القاهرة- غادة قدري:
الØرص على السلطة وطول البقاء Ù�ÙŠ الØكم من أكثر العوامل المؤثرة بالسلب Ù�ÙŠ شخصية الØكام, ليس هذا Ù�قط, بل تؤدي الى إصابتهم بالأمراض النÙ�سية, هذا ما أكده خبراء علم النÙ�س وأثبتته الدراسات التي تناولت ذلك, Øيث أجمعت على أنها تنمي بداخلهم الكثير من الصÙ�ات السلبية, وتزيد من استبدادهم بالقرار, وانعزالهم عن الشعوب ومطالبها, وربما التصرÙ� معهم بشكل "جنوني" مبني على التجبر والاستعلاء, وكل تلك العادات والصÙ�ات تؤدي Ù�ÙŠ النهاية الى اصابتهم بالغطرسة, هذا ما يتناوله المتخصصون Ù�ÙŠ التØقيق التالي لـ"السياسة" Øول "غطرسة الطغاة".
يقول د.Øربي عباس -أستاذ الÙ�لسÙ�Ø© والتاريخ بكلية الآداب جامعة الاسكندرية- ان اشكالية الطغاة من الØكام ليست بجديدة, Ù�جذورها متعمقة Ù�ÙŠ أرض التاريخ منذ القدم, وأكبر نموذج لها, Ù�رعون, الذي سار على نهج "الثيوقراطية" أي الØكم السياسي اللاهوتي, باعتباره Ù…Ù�وضًا الهيًا, أو مبعوثًا للعناية الالهية. وظل الطغيان سمة Ù�ÙŠ العالم الغربي Øتى عصر التنوير Ù�ÙŠ القرن الثامن عشر, وبمراجعة التاريخ نجد أن مصير الطغاة جميعًا أو أغلهم مأساوية, ولم يعد الناس يذكرون سوى مساوئهم, وهذا ما Øدث مع هتلر, زعيم Øزب العمال النازي المتطرÙ�, وكان معتنقًا لأيديولوجيات عنصرية تجاه العنصر الآري, وقاد شعبه Ù†ØÙˆ Øرب عالمية, كانت آخرها معركة "ستالينغراد" التي خسرها أمام الروس ليقرر بعدها الانتØار.
وهناك ستالين الملقب بالطاغية الÙ�ولاذي, Ù�قد أباد كل ما يتعارض مع أيديولوجيته, وكل ما يغاير Ù�كره, Øتى أنه أباد اللجنة المركزية البلشÙ�ية. ونجد أيضًا موسوليني رمز الÙ�اشية, الذي Øكم ايطاليا بالØديد والنار, ÙˆÙ�ÙŠ النهاية Ù�ر الى سويسرا بعد هزيمته أمام الجيش الألماني, Ù�ترصده معارضوه وقتلوه بالرصاص. وبمطالعة الماضي نجده مليئاً كذلك بسير الجبارين العرب أمثال, صدام Øسين الذي أباد الأكراد, ودÙ�ع ببلاده Ù†ØÙˆ الهاوية, بÙ�عل Øروب ثلاثة انتهت باØتلال العراق واعدامه. ÙˆÙ�ÙŠ ظل الربيع العربي هناك مبارك الذي Øكم البلاد ثلاثين عامًا بالطوارئ والقوة والاستبداد والÙ�ساد طيلة تلك الÙ�ترة, ثم تنØÙ‰ مجبرًا بعد "خراب مالطا", وتلاه القذاÙ�ÙŠ "غريب الأطوار" كما يصÙ�ونه دائمًا, بعدما ألÙ� كتابه الأخضر, وقدمه على القرآن والشريعة الاسلامية, ووصÙ� شعبه بالجرذان, Ù�ÙŠ Øين ان الثوار عثروا عليه Ù�ÙŠ مخبأ سيئ للغاية, وقتلوه شر قتلة بعد اذلال وتعذيب.
برج عاجي
ويشير د.Ø£Øمد عكاشة - أستاذ الطب النÙ�سي بكلية الطب جامعة عين شمس, ورئيس الجمعية المصرية للطب النÙ�سي- الى أن هناك ما يعرÙ� ب"متلازمة الغطرسة" التي تصيب كل صانع قرار, أو مسؤول يتولى سدة الØكم لأي دولة أو مؤسسة, Øيث انها مرتبطة بكل من كانت له علاقة بسلطة أو سلطان, ويمتلك القرار, والقدرة على التØكم Ù�ÙŠ الآخرين. وهناك علاقة مباشرة بين ازدياد القوة, والاستعلاء وبين اضطراب "متلازمة الغطرسة", Ù�الØاكم أو القائد يهتم بصورته بشكل مبالغ Ù�يه, ويضع Ù†Ù�سه Ù�ÙŠ مقدمة اهتماماته, Øيث تتضخم صورته الذاتية, Øتى أنه يعتبر Ù†Ù�سه امتدادًا للوطن, وينمو بداخلة الاØتقار والسخرية من الشعب, ويعتبرهم دونه, بينما يعيش هو Ù�ÙŠ برج عاجي, لا يشعر بمعاناتهم. ÙˆÙ�ÙŠ تلك الØالة لا يعترÙ� الØاكم بأنه مخطئ Ù�ÙŠ أي أمر, بل يرى Ù†Ù�سه الملهم, والقائد, والزعيم, ويختار لنÙ�سه Ø£Ù�خم وأعظم الألقاب ودائمًا يستخدم عند Øديثه عن Ù†Ù�سه Ù„Ù�ظ "Ù†ØÙ†" لتعظيم وتبجيل ذاته.
ويؤكد "د.عكاشة" أن الØاكم المتغطرس تلازمه صÙ�ات الاستبداد واØتكار السلطة بشكل مطلق, وهو يمتلك شخصية نرجسية, عاشقة لذاتها, Ù�ÙŠ Øين أنه لا يمتلك أي بصيرة, ويتسم بالعناد والاندÙ�اع, وتجمد الÙ�كر, ورÙ�ض الØوار أو النقاش, على اعتبار أنه معصوم من الزلات والأخطاء. كما أن صاØب تلك الشخصية يعاني من " البارانويا" والتعالي, وكثرة الشك, وسوء الظن, Ù�هو لا يثق بأØد ويتوقع دائمًا الغدر من أقرب الناس اليه, ويتصور Ø£Øيانًا أن الجميع أعداء له, ÙŠØيكون ضده المكائد, ما يجعله يعيش Øالة من الØذر, والØرص على امتلاك المزيد من السلطات والصلاØيات, وأدوات القوة والتنكيل والتجسس. التي تساعده على البقاء Ù�ÙŠ السلطة لأطول Ù�ترة ممكنة. Ù�الأمر بالنسبة لهم مسألة Øياة أو موت, وهذا ما نشاهده الآن, وما ÙŠÙ�عله بشار الأسد, Ù�هو مستميت لأبعد Øد Ù�ÙŠ التمسك بالسلطة, وان اضطر لابادة شعبه كاملاً, غير عابئ بالشجب والادانة الدولية. أو بمصير من سبقوه من الطغاة والمستبدين من الØكام, أمثال صدام Øسين والقذاÙ�ÙŠ ومبارك, وغيرهم.
ويرى د.عكاشة أن صاØب الشخصية المتغطرسة يعيش بمعزل عن كل ما ÙŠØيط به من Ø£Øداث, Ù�هو بعيد عن كل هذا المصير الأسود, ولا يعتبر بمن سبقوه, لأنه ببساطة يعاني من تضخم الذات, وكأنه Ù…Øور الكون, Ù�قد خلق للسلطة, والسلطة خلقت له, لما يعتقده من تÙ�رده بين من Øوله بصÙ�ات القدرة, والقوة, والØكمة. وتزداد Øدة الغرور, والعقد كلما التÙ� Øوله المناÙ�قون والمنتÙ�عون, أو الخائÙ�ون من بطشه وسطوته. وهذا الØاكم الديكتاتور المتشبث بالبقاء Ù�ÙŠ السلطة الى الأبد كثيرًا ما ينتهك القيم والأعراÙ� والمØظورات, نتيجة للانغماس Ù�ÙŠ الÙ�ساد, والاصرار على أخذ ما هو ليس من Øقه, ان السلطة Ù�ÙŠ تلك الØالة ما هي الا ادمان تمنØÙ‡ نشوة الانبساط نتيجة ارتباطات شرطية, وعندما ØªØµØ¨Ø ØªÙ„Ùƒ السلطة مهددة, أو Ù…Øاطة بالمخاطر, Ù�من الصعب أن يتخيل الانسان Øجم الخوÙ� والرعب الذي يسكن قلب الØاكم.
الوقاية خير علاج
ويلÙ�ت د.Ù…Øمد المهدي - أستاذ الطب النÙ�سي بكلية طب جامعة الأزهر, وعضو مجلس ادارة الجمعية الاسلامية العالمية للطب النÙ�سي- الى أن الØاكم المصاب بداء السلطة, Ù�اقد للبصيرة, ولا يرى سوى Ù†Ù�سه, والعلاج الأمثل للتخلص من أمراض السلطة, وعلى رأسها الاستبداد والغطرسة, هو الوقاية منها, Ù�من الواجب على أي مسؤول أو قائد أو Øاكم ألا يمكث Ù�ÙŠ منصبه أكثر من أربع سنوات, وان كان مضطرًا ومدÙ�وعًا الى ذلك باختيار الأغلبية, يمكنه الاستمرار لنÙ�س المدة مرة أخرى ÙƒØد أقصى, مع ضرورة متابعة الأطباء والمداومة على العلاج النÙ�سي للتخلص من الأمراض المصاØبة للسلطة, والملازمة لها, مثل القلق والاكتئاب, وادمان العقاقير والمهدئات والكØوليات, وغيرها. كما أن التجمد الÙ�كري والعناد والسلوك الاندÙ�اعي, كلها سلوكيات وصÙ�ات لها مسارات عصبية خاصة Ù�ÙŠ الدماغ, وبعضها مرتبط بالÙ�ص الأمامي, وبتدÙ�Ù‚ "الدوبامين", وهو من الموصلات العصبية Ù�ÙŠ الدماغ, المسؤول عن اللذة والمتعة.
والØاكم المستبد مستعد للقيام بأي سلوك عدواني, من تعذيب, ووØشية, وقتل, وتنكيل, Ù�ÙŠ سبيل البقاء بالسلطة. والا سوÙ� يعاني من أعراض انسØابية, قريبة مما يعانيه المدمن عند انقطاعه عن تناول "المخدرات". ومن هنا Ù�ان السلطة تØتاج لاجراءات وقائية وعلاجية, تØول دون اصابة صاØبها بمتلازمة الغطرسة, وتمنعه من التØول الى ديكتاتور مستبد.وتتلخص هذه الاجراءات Ù�ÙŠ شرعية السلطة, من خلال الانتخاب النزيه, الذي يعبر عن ارادة الشعب, واختياره الØقيقي, دون تزييÙ� للوعي. وعلى الØاكم أن ÙŠØترم ارادة الناس, وأن يراعي مصالØهم. وعدم اطالة مدة الØكم, مهما كانت عبقريته, ونزاهته أو انجازاته, Ù�كلما زاد البقاء Ù�ÙŠ السلطة, ترسخت وتراكمت الأمراض والمشكلات النÙ�سية Ù�ÙŠ الذات. ومع تلك الاجراءات تبقى القوانين والدساتير عاملاً أساسيًا للØد من سلطة الØاكم المطلقة, وابعاده عن الطغيان والاستبداد, وعند خروجه من السلطة يجب تكريمه, وتوÙ�ير الØياة الهادئة والمستقرة له, والتي تعتبر Øقا لأي مواطن. وبالنسبة للشعوب والمØكومين, Ù�من الضروري لهم Øتى لا يقعوا تØت سطوة الØكام وغطرستهم, أن يثقÙ�وا أنÙ�سهم, وأن ينشروا بينهم الوعي بما لهم من Øقوق, وما عليهم من واجبات والتزامات, وعليهم أن يزرعوا بداخلهم وبداخل أبنائهم قيم الØرية, والعدالة, والمساواة ومبادئ المواطنة والمشاركة, Ù�الجميع وان اختلÙ�ت طباعهم وتوجهاتهم, ومذاهبهم, وعقائدهم Ù�هم أبناء وطن واØد, ومصير مشترك, من هنا Ù�على المواطنين أن يعملوا Ø¨Ø±ÙˆØ Ø§Ù„Ù�ريق, بعيدًا عن البطولات الÙ�ردية.