الشخصية السياسية الكاريزمية

ترتكز دراسة شخصية الإنسان من خلال علم النفس السياسي على تأثير الشخصية القيادية في اتخاذ القرارات، وأثر شخصية الجماعة على حدود الزعامة. ومن ثم َّ ؛ فطرق علم النفس السياسي المستخدمة لدراسة مفاتيح الشخصية تشمل على نظرية علم النفس التحليلي، ونظرية السمات والدوافع. تعرف السمات بأنها خصائص الشخصية التي تظهر بشكل مستقر على مر الزمن، وفي مختلف المواقف، و التي تهيئ الاستعدادات للوعي و الاستجابة بطرق معينة. ينظر علم النفس السياسي إلى الدوافع على أنه سلوك مُوجه من قِبَل هدفٍ ما، وهو نابعٌ من الاحتياج إلى ثلاثة أمور النفوذ، والانتماء الحميم، والإنجاز.
أعطي مصطلح (كاريزمي) صبغة سياسية عندما استخدم للإشارة إلى القدرة التي يتمتع بها شخص معين للتأثير في الآخرين ، إلى حد أنْ يجعله في مركز قوة بالنسبة لهم وبحيث يمنح الواقعين تحت تأثيره حقوقا تسلطية عليهم كنتيجة لقدرته التأثيرية هذه .
فالمزايا التسلطية التي يتمتع بها الشخص (الكاريزمي) ويمارسها على الآخرين تنبع أساسا من إضافة الآخرين صفات وقدرات خارقة له مثل(الجاه) .. بأنه صاحب مهام أو لديه قدرات إدراكية غير طبيعية ونفاذ بصيرته لا تبارى ، أو بأنه يتحلى بفضائل خلقية تعلو مرتبة البشر لتسمو به إلى مرتبة أعلى .
ويرى الأستاذ عدنان الدوسري ما يلي :
(الكاريزما) وحدها لا تخلق شخصية تغيرية للمجتمع،فكثير من الشخصيات تهاوت عروشهم بسبب اعتمادهم على هذه الصفة وحدها،وإنَّ اعتبار الشخصية السياسية واقعا حتميا يعكس الإفرازات في السلوكيات .. إيجابية كانت أو سلبية،وهذا فعلا ما يدفع بنا إلى التساؤل التالي : ألا تملك الشخصية السياسية دورا في بناء شخصيته وعمق تأثيرها في المجتمع؟ لقد اطلعنا على الكثير من تجارب الشخصيات بأطروحات تؤكد ارتباط الشخصية السياسية بواقع المجتمع، وإنما تعتبر الشخصية السياسية وعيا إيجابيا،فليست الشخصية مجرد إنتاج يتصرف ضمن علاقات مستقلة محملا بصفة واحدة يشعر بها أنها السبيل للوصول إلى كرسي الحكم،وتأثير الشخصية السياسية لا تقتصر على (الكرسي)،فكثير من الشخصيات السياسية رفضوا هذا الكرسي وذهبوا يبحثون عن ساحات للنضال لهم ، وإنما كانوا دعاة على تغير أيدلوجية معينة ، فكثير من الشخصيات تبؤ مناصب دون تأثير بمجتمعهم أو اعتبار.
 إنَّ لكلِّ مرحلة حاضرة تجربة جديدة ، ومن ثم؛ تكون الشخصية بناءاً مستمرا يختاره الفرد بوعي منه ، فالشخصية السياسية ليست إنتاجا هندسيا ، ولا هو وراثيا ، لأنَّ النتيجة هنا ؛ تأتي مخالفة لكل الافتراضات المنطقية لصناعة التغيير، فمن أهم السمات التي تجعل الشخصية السياسية قوة تغييرية ، هي التعاطي الصادق مع المجتمع والجماهير بالرؤية الواضحة التي تنبثق عن منهج أو مشروع عملي واضح المعالم ، واحتواء كل طبقات المجتمع بكاريزما مطبقا بذلك السلوك في التعامل وفق بناء صحيح ومتوازن ، والابتعاد عن عناصر الأنا ، واتخاذ الخطوات الصحيحة وفق معايير الأنا الأعلى والقرارات السياسية التي تأتي خلافا لذلك ، تأتي بصورة ساذجة أو طائشة ، ما سيقود الرعية إلى التيه والضياع وفقدان البوصلة التي تشير إلى الاتجاه الصحيح. وما نجد في الساحة السياسية مع الأسف الشديد أفكار تهدف إلى تخويف الناس وإرهاب من يعارض القائد أو الحزب أو الدولة أو يتخذ موقعاً معادياً لها يتعرض إلى السلاح الأساسي هو القمع وكم الأفواه وبالتالي لسحق المعارضة بغية البقاء في السلطة ... يقول الدكتور أنيس صانع في مذكراته التي عالج فيها "مفهوم الزعامة السياسية من فيصل إلى جمال عبد الناصر" لو قلبنا صفحات التاريخ السياسي المعاصر للعالم العربي في أقطاره المختلفة لوجدنا أن مجموعة من الزعماء ألأكثر شهرة تنقسم إلى فئات ثلاث: "عاهل دولة، أو رجال ثورات أو انقلابات، ورجال أحزاب" وقد لا يوجد بين هؤلاء كلهم رجل فكر واحد .
كما يرى الأستاذ وليد عبد المعز ما يلي :
إنَّ الوسطُ السياسيُ هو وسطُ الرجال الذين يباشرونَ رعايةَ شؤونِ الناسِ عملياً من خلالِ مباشرةِ الحكم،وكذلك الشباب الذين يتتبعونَ الأخبارَ السياسيةِ والأعمالَ السياسية والأحداثَ السياسية ليُعطوا رأيهم فيها ويرعوا شؤونَ الناسِ بالرأيِ الذي يحملون. فالوسطُ السياسيُ هو وسطُ السياسيينَ، سواء أكانوا حكاماً أم كانوا غيرَ حكام. فهذا الوسطُ الذي يعيشونَ فيه ويباشرونَ حياتهم فيه هو الذي يطلقُ عليه الوسطُ السياسي.
فإذا كانتِ السياسةُ هي رعايةُ الشؤون، فالشؤونُ تختلفُ باختلافِ الأوضاع، وتتجددُ بتغيرُ الأحوال، فمثلا التربُعُ على سُدّة الحكمِ من قبلِ شخصٍ عميلٍ يُنفذُ المؤامراتِ بثقةِ الناس به، هو أمرٌ من أمور الناسِ وشؤونِهم، وشَنُّ العدوِ حرباً على بلادِ المسلمين، هو من أمور الناس، ثم أن يخسرَ فيها العدو عسكرياً، من شؤونِ الناس، ثم أن مجلسَ الأمنِ يصدرُ قراراً يحققُ المكاسبَ لأعداءِ الأمة فيقبلهُ الحكام، من شؤون الناس، فالسياسي يتابعُ أمورَ أمته، فيفْهمُ ما يجري حولهُ من أحداثٍ بعينٍ كاشفةٍ ثاقبة، ويعرف من يتحكمُ بمقدراتِ الأمةِ من جهات دون أن ينخدعَ بأحد، وبالتالي يستطيع أن يُحددَ بدقةٍ النقطةَ التي لابد من الوقوفِ عندها لأجلِ رعايتها، فهو يتابعُ الأحداثَ بدقةٍ ويحكمُ عليها بدقةٍ ويتخذُ الموقفَ منها بدقة، وهذه الرعايةُ لا تأخذَ عنده شكلاً واحداً ثابتاً، فرعايتهُ الشؤونِ قد تقتضي أحياناً كشفَ عميل، إذا كان كشفُ هذا العميلِ يحققُ معنى الرعاية .
ورجال الحزبِ يعتبرونُ سياسيينَ عمليين لا سياسيين نظريين ولا صحفيين، فهمْ وإن كانَ لا بُدَّ من أن يبذلوا العنايةَ الفائقةَ في تتبعِ الأخبار والإحاطةِ بها، ولكنهم يجبُ أن تكون لديهمْ وسيلةٌ لرعايةِ شؤون أمتهم وليست غاية بحد ذاتها، لأنهم سياسيون وليسوا صحفيين، حتى لو كانت مهنتهم هي الصحافة، وفوق ذلك فهم حملةُ دعوة، وأصحابُ فكرة، لذلك لابُدّ من أن يظلوا سائرينَ في رعايةِ شؤونِ الناسٍ بالفكرة، وبحملِ الدعوةِ يجعلون الأخبارَ السياسيةَ والمعلوماتِ السياسيةَ الأداة التي نَقلتْ إليهم الأعمالَ أو الأفكار، ولا يصحُ أن تزيدَ قيمتها لديهمْ عن ذلك، حتى لا يتحولَ السياسيّ حاملَ الدعوةِ إلى عمل الصحفي ، من حيثُ لا يدرك. فيجبُ متابعةُ الأخبارِ، لكن لا يتصدى لنقلها والتعليقِ عليها، بل من أجلِ رعايةِ الشؤونِ بها.
والحالة هذه ؛ فالعراق مقبل على مرحلة انتخابية جديدة تسترعي انتباه الجماهير إلى تمحيص المراحل الانتخابية السابقة وتقويمها ، من خلال دراسة السيرة الذاتية للمرشحين السابقين والمرشحين الجدد ، وما أفرزته الشخصية السياسية (المرشحة) على أرض الواقع المرئي والمخفي ، حتى لا تضيع الفرصة الديمقراطية الجماهيرية ، وحتماً ؛ بتكاتف الجماهير العراقية الواعية ـ دون أن تغمرهم العواطف الساذجة (الفطارية العراقية) .. حتماً ؛ سيتحقق حلم الحكومة الصالحة الرشيدة الجيدة العادلة ، فتحقق المكاسب والإنجازات ، ويستقيمُ الوطنُ والإنسان .
يعرف العراقيون ؛ بأنَّ لغز ضياعنا وتخلفنا عبر التاريخ هو ؛ إننا شعبٌ تسكره العاطفة .. تغريه الكلمات.. يغفو على الوعود .. يغفو وهو يلوك الخواء ، ليستيقظ على هدير الانقلابات الدكتاتورية أو سلطات الاحتلالات الاستيطانية .
نامي جياع الشعب نامي
حرســــــتك آلهة الطعام ِ
نامي على زبَدِ الوعــود
يُدافُ في عسل الكلام ِ !!! ــــــ الجواهري
 هذه هي حالنا ـ نحن العراقيين ـ وحال معظم الشعوب العربية  (مع الأسف الشديد) !!!

Leave a Reply