الضرب قوة الأستاذ الضعيف

لا يحجب اعتماد إدارات المدارس أساليب جديدة للعقاب عنفاً لا يزال يمارَس مع التلامذة، يرى علم النفس تفسيرات له من دون أن يبرره. لكن «التأديب»، بحسب جمعيات مدنية، يجعل الطالب يكره المدرسة أو الأستاذ أو المادة
ميلانا المرّ -

يحكي طفل مشاكس في السادس أساسي نكتة تعجب زملاءه في صف اللغة العربية. يضحك ما يزيد على عشرة تلامذة. تغضب المعلمة. تقترب بهدوء من جنان، إحدى التلميذات المشاركات في الضحك، وتصفعها على خدها، بحسب أصدقائها في الصف. تحمرّ وجنة الفتاة وتظهر عليها آثار أصابع المعلمة. لا تكتفي الأخيرة بذلك، أو أنها أحست بأن العقاب لم يكن كافياً، فألحقت الصفعة الأولى بأخرى على الفم مع «قرصة» على الكتف. تنهمر دموع جنان، فتستدرك المعلمة فداحة ما ارتكبت. لن تظهر، طبعاً، ضعفاً بعد هذا الموقف القوي الذي سحب الأنفاس من صدور التلامذة. تتنهّد، تطلب من جنان التوجه إلى الحمام لغسل وجهها «القصة ما بدها هالقد».

ضحكت ابنة الحادية عشرة مثل زملائها ولم تتوقع مثل هذا العقاب أمامهم.

حكاية جنان ليست يتيمة؛ فجواد واجه المصير نفسه، عندما ضربه أستاذ الرياضيات على وجهه بعدما لاحظ أنه يوزّع السلامات والابتسامات من شباك الصف الذي يؤدي إلى الممشى. في تلك اللحظة كان الفتى يلتفت إلى أمه الذي حضرت إلى المدرسة لتحتجّ على تعمد الأستاذ نفسه رفع صوته في وجه ابنها المراهق البالغ. اشتد غضب الأم ولم تنتظر موعدها مع الإدارة لمناقشة ما يحصل، بل دخلت الصف وعبّرت بغيظ شديد عن «قباحة» ما شاهدته بأم عينها.
إذا كانت أم جواد لم تتمالك أعصابها وتشاجرت فوراً مع الأستاذ من دون أن تسأله حتى عن السبب، لم يكن ذلك حال أم جنان التي بدت مقتنعة بأن ابنتها هي المخطئة. اللافت ما سمعته الفتاة من أمها حين أخبرتها القصة، «بالطبع ضحكت كثيراً لتختارك المعلمة وتصفعك ومعها حق، فبهذه الطريقة لن يجرؤ أحد منكم على الضحك في حصتها». وترى أم جواد أن الضرب دليل ضعف، فالأستاذ الذي يضرب التلامذة هو الذي لا يملك القدرة على السيطرة على صفه إلا من خلال استخدام القوّة. ويقول آباء آخرون إنّ المدرسة هي البيت الأول للتلميذ، فهو يقضي فيها وقتاً أكثر من المنزل، ما يفرض وجود بيئة ملائمة ومريحة في الوقت نفسه.

أما علم النفس فيتحدث عن تفسيرات لا تخطر في البال بسبب الأحكام المسبقة التي نطلقها على المعلم أو التربوي بوصفه «إنساناً كاملاً خالياً من الشوائب». تؤكد عالمة النفس باتريسيا ضاهر أنها لا تبرر العنف في المدرسة بأي شكل من الأشكال، لكن التماهي بالمعتدي حالة نفسية لا يستطيع الشخص أن يتحكّم بها. وتقول إنّ الأستاذ الذي يستخدم العنف الجسدي، يؤدي الدور نفسه الذي أداه معه أستاذه في السابق عندما كان طالباً، ولا سيما أن معظم الأساتذة ينتمون إلى جيل كان فيه الضرب من الأسس التربوية المعتمدة. وتضيف ضاهر سبباً جوهرياً أيضاً، هو أنه «عندما ينتقل الأستاذ من المراهقة إلى مرحلة النضج العاطفي (المقصود هنا ليس الفترة العمرية، بل النضوج النفسي) يصبح أكثر إلماماً بأمور التلامذة، فلا يعتبر أن حركاتهم وأقوالهم موجهة إلى شخصه، ولإهانته أو عدم طاعته، بل يفهم أنهم يمرون بفترة عمرية يكوّنون من خلالها شخصيتهم.

لا تتفق الجمعيات المدنية المعنية بمناهضة العنف ضد الأطفال كثيراً مع علم النفس في هذا الطرح، فحتى لو كان الأستاذ يمتلك عقداً من طفولته أو مراهقته، يجب ألّا يفتح أمامها المجال لتظهر وتشكّل، بدورها، عقداً للآخرين. تقول الناشطة في جمعية «كفى عنف واستغلال»، ماريا سمعان: «لا نقبل أن يتعرض الأولاد للعنف في منازلهم، فكيف إذا تعرضوا له في المدرسة! فالقانون اللبناني يجيز تأديب الطفل بالضرب من الوصيّ عليه بما يبيحه العرف العام». ما هو العرف العام؟ ومن يحدده؟ تلفت إلى أنّ «مرسوماً صدر منذ فترة يمنع ضرب التلامذة في المدارس، لكن العنف مستمر والإدارة لا تحاسب الأستاذ الذي يرتكب هذا الجرم». أما بالنسبة إلى تأثير الضرب على الأولاد ومراحل نموهم الذهني والجسدي، فهذا «التأديب» ينعكس سلباً ويولّد ردة فعل عكسية تظهر من خلال تعامل عنيف من الطالب نفسه مع زملائه والأستاذ أو تجعل الطالب يكره المدرسة أو الأستاذ أو المادة.

هكذا، بقيت الطريقة القديمة منتشرة رغم لجوء إدارات المدارس إلى استخدام طرق أكثر فعالية من الضرب والعنف الجسدي مثل استدعاء الأهل أو الطرد المؤقت بحسب الحالة التي يجري التعامل معها. لكن لماذا لا يزال بعض الطلاب يصطدمون بمثل هذه الممارسات، وأين هي إجراءات الإدارة إزاء أفعال لاقت إجماعاً دولياً على عدم فعاليتها في نُظم التربية؟

Leave a Reply