العنف اللفظي.. «وشم» يصعب اجتثاثه من شخصية الطفل

«مازلت أسمع صوت أبي وهو يصرخ في وجهي بأنني عار على عائلتنا، فقد كان يصفني بالقبح وجلب العار، والجميع يتمنى موتي. وفي ذلك الحين كنت في الثامنة من عمري، وقد ظل أبي يصرخ باستمرار، وباءت بالفشل كل محاولات أمي لتهدئة روعي.. مرت عشرون عاماً منذ ذلك الزمن المرير، ولكني أتذكر كل يوم كما لو كان الأمر أمس، ويقشعر بدني عندما أتذكر الكلمات التي قيلت لي وأنا مجرد طفلة».

 

بهذه الكلمات تصف إحدى السيدات تجربة طفولتها وهي تتحدث لإحدى وسائل الإعلام عن موضوع الإهانة اللفظية التي تعتبر نوعاً من أنواع العنف الممارس على الأطفال، الذي ينتج عنه آثار سلبية مثل أن يصبح الشخص عديم الثقة بنفسه، وغير متفاعل مع الأسرة والمجتمع، ويصبح لديه اضطراب في الشخصية وينظر إلى نفسه نظرة دونية.

 

الروح العدوانية

مما لا شك فيه أن ضرب الطفل يؤلمه، ويترك كدمات وندبات على جسمه، ولكن هناك شكل آخر من أشكال إساءة المعاملة التي لا يتحدث عنها الناس كثيراً، وهي العنف اللفظي الموجه للأطفال، والذي يسبب جروحاً لا ترى بالعين.

وهي كالوشم الذي يصعب إزالته. والعنف اللفظي أو الإساءة اللفظية تتضمن الازدراء والسخرية والاستهزاء والسب، إذ تشير الدراسات والبحوث التربوية إلى أن هذه الممارسات كفيلة بأن تحدد ملامح أساسية في شخصية الأطفال، وتؤثر لدى الكثير منهم في رفع الروح العدوانية، فالتنشئة الاجتماعية المنزلية المبنية على الذم والسباب، تحفز ظهور الروح العدوانية المكبوتة لدى الطفل أو المراهق، لتثير لديه العنف والحقد والكراهية واستخدام القوة، للرد من أجل رفع القهر الناتج عن الاستهزاء.

وتشير العديد من التقارير إلى أن المشكلات العنيفة بين الطلاب كانت بسبب السخرية والاستهزاء وتسلط الكبار على الصغار، وقد ذكرت تقارير يابانية أن القهر الناتج عن الاستهزاء أدى إلى انتحار تسعة طلاب دون الرابعة عشرة، كان أحدهم فتى هادئاً وديعاً. وفي تعليق له على موضوع العنف اللفظي، حذر البروفيسور أحمد مهدي مصطفى أستاذ علم النفس في جامعة الملك سعود، المعلمين من قذف طلابهم بعبارات لفظية جارحة.

مبيناً أن تكرار العنف اللفظي يؤثر في نمو الطفل بدنياً واجتماعياً وعلمياً وعلى جميع جوانب النمو في شخصيته. وأكد أن العنف اللفظي المتكرر يظهر علامات الاضطراب الانفعالي على الطالب الطفل، وقد يصيبه بالتبول اللاإرادي وتدهور التحصيل الدراسي ثم القلق والاكتئاب والعدوانية.

 

الإحباط النفسي

على الصعيد ذاته، قال الدكتور أشرف عبده أستاذ علم النفس المساعد رئيس وحدة التوجيه والإرشاد الطلابي في كلية المعلمين في الرياض، إن هذه السلوكيات من العنف اللفظي، الواردة على لسان أهل التربية والتعليم، تترك آثاراً سلبية في البناء النفسي للطالب، تتمثل في شعور الطالب بالإحباط النفسي الشديد نظراً لاستشعاره أن المعادلة السلوكية غير متوازنة، فهو لا يملك من مقومات التوازن في هذه السلوكيات سوى الصمت مخافة الحرمان من درجات الأنشطة وأعمال السنة أو استدعاء ولي الأمر.

مضيفاً ان كل هذا يجعل الطالب يستشعر الظلم ويجعله كابتا لهذا الصراع غير المتوازن، ما يستشعر معه رفض المدرسة واستقبال المعلومة، وهي بدايات للاكتئاب التعليمي والخطوة الأولى في تدهور المستوى التحصيلي للطالب. وأسدى الدكتور أشرف نصيحة للتربويين قائلاً: لا ترعبوا طلابكم في الصراخ والألفاظ الجارحة واصبروا عليهم، مشيراً إلى أن أفضل أساليب العقاب التربوي من وجهة النظر العلمية، هي الحرمان العاطفي التربوي للطالب، مبيناً أن العملية التربوية يجب أن تقام على الحب.

 

Leave a Reply