اللبناني والتعقيدات الطائفية والمذهبية التي تطبعه، إضافة إلى الهزّات الأمنية المتلاحقة، تؤثر سلبا على الصحة النفسية للمواطن اللبناني، الذي بات يعيش بحسبهم حالة قلق دائمة تفسر ميوله للانعزالية والالتفاف على مجموعته الإثنية أو الطائفية بدل التعاون والانفتاح على الآخر.

وترى المتخصصة في علم النفس بالجامعة الأميركية ببيروت عبلة جمعة بساط، أن استمرار الوضع اللبناني "الغامض" وطريقة إدارة الشأن السياسي في لبنان يؤديان إلى قلق مستمر لدى المواطن اللبناني بسبب غياب الحلول.

وتؤكد أنه رغم أن الشخصية اللبنانية تتسم بامتلاكها إرادة للاستمرار في الحياة، لكن حجم الضغوط الكبيرة على المواطنين بسبب توالي الأزمات السياسية والتوترات الأمنية جعلت من الشعب اللبناني الأكثر تعاطيا للأدوية المضادة للاضطرابات العصبية في منطقة الشرق الأوسط، بحسب ما تشير إليه بعض الدراسات.

انسداد الأفق
وتضيف أن حالة الاضطراب النفسي الناجمة عن انسداد الأفق وعدم وضوح الرؤية بشأن المستقبل تسببت في كثير من مظاهر التعصب والتوتر النفسي، وكانت السبب الرئيسي وراء فشل علاقات اللبنانيين ببعضهم بعضا، ووراء ظواهر اجتماعية أخرى من قبيل ارتفاع نسب الطلاق والانقطاع عن الدراسة والفشل المهني وتعاطي المخدرات.

وترى بساط أن "اللبناني لا يكره السياسة بل يتفاعل معها بشكل دائم، لكنه يكره السياسيين إذ يراهم لا يمثلون المواطن الذي انتخبهم التمثيل الحق، ولا يكونون على قدر المسؤولية والثقة التي منحهم إياها، وأنه ليس باستطاعتهم تحقيق طموحاته في الاستقرار والعيش الكريم"، مؤكدة أن على هؤلاء السياسيين أن يسعوا لتجاوز خلافاتهم لتدعيم الشعور بالأمان لدى المواطن اللبناني، وبشكل خاص من خلال التحرر من الضغوط والولاءات الخارجية.

كما تشير بساط إلى أن الأطفال بدورهم يدفعون ضريبة الاحتقان السياسي والطائفي بلبنان، لأنهم "مرآة أهلهم وذويهم، وطريقة تفاعل الأهل مع السياسة تحدد طريقة تفاعل أبنائهم معها"، داعية إلى إبعاد هذه الشريحة الاجتماعية البالغة الحساسية قدر الإمكان عن التفاعلات السياسية رغم صعوبة الأمر.

أما الأخصائي في علم النفس الدكتور نبيل خوري، فيرى أن الشعب اللبناني "يعيش على مجموعة متناقضات إثنية وعرقية وطائفية ومذهبية وقبلية ولا يمكنه بأي من الأحوال أن يتخلص منها"، مؤكدا أن حالة عدم التمكن من تغيير الوضع بأي شكل من الأشكال هذه تولد حالة من الإحباط الدائم لدى المواطن اللبناني، مما ينعكس على سلوكاته اليومية وعلى انفعالاته الظرفية وطريقة تعاطيه مع المشاكل الطارئة والتوترات الدائمة.

عجز عن التواصل
يضيف خوري "المواطن اللبناني مريض نفسيا ليس جرّاء السياسة بل حتى قبل السياسة، انطلاقا من قاعدة انتماءاته المذهبية والطائفية.. فهو متحجر في تفكيره ويفضل التقوقع والانعزالية على الانفتاح على الآخر، وبالتالي يكون عاجزا من الناحية النفسية على التواصل".

ويؤكد أن هذا العجز عن التواصل هو في حد ذاته مشكلة نفسية اصطلح على تسميتها "النقص في عملية التأقلم أو الاندماج"، وكلما حدثت أزمة ولو بسيطة يعود اللبناني لتقوقعه وشرنقته الأصلية، على حد تعبيره.

ويرى خوري الحل لكل هذه التشنجات والاضطرابات النفسية في ما يسميه "تغيير مركز الثقل السياسي" الذي يتحكم في شؤون اللبنانيين منذ عقود، والذي لم يتح الوصول إلى "إشباع" على المستويين الفكري والنفسي للشعب اللبناني، مؤكدا أن اللوم لا يقع في هذا الإطار على الزعماء السياسيين بل على من أوصلهم إلى ما هم عليه.

وفي رأي خوري فإن الحالة اللبنانية ليست استثناء بل إن التشنجات السياسية التي يعرفها العالم العربي جعلت مجتمعات عدة تبحث اليوم عن متنفس، إذا لم يعط نتائج سريعة يتحول إلى إحباط تترتب عليه أزمات نفسية وغضب دفين غالبا ما يتفجر من خلال العنف، سواء العنف التعبيري اللفظي أو العنف الجسدي أو في بعض الأحيان العنف المسلح.

Leave a Reply