كتبت سعاد مارون في صحيفة "الجمهوريّة":
إذا كان الأهل هم المؤتمنون على حماية أولادهم من كل الأخطار، وتعزيز شعورهم بالأمان كعنصر أساسي لنموهم السليم، فإنهم قد يتحوّلون بذاتهم مصدراً لانتهاك حقوق أطفالهم، وغالبا من غير قصد، عندما يفتقرون الى النضج العاطفي والإجتماعي الكافي لتجنيب فلذات الأكباد تداعيات مشكلاتهم الزوجية.
فيما يشير مراقبون الى أن حالات الإنفصال الزوجي هي في ازدياد مضطرّد في السنوات الـ 15 الماضية، يعتبر علم النفس أن الانفصال قد يكون حلا عند بعض الأفراد ومشكلة عند البعض الآخر، لكنهم يجمعون على أن هذا الإنفصال يجب أن لا يجرّ معه شعوراً بالتمزّق الداخلي لدى الطفل ثمرة هذا الزواج أو يولّد لديه شعوراً بالذنب ناتج من افتراضه الخاطئ أنه مسؤول عن هذا "الفشل" بدلاً من أن يشدّ أواصر هذه العلاقة بين والديه.
كذلك، يحذّر هؤلاء من تغييب الشعور بالأمان في هذه المرحلة لدى الطفل، الأمر الذي قد يجرّ معه أحيانا انحرافا سلوكيا، بعد أن يتداعى النظام العائلي الذي يشكّل صورة لنظام المجتمع فسيستسهلون الثورة بعد ذلك على المجتمع وانظمته.
وفي هذا الإطار يقول رئيس "الهيئة اللبنانية لحقوق الطفل"، الدكتور برنارد جرباقة لـ"الجمهورية": "الوالدان هما بالنسبة الى الطفل سنده الأساسي في الحياة، فإن شعر أنهما يتداعيان وتخلّفا عن مساندته سيضعف وتقل ثقته بنفسه فضلا عن شعوره بالذنب".
ويأسف جرباقة لاستخدام بعض الأزواج أولادهم متاريس يحتموا بها خلال مرحلة الإنفصال، محذّرا من خطورة إختلاقهم الأكاذيب بعضهم عن بعض ما يدمّر صورتهم امام الولد فيضعه في حالة من التمزّق الداخلي.
أما في مرحلة المحاكمة فيفضّل جرباقة عدم الإستماع الى الولد أمام القضاء إلاّ في حضور متخصص في الطب نفسي، مشيرا الى أنه، بحسب خبرته، "قد يلقَّن الأهل أحيانا أطفالهم ما سيقولونه أمام القضاء وهذه قمة الخطر عليهم، خصوصا أنهم في أضعف مراحل حياتهم". في المقابل يقول جرباقة: "في حال الإنفصال السلمي بين الزوجين، الذي لا يعمدون فيه الى تجريح صورة بعضهما بعضا تصبح المواكبة العدلية أسهل بكثير".
وفي وقت تأخذ محاكم الأحوال الشخصية بالأسباب النفسية للإنفصال أكثر فأكثر، فما هي الضمانات التي توفرها قوانين العائلة في لبنان لمراعاة حقوق الطفل أثناء إنفصال الأبوين؟
في هذا الإطار يميّز البروفيسور إبراهيم طرابلسي الإختصاصي في قضايا الأحوال الشخصية لدى المحاكم الروحية في حديث لـ"الجمهورية"، بين مسؤولية الأب وحق الحضانة المعطى للأم. وإذ يشدد على "أن الأب يبقى مسؤولا عن الأولاد منذ ولادتهم وحتى بلوغهم سن الرشد ما يستتبع تأمين حقهم بالنفقة والرعاية والتربية"، يكشف "أن اللجنة القانونية المنبثقة عن مجلس البطاركة والأساقفة قد رفع حق حضانة الأم لأولادها الى سن الـ 14 عاما للذكور والـ 15 عاما للإناث، وهذا الأمر جاء نتيجة جدل علمي طويل على قاعدة المصلحة الفضلى للولد". في المقابل أشار طرابلسي الى "أن أهلية الحضانة لا يتم التأكّد منها الاّ عند انتهاء النزاع، لكنها قد تُنزع من أحد الوالدين لأسباب محددة قانونا تتصل بأسباب نفسية أو سلوكية". وقال:"أثناء الإنفصال يبقى الولد مع الفريق الذي احتفظ به فيصدر حكم يثبّت الحراسة مؤقتا أثناء التقاضي مع الفريق الذي يكون الأولاد في عهدته".
وإذ يؤكّد طرابلسي مبدأ عدم وجوب استدعاء القاصر الى المحكمة، يشير الى أنه "يمكن الإستماع اليه في وجود مساعدة إجتماعية أو خبيرة نفسية". ويأسف في المقابل لعدم إعطاء الولد حق الإختيار قبل بلوغه سن الرشد (18 عاما) بالنسبة الى الجهة التي يريد أن يكون معها، آملا في "أن يصار الى تطوير النص لهذه الجهة".
وفيما لا يتحلّى الأهل غالبا بالقدرة على الإنتقال بالأطفال الى برّ الأمان وسط عاصفة الإنفصال، ينصح علم النفس بالإسترشاد بمتخصصين في المشكلات الزوجية للتوجيه والمواكبة، لعلّ من شأن ذلك أن يسير بالأولاد الى برّ الأمان ويقيهم خطر التصدّع النفسي ويحافظ على حقوقهم بالأمان والرعاية التي كفلتها معظم القوانين والإتفاقات الدولية، ولا سيما منها إتفاقية حقوق الطفل (1989).