العنف المجتمعي: هل يسعفنا علم النفس؟

يؤدي الفراغ الذي ينشأ بسبب انسحاب الدولة من قطاعات كثيرة إلى تحول الإبداع والعلم والفن والثقافة لسلع غير مرغوب فيها

يقدم د. محمد الحباشنة رؤية لتفسير العنف المجتمعي من خبرته كطبيب للأمراض النفسية مفادها أن التحولات التي جرت في السنوات الأخيرة أنشأت أزمة كبرى للأفراد والمجتمعات يجب أن تؤخذ بالاعتبار، فالفراغ الذي نشأ بسبب انسحاب الدولة من قطاعات واسعة لتلبية الخدمات والاحتياجات، وتراجع الأداء الرسمي الخدماتي القائم أو الذي مايزال قائما، مثل التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية يؤدي إلى متوالية من الأزمات الكبرى أو منظومة معقدة ومتراكمة من الأزمات الصغرى التي تشكل في مجموعها أزمة كبرى، ففي هذا الفراغ يتحول المال إلى قيمة كبرى وهدف عظيم تسعى إليه الأجيال، ويتحول الإبداع والعلم والفن والثقافة إلى سلع غير مرغوب فيها، ماذا يعني ذلك على المستوى التطبيقي والعملي؟

ستفقد الأجيال والمجتمعات الروابط المشتركة التي تجمع بينها للعمل والتضامن والمشاعر المشتركة، كالمصلحة العامة، والعمل التطوعي، والتجمع لأجل الافكار السياسية والإصلاحية أو للثقافة والفنون والتعليم، وبما أنها بحاجة إلى علاقات وحماية، ولم يتح لها أن تعيد تنظيم نفسها على أساس مصالحها، ويبدو ذلك مستحيلا، فإنها ترتد إلى العلاقات القرابية والروابط الدينية على النحو الخرافي وليس التقدمي والمتمدن.

سيتخلى العاملون في المؤسسات العامة والخاصة أيضا عن قيم الإتقان وثقافة العمل والإنتاج والانتماء إليه، بل العكس هو ما يحدث، ففي غمرة الشعور باستغلال القطاع الخاص ووحشيته وتخلي السلطة التنفيذية عن المواطن  وتحالفها مع القطاع الخاص فإن العلاقة مع أرباب العمل سواء كانت من القطاع العام او الخاص تتحول إلى ما يشبه لعبة القط والفأر، وبالطبع فإن ذلك ينعكس بوضوح على المؤسسات الرسمية التعليمية والصحية، وسيكون أقل في القطاع الخاص مع سهر أصحاب المال على مصالحهم ومتابعتهم الحثيثة للإنجاز والعمل، ولكن ستنشأ حالة من الكراهية والفجوة الهائلة، عندما يرى شخص بسيط أن صاحب العمل الذي يملك الملايين لا يتورع عن استغلال العاملين وعدم مساعدتهم، او عندما يرون مؤسسات عملاقة من البنوك وشركات الاتصالات والكهرباء وغيرها وهي تجني البلايين ولا تتورع عن النصب والاحتيال على المواطن، وتقليل مستوى الخدمة، والتقصير في تقديم الخدمات المفترض تقديمها مقابل المبالغ والأرباح الهائلة التي تجنيها. في حالة مثل هذه سوف تخلو العلاقات القائمة في الحياة اليومية من السلام الاجتماعي والاحترام المتبادل.

وفي حالة الشعور باليأس التي تتشكل فإن الناس تجد أنها لا تخسر شيئا جديدا وهي تكاد تخسر كل شيء، ولن تجد دافعا أو مصلحة في احترام العلاقات السلمية، ولن تمتنع عن التنفيس عن الشعور بالظلم والغبن بالعنف.

ibrahim.gharaibeh@alghad.jo

Leave a Reply