الفتنة في "علم النفس".. صراعٌ يظهر مميزاتك

اعتدنا أن ندعو الله بأن يجنبنا الفتن، فنسأله بأن يعيننا على مواجهتها حين تعصف بنا، ولطالما تناولها علماء الشريعة بالشرح والتفصيل، لكن قلما حاولنا أن نلقي عليها رؤيةً نفسية تسبر أغوارها، وتكتشف الأدوات التي بوسعنا استخدامها أثناء مواجهتها.

العقل يوفر الطاقة

يقول أحمد الأعور اختصاصي علم النفس السلوكي في أحد اللقاءات التلفزيونية معه:" الفتنة في علم النفس هي صراعٌ أبدي إلى أن يموت، هذا الصراع من مميزاته أنه يُحيي صفات وخصائص ما كانت لتِحيا لولا هذا الاختبار، قد يكون صراعاً بين الخير والشر، وما بين صفات وضدها، وما بين الصواب والخطأ، ولو لم تكن هناك فتنة في حياةِ الإنسان فإن هناك خلايا في عقله ستموت وهذه مسألة علمية".

ويتساءل الأعور كيف للمرء أن يمارس العزيمة بدون فتنة، وكيف له أن يُفعّل إرادته بدون اختبار، مضيفاً:" عادةً ما يكون للمخ نزعةً سخيفة فيعمد إلى توفير الطاقة بحيث لا يبذل مجهوداً، بمعنى أنه يميل للمعلومات المؤكدة، فلا يرغب في أن يكتشف نفسه، بينما تأتي هذه الفتن لتجعله يعيد اكتشاف نفسه، فقد يلحظ لأول مرة أنه شجاع، أو جبان أو لديه موهبة، أو لديه قدرة على التحمل والصبر، فتأتي الفتنة على سبيل المثال لتجعله يُفعّل مفهوم الصبر عنده".

وفيما يتعلق بإرادة التغيير فإن أول ما يتبادر إلى أذهاننا الآية الكريمة:" إن الله لا يغيّر ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم".. يعقب الاختصاصي النفسي قائلاً:" هذه الآية تكمن فيها حرية الإرادة والتصرف، وطالما هناك حرية فيعني ذلك أن هناك مسؤولية، فالله عز وجل منحك الأدوات النفسية والذهنية والروحية للتعامل مع أي شيء يُعرض علينا، لذا قال الله:" لا يكلف الله نفساً إلا وسعها"، بمعنى أن لدينا من الحرية والقدرة على التغيير ووفقاً لذلك سيحاسبنا الله، والعبرة في ذلك كله في مدى الوعي، أي الوعي بمن أكون وبماهية هذه الفتنة وما الذي يمكنني فعله إزاءها، الوعي بأن هذه الفتنة اختبار وفيها خير وستحيي شيئاً في أعماقنا، وتعريف الوعي العلمي هو القدرة على جلب معلومات ذات جودة عالية عن نفسك أو عن أي شيء".

إما للأعلى أو الأسفل

وفي سؤالٍ طُرح عليه حول أشخاص يودون أن يتغيروا نحو الأفضل كمغادرة علاقة حب مثلاً أو ترك صحبة سوء، يلفت الأعور أن هناك صراعاً يهوي بك للأسفل، وآخرٌ يصعد بك نحو الأعلى".

ويشرح المقصود من العبارة السابقة بقوله:" هناك احتياجات مشتركة بين الإنسان والحيوان لاسيما فيما يتعلق بالبقاء وأصلها الطعام والشراب والجماع، ووفق "هرم ماسلو" الشهير بعد ذلك ترتقي حاجات الإنسان إلى حاجة الأمان، ومن ثم الاحتكاك بالآخر مثل حاجة الزواج والحب والعلاقات الاجتماعية، وأخيراً يترأس الهرم حاجة الإنسان لتكوين القيمة الذاتية ويتمثل ذلك في النجاح، أما التميز عن الحيوان فيكمن في اللذة والألم، فكلما ارتقيت بما هو ألم ولذة تستطيع أن تمارس إنسانيتك".

ويشرح معنى اللذة والألم موضحاً:" على سبيل المثال عندما تريد أن تترك حباً فأنت عندك "لذة القبول والمشاعر الجميلة" والتي تتصارع بدورها مع لذة "الرضا عن الذات"، والتوقف عن الخطأ، ومن ثم نيل رضا الله سبحانه وتعالى".

التعايش مع النقص

وحول الأشخاص الذين يميلون إلى الكمال في التغيير، أو الذين يرغبون في أن يكونوا "PEREFECT"، يشير أن لدى الإنسان نزعة للكمال، والشيطان يلعب على هذا الوتر ليوسوس لك بأنك يجب أن توقف كل الأخطاء -وهذا ما لن تستطيعه لأن الخطأ جزء من تركيبة البشر- وعندها يكمل وسوسته لك:" أنت عمرك ما تبقى كويس"، وأنت غير صالح، وبالتالي تبيع "القضية" كلها"، مؤكداً أن السعي للكمال من شأنه أن يُشكّل عبئاً نفسياً في طريق عملية التغيير.

وفي هذا السياق ينصح بما يسمى "فن التعايش مع عدم الكمال" لأنك عمرك ما هتبقى "perefect" حسب تعبيره، لافتاً إلى أن "النفس الطويل" في التغيير ينبع من التعايش مع النقص، فكلنا "ناقصون"، لكن علينا الحذر من التركيز الدائم على النقص والعيوب أكثر من المميزات تجنباً للوصول إلى مرحلة "عقدة النقص" حسب قوله.

من جهة ثانية يسدي الأعور نصيحة لكل شخص لديه الرغبة في صنع التغيير ليقدم خدمة لمجتمعه، يقول:" اكتشف مواهبك التي أعطاها الله لك، فكلنا من صنع الله، في داخل كلٍ منا شيء مميز لا يتكرر، وكلما عرفنا كيف نكتشف أنفسنا ونقدم ما لدينا للمجتمع سنصنع شيئاً كبيراً، والعبرة في الصبر، فبالصبر يعلو القدر وفق تعبيره.

هذا الخبر يتحدث عن
الفتنة في علم النفس ,
إدارة الذات ,

Leave a Reply